الاثنين، 3 ديسمبر 2018

التنظيمات الإسلامية السياسية وموقفها من الدولة الوطنية بفلم أنمار الدروبي




التنظيمات الإسلامية السياسية وموقفها من الدولة الوطنية

أنمار الدروبي

المقدمة:-

بالحديث عن التنظيمات الإسلامية السياسية، فهي لا تمتلك نظرية واحدة للدولة، حيث إن رؤية هذا التيار لكثير من القضايا السياسية غير ناضجة وواضحة المعالم وتتسم بالضبابية، لقد حمل الإسلام السياسي وفق أطروحاته مجموعة من التناقضات والتباينات في الممارسات التي تخُص مستقبل الأمة وعلاقة الدين بالسياسة،وكذلك في قضية الإسلام والعروبة وعلاقتها بالغرب. تُمثل قضية بناء الدولة الإسلامية المشكلة الأساسية في أدبيات هذا التيار،والتي لايمكن اختزالها في قبول الديمقراطية أو رفضها،حيث يشهد اليوم تيار الإسلام السياسي الكثير من المراجعات لمنطلقات مشروعه المتعلقة بالدولة الدينية والمدنية أي المواطنة  والشرعية، الحاكمية،السيادة ،الشورى ومجال تطبيقها والبيعة،التي تشمل نظرية العقد ومقاصد الشريعة والحريات العامة وتطبيق الشريعة والاجتهاد،ولكن هذا التيار لم ينجح بعد في تجاوز واقع الفوضى التي يتخبط فيها مشروع الصحوة الإسلامية نتيجة الاستثمار في السياسة والانخراط في الهم السياسي على حساب الهم الفكري.

وتعتبر جماعة الإخوان المسلمين في مقدمة بل من أبرز التنظيمات الإسلامية السياسية، هذه الجماعة تعاني من خللّ جوهري في تعريف نفسها،لاسيما أنها تعيش تناقضا داخليا منذ نشؤها بعد أن انتقلت من العمل الدعوي الإصلاحي إلى العمل السياسي.


النظرية السياسية السُنية :-

تحدث أهل السُنة عن الشورى، ولكن ليس كطريق وحيد للإمامة، وإنما كصورة أولية مثالية تاريخية، وعندما كانوا يؤكدون على الاختيار كأساس للخلافة، فإنهم لم يكونوا يعنون به الاختيار العام وحق الأمة في انتخاب الإمام.

إن فكر السُنة المؤيد للاختيار،كاد أن يقارب الفكر الإسلامي الأول الذي يرفع شعار الشورى،ولكن اندماج فقهاء السُنة بالنظام العباسي القائم في القرن الخامس، دفعهم للخروج بين نظرية الشورى أو الاختيار وبين القوة والقهر والغلبة.

لم يكن الحديث عن الشورى جدياً لدى عامة المفكرين والفقهاء من أهل السُنة الذين أجازوا انتقال السلطة بواسطة العهد والنص، والاستيلاء عليها بالقوة،وإذا كان البعض منهم يتحدث على استحياء في موضوع الشورى، فإن البعض الأخر لا يشير إليها من قريب أو بعيد،بل دافعوا عن الاستيلاء على السلطة مباشرة. ونظرا لإيمان أهل السُنة بشرعية الاستيلاء على السلطة بالقوة، فقد طرحوا فكرة الإجماع كبديل عن الشورى، وفرغوا شعار الاختيار من محتواه بحيث أصبح يشمل الأنظمة الاستبدادية القائمة على القهر والغلبة،وهذا كان السبب الرئيسي في تحويل عملية انتخاب الإمام عبر أهل الحل والعقد إلى عملية مسرحية هزلية لا تعبر عن حقيقة إرادة الغالبية من الأمة، وإنما تعبر فقط عن إرادة الحاكم المتغلب.

لقد كان مهما في عملية الشورى أن يمثل أهل الحل والعقد أكبر شرعية في الأمة، باعتبار الإمام نائبا ووكيل عن الأمة. وبما أن العملية في بداية الإسلام كانت محصورة بين المهاجرين والأنصار، فإن انقراض ذلك العصر كان يقضي بتشكيل مجلس شورى يمثل مختلف المدن والقبائل والشعوب الإسلامية،يجتمع بصورة دائمة وليس بصورة طارئة وسريعة لبحث مشاكل الأمة السياسية والقيام بدور الرقابة والمحاسبة، واختيار الإمام الجديد، بدلا من ترك الأمور لمنطق القوة والغلبة والصراع على السلطة.

لكن شيئا من هذا لم يحدث، بل جرى تقليص عدد أهل الحل والعقد وتهميشهم،بل تعينهم من قبل الحاكم لضمان استمرار السلطة في ذريته وأهله وعشيرته، وعندما كان الحاكم يتعرض لضغوط عسكرية داخلية، كانت دائرة أهل الحل والعقد تتغير لتشمل القوى الجديدة التي تلعب دورا مهما في عملية اختيار الإمام الجديد أو خلع الإمام السابق وتعيين بديل عنه.

الإخوان المسلمون وشعار الإسلام هو الحل:-

يمثل تنظيم الإخوان المسلمين من أبرز حركات الإسلام السياسي السُني، التي كانت ومازالت تدعي بأنها تملك الكثير من (الآراء الفقهية والمواقف والممارسات في بناء الدولة ونظام الحكم). ولكن من خلال التجربة على الأرض أثبتت عكس ذلك وبشكل كبير. لقد نشأت حركة الإخوان المسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانية التي كانت تمثل مؤسسة الحكم الديني لدى المسلمين،حيث ولدت هذه الحركة والمستعمر الإنكليزي جاثم على صدر مصر والبلاد الإسلامية الأخرى،التي كانت تعيش حالة من الجهل والفساد الكبيرين وعلى كافة المستويات،لاسيما أن جماعة الإخوان المسلمين امتداد لعدة حركات إسلامية مثل الحركة الوهابية السلفية والحركة السنوسية الليبية كما هي امتداد للحركة المهدية السودانية.

توضح جماعة الإخوان المسلمين، أننا حينما نقول أن الإسلام هو الحل، إنما نعني بذلك أنه المرجعية التي ينبغي أن يهربوا إليها ويستمدوا منها ويجتهدوا فيها،شريطة أن يستكملوا كل عوامل الاجتهاد،أو  يختاروا بين اجتهادات المجتهدين وهو ما نفعله. لقد رفض التنظيم ادعاءات أولئك الذين يزعمون أن الإسلام دين لا شأن له بالدولة، بل إنهم يعرضون حقيقة الإسلام وطبيعته من خلال بعض نصوصه.

يؤكد الإخوان أن الإسلام هو الحل في البحث عن حرية العقيدة وحرية التعبير، بمعنى ضرورة تطبيق الديمقراطية في الإسلام ومنح الشعب الرأي، وكذلك التـأكيد على مبدأ الشورى والحرية الكاملة في اختيارا لحاكم بمحض إرادته، مع ضرورة تحقيق المساواة بين أفراد المجتمع، ويجب أن يكون الجميع متساوون أمام القانون، والحفاظ على حقوق الأفراد غير المسلمين، بالإضافة إلى العمل على محاربة الظلم والفساد في المجتمع.
فقد نادى (حسن البنا) مؤسس جماعة الإخوان المسلمين من خلال جماعته إلى ” تنظيم يرعى شؤون المسلمين يستمد سلطته من ذاته وقائده، كتنظيم ديني ودولي، غير خاضع لسلطة الحكومة بل مهيمنا عليها باسم الدين،ثم يخطط هذا التنظيم للحكم والسياسة الإسلامية وسائر شؤون الدولة، إلا أن هذه الفكرة أيضا كفكرة الجامعة الإسلامية لم يكتب لها النجاح، ولكن استخدام الدين في فكرتي الجامعة الإسلامية والإخوان المسلمين ،كان استخدامها أيديولوجيا،أي بمعنى أن الدين والعاملين عليه يمثل كسلطة مسيطرة ومشرعة وحاكمة للدولة

(لما تقدم لقد عرض الكاتب فلسفة الإخوان المسلمين اتجاه الإسلام وكيفية توظيفه في السياسة. وبالتمعن في النص الذي قاله (البنا) فهو يدعو إلى استغلال الدين لكي يهيمن على شؤون المسلمين،على إن هذا التنظيم مشروطا بأن يكون تنظيم ديني دولي خارج إطار الدولة الوطنية وغير خاضع لسلطة الدولة. أما في مسألة حرية العقيدة وحرية التعبير والدعوة إلى تطبيق الديمقراطية، فكلها عبارة عن أكاذيب وافتراءات، يستخدمها التنظيم بغرض الوصول إلى مآربهم وتحقيق مصالحهم الشخصية وأهمها الوصول إلى سدة الحكم. وهذا فعلا ما حصل أبان فترة حكمهم لمصر لمدة عام واحد،حيث عكست ممارساتهم في السلطة زيف دعواتهم للحرية والديمقراطية وتطبيق الشريعة وغيرها)

الإخوان المسلمون ومنطق الدولة داخل الدولة (المنهج الانقلابي):-

 منذ أن نشأت الحركة كانت دعوتهم عبارة عن تنظيمات سرية، مظاهرات مثيرة للفتن، خروج دائم على الأمراء والعلماء والحكام، باختلاف ألوانهم وأشكالهم، وقد أثبت التاريخ بأن فتن الإخوان لا تنتهي ولا تنقطع منذ زمن الملكية ولازالوا بنفس الأساليب مع الدولة.

هذا يرجع إلى تلك البيعات لمرشدهم والتي تخول لهم الخروج الدائم على الدولة والمجتمع، فقد بايع (حسن البنا) الملك فاروق ملك مصر على السمع والطاعة، ووصف البنا ملك مصر.. بأنه ملك مسلم وهذا كافٍ في رأي الإخوان، فالحكم يئول للحاكم باتفاق أهل الحل والعقد من العلماء والأمراء ولا يشترط إجماع الكل.

أما في الجانب الآخر الذي يخص قضية الدولة، فهم يرفضون مسألة الدول المتعددة كما أنهم لا يعترفون بالولاية الصغرى في غيبة الخلافة، ويمكن القول أن نفي إسلامية الدولة يعد من الأمور المتفق عليها في دعوة الإخوان المسلمين. فقد وضح حسن البنا وسيد قطب، أن هذا الألم العبقري الذي ورثه لنا هؤلاء الطغاة لن ينتهي إلا بإقامة دولة الإسلام،لاسيما أن الواقع الإخواني من منذ زمن حسن البنا إلى اليوم، يرى أن الأمة ميتة والمجتمع جاهلي، يضاف إلى ذلك أنهم وكما ذكرنا لا يعترفون بجواز تعدد الدول، طالما ليس هناك خلافة عامة وسلطان أعظم. لقد أعد البنا إتباعه أعدادا فكريا ودعويا وعمليا للثورة والانقلاب على دولة الملك، وكان موقف التنظيم من الدولة في حينها وحسب ما جاء على لسان البنا ” سننتقل من خير الدعوة العامة إلى خير الدعوة الخاصة ومن دعوة الكلام وحده إلى دعوة الكلام المصحوب بالنضال والأعمال.. وسنتوجه بدعوتنا إلى المسئولين عن قادة البلد وزعمائه.. فإن أجابوا الدعوة وسلكوا الغاية آزرناهم، وأن لجئوا إلى الموارية والروغان وتستروا بالأعذار الواهية والحجج المردودة فنحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو أهيئة لا تعمل على نصرة الإسلام ولا تسير في الطريق لاستعادة حكم الإسلام وأن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها.

هذا هو المنهج الانقلابي في فكر تنظيم الجماعة، الذي جاء به زعيمهم (البنا) مناقضا لما ذكره في أدبيات الدعوة والتي تؤكد على عدم جواز فكرة الثورة، حيث أنهم يبررون الاغتيالات السياسية والخروج على الحكام بجميع إشكاله سواء كان خروج قتال أو تظاهر وعصيان. في الحقيقة أن الخروج بالقتال على الحكام لا يكون عن طريقهم، فهم لايمكن أن يغامروا بأنفسهم، إنما يكون عن طريق غيرهم، وهم وراء ذلك بالتهيج والإثارة، وعن طريقهم فقط يتم أسلوب الاغتيالات السرية ، بالإضافة إلى ذلك أن الإخوان لم يخرجوا على الدولة بسبب مخالفة الشريعة والدين، إنما خرجوا عندما تعرض بعض من قادتهم للاعتقال بسبب الأعمال التي قام بها التنظيم الخاص. لقد كانت الجماعة تتعامل بمنطق الدولة داخل الدولة وكانوا يريدون الناس جميعا تحت أمرهم، حتى لا يبقى للملك إمارة يتولى شأنها ولا وزارة تطيع أوامره، بدليل أنهم في أيام حرب فلسطين كانت قياداتهم تلتقي بسفراء الدول الأجنبية بدون علم الملك ومن دون إذن الحكومة، وهذه كلها تعتبر من أعمال السيادة لاحق لهم فيها.

لقد أدى الدخول الكثيف لتنظيم الإخوان المسلمين في العمل السياسي حد الاستغراق وما يتعلق به من عمل عام إلى” تماهي المشروع الإخواني في حدود الدولة الوطنية التي صارت منتهى سعي المشروع الإخواني الذي بدأ منذ تأسيسه عالميا.. وقد أدي الاستغراق في العمل السياسي وتفصيلاته أن يغلب على المشروع الإخواني الاهتمام بالقضايا الداخلية المحلية وأن تصير مفرداته وموضوعاته محلية بحتة في الأغلب الأعم وصار الخطاب الإخواني أقرب إلى خطاب الأحزاب أو الجماعات الوطنية المحلية منه إلى الجماعات ذات المشروعات العالمية ومن ثم توارت بهدوء قضايا الخلافة الإسلامية وكل ما يتصل   بالمشروع العالمي.
المصادر:

1.علي السيد الوصيفي، الإخوان المسلمون بين الابتداع الديني والإفلاس السياسي، دار المشارق الإسلامية، القاهرة، ص292ص293 ولاحقا
2.حسام تمام، تحولات الإخوان المسلمين تفكك الايدولوجيا ونهاية التنظيم، مكتبة مدبولي، القاهرة،2010م، ص9
3.عامر شماخ، الإخوان المسلمون من نحن؟ وماذا نريد؟ ، دار الصحوة ،القاهرة،2011م،ص57ص58
4.أحمد الكاتب، تطور الفكر السياسي السُني نحو خلافة ديمقراطية،مؤسسة الانتشار العربي،بيروت،2008م،ص80ص81
5.طاهر أمين، الديمقراطية في الإسلام السياسي السُني والإسلام الشيعي، www.assabah.com
6.عبد الحفيظ أبو قاعود،الإسلام السياسي والدولة المدنية، www.deeretnanews.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق