السبت، 28 أكتوبر 2017

الحب البعثي ....الدكتور فالح حسن شمخي





الحب البعثي

د ـ فالح حسن شمخي

مثلما قاد حب الرفيق المرحوم احمد ميشيل عفلق للإسلام وللرسول محمد صلوات الله عليه إلى خلق (فكر أصيل ، وحركة جديدة ، وإيمان خلاق ، نمت كلها في جو الرسالة) ، وقد انعكس ذلك الحب في حياته التي كان طابعها الزهد والتقشف والصبر، والحب، والتسامح والتواضع، وكل السمات التي ميزت تجربته الفكرية، والنضالية، التي حافظت على المعاني المستخلصة من استلهام جو الرسالة. فعلينا اليوم أن نسمح للحب البعثي لكي يقودنا إلى الاقتداء بمؤسس حزينا.
يقول الرفيق المؤسس : (القومية التي ننادي بها هي حب قبل كل شيء. هي نفس العاطفة التي تربط الفرد بأهل بيته، لان الوطن بيت كبير والأمة أسرة واسعة. والقومية ككل حب، تفعم القلب فرحاً وتشيع الأمل في جوانب النفس، ويود من يشعر بها لو إن الناس يشاركونه في الغبطة التي تسمو فوق أنانيته الضيقة وتقربه من أفق الخير والكمال، وهي لذلك غريبة عن إرادة الشر وأبعد ما تكون عن البغضاء. إذ إن الذي يشعر بقدسيتها ينقاد في الوقت نفسه إلى تقديسها عند سائر الشعوب فتكون هكذا خير طريق إلى الإنسانية الصحيحة... وكما إن الحب لا يوجد إلا مقرونا بالتضحية فكذلك القومية، والتضحية في سبيلها تقود إلى البطولة. إذ إن الذي يضحي من اجل أمته دفاعا عن مجدها الغابر وسعادة مستقبلها، لأرفع نفساً وأخصب حياة من الذي يحصر تضحيته في شخص واحد).
واستنا إلى ما ذكره الرفيق المؤسس نضيف إلى الحب والعاطفة التي تربط ألبعثي بأهل بيته كدائرة أولى تليها دائرة حب الوطن (القطر) التي هي اكبر ومن ثم الدائرة القومية (الأمة العربية المجيدة) ، هناك دائرة مهمة وهي حب الحزب وحب الرفاق البعثين، وهذا الحب هو الذي سيقودنا إلى تحقيق مستقبل أفضل لشعبنا ووطننا وامتنا ، ويأتي ذلك من خلال التركيز على المفردات التي جاءت بكلام القائد المؤسس واستلهامها وهي السمو فوق الأنانية، الابتعاد عن البغضاء ، التضحية ، ونضيف إلى ذلك نكران الذات ونذكر بشعار ( ألبعثي أول من يضحي وأخر من يستفيد).
ويستكمل الرفيق المؤسس حديثه عن الحب قبل كل شيء بالقول: (إن الذي يحب لا يسأل عن أسباب حبه. وإذا سأل فليس بواجد له سبباً واضحا. والذي لا يستطيع الحب إلا لسبب واضح يدل على ان الحب في نفسه قد فتر أو مات.
 فكيف يجوز لبعض الشباب أن يتساءلوا عن الحجة الدامغة التي تقنعهم بان حبهم لامتهم العربية يجب أن يغلب حبهم لأي شعب أخر، ويرجح على كل ميل لهم نحو طائفة أو عشيرة أو إقليم؟ وكيف يجوز لهم أن يتساءلوا فيما أذا كان للعرب فضائل جديرة بالحب؟ إن الذي لا يحب أمته إلا إذا كانت خالية من العيوب لا يعرف الحب الحقيقي. وفي رأيي أن السؤال الوحيد الذي يجوز للشباب إن يطرحوه على أنفسهم وعلى أساتذتهم هو هذا: ما دمنا نحب امتنا بخيرها وشرها ففي أي طريق نستطيع أن نحول هذا الحب إلى خدمة نافعة وعلى إي أسلوب؟
الحب، أيها الشباب، قبل كل شيء. الحب أولا والتعريف يأتي بعده. أذا كان الحب هو التربة التي تتغذى قوميتكم منها، فلا يبقى مجال للاختلاف على تعريفها وتحديدها. فتكون روحية سمحة بمعنى أنها تفتح صدرها وتظلل بجناحيها كل الذين شاركوا العرب في تاريخهم وعاشوا في جو لغتهم وثقافتهم أجيالا فأصبحوا عربا في الفكرة والعاطفة. ولا خوف إن تصطدم القومية بالدين فهي مثله تنبع من معين القلب وتصدر عن إرادة الله، وهما يسيران متآزرين متعانقين، خاصة أذا كان الدين يمثل عبقرية القومية وينسجم مع طبيعتها .
 كل ما علينا فعله هو أن نتمتع بروح سمحة تفتح صدرها وتظلل بجناحيها كل الرفاق الذين يشاركوننا المسيرة النضالية ومن غير ذلك فالموت سيكون حتمي لحبنا لوطننا وشعبنا وامتنا.

الجمعة، 27 أكتوبر 2017

البعث ليس حزبا ملحدا ولا حزبا دينيا.......دكتور فالح حسن شمخي




البعث ليس حزبا ملحدا ولا حزبا دينيا

د ـ فالح حسن شمخي

كثرت في الآونة الأخيرة البعض من المفردات التي يستخدمها البعض من أعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي والتي تتماها مع المفردات التي يستخدمها الإسلام السياسي الأمر الذي يدعو المتابع إلى التوقف طويلا أمام السؤال الآتي  :

هل أصبح حزب البعث العربي الاشتراكي حزبا دينيا وهل إن هناك تغيرا معينا قد شمل منهجه المعروف؟؟؟
وإذا ما أصبح حزبا دينيا كغيره من الأحزاب الدينية السياسية فعليه ان ينحاز إلى اتجاه فقهي معين وبهذا يسقط في ما سقطت فيه الأحزاب السياسية الإسلاموية ( الاحتراب الطائفي) ، فبدل من شعار الوحدة الذي يدعو إلى انصهار الأمة العربية في بودقة واحده ستكون الفرقة والتناحر والدعوة إلى تقسيم القطر الواحد إلى أقاليم وتقسيم المحافظات إلى شرقية وغربية من ابرز النتائج المترتبة على هذا التحول، أما هدف الحرية فسوف يطلق بالثلاث ، وهذا ما أفرزته تجربة الأحزاب الاسلاموية في العراق المحتل على سبيل المثال.

إن تحول الحزب إذا ما حدث فانه سيتحول من رقم صعب في المعادلة القومية والقطرية إلى رقم يضاف إلى العديد من الأرقام التي لا تقدم ولا تؤخر ، فحزب البعث العربي الاشتراكي ليس حزبا دينيا لكنه ليس حزبا ملحدا كما يحلو للبعض من الحاقدين والشعوبيين تسميته انه حزب الأيمان ضد الإلحاد ، حزب الرسالة الخالدة وراية الله اكبر.

إن حزب البعث العربي الاشتراكي ومنذ تأسيسه قد استند إلى الفكر الاشتراكي التحرري الديمقراطي فكان حزبا عقائديا، انطلق من الأيمان العميق بالفكرة القومية و القومية العربية ، وقد تعامل الحزب  مع الدين الإسلامي الحنيف استنادا إلى الأصول والمصادر الأساسية ، وليس من خلال الاجتهادات والأحكام الفرعية اللاحقة وقد قاده هذا التعامل إلى حالة من حالات التوازن الكاملة في فهم الدين عموما ، وعلاقة الإسلام بالعروبة خصوصا ، فالإسلام والعروبة وجهين لحقيقة واحدة ، إن نظرة الحزب إلى الدين هذه تختلف عن التيارات والحركات السياسية الدينية التي أخذت من الفرعيات والمصادر الاجتهادية اللاحقة ، بصرف النظر عن ادعاءاتها .

وإن نظرة البعث إلى الإسلام السياسي لم تكن ردة فعل لما يجري اليوم في العراق والوطن العربي بل هي ابعد من ذلك ففي 16 تموز 1954 اصدر حزب البعث العربي الاشتراكي بيان موجه إلى الشيخ (مكي الكتاني) ردا على بيان أصدره متجنيا فيه على الحزب في (المعرة السورية) اقتطف منه ما يسلط الضوء على موقف الحزب من الإسلام السياسي ، يقول البيان ( فهل تعرف المعرة أيها الأستاذ وتعلم شيئا عن أحوالها الاجتماعية والمعايشة وعن تسخير فلاحيها من قبل ملوك تلك البلدة الإقطاعيين؟ إذن لعرفت إن العداء المستحكم فيها يتعلق بالظلم الاجتماعي والتحكم السياسي ، ولئن كان هنالك من يدافعون عن الدين ، فثق أنهم ليسوا أولئك المستثمرين ، بل هم المحرومون والمظلومون من أبناء الشعب ، الفلاحين ، فعند بزوغ فجر الإسلام ، منذ اربعة عشر قرنا ، لم يعتمد رسول الله عليه الصلاة والسلام على أبى جهل وأبى سفيان وتجار قريش وأغنيائها وسفهائها ، بل اعتمد على الذين تخلوا عن أموالهم وجاهدوا بأنفسهم وحاربوا الطغيان كأبي بكر الصديق وعلي بن أبى طالب رضي الله عنهما وعلى جماهير الفقراء المتألمين ، بلال ، وسلمان و أمثالهما من المؤمنين . ثم ذكرت في بيانك عن حزبنا انه لم يقصر عمله على السياسة ، و إنما اخذ يحارب الدين ويتبع غير سبيل المؤمنين ، واخذ أنصاره يحاربون الله ورسوله ويعيثون في الأرض فسادا . فكيف تجيز ، وأنت الذي اخترت لنفسك اسم نائب رئيس رابطة العلماء وتحملت بذلك مسؤولية خطيرة أمام الله وعباده ، لان العلماء ورثة الأنبياء ، فكيف تجيز لنفسك أن تقذف هذا الحزب ورجاله بهذه التهم الطائشة الآثمة ، دون أن تتثبت وتتبين؟ وما هو مقصدك من إشاعة التهم بحق الحزب ؟ فأنت تعرف بأنها تلفق في دوائر الاستخبارات الأجنبية وفي معامل الشركات الرأسمالية وعلى موائد الخمر والميسر ، وفي مكاتب دعاية بعض الأحزاب المأجورة مع العلم إن رجال الدين الصادقين قد أبوا على أنفسهم أن يكونوا أداة للدعايات الاستعمارية الأجنبية. ثم هل اتصلت بأحد من قادة الحزب وشبابه وأنصاره ، لتستفهم قبل أن تتهم ، وتتبين قبل أن تجزم كما أمر الله تعالى . ولم لم تتصل بهم ، وأنت تعرف إن أكثرهم ينتمون إلى عائلات مسلمة صادقة الأيمان ؟ وهل انه بلغ سمعك وشايات الكاذبين و أخذت بها ، فهل حاولت الدعوة بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة ، كما تأمر تعاليم الإسلام؟ كلا انك لم تفعل شيئا من هذا بل حملت وزر تكفير المؤمنين ، ومن كفر مؤمن فقد كفر، تعلم إن حزبنا حزب سياسي ، وان له دستورا مكتوبا ومنهاجا سياسيا واضحا . فهل قرأت دستوره وتتبعت منهاجه ، وهل وجدت فيهما إلا ما يسمو بالنفس ، يدعو إلي مكارم الأخلاق ، وينظم الصفوف ضد الطغيان والاستعباد والاستعمار. ولم لم تفعل ذلك و أخذت بالإشاعات المغرضة التي يروجها الاستعمار وحلفاؤه في الداخل؟

أيها الأستاذ ، ليس للاستعمار بعد الآن من حيلة للتفريق بين الشعب وقادته المؤمنين المخلصين ، غير إيهام الشعب بأن المبادئ التقدمية والعمل القومي الصادق والأيمان بمستقبل الوطن ، أمور تخرج عن الدين ، غير إن الدين في جوهره ليس إلا العمل لزيادة التآخي بين الناس ، وشد عرى التضامن بينهم ، ورفع الحيف عن فقيرهم ، والضرب على يد الظالمين والمستثمرين ، وليس الدين هو الدعوة إلي الفتنة والتحريض على القتل والعمل لتفرقة الصفوف . وأننا لنعلم علم اليقين إن كل دعوة حق تقابلها فتنة باطل ، وان للباطل جولة ثم يضمحل.

إن أي محاولة بسيطة لإسقاط ما في هذا البيان على واقعتا الحالي كفيلة لتبين الحق من الباطل لكل إنسان عاقل حياه الله ببصر و بصيرة ، فكم فرد من الذين سيسو الدين اليوم يشعرون بما يعانيه الشعب الجائع في العراق والوطن العربي وكم فتوى طائفية بهدف القتل والدمار يطلقها معمم في مساجد الله ، وكم هو عدد المعممين وغير المعممين من انساق وراء الدعاية الإمبريالية الأمريكية واتهم حزب البعث العربي الاشتراكي بالكفر وكفره ، وكم من هؤلاء عرف شيء عن دستور البعث ومنهاجه ؟ لا اعتقد إن أحد من هؤلاء يستطيع الإجابة ، فالحقد الأسود يملأ قلوبهم إلى جانب الحقد الشعوبي الذي يكره كل ما هو عربي وبالتالي البعث الذي ينادي بنهوض الأمة العربية من جديد لحمل رسالتها الخالدة إلى الإنسانية.
إن حزب البعث العربي الاشتراكي ، هو الحزب الاشتراكي والثوري الوحيد الذي أعطى المسألة الدينية اهتماما بارزا في عقيدته ، وفي سلوكه السياسي والاجتماعي. فموقف البعث قد عبر عنه القائد الشهيد حينما قال ( أننا لسنا حياديين بين الأيمان والإلحاد ، إننا مؤمنون) ، فالحزب يعتبر الإسلام ثورة عظمى في التاريخ الإنساني ، كان للأمة العربية الفضل التاريخي في نشرها على البشرية ، وقد دعا الحزب إلى استلهام الرسالة الإسلامية في عملية الانبعاث المعاصر للأمة العربية فالمرحوم القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق وتحت عنوان ذكرى الرسول العربي عام 1943 قال: ( إذا كان محمد كل العرب فليكن العرب اليوم محمدا.(

حكم حزب البعث العربي الاشتراكي العراق 35 عام دون مشكلة بينه وبين الدين كما هو حاصل اليوم في ظل الاحتلال والأحزاب الاسلاموية التي تتستر بالدين ، لم يدعو الحزب إلي بناء دولة على الطراز الديني و إنما دعا إلى بناء دولة على أساس الرابطة الوطنية في إطار القطر الواحد وعلى أساس الرابطة القومية في إطار الوطن العربي الكبير ...تستلهم الإسلام كرسالة ...وثورة ، واعتبر الإسلام جوهرا أساسيا في القومية العربية ، فحزب البعث العربي الاشتراكي لم يأت بعقيدته عبر خليط هجين وحلول وسط بين الاتجاهات المتناقضة التي تعج بها المنطقة العربية ، و إنما عبر عن موقف قومي عربي أصيل نابع من تراث الأمة القومي والديني ، وتعامل مع إفرازات العصر الحديث في إطار النظرة القومية الشاملة ، فالحزب وعبر مسيرته النضالية التي امتدت سنين وقف موقفا صلبا أصيلا متماسكا من كافة القضايا الجوهرية كالقضية الوطنية والقومية ، والدين ، والاشتراكية.

الاثنين، 23 أكتوبر 2017

الأخلاق سمة من سمات حزب البعث العربي الاشتراكي......الدكتور فالح حسن شمخي



الأخلاق سمة من سمات حزب البعث العربي الاشتراكي

د ـ فالح حسن شمخي

الأخلاق كمفهوم فلسفي ومصطلح لغوي قد تناوله الفلاسفة بالشرح والتحليل، وكذلك تناوله علماء اللغة وعلماء الاجتماع بما يتناسب ودراساتهم بهذا الشأن، الرسائل التي وصلتنا عبر هؤلاء العلماء تقول إن الأخلاق (نسبية من حيث الزمان والمكان) إن ما يعتبره شعب من الشعوب أو أمة من الأمم من المسلمات الأخلاقية لشعب في زمان ما، قد لا يعتبره كذلك في زمن أخر، وهكذا الحال بالنسبة للمكان فالأخلاق والمفاهيم الأخلاقية التي تتعامل وتعمل بموجبها الشعوب الأوربية هي ليست كذلك بالنسبة للشعوب الأسيوية، وقد يصل الاختلاف بينهما حد التناقض الحاد الذي يقود إلى صراعات مختلفة، هناك من يقول إن بعض المفاهيم الأخلاقية لا تخضع لقاعدة النسبية وهذه المفاهيم هي الشجاعة، الإخلاص، الأمانة...الخ، يقولون إنها مدلولات مطلقة وهذا التصور الذي يرى المطلق فيما ذكرنا بحاجة إلى إعادة نظر من وجهة نظري الشخصية فالوفاء والإخلاص والأمانة لم تعد لها نفس الدلالة في زمن الهيمنة الأمريكية على حياة الشعوب والأمم، فالغزو الأمريكي الإمبريالي للعالم ومنه غزوه لامتنا العربية والإسلامية وبالخصوص العراق وفلسطين، هو عبارة عن حملة شرسة لتغير المفاهيم الأخلاقية ومنها ما نتصوره مطلق وبما يتناسب مع مفاهيم المغول الجدد والتي تندرج تحت شعارات براقة منها (الشرق الأوسط الجديدة) وعبر خطته أطلق عليها تسمية (الصدمة والترويع).

 الأخلاق هي من سمات حزبنا حزب البعث العربي الاشتراكي، فالأخلاق كما يراها البعث هي ليست تعبيرا إنشائيا ولا تندرج تحت أي من التصورات الفلسفية التي تقسم منظومة الأفكار والاتجاهات إلى ما هو مادي وما هو مثالي والمعروف إن الغوص بالمادية والمثالية وأيهما اسبق في الوجود سيقودنا إلى جدال طويل وربما عقيم، فالأخلاق كما يرها البعث والمنشورة في الكثير من أد بياته تعني ما يرتبط بالسلوك اليومي للبشر أي ارتباطها بالواقع الحي المتحرك وبالتحديد هي نمط السلوك الفاضل في مجتمع معين، فرفض الواقع الفاسد والنضال لتحقيق مجتمع أفضل وفق تصور علمي يعتمد الإنسان كغاية ووسيلة، يناضل من اجل التخلص من الغش والخداع والوصولية...الخ يعتبر من صلب الأخلاق.

إن النظرة الأخلاقية للبعث نجدها في ما كتبه الرفيق المرحوم احمد ميشيل عفلق في سبيل البعث حيث يقول (تنحصر في الآمر الأتي : ـ مادام هذا النوع من العيش الطبيعي الكريم محرما على الأكثرية الساحقة من الشعب نتيجة للأوضاع الفاسدة، فان المؤمنين بحق الشعب لا يقبلون أن يشاركوا في شيء يعتبرونه الآن غير مشروع، ويرونه ظلما للشعب، لذلك فهم يفضلون عليه حياة المبدأ، فالنضال وقانون الحياة الذي لا هزل فيه لا يمكن أن يسمح بتحقيق غاية كبرى وتقدم خطير وانقلاب جوهري دون أن يقابل ذلك ثمن كبير هو التضحية)، إن أي منصف يحاول إسقاط ما قاله القائد المؤسس على الواقع الحالي في وطننا العربي والعراق على وجهة الخصوص يجد أن العيش الكريم مفقود في العراق على سبيل المثال ، نتيجة الاحتلال الأمريكي وحفنة اللصوص التي نصبها على رقاب الشعب العراقي، فالأقلية تسرق وتبني بيوت لها في أوربا بمساعدة السارق الأكبر وهو المحتل والشعب العراقي بين مشرد وجائع وأسير، واستنادا إلى قول المؤسس فأننا نجد حزب البعث العربي الاشتراكي كان ولا يزال أمين على مبادئه وذلك بوقفته المشهودة بوجه المحتل وأعوانه وذلك من خلال البندقية والرفض المطلق لأي مساومة تحت شعار (المصالحة والاشتراك في العملية السياسية)، وهذا يعني أن البعث كان قد ترجم مفهومه للأخلاق إلى واقع ملموس وقد حافظ على المرتكزات الأساسية التي انطلق منها وفيها منذ المؤتمر التأسيسي الأول، فالتضحية التي قدمها البعثيون هي ما يجب عليهم أن يفاخروا فيه العدو والصديق فهي الدليل الحي على تمسكهم بأخلاقية البعث التي حدثنا عنها المؤسس، فشهداء البعث والأسرى تعبير حي وحسي على الأخلاق البعثية التي تمتع بها رفاقنا والتي تربوا عليها، فالتضحية هي من ابرز السمات الأخلاقية التي يسعى البعث إلى بلورتها في نفوس المناضلين وهاهم رفاقنا الشهداء والأسرى يجسدونها تجسيدنا حيا، فالتضحية بالنفس ومتاع الدنيا هي من العلامات التي تدل على وعي كل مناضل بعثي بمستلزمات الصراع مع القوى الغاشمة، إمبريالية كانت أو صهيونية أو رجعية عفنة، فلا يمكن مجابهة الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية والرجعية العربية التي تحولت إلى قطيع من العملاء وكذلك النفس دونما امتلاك قدرة طوعيه في التضحية بالنفس والراحة من اجل التحرر والانعتاق وتحقيق مستقبل أفضل لوطننا وامتنا المجيدة.

إن التضحية وكما يراها البعث مرتبطة ارتباط وثيق بجوهر حركته أي (حزب انقلابي)، الانقلاب على الذات والواقع وصولا إلى بناء إنسان عربي جديد وواقع أفضل، والانقلاب بمعنى التضحية هو محور حركة البعث ومفهومها الخاص بالأخلاق، فالأخلاق التي يدعو البعث إليها هي أوسع من أن تكون برنامجا سياسيا وأكثر من أن تكون أسلوبا أو وسيلة لتحقيق مبادئ الحزب، إنها النفس الصافية، المتجاوزة لكل ما هو خسيس وجبان ومتعفن، إنها سلوك يعتمد القيم الأخلاقية التي عرفها أسلافنا العرب ونشروا رسالة الإسلام من خلالها ، إنها الإخلاص، التضحية، الشجاعة، التواضع، نكران الذات في سبيل الغاية السامية، الالتزام، إنها السلوك الفاضل، هذه هي الأخلاق من وجهة نظر البعث والتي يربي ويثقف أعضائه والأجيال العربية عليها.

إن حزب البعث العربي الاشتراكي لا يستطيع أن يحقق أهدافه إلا من خلال تنظيم نضالي وهذا التنظيم لا يمكن أن يقوم دون مناضلين يؤمنون بالشعب و الأمة والتحرر وحتمية النصر، أي يجسدون في أنفسهم النموذج النضالي للمجتمع الذي يطمحون إلى تحقيقه، أنهم وسيلة النضال وغايته الأساسية وحتى تتحقق أهداف حزبنا حقا لابد أن تهيأ له كما يقول الرفيق المرحوم احمد ميشيل عفلق (أدوات حية من البشر تكون من نوعه وجوهره حتى تكون أمينة في تطبيقه، واعية لأساليبه وطرقه، إن النضال الذي سميته التعبير العملي عن الانقلاب، هو الذي يخلق الأدوات الحية، أي المناضلين، الذين يصبح الانقلاب شيئا حيا في نفوسهم وعقولهم و أخلاقهم أو يصبح حياتهم ذاتها، فلا بد إذن من اجتياز هذا الطريق الذي يخلق لنا المناضلين تباعا والذي يكون امتحانا للنفوس القوية المثالية التي تتعفف عن المصلحة الشخصية وتنظر إلى الحياة نظرة ابعد وارفع من اللذات والاستمتاع، والتي ترى فيها تحقيقا لعنصر سام سماوي وجد الإنسان لكي يشع في سلوكه، هذا النضال هو المصنع للأدوات الانقلابية الأمينة الوفية).

من خلال ما تقدم نرى إن السمات الأخلاقية البعثية التي تتصل بالسلوك الفردي والجماعي في آن واحد قد تبلورت أمامنا من خلال المسيرة النضالية الحافلة بالتضحيات وخاصة في السنين المنصرمة. تحية إجلال و إكبار لحزبنا العظيم حزب البعث العربي الاشتراكي وقيادته المناضلة القابضة على الجمر في هذا الزمن الرديء.

السبت، 21 أكتوبر 2017

العرب وتوزيع الأكراد على الدول....الدكتور فالح حسن شمخي



العرب وتوزيع الأكراد على الدول

د ـ فالح حسن شمخي
نادرا ما تتكون الدول المعاصرة من تركيبة سكانية قومية واحدة فمعظمها إن لم نقل كلها يحتضن أقلية قومية واحدة أو أقليات إلي جانب قومية الأغلبية والعراق هو ليس استثناء عن هذه القاعدة، فقد احتضن العديد من الأقليات القومية التي عاشت معا في حالة أخاء وتجانس وكان الدين الإسلامي الحنيف والتاريخ والمصالح المشتركة من أهم القواسم المشتركة بين أبناء الشعب العراقي، عملت القوى الدولية المتمثلة بالامبريالية الأمريكية والصهيونية والدول الإقليمية على زعزعة وحدة العراق والعراقيين لتتمكن من استنزافه ماديا ومعنويا من اجل الهيمنة عليه و إخضاعه وقد تحقق لهم ذلك بعد الاحتلال عام 2003.

ورثت القيادات العراقية المتعاقبة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة بعد اتفاقية (سايكس بيكو)  ما سمي بالمشكلة الكردية بكل ما فيها من إفرازات وملابسات تاريخية واستخدامات خارجية، لذلك عملت هذه القيادات وهنا استثني النظام الملكي الذي كان لا يعاني من هذه المشكلة بسبب تبعيته إلى ما يسمى (حلف بغداد) على محاولة حل هذه القضية  بشتى الطرق ومنها النزاع المسلح، لكن دون جدوى إلى أن استلم حزب البعث عربي الاشتراكي السلطة في العراق عام 1968  والذي حاول أن يحل هذه القضية بطريقة عجزت الحكومات السابقة عن حلها حيث عمل على حلها حلا  سلميا استنادا إلى الحقوق القومية للأقليات ومنها الأقلية الكردية وهنا عندما نقول أقلية فقولنا يستند إلي حقيقتين، أولها أنهم جزء من ارض العراق الذي يشكل فيه العرب نسبة 85% والحقيقة الثانية هي إن ارض العراق جزء من عمق عربي يمتد  من المحيط إلى الخليج وعندما نقول عمق عربي نعني بذلك القواسم المشتركة التي تشكل القومية العربية ومنها اللغة والتاريخ والمصالح المشتركة هذا إذا أردنا التعامل مع القضية الكردية تعاملا قوميا وللأكراد أيضا عمق يتمثل بأكراد إيران وتركيا .

إن التفكير في حل القضية الكردية قاد إلى بيان الحادي عشر من آذار/مارس عام 1970 الذي أصدره مجلس قيادة الثورة وتم من خلاله تنفيذ الحكم الذاتي في الحادي عشر من آذار/مارس عام 1974 في موعده المحدد الذي حقق للمواطن الكردي حقين : حقه كعراقي و حق الحكم الذاتي، ومن خلال هذا القرار حصل الأكراد في العراق وفق هذا القرار  على حقوق يحلم بها أخوانهم الأكراد في تركيا وإيران وسوريا والذين يقدر عددهم بأكثر من 25 مليونا لم يحصلوا علي ابسط الحقوق ومنها الحق بتعليم أبناءهم اللغة الكردية فكان أن أدخلت اللغة الكردية في المناهج الدراسية في المناطق العراقية العربية في الوسط والجنوب، إلى مرحلة السادس الإعدادي وتم السماح للإذاعات والتلفزيونات والصحف الناطقة باللغة الكردية بممارسة عملها على نطاق واسع وانتشرت النوادي الثقافية الكردية علي ارض العراق من شماله إلي جنوبه
 فعدل الدستور العراقي بعد بيان آذار وذلك بإضافة الفقرة (ج) إلى المادة الثالثة والتي تنص علي: (تمتع المنطقة التي غالبية سكانها من الأكراد بالحكم الذاتي وفقا لما يحدده القانون).
لم تكف القوى الامبريالية والإقليمية عن استخدام وتوظيف الورقة الكردية .
السؤال هل حقا حصل الأكراد في العراق على ما يريدون  بعد أن احتل العراق عام 2003 ؟
الجواب، كلا فهم يسعون إلى تحقيق حلمهم ببناء دولة كردية قومية تجمع الأكراد في الدول الأربعة وتكون البداية استقلالهم عن العراق  .
وهل سيتحقق هذا الحلم؟
هذا ما سيجيب عليه المستقبل المنظور  وما سوف تجيب عليه الدوائر الامبريالية والصهيونية لأنهم هم من وضع الإسفين بين العرب والأكراد ،فلو أعطت معاهدة (سايكس بيكو) سيئة الصيت للأكراد دولة قومية مثلما قسمت الأمة العربية إلى دول قطرية فهل هناك من اعترض ومثلما بادلت القوى الغاشمة ارض المحمرة التي تقطنها عشائر عربية معروفة بمدينة السليمانية التي يقطنها الأكراد والتي كانت تابعة لإيران في معاهدة ارض روم بين الدولة العثمانية والفارسية .
نعتقد إن العراق والمنطقة العربية وما يدور فيها محكوم بما يسمى الفوضى الخلاقة وما يسمى بالشرق الأوسط الجديد ومصالح الكيان الصهيوني .

 هل وعد الغرب الأكراد بدولة ؟ لا نعتقد ذلك ولان الغرب يريد الاستمرار بزرع الفتن واللعب بالأوراق وليس من مصلحته استقرار المنطقة فالصراعات الشيعية السنية والعربية الكردية هدفها واضح والقوى الاستعمارية لا عهد لها إلا وعد بلفور للصهاينة.

 إن الشيعة والسنة العرب توحدهم القومية العربية والعرب والأكراد يوحدهم الإسلام والتاريخ المشترك وان الصلات بين العرب والأكراد هي أفضل حالا من الصلات بين العرب وإيران لان إيران لا تنسى ما فعله العرب بالإمبراطورية الفارسية وان صلات العرب بالأتراك تشوبها شائبة احتلال الدولة العثمانية لبلاد العرب وشائبة الثورة العربية التي قادها الشريف الحسين بن على لطردهم من ارض العرب وعلى الرغم من ذلك فان المستعمر عمق الخلاف خدمة للصهيونية العالمية .

نعتقد إن توزيع الأكراد على الدول لم يكن ذنب العرب مثلما لم يكن ذنب العرب الاضطهاد الذي مارسه هتلر على اليهود في الغرب فهل يريد الأكراد أن يدفع العرب ثمن ما قرره غيرهم مثلما دفع العرب  فلسطين العربية ثمن لهتلر واحتقار اليهود في الغرب ؟ نعتقد إن من الحكمة العودة إلى العقل في التعامل مع الأمور.

الثلاثاء، 17 أكتوبر 2017

الالتزام سر بقاء البعث......الدكتور فالح حسن شمخي




الالتزام سر بقاء البعث

د ـ فالح حسن شمخي

إن مناقشة أي شأن من شؤون حزبنا، حزب البعث العربي الاشتراكي من خلال شبكة الانترنيت يعد من الأمور الصعبة، لكنها ضرورية في بعض الأحيان من اجل إن نحصن أنفسنا من الانزلاق وبالتالي دعم الجهد المعادي من حيث لا ندري لاسيما ونحن نعيش مرحلة النضال السلبي ، لكن علينا ونحن نعبر عن أفكارنا أن نتحرك ضمن منطلقنا وعقيدة حزبنا ودستوره وليس بسبب ردود الأفعال والضرورات تمليها علينا المرحلة التي نمر فيها وظروفها ،.

إن من أهم واجباتنا الفكرية هي أن نفرق بين ما نؤمن فيه وما نسعى إلى تحقيقه وبين ما تضطرنا الظروف إلى السير فيه ببط أو إلى تأجيله أو الابتعاد عنه بشكل مطلق (نفرق بين الإستراتيجية والتكتيك) ، ومن اجل أن تتضح الأفكار وتنمو فأن من واجباتنا أن ننفتح على بعضنا وان نفتح أبواب الحوار في كل المشاكل التي تصادفنا مادامت ضمن عقيدة الحزب وخطه الأساسي ، فبغير الحوار لا تنمو الأفكار ، والحوار يستدعي اختلاف في الرأي ، واختلاف الرأي يجب أن يشجع ، ولكن على أن لا يتحول إلى تعنت في الرأي ومناكفة، ولا إلى تكتلات فردية ، والحوار كما نعلم يكون في الرأي ، إما التكتل فيكون في الأشخاص ، وبينما الحوار عامل بناء ، فالتكتل عامل هدم.
إن الحزب هو الأساس ، والحزب يتمثل في مؤتمراته وقياداته ، وهو المنطلق والمصدر والشرعية ، فلا يحل محله الفرد ، ولا الكتلة ، فالحزب كتله واحدة تسمح باختلاف الرأي و لكن لا تسمح بالصراعات والتخريب ، فالحزب هو حزب البعثيون العقائديون الملتزمون ولا وجود لما دون ذلك.
 
إن حزب البعث العربي الاشتراكي يتكون من قيادات متتالية في المستوى ، والقيادة الدنيا تنصت وتستمع للقيادة العليا تنظيما وتنفيذا وإشرافا وتلتزم بمبدأ (نفذ ثم ناقش) ، وليس من حق احد من الأعضاء أن يتمرد على القيادة الأعلى ، فعلى الرغم من أهمية الديمقراطية في الحزب ، فللقيادة العليا سلطة علينا لأنها في تشكيلها تمثل قمة السلم الهرمي ولها صلاحيات أوسع.

إن خروج البعض علينا وهو يكيل الانتقادات لقيادتنا والكوادر المتقدمة في الحزب يعد عمل تخريبي يوازي ما يقوم فيه العملاء ، وكثيرا ما نسمع إن فلان هاجم القيادة الأعلى بحجة حرصه على الحزب والبعث لا يسمح بالتطاحن والتخريب والبعثي العقائدي الملتزم عليه واجب مقاومة كل من تسول له نفسه التطاول ، فمن غير المسموح النيل من وحدتنا تحت إي شعار وأي أسلوب ، نحذر من الاتصالات الجانبية وحديث الجلسات الخاصة ، ونحذر من الذين يعتقدون إن بإمكانهم التسلق في صفوف الحزب معتمدين على الظرف الراهن الذي يمر فيه حزبنا.

تحية لقيادة حزبنا وعلى رأسها الرفيق قائد مسيرتنا عزة الدوري حفظة الله 
وتحية لكوادر حزبنا

السبت، 14 أكتوبر 2017

البعث الابن الشرعي للأمة العربية المجيدة......الدكتور فالح حسن شمخي



البعث الابن الشرعي للأمة العربية المجيدة

د ـ فالح حسن شمخي

حزب البعث العربي الاشتراكي ولد ولادة شرعية جراء معاناة وألم امة حية ، ولد البعث من رحمة الأمة وكان معبرا تعبيرا حقيقيا عن أحلامها وتطلعاتها وأمالها بمستقبل أفضل، تكون قادرة فيه على العطاء والإبداع كما كانت أيام الدولة العربية الإسلامية في ظل الخلافة الراشدة والدولتين العربيتين الإسلاميتين الأموية والعباسية.

الأمة العربية من الأمم الحية التي لا تموت، قد تمر في مراحل انحطاط وتخلف وانكسار جراء الهيمنة الأجنبية عليها لكنها لا تموت فهي تنهض من بين الركام ، نهضت بعد الاحتلال ألصفوي والعثماني بخروفيهم الأسود والأبيض وغيرها من المسميات منتفضة لكن انتفاضتها أجهضت على يد الاستعمار الأوربي بعد الحرب العالمية الأولى وللأسباب المعروفة ،ثارت وطردت المحتل بعد الحرب العالمية الثانية، لكن ثوراتها أجهضت من جديد وللأسباب المعروفة أيضا ، قدمت الشهيد تلو الأخر في ثورتها ووثبتها وانتفاضاتها على طريق التحرر لتحقيق أهدفها في امتلاك الإرادة الحرة الواعية للشروع في مشروعها الحضاري والإنساني.

ولد حزب البعث العربي الاشتراكي كمنظمة سياسية قومية شعبية اشتراكية انقلابية شعارها) امة عربية واحدة ـ ذات رسالة خالدة)، وأهدافها الإستراتيجية،(وحدة ـ حرية ـ اشتراكية)، يقول الرفيق المرحوم ميشيل عفلق في 16 أيلول عام 1945 إجابة على سؤال لجريدة النضال:

السؤال ـ ما لذي دفعكم لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي؟ 

الجواب ـ (الدافع هو شعورنا بالضرورة التاريخية، فالمجتمع العربي يقف اليوم على مفترق طرق. وهو أما أن يستمر في الطريق الذي يسيره فيه قادة السياسة الحاضرة، الذين يرضون بالواقع الفاسد فيستنكرون على البلاد هذا التقدم الضئيل وهذه النتائج الطفيفة التي انتهت إليها سياستهم في أربعين سنه، ويحكمون هكذا على الأمة بان تبقى متأخرة مهملة الوزن في العالم، وأما أن يوقف العرب هذا التدهور بنتيجة تحول عنيف، واستجماع للإرادة، ووعي الإمكانيات الحقيقية الكافية، فيسيروا في طريق جديد صاعد، يستمد قيمه وأحكامه وغايته من خصال العربي الأصيل، ومبادئ الرسالة العربية المتعالية على الواقع ونسبية أحكامه. هذا الطريق الجديد يقتضي ظهور قيادة جديدة تمثل جوهر الشعب لا ظاهره، ومستقبله لا حاضره، وبهذا المعنى يكون حزبنا حزب الجيل العربي الجديد، الزاخر بالأمل والنشاط، والمتطلع إلى مستقبل يليق بماضي أمته المجيد، وبحاضر الأمم القوية الراقية، والذي يريد أن تكون السياسة العربية رسالة لا حرفة (
قامت عقيدة البعث القومية على أسس ثلاث وهي إن الحزب عربيا، انقلابيا، شعبيا، عربي بمعنى انه لم يكتفي بإقرار الفكرة القومية بل جسدها في واقعه من خلال قيادة قومية تمثل اعلي سلطة في الحزب وتمثل تنظيمات الحزب المنتشرة في كل الأقطار العربية، والحزب يتعامل مع مشكلات الأمة العربية ككل لا يتجزأ، فهو لا يعالج المشاكل القطرية إلا على ضوء مصلحة الأمة العربية الواحدة، وقد ترجم الحزب ذلك عبر مسيرته في القطر العراقي قبل الاحتلال الذي جاء ليسقط تجربة البعث القومية لأنه وجد فيها التهديد الحقيقي لمصالحة في المنطقة العربية، والدليل على ذلك هوان القرار الأول الذي أصدره المحتل هو قرار (اجتثاث البعث).

أما الركن الثاني في عقيدة البعث فهي إن الحزب لا ينظر إلى الأمور السطحية والعارضة في السياسة العربية وإنما يسعى إلى قلب أسس هذه السياسة، ويعتقد إن الإصلاحات الثانوية التي تنادي بها الحكومات العربية الحاضرة وتعتبرها رئيسية تتبع حتما ذلك الانقلاب، والانقلابية قد جسدها البعث في ظل حكمه للعراق عبر خمسة وثلاثين سنة فهو الذي أمم النفط وهو الذي قضى على الأمية وهو الذي اصدر بيان آذار وأعطى حقوق الأقليات في العراق وهو الذي قاد تنمية شاملة في كل الميادين وكان بحق انقلابا شامل على كل ما هو مألوف في حياتنا العربية المعاصرة الأمر الذي قاد إلى أن تتعرض تجربته إلى هجمة امبريالية وصهيونية وصفوية ورجعية.
إن الأهداف والغايات التي حددها البعث والتي نشرها في العام 1946 في العدد الأول والثاني من جريدة البعث والتي نلخصها في النقاط التالية والتي نجد إن الضرورة تقتضي التعريف فيها بعد أن تعرض البعث إلى ما تعرض إليه عبر الماكينة الإعلامية الامبريالية والصهيونية والصفوية هي :

1
ـ حزب البعث حزب عربي ليس في اسمه وفي غايته فحسب، بل أيضا في واقعه وتنظيمه وأسلوب عمله فتنظيمه في سائر الأقطار العربية وهو لا يعالج السياسة القطرية إلا من وجهة نظر المصلحة العربية العليا.

2
ـ هدفه تحرير العرب في جميع أقطارهم من كل أنواع الاستعمار الأجنبي، وتنظيم الأمة العربية في دولة مستقلة واحدة قائمة على فكرة القومية العربية في سبيل تحقيق النهضة الحديثة الشاملة وبعث الرسالة العربية الخالدة.

3
ـ الفكرة القومية العربية هي الإيمان العميق بأن الشعب العربي عريق بين الشعوب في نبله وتعشقه للحرية وان له عبقرية خاصة وحيوية متجددة تحفزه باستمرار إلى إظهار نشاطه وكفاءته في أعمال الفكر والعمران وميادين البطولة ليكشف عن عبقريته ويثبت شخصيته على أكمل صورة تتمثل فيها الإنسانية الصحيحة.

4
ـ العربي هو من كانت لغته العربية وعاش في الأرض العربية أو تطلع إلى الحياة فيها وتشبعت روحه بالقومية العربية والولاء الخالص للغة العرب وتاريخهم المجيد في الماضي، وكان في إيمانه بوحدة مصيره معهم يتشوق إلى مستقبل خليق بهذا الماضي، ولم يشرك في ولائه أمة أو فكرة أخرى ثم كانت أفعاله منسجمة مع عقيدته.

5
ـ غير العرب من الأقليات القومية التي لا يمكن أن تندمج في المجموع العربي وتستعرب بصورة تامة تخضع لقوانين خاصة تحدد حقوقها وواجباتها بصورة تمنعها من الإضرار بمصالح العرب.
6
ـ الشعب العربي مصدر كل سلطة لذلك وجب إلغاء كل ما عقدته الحكومات من معاهدات واتفاقات وصكوك تخل بسيادة العرب التامة.

7
ـ الشعب العربي مصدر كل قيادة، وقادة الشعب العربي هم الذين فيهم تتمثل عبقريته وفضائله يخرجون من صميمه لا من الطبقة المستغلة التي اختلطت بالأجانب وطغت عليها المصالح الشخصية.
8
ـ الدولة العربية دولة اشتراكية بمعنى إن مصلحة المجموع هي فوق مصلحة الفرد والطبقة، وان غاية الدولة إسعاد اكبر عدد من أفراد الشعب العربي وتزويدهم بكل الوسائل والفرص ليستطيعوا تحقيق عروبتهم على أكمل صورة، وهذه الاشتراكية تستمد من روح الأمة العربية وحاجاتها العميقة وأخلاقها الأصيلة ولا تستند إلى إي نظرية أجنبية.

9
ـ إن حق التملك يجب أن يبرره الجهد والعمل وان لا يتعارض مع المصلحة العامة وان لا يخل بالانسجام القومي والعدل الاجتماعي.

10
ـ جعل المؤسسات والموارد والمرافق ذات النفع العام ملكا للدولة، وإخضاع جميع الصناعات والمشروعات الاقتصادية لرقابة الدولة تبعا للسياسة الاقتصادية العربية العليا من جهة، ووفق مبدأ الانسجام القومي من جهة أخرى، ولمنع استغلال رأس المال لحق العمل.

11
ـ على الدولة أن تضمن لكل فرد من أفراد الشعب العربي عملا يعيش من ثماره عيشا كريما. ولا يجوز أن تستخدم الأجانب في المشروعات الاقتصادية العامة والخاصة أذا كان بين المواطنين العرب من يمكنه أن يحل محلهم.

12
ـ على كل مواطن عربي أن يمتهن عملا فكريا أو يدويا شريطة أن يخدم عمله مصلحة المجموع وينسجم معها.

13
ـ سن تشريع اجتماعي يحدد حقوق وواجبات رأس المال والعمل، والعلاقة بينهما على أساس مبدأ الانسجام القومي، ويكفل إنشاء مؤسسات غايتها حماية المواطنين العرب من البطالة والمرض والعجز وطوارئ العمل.

14
ـ التعليم في البلاد العربية موحد في الفكر والأسلوب يقوم على أساس الفكرة العربية التي تعتبر الأمة العربية وحدة حية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها ويوجه وفقا لأهداف النهضة القومية المنشودة.
15
ـ التعليم الابتدائي إلزامي، وعلى الدولة ان تمكن كل عربي من نيل النصيب الكافي من العلم والمعرفة والوصول الى المراكز التي يؤهله لها عمله وإخلاصه.

16
ـ أيجاد كليات ومعاهد في جميع نواحي النشاط العلمي وتطبيقاته تسمح لا صحاب المواهب بمتابعة بحوثهم المختلفة.

17
ـ إخضاع المدارس والمعاهد الأجنبية لكل فوانيين الدولة العربية.

18
ـ حصر مهنة التعليم وكل ما له مساس بالتربية الوطنية بالمواطنين العرب، يستثنى من ذلك التعليم
العالي.
19
ـ توجيه كل وسائل النشر نحو كل ما يتفق ومصلحة القومية والأخلاق العربية.

20
ـ جعل الحالة الصحية في مستوى راق بين كل الطبقات وفي جميع مناطق البلاد العربية وتربية النشء الجديد تربية بدنية سليمة.

السؤال:
هل انسجمت هذه التجربة العملية للحزب في العراق مع الأفكار النظرية لحزب البعث العربي الاشتراكي بعنى هل استطاعت الحزب أن يحول النظرية إلى ممارسة عملية (نظرية عمل)؟

إن أي عاقل منصف يتمتع بضمير حي يستطيع أن يرى ان الغايات والأهداف التي أرادها البعث والمنشورة عام 1946 والمكتوبة أعلاه، طبقت في دولة البعث ، وزاد عليها ما هو جديد، إن من عاش في ظل التجربة يعرف جيدا ما معنى قرار التأميم ومحو الأمية وبيان آذار، اما الأجيال التي ولدت بعد الاحتلال فحقها أن تعرف حقيقة التجربة عبر من واكب المسيرة من العرب والعراقيين والذين يتمتعون بضمير حي منصف.

سيبقى البعث كما عرفناه حيا، صامدا، مجاهدا معبرا عن ضمير الأمة.

ستبقى تجربة البعث في العراق شامخة ، ستبقى المقاومة البعثية على امتداد الساحة العربية خير مترجم لمواقف البعث وشعاراته ونظريته الممتدة من مرحلة التأسيس حيث جاهد الرفاق الأوائل في فلسطين إلى يومنا هذا، فالبعث امن بان العمل الشعبي المسلح هو طريق التحرير.

سيبقى قادة البعث نبراس فخر واعتزاز لأبناء البعث والأمة العربية المجيدة والشرفاء في العالم وهم يعانقون السماء عبر المشانق وعبر النضال الدائم.