من تجربتي ألعسكرية ( مع شرطي ألمرور )
كثيرة هي ألحوادث ألتي تمر علينا في حياتنا أليومية ألتي نتعامل بها
مع تفاصيل مفردات ألحياة تفصيليا ً ، و ألقليل منها ألتي تبقى في ألذاكرة ليطرب
بها ألخيال و تناجي ألبال بين ألحين و ألاخر لنتذكرها كدروس و عبر ، و حتى أحيانا
ً إن لم تكن غالبا ً نستخدمها للطرفة و ألتندر .
أليوم سأتكلم عن حادثتين بفارق زمني يفصل بينهما بحدود ألـ 10 سنوات ،
و لكنهما حدثتا مع بطل ألشارع شرطي ألمرور، ذلك ألفرد ألمطلوب منه تطبيق ألقانون
على كل راكبي وسائط ألنقل وعلى ألسائرين من مستخدمي ألطرق و حتى ألأرصفة ، طبعا
هنالك حوادث كثيرة ، و لكن هاتين ألحادثتين لا تزالان معشعشتان في ذاكرتي و وددت
إطلاقهما إلى ألهواء ألطلق بينكم قرائي ألكرام .
ألحادثة ألأولى حدثت تقريبا ً في ألعام 1987 و سمعتها من بطلها شخصيا
ً ، و أنا أثق في كلامه و في صحة روايته ، ألتي لديه من على شاكلتها ألشيئ ألكثير
ألكثيرألذي لا مجال لذكره . أما ألحادثة ألثانية ، فكانت معي و حدثت في ألعام 1996
أو فيما بعده و لكنها حدثت تحديدا ً في مدينة ألأعظمية مع أحد طلابي في كلية
ألأركان عام 1986 عندما كنت أستاذه في ألكلية في حينه و كانت رتبتي عقيد ركن و هو
برتبة رائد ، و سأتناول ألحادثة ألثانية قبل ألحادثة ألأولى للقفز على ألزمن تارة
و لتبيان مقصدي على مجريات ألحادثة ألأولى ألتي آثرت ألتطرق إليها في نهاية هذا
ألمقال لكي تبقى عالقة في ألأذهان و يستشعر بها ألغالبية ألذين قد يكون من بينهم
من مرت به مثل هذه ألحادثة أو ما شابهها بشكل أو بآخر .
في أحد أيام صيف بغداد ألقائض كنت متواجدا ً في مدينة ألأعظمية ، و
قضيت فترة لما بعد ألظهيرة في مكتب أحد أصدقائي ألكرام على مائدة غداء عامرة تدلل
على إحترامه لي و حسن ضيافته ، فيها كل ما لذ وطاب تجاذبنا فيها أحاديث ألسمر و
ذكريات طفولتنا ألتي جمعتنا معا ً حقبة ألسبعينيات كأبناء لمنطقة ألفضل إحدى أقدم
و أعرق حواري بغداد ألقديمة ألتي كانت تتصف خلال ألعهد ألملكي و لما بعده بإلمد
ألشعبي ألعروبي ألقومي و لتتواصل في ذلك ألمد مع محلة ألباب ألشيخ و مدينة
ألأعظمية و منطقة ألكرخ و سوق حماده لتصبح ضفتي نهر دجلة بكرخها و رصافتها مثل
ألقلب ألنابض ألذي شطره إلى نصفين نهر دجلة ألخالد ، كما شطر مبضع ألفنان إسماعيل
فتاح ألترك مصمم ألقبة ألعباسية لنصب ألشهيد ألعراقي ألتي تمثل قلب ألشهيد ليرتقي
من وسطها ألعلم ألعراقي إلى ألأعلى تجسيدا لإرتقاء روح ألشهيد إلى بارئها ألأعلى ،
و سأحدثكم عن مضيفي هذا في نهاية ألمقال قصة حقيقية في ذات منوال ألحادثة ألأولى و
تذكروا أن إسمه سمير.
خرجت من مكتب صديقي بعد ألعصر بقليل لألتقي مع بعض من أصدقائي و نحن
نسير بخطى وئيدة في ألجانب ألثاني من رصيف شارع ألإمام ألأعظم ألممتد من ضريح
ألإمام أبا حنيفة ألنعمان بإتجاه محطة ألبنزين وصولا إلى كازينو ألنعمان ( ألتي
أعتبرت من ألأماكن ألتراثية لحزب ألبعث ألعربي ألإشتراكي لإرتيادها من قبل مناضلي
ألحزب خلال فترة ألعمل ألسري قبيل ثورتي 8 شباط 1963 و 17 / 30 تموز 1968 ، و
أعتقد قد تم كذلك إعتبار مقهى ألجرداغ في ألسفينة أيضا ً من ألأماكن ألتراثية
للحزب لنفس ألأسباب ) لأن هذا ألجانب من ألرصيف يكون في هذه ألفترة من أليوم يتمتع
بإلظل وألبرودة ألنسبية على عكس ألجانب ألمقابل له ألممتد من رأس ألحواش إلى مجمع
ألسوق ألعباسي ألذي تضرب به ألشمس من بعد ألظهر حتى لما بعد ألغروب . لقد قيض ألله
أن يكون شطري ألشارع هكذا و لكن ألجانب ألمشمس من رصيف شارع ألإمام ألأعظم هو عصب
ألحركة ألتجارية في منطقة ألأعظمية و يرتاده غالبية ألمتسوقين و ألمتسكعين في آن
واحد.
وتتصف محلاته ألتجارية بإرتفاع اسعار
إيجاراتها تبعا لذلك ، و حتى نحن لا نجد باعة متجولون يفترشون ألرصيف إلا في ألجزء
ألمشمس من ألرصيف ألذين يشرعون في نصب بضاعتهم و عرضها على ألرصيف بعد أن تنكسر
عين ألشمس كما يقولون ، و هذا هو حال كل ألشوارع ألتجارية في بغدادنا ألحبيبة إذ
تلعب شمسنا ألحارقة في إرتفاع أسعار ألمحلات ألتجارية في ألجزء ألمضاء لما بعد
غروب ألشمس ، هي حكمة الله في ذلك و هو مقدر ألأرزاق .
أه لقد أرجعتني هذه ألمقالة إلى ألزمن ألجميل و أيام ألصبا و ألشباب ،
و تذكرت كم كنت من ألمتسكعين في هذا الشارع مع بعض من زملائي ألطلاب عندما كنت
أتنقل من بيتنا في ساحة ألشيوخ شارع عمر بن عبد ألعزيز ( كان يسكن في مقابل بيتنا
ألفنان ألمخرج ناجي ألراوي أبو خالد ) مرورا ببيت ألسيد محمد عارف ألجميلي والد
ألرئيسين عبد ألسلام محمد عارف و عبد ألرحمن محمد عارف ، مرورا ً بحديقة ألرحبي في
شارع 20 وعند ركن مكوي ألعروبة و كازينو ألعروبة ( ألتي أعتبرت هي ألإخرى من
ألأماكن ألتراثية لحزب ألبعث ألعربي ألإشتراكي ، ولفترة ليست ببعيدة بعد إحتلال
ألعراق في ألعام 2003 من قبل ألغزاة ألأمريكان كان يديرها ألرفيق ألمناضل أللواء
محمد فهد أطال ألله بعمر حبيبي ورفيقي أبو عفره ) ننعطف بإتجاه شارع ألإمام ألأعظم
عند تقاطع ألإشارة ألضوئية قرب ستوديو حنان ألذي يقابله في ألجانب ألاخر معرض
أحذية باتا سابقا ًو قصته ألشهيرة مع حذاء ألمصارع فريري في حقبة ظهور ألمصارع
ألمعظماوي عدنان ألقيسي و بهلوانيات ألأستاذ مؤيد ألبدري ألمعلق ألرياضي ألعراقي
ألشهير أبا زيدون ، ثم ندلف في شارع ألمقبرة ألملكية لكي نصل إلى محطتنا ألأخيرة
إعداديتي ألحبيبة إعدادية ألرصافي للفرع ألأدبي ( تخرجت منها في ألعام ألدراسي 70
/ 71 ) ألتي كانت مزدوجة في بناية إعدادية ألأعظمية ألمخصصة للفرع ألعلمي ، و إن
أنسى فلن أنسى عمو قدوري أبو عربانة ألبيض و ألعمبه و ألصمون ألحار و الببسي كولا
ألمجرش و كذلك فلافل وووشطة أبو فضيل ألفلسطيني ألتي كانت تسد ألرمق و تعوض عن أفخر
وجبة غداء كانت تعدها لي أمي رحمها الله ، فمثلما في بغداد هنالك ألكرخ و ألرصافة
فشارع ألمقبرة ألملكية يهيمن عليه في رصافته من جهة نادي ألأعظمية محل ابو فضيل ،
و يهيمن عليه في ذات ألوقت في جهة كرخه عمي قدوري من جهة معهد إعداد ألمعلمين ، و
لو تقربنا قليلا بإتجاه بناية مديرية شرطة ألأعظمية ستعترضنا بناية فارهة و كبيرة
قد تحولت إلى مدرسة هي بإلأصل كانت بيت ألرئيس ألعراقي عبد ألسلام محمد عارف قبل
ألعام 1968
. !!!
سيكون ألفائز ألأكبر من يستطيع أن يزور ألرصافة و ألكرخ في يوم واحد
عندما يساعده مصروف ألجيب أليومي الذي كان آبائنا رحمهم الله يتكفلون عناء ذلك ، و
إلا فزيارة يومية واحدة للمفاضلة بين رصافة أبو فضيل أو كرخ عمو قدوري . أما عند
ألهروب من ألدوام ألدراسي فمحطتنا ألأخيره هي ألتجمع قرب محطة ألبنزين للخيار بين
صالة سينما ألأعظمية أو كازينو ألنعمان عندما يكون مصروف الجيب يعني على قدر الحال
( و لسنا أول و آخر ألمتسكعون يا ولدي).
بعد أن وصلت مع أصحابي إلى بناية معرض أحذية باتا ألقديم و ألذي بقى
على حاله كمعرض لبيع ألأحذية و لكن تحت مسمى آخر لا أتذكره ، وصفت لهم أن هذا
ألشلرع هو ليس فقط شارع تجاري بل هو شارع قد شهد ألعديد من ألأحداث من بينها
إنتفاضة ألطلبة في بداية ألعام 1961 عندما أقدمت حكومة ألزعيم عبد ألكريم قاسم على
رفع أسعار ألبنزين ، و كيف كنا نحن ألصبية نقف على جانبي ألشوارع ألرئيسية و نقوم
برشق سيارات باصات مصلحة نقل ألركاب بإلحجارة و ألحصى لتكسير زجاجها ، وكيف حدث
إضراب ألطلاب ألذي سمي بإضراب ألبنزين و قد أستشهد إثنان من طلبة أعداديتي في حينه
و هم ألأخوين مؤيد و عبد ألقادر ، و ثم ما حدث خلال زيارة ألرئيس ألليبي معمر
ألقذافي للأعظمية في صيف ألعام 1970 حيث تكالبت عليه ألجماهير في ساحة عنتر و
رفعوه على أكتافهم حتى ضريح ألإمام أبا حنيفة ، و ثم حادثة إعدام أولاد ألصفره
خلال ألعام 1971 بعد تعيين ألرفيق ألمناضل صالح مهدي عماش سفيرا للعراق في ألإتحاد
ألسوفياتي ألذين كانت تربطهم صلة قرابة به ، و غيرها من ألحوادث ألتي مرت على
منطقة ألأعظمية ، و ذكرت لهم كيف كنا ننتظر يوميا ً عرض ألأزياء ألذي يقدمه شخص
عرف بإسم حسون ألأمريكي ( أعتقده كان مستوي ) إذ كان يلبس ألملابس ألغربية ألغريبة
عن تقاليدنا ، و يظهر كل يوم بملابس شكل و تسريحة شعر غريبة ألأطوار ( أه يا وطني
كم حسون أمريكي يوجد فيك ألآن ؟؟؟) .
إنتبهت إلى جهة ألشارع ألمقابل لأجد شرطي ألمرور كان قد إستوقف في
ألجزء لما بعد ستوديو حنان سيارة سوبر موديل 85 لونها قهوائي / جوزي ، و هو يروم
محاسبة سائقها بطلب إجازة ألسوق ، إلا إنه زاد إنتباهي أكثر ، أن ترجل من ألسيارة
هذه تلميذي ألرائد عثمان ألذي فارقني و فارقته منذ ألعام 1988 بعد تخرجه من كلية
ألأركان .
إنها 10 سنوات لم التقي بتلميذي هذا و لست اعرف غير إنه كان بديلي في
منصبي ضابط ركن ألتدريب ألأقدم لقيادة ألفيلق ألرابع في ألعمارة عندما كنت برتبة
عميد ركن في ألعام 1992 و على ابواب ألترقية إلى رتبة لواء ركن و هو من إستفاد من
ألترقية إلى رتبة أللواء ألركن من بعدي في منصبي هذا ألذي كان يعادل منصب قائد
فرقة نظريا و ليس عمليا . طبعا ً لم أستطيع ألوقوف و أنا أشاهده في هذا ألموقف و
شرطي ألمرور يتشدد معه في محاسبته لأنه حاول إلتقاط أحد ألأشخاص من ألشارع ، لقد
كان تلميذي أللواء ألركن يشتغل بسيارته مكرمة ألسيد رئيس ألجمهورية كسائق تكسي في
أوقات ألذروة هذه مستفيدا ًمنها كمعياش له و لعائلته ( طبعا لم يكن هو ألوحيد ،
فهم كثر) !!! و بدلا من أن يمتثل لطلب شرطي ألمرور بإعطائه إجازة ألسوق قام تلميذي
بإعطاء هويته ألعسكرية ألتي تحمل صورته و رتبته لواء ركن لعل ذلك يشكل وقع نفسي
كبير على شرطي ألمرور في حضرة سيادة ألجنرال عثمان ألخيلاني .
و عندما وجدت أن شرطي ألمرور لم يكترث لشخصتية و يصر على حجز ألسيارة
و ألطلب منه إعطائه إجازة ألسوق وحتما معها سنوية ألسيارة لأخذها إلى ألحجز ، عبرت
إليهما و ناديت على شرطي ألمرور من بعيد بنبرة صوت حادة و بما يشبه ألأمر ألواجب
ألتنفيذ ( أبو إسماعيل أتركه ، هذا ضابط برتبة لواء ركن ) . لعلم ألقارئ ألكريم
نحن في ألعراق نكني ألجندي بأبو خليل نسبة لدفاع ألجيش ألعراقي في ألعام 1948 عن
مدينة ألخليل ألفلسطينية ضد ألجيش ألإسرائيلي و تبعا ً لذلك جرى تكنية ألشرطي
ألعراقي بـ ابو إسماعيل . عندما شاهدني تلميذي و أنا أظهر له من بين شعاع ألشمس
أللهاب ، تقدم نحوي و قام بإداء ألتحية ألعسكرية لي برشاقة منقطعة ألنظير و هو في
وسط ألشارع ، و قال بخجل مؤلم أهلا سيدي .
تجمهر من حولي بقية أصحابي ، و إنتبه شرطي ألمرور إلى كوني كنت أحمل
مسدسا تحت ملابسي ألمدنية ، و ثم إلى أن سيادة اللواء ألركن ألمعرف لديه ألان
بهويته التي بين يديه ، يؤدي لي ألتحية في وسط ألشارع و يناديني بإلسيدي ، فبادرني
شرطي ألمرورهو ألآخر بإداء ألتحية ألعسكرية لي و قال سيدي هو مخالف و تجاوز
ألإشارة ألضوئية ليسبق أحد سواق ألتكسي لإلتقاط ألراكب .
فقلت لشرطي ألمرور ، ميخالف يا بطل ألذي شافه منك يسوه أبو ألحجز.
و بعدها تمتعت بأحلى تحيتين عسكريتين و أرشقهما من تلميذي و من شرطي
ألمرور ألشهم الذي أظهر لي شديد ألإحترام أثناء ألتخاطب معي و في وقفته ألمنتصبة
أمامي كما حرف ألألف ألممدود .
أما عن ألحادثة ألأولى فقد حدثت من حيث ألمكان إبتداءا ً في تقاطع قبة
ألصخرة في شارع فلسطين في ألعاصمة بغداد أبان سنين ألحرب ألعراقية ألإيرانية و لن
تتجاوز من حيث ألزمان ألعام 1987 في كلا موقعي ألحدث في شارع فلسطين و في مدرسة
قتال إحدى قيادات ألفرق ألعسكرية للجيش ألعراقي ألباسل . و بطل ألحادثة على أرض
ألواقع هو شخص وجد أن شرطي ألمرور قد إستوقف سيارة أحد ألضباط في تقاطع قبة ألصخرة
، وتدخل لتخليص هذا ألضابط من أن يبطش به شرطي ألمرور وفق ألقانون ألذي كان في حينه
يجيز حجز ألضابط أثناء مخالفته لقواعد ألمرور ، و هذه ألحالة مشابهة بشكل تقريبي
لحادثة تدخلي لتخليص تلميذي أللواء ألركن سائق ألتكسي ، مع ألفارق هو أن بطل ألقصة
لديه شخصية أخرى مغايرة تماما ً لشخصيتي و إتجاهاتي ، و اعتقدكم ستتوصلون لماذا
أنا قدمت ألحادثة ألثانية على ألحادثة ألأولى هذه ، فقد كان وصف ألحادثة ألثانية
هو أشبة بإلمقدمة و ألتمهيد للحادثة ألأولى .
حدثني صديقي خالد ألعبيدي في إحدى ألمرات عندما كان متوجها ً من بيت
أهله في شارع فلسطين بسيارته ألمارسيدس ألفارهة زيتونية أللون ، بأنه قد لا حظ على
ألجانب ألثاني من ألإشارة ألضوئية قرب مطعم قبة ألصخرة أن شرطي ألمرور قد إستوقف
سيارة مدنية لأحد ألضباط و هي نوع سوبر 85 مكرمة ألسيد رئيس ألجمهورية ، و أجبر
شرطي ألمرور ألضابط ألذي كان بلباسه ألعسكري برتبة عميد ركن على ألنزول من سيارته
لمحاسبته على تجاوزه للإشارة ألضوئية.
توقف صديقي خالد ألعبيدي أبا فراس على ألجانب ألبعيد من تقاطع قبة
ألصخرة بإتجاه ساحة بيروت بقصد عدم ألإتصال ألشخصي ألمباشر مع منطقة ألحدث لغاية
في نفسه ، و ترجل من سيارته ألمرسيدس ليقف منتصبا ً ومنتشيا ً ذلك ألشاب ألثلاثيني
ألأسمر ألحنطاوي بنحافة جسمه ألجميل وطوله ألفارع مرتديا بدلة سفاري زيتونية أللون
فقد كان كله زيتوني في زيتوني عدا لون بشرته ألسمراء ، و زاد من وقاره أنه لديه
صلعة في مقدمة راسه مشابهة لصلعة ألرئيس ألمصري أنور ألسادات تدلل على ألوجاهة و
أحيانا على ألثراء عند تفكير بعض ألعراقيين ، و ذو شارب ليس بكثيف و لكنه يجعل
ألناظر إليه كمن تقف على رأسه الطير ( إنه ليس على غرار ألشوارب ألتي تعارف
ألعراقيون على تسميتها بـ 8 شباط ، فقد كانت أقرب إليها و يمكن تسميتها بـ 6 شباط
) و فوق ذلك فقد برز من تحت بدلته ألسفاري مسدس ستيل يلمع من خلال أشعة ألشمس . ثم
نادى على شرطي المرور من عبر الشارع ( ابو إسماعيل أبو إسماعيل ، أترك الضابط).
إستجاب شرطي ألمرور على ألفور إلى نداء صديقي أبو فراس ، و قام بإداء
ألتحية ألعسكرية له و قال نعم إستاد ، ثم توقف شرطي ألمرور عن محاسبة ألضابط و
تركه في حال سبيله ولم يكترث له مطلقا ً عندما غادر تقاطع ألإشارة ألضوئية ، و
خلال ذلك إلتفت شرطي ألمرور بإتجاه ألأستاذ و قام بإداء ألتحية ألعسكرية مرة ثانية
له مع إطالة رقبته و دوران جسمه مع ألتحية بإتجاه مكان وقوف ألأستاذ ( ألذي هم
لمغادرة مكان ألحادث على عجل لكي لا يلتقي بإلعميد ألركن ) للتأكيد بان هذه التحية
مقصود بها ألأستاذ أبو الزيتوني و ليس ألضابط ألعميد ألركن .
مرت ألأيام ولاتزال ألحرب ألعراقية ألإيرانية تدور رحاها بين ألطرفين
، و يترفع سيادة ألعميد ألركن إلى رتبة لواء ركن و يعين بمنصب قائد لإحدى ألفرق
ألعسكرية ليقوم في أحد ألأيام بزيارة سجن مدرسة قتال فرقته ألذي كان يحوي على
ألجنود ألهاربين من ألخدمة ألعسكرية و ألذين تم شمولهم بنظام ألسجون ألإصلاحية .
قد يتذكر ألبعض أو قد لا يتذكر ، و أكيد أن هنالك من يتذكر جيدا ً جدا
ً أن ألعراق كان يقاتل ألجيش ألإيراني ألذي هو يعد خامس أقوى جيش في ألعالم ، و
بنفس ألوقت فإن تعداد نفوس إيران ألذي كان 60 مليون هو يعادل 3 أضعاف تعداد نفوس
ألعراق ألمقدر بـ 20 مليون و كذلك مساحة إيران أعتقدها تعادل أكثر من 4 أضعاف
مساحة ألعراق ، مما ينسحب ذلك على ألفارق لصالح إيران في كل شيئ من حجم ألجيش و
ألتسليح و ألقدرات و ألإمكانيات المالية و ألإقتصادية لهذا كان ألعراق بحاجة ماسة
لكل شيء للوقوف بوجه ألعدوان ألإيراني ، لهذا نجد أنه فيما يخص قانون ألخدمة و
ألتقاعد ألعسكري قد تم تعطيل ألعمل ببعض مواده و خصوصا فيما يتعلق بإداء ألخدمة
ألإلزامية و خدمة ألإحتياط لنجد أن وحيد ألأبوين قد شمل بإلخدمة ألعسكرية و جرى
ألتشديد على معاقبة ألهاربين من ألخدمة ألعسكرية الذين يتم إلقاء ألقبض عليهم
بعقوبة ألإعدام ، و حتى ألجرحى و ألمعوقين يتم ألإسراع في إعادة تأهيلهم نفسيا ً و
جسديا ً وعرضهم على لجنة شرحبيل ( لجنة شر ألحبل ) لتتم إعادتهم إلى ألوحدات
ألمقاتلة أو تنسيبهم إلى وحدات ألخدمات ألإدارية ضمن ساحة ألعمليات .
و في هذا ألصدد تقدم ألسيد ألفريق ألأول ألطيار ألركن عدنان خير ألله
وزير ألدفاع نائب ألقائد ألعام للقوات ألمسلحة ألعراقية بمقترح إنساني إلى ألسيد
رئيس ألجمهورية ألمهيب ألركن صدام حسين ، و هذا ألمقترح تضمن منظور فلسفي لعلاقة
ألهروب من ألخدمة ألعسكرية بإلحياة إذ كانت فكرة ألمقترح تفيد ، (( باننا عندما
نعاقب ألهارب / ألغائب عن ألخدمة ألعسكرية ألتي هي واحدة من مجالات ألحياة بعقوبة
ألإعدام ، فهذا يعني بأننا نعاقب ألغياب عن ألخدمة ألعسكرية بإلغياب عن ألحياة )
!!!! و ألسوآل هو هل يجوز أن نعاقب ألغياب ألوقتي بإلغياب ألنهائي ؟؟؟ ثم بإلنسبة
للعسكري ألهارب ألذي تم إلقاء ألقبض عليه ففي لحظة إلقاء ألقبض علية فقد إنتهت
نظريا ً و عمليا ًحالة هروبه و غيابه عن وحدته ألتي هي بأمس ألحاجة إليه ، فكيف
لنا نحن ألقيادة ألعسكرية أن نقوم بإعدامه و نغيبه بذلك عن وحدته ألتي هي بأمس
ألحاجة إليه أولا ً و نغيبه عن ألحياة لكون أخل في مجال واحد من مجالات ألحياة ألا
و هو ألخدمة ألعسكرية ؟؟
و من هنا يقول ألسيد ألوزير أي ألجريمتين هي ألأكبر، جريمة ألغياب عن
ألوحدة ألعسكرية أم جريمة ألغياب عن ألحياة و من هو ألمذنب في كلتا ألجريمتين ، و
قد خلص ألمقترح إلى أن عقوبة ألإعدام هنا تعتبر هي ألجريمة ألأكبر و قد مارستها
ألقيادة وفق نصوص قانون ألعقوبات ألعسكرية ، و علينا أن ننظر إلى روح ألقانون و
روح ألعصر و ألحاجات ألإنسانية لأبناء ألمجتمع و نوقف ألعمل بمادة ألإعدام
ألمتعلقة بإلهاربين و نتوجه بهم إلى ألسجون ألإصلاحية لتأهيلهم على أن تعطى صلاحية
إطلاق سراحهم من تلك ألسجون خلال ألسنة ألأولى إلى قادة ألفيالق و خلال ألثلاث
ألسنين ألأولى إلى قادة ألفرق عندما يثبت حسن سير و سلوك ألسجين بتقارير رسمية
توصي بإطلاق سراحه وفق ألصلاحيات أعلاه .
لقد كان هذا أعظم إنجاز على مستوى ألجيش حققه سيدي ألفريق ألأول
ألطيار ألركن عدنان خير ألله وزير ألدفاع نائب ألقائد ألعام للقوات ألمسلحة
ألعراقية ، يضاف إلى مئات ألإنجازات ألتي حفل بها ألجيش في ذلك ألزمان . من ألحق
أن أشير إلى أن ألذي تابع ترويج هذا ألمقترح و تطبيقه من ألناحية ألقانونية في
حينه أللواء ألحقوقي راغب فخري مدير ألدائرة ألقانونية لوزارة الدفاع ، و من هنا
أنيطت إلى مدارس قتال ألفرق ألعسكرية مهمة أن تعمل كسجون إصلاحية لمنتسبي ألفرقة
من ألعسكريين ألهاربين لغرض إعادة تأهيلهم نفسيا ً و عقائديا ً و حتى جسديا ً
ليعودوا للعمل بين أقرانهم في وحدات ألجيش العراقي ألباسل ، مع ألعرض ان مدارس
قتال ألفرق ألعسكرية بإلإضافة إلى دورها ألتدريبي خلال ألسلم و ألحرب ، إلا أن من
مهامها أيضا ً خلال ألحرب يمكن أن تكون كسجون و أقفاص للأسرى ألمعادين بسيطرة
أدارة قيادة ألفرقه و سرية إنضباط ألفرقة .
تم ألتبليغ من قبل راس عرفاء مدرسة ألقتال إلى جميع ألسجناء بأن عليهم
تهيئة ألملابس ألعسكرية ألكاملة و تطبيق جدول ألإستحمام و حلاقة ألراس و ألذقن
بشكل نظامي ، إذ سيكون هنالك تجمع في ألساحة ألداخلية للمدرسة بإنتظار وصول زائر
مهم للمدرسة .
في صباح يوم ألزيارة كان كردوس ألسجناء
بإنتظار وصول ألزائر ألمهم ألذي وصل مع حاشية كبيرة من ضباط الركن ، و تم إستقباله
من قبل آمر ألمدرسة بشكل مهيب جدا و شرع ألسيد أللواء ألركن قائد ألفرقة بتفتيش
كردوس ألسجناء ألذي تشكل من 3 صفوف ، و طبعا بدأ ألسيد ألقائد بإلتفتيش من ألصف
ألأمامي و هو ينظر بشكل عادي إلى وجوه ألسجناء ، كل ألأمور عادية جدا ً إلا بعد
عبور ألسيد ألقائد لمنتصف ألصف ألأول بقليل ، حيث توقف عن مواصلة ألتفتيش و عاد
إلى ألمنتصف ليقف وجها لوجه مع أحد ألجنود ألسجناء ليتمعن في ألنظر إلى هذا ألجندي
ألأسمر ألحنطاوي بنحافة جسمه ألجميل وطوله ألفارع مرتديا ً ألبدلة ألعسكرية
ألزيتوني ، طبعا ً لا يمكن للجندي أن ينظر في عين ألقائد و لكن ألقائد بقى مسمرا ً
ينظر في عين و طول هذا ألأسمر بصمت مطبق كإنه صمت ألقبور.
أكمل ألسيد ألقائد مشواره في تفتيش ألصف ألأمامي و دخل يفتش ألصف
ألثاني ، و عندما وصل إلى منتصف ألصف ألثاني توقف و إستدار ينظر إلى ظهر ذات
ألجندي ألواقف في منتصف ألصف ألأمامي و هو يقلب فكره ذات أليمين و ذات ألشمال و
لسان حاله يقول إن بيننا سابق معرفة و لكن أين و متى ؟؟
لم يكترث ألسيد ألقائد بعملية ألتفتيش
إطلاقا فقد مر على بقية ألسجناء كمرور ألكرام و عاد إلى منتصف ألصف ألأول و أشار
إلى ألجندي ألأسمر و قال لأمر ألكردوس ، أريده في غرفة ألآمر !!!
لقد كانوا فقط إثنين في ألغرفة ألسيد قائد ألفرقة و آمر مدرسة ألقتال
عندما وصل ألجندي ألأسمر مع رأس عرفاء ألوحدة ألذي كان يؤنبه طول ألطريق و يتوعده
بانه سوف يسلخ جلدة و يجعله خفر واجبات في ألسجن طول عمره لو تبين انه قد عمل عمله
سوده مسخمه.
ألرقم 5 ......... ألجندي خالد ......
ألعبيدي سيدي !!! هكذا قدم ألجندي ألأسمر نفسه للسيد ألقائد بعد إداء ألتحية
ألعسكرية ( طبعا ً قد سبقه رأس عرفاء ألوحدة في ألدخول إلى غرفة آمر ألمدرسة و
إداء التحية ألعسكرية للسيد ألقائد ) . قال آمر ألمدرسه لرأس ألعرفاء ، ليبقى
ألجندي و انت عليك ألإنتظار في ألخارج .
ألسيد ألقائد ينظر مرة أخرى بتمعن أكثر إلى ألجندي و يستجمع أفكاره ثم
يقول للجندي ، أني أعرفك بس أين لا أتذكر ، و نحن متشاوفين سابقا ً .
ألجندي ألأسمر يرد ، ما أعرف سيدي
!!!
ألسيد ألقائد يقول ، أنا متأكد أنني أعرفك
و سبق أن إلتقينا ، ليش تخاف مني و تقول ما أعرف.
ألجندي ألأسمر يقول ، ما أدري سيدي ، بس
أني لم أشاهدك من قبل سيدي !!!!
ألسيد ألقائد يقول بعصبية واضحة ، أبد أبد
كلامك غير صحيح ، صورتك تدور في رأسي
!!
يتدخل آمر ألمدرسة و يقول للجندي ، إبني
ليش ما تتكلم ألصحيح ، يعني أكيد ألسيد ألقائد متأكد ، إنت شنو خايف من شيئ ؟؟؟
ألجندي ألأسمر ، يا سيدي أريد ألراي و
ألأمان من ألسيد ألقائد ، و بعدها ساتكلم !!!
ألسيد ألقائد ، من عندي إلك ألراي و ألأمان
بس إتكلم
.
ألجندي ألأسمر يرد ، سيدي أني ألذي خلصتك
من شرطي ألمرور في تقاطع قبة ألصخرة في شارع فلسطين
!!!!
قفز ألقائد من كرسيه و هو يقول ، ألآن
تذكرتك هو أنت صاحب ألمرسيدس ألزيتوني ، بس شلون فهمني ؟؟؟
ألجندي ألأسمر ، يا سيدي أنا قضيت أغلب
سنين ألقادسية هارب من ألخدمة ألعسكرية ، و أنا أساسا ً تاجر ، لهذا إشتريت هذه
ألسيارة ألمرسدس الجامبو زيتوني أللون و كنت ألبس على طول بدلة ألسفاري ألقطعتين
ذات اللون ألزيتوني ـ و من ألله شكلي يساعد على ألظهور بمظهر أحد رجال ألأجهزة
ألأمنية ألكبار !!!! لهذا كنت أتنقل داخل بغداد بحرية كبيرة جدا ً و كثيرا ً ما
كانت دوريات ألشرطة و ألمرور يؤدون لي ألتحية و يفتحون لي ألطريق للمرور بسرعة مع
إبتساماتي ألعريضة لهم ، و لم تعترضني أية مفرزة إنضباط عسكري إطلاقا ً !!! و أنت
يا سيدي قد لاحظت ذلك عندما قام شرطي ألمرور بإداء ألتحية لي و تركك تذهب بسببي .
ألسيد ألقائد ، و الله أنت مصيبة ، طبعا ً لم أستطيع في ذلك أليوم أن
أشكرك ، و ألان عرفت لماذا لم تقترب من ألتقاطع وثم غادرت مسرعا قبل أن أتقرب إليك
لأتعرف عليك و أشكرك ، و لكن ألان أقول لك شكرا ً جزيلا ً ، ثم أردف ألقائد يقول و
ألان كلمني عن وجودك في ألسجن
تكلم صديقي بكل صدق عن ظروف وجوده بإلسجن
كجندي هارب من ألخدمة ألعسكرية مشمول بنظام ألسجن ألإصلاحي و إنه على وشك أن يكمل
ألسنة ألأولى له في ألسجن.
هنا قفز ألسيد ألقائد من كرسية و أبلغ آمر ألمدرسة أن يرفع توصية
بإلجندي ألأسمر و سيرسلها قائد ألفرقه إلى ألفيلق لكي يطلق سراحه بصلاحية قائد
ألفيلق عن حسن سيره و سلوكه خلال ألسنة ألأولى من سجنه . طبعا بعد ذلك لم يستطيع
راس عرفاء ألوحده ألتنفس أمام صديقي لأن فيه توصية مشددة من ألسيد ألقايد .
رحم ألله صديقي و سيدي ألسيد ألقائد أللواء
ألركن مجيد ........... ززز .
و رحم ألله صديقي خالد ألعبيدي أبا فراس .
أما عن سمير ، فهذا قصته قصة مشابهة لصديقي أبا فراس في تقمص و إنتحال
شخصية مغايرة تماما ً لشخصيته ، سمير هو من عمري و صديق مرحلة ألصبا ، كلانا
تخرجنا من إبتدائية إبن ألمعتز للبنين ألمزدوجة مع بناية إبتدائية ألفضل للبنين ،
و لكن إفترقنا في مرحلة ألمتوسطة و هكذا إبتعدنا شيئا ً فشيئا ً عن بعض ، و لكني
في إحدى سنوات ألقادسية إلتقيته مرة صدفة في ألباب ألشرقي و لم يستطيع ألهروب مني
لأنني قطعت عليه ألطريق و وقفت أمامه وجها ً لوجه !!!
لقد وجدت أمامي شخصا ً يرتدي ألملابس ألكاملة للقس و بيدة نسخة من
ألإنجيل !!!! و سمير يتمتع ايضا ً بنحافة جميلة وطولا ً فارعا ً ، مع وجه طويل
نسبيا ً ولون شعر راسه أشقر و شواربه و حتى حواجه كذلك
ما هذا يا سمير هل تخبلت و أصبحت مجنون ،
لماذا ترتدي ملابس ألقس ؟؟؟؟
يقول سمير إنه لم يجد أمامه من طريقة للهروب من ألخدمة ألعسكرية و
ممارسة حياته اليومية غير أن يرتدي ملابس ألقس هذه ألتي جعلته يصول و يجول في
بغداد دون أن يعترضه أي عنصر من عناصر ألإنضباط ألعسكري !!!
مع تحياتي للجميع
أخوكم
أللواء ألركن
مؤيد ألجبوري
28 حزيران 2018