الثلاثاء، 29 ديسمبر 2015

بيان قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي بمناسبة الذكرى التاسعة لاستشهاد الرئيس الخالد صدام حسين




تفنيد للروايه الاميركيه لاعتقال شهيد الأضحى

انت الشعب كله

شهيد الأضحى في صباح عيد الاضحى ٢٠٠٢

سعد الدين زيدان قصيدة رثاء لشهيد الأضحى( اكثر من رائعه)

الاثنين، 28 ديسمبر 2015

اللجنة التحضيرية الفرعية في المملكة المغربية للذكرى التاسعة لاستشهاد الرئيس الخالد صدام حسين ..لقاء مع الدكتور عبد السلام الفيزازي




اللجنة التحضيرية للذكرى التاسعة لاستشهاد
 الرئيس الخالد صدام حسين
سيبقى استشهادك نبراسا ينير درب الاحرار والثوار




لجنة المغرب
----------------


لقاء اذاعي اجرته لجنة المغرب مع الباحث الاكاديمي والاستاذ في كلية الاداب والعلوم الانسانية في أكادير
الدكتور عبد السلام الفيزازي
واجرى اللقاء معه الدكتور ميمون بنزواغ
وجاء هذا اللقاء بمناسبة الذكرى التاسعة لاستشهاد الرئيس الخالد صدام حسين


كانون اول -2015
------------------------------------

الأربعاء، 23 ديسمبر 2015

كتاب العراق ثلاثون عاما من مسيرة الخير والتقدم ...صادر عن وزارة الثقافة والاعلام العراقية عام 1998 ...الجزء التاسع والاخير








العراق
ثلاثون عاماً من مسيرة الخير والتقدم
الجزء التاسع والاخير
----------------------------------
الفصل الرابع عشر
أم المعارك


التناقض بين الستراتيجة الأميركية وإستراتيجية العراق القومية

إن أم المعارك..ليست حرباً وقعت، وحصاراً فرض بسبب دخول العراق الكويت، إنما هي ذروة صراع طويل بين موقفين لكل منهما أهدافه:
موقف امبريالي عدواني
وموقف حضاري أنساني
موقف يسعى إلى الهيمنة والاستعباد، وموقف يؤمن بالاستقلال والعدالة.
لقد تجسد هذا التناقض في إستراتيجيتين تمثلان رؤية العراق القومية والرؤية الأميركية لقضيتين أساسيتين.. هما:
1- النفط.
2- مستقبل العرب.
في هذه المعركة التاريخية كان العراق بدافع عن حريته واستقلاله.. وعن الحقوق والمصالح العربية المشروعة، في حين، كانت أميركا تستغل الظروف الدولية الناشئة عن فقدان التوازن الدولي، للعدوان والهيمنة على مقدرات منطقة الخليج.. وبالتالي على العالم كله.
إن «النفط» هو الركيزة الأساس في سياسة الهيمنة الأميركية التي أدت إلى العدوان على العراق وفرض الحصار الجائر عليا.. ولابد لذلك من العودة إلى الحقائق..
أولاً- في مجال النفط والطاقة -
يقول وزير الدفاع الأميركي الأسبق جون براون:
(ان من يسيطر على النفط يسيطر على العالم).
ووصفت وزارة الخارجية الأميركية في تقرير سري لها نفط السعودية في الخمسينيات (انه مصدر هائل للقوة الإستراتيجية، وإحدى أعظم الجوائز المادية في تاريخ العالم.. بل انها أغنى غنيمة اقتصادية في العالم).
النفط.. مادة أساسية في دوران الاقتصاد العالمي سواء في الدول المتقدمة أم في الدول النامية. وعلى الرغم من ان الولايات المتحدة تعد من اكبر منتجي النفط في العالم (تنتج الآن نحو 8.6مليون برميل يومياً)، فأن استهلاكها الداخلي يصل إلى (18) مليون برميل يومياً، أي انها تستورد نحو (55%) من احتياجاتها من الخارج، وأن خط الاستيراد في تصاعد سنوي لان الإنتاج المحلي الأميركي في نضوب، وكلفة إنتاجه في ازدياد.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لم تكن استيرادات الولايات المتحدة من النفط بحجمها نفسه الآن، ولكنها اهتمت منذ ذلك الحين بأن تتزعم (النظام العالمي) لكي لا تنهج أوربا واليابان نهجاً «مستقلاً» عنها، وفي عام 1949اقترر السياسي الأميركي (جور- كينان) قائلاً: «ان سيطرة الولايات المتحدة على استيرادات اليابان النفطية سيسهل حصول أميركا على سلطة النقض على سياسات اليابان العسكرية والصناعية».
لذلك عملت الولايات المتحدة على مساعدة اليابان على التصنيع خصوصاً بعد نشوب الحرب الكورية وحاجة الجيوش الأميركية إلى قاعدة صناعية قريبة لإمدادها بالسلاح والعتاد، فأعادت بناء الصناعة اليابانية العسكرية التقليدية، وفي الوقت نفسه أحكمت السيطرة على تجهيز اليابان بالنفط وعلى صناعة تكريره، ولم تستطع اليابان إلى منتصف السبعينيات تطوير صناعتها النفطية المستقلة إلا بنسبة (10%)، اما الـ(.9%) الأخرى فكانت من حصة الشركات الأميركية.
وكان من أهداف مشروع مارشال لإعادة بناء أوربا الغربية صناعياً بعد الحرب ان تعتمد أوربا على النفط الذي تجهزه لها الشركات الانكلو- أميركية.
لقد ترسخت علاقة الولايات المتحدة بالوطن العربي قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، إذ التقى الرئيس الأميركي الأسبق روزفلت الملك عبد العزيز على ظهر باخرة قرب خليج السويس واتفق على ربط السعودية بالمصالح الأميركية. ثم عملت الولايات المتحدة عام 1947على دعم إقامة الكيان الصهيوني. ودبرت عام 1953عملية الانقلاب على حكومة محمد مصدق الشرعية في إيران بسبب إقدامه على تأميم النفط، فحصلت أميركا علي (40 %) من امتيازات النفط الإيراني، إضافة إلى امتيازات اقتصادية وعسكرية وسياسية ومشتريات إيرانية من الولايات المتحدة حصراً. وعُين (كيرميت روزفلت) ضابط CIA الذي خطط لانقلاب زاهدي على (مصدق لم نائباً لرئيس شركة (غولف اويل) البترولية الكبرى.
وبعد ثورة 17-30 تموز المجيدة 1968اقدم شاه إيران بالتنسيق مع أميركا على تنفيذ حركة تآمرية إيرانية رجعية في كانون الثاني 1970 الوضع العراق تحت الهيمنة الأميركية.. إلا ان الثورة قضت على هذه المؤامرة.
وفي مايس عام 1972، عندما كانت المفاوضات بين العراق وشركات النفط في ذروة التأزم عقد اجتماع في طهران بين الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركية آنذاك مع شاه إيران للتنسيق فيما بينهم للتآمر على النظام في العراق.
وجاء تأميم النفط العراقي في 1حزيران 1972ضربة كبيرة للاحتكارات النفطية الانكلو- أميركية. وفي ذلك العام وضعت الإدارة الأميركية العراق في قائمة (الدول الإرهابية) بحسب زعمها.. وفي مطلع عام 1973بدأت وزارة الدفاع الأميركية تدريبات عسكرية سنوية في صحراء موجاف اسمها (كالي كانيون) حيث يتدرب المارينز لم مشاة البحرية لم علي مقاتلة جنود يرتدون ملابس وتجهيزات عسكرية عراقية. وأعلن الرئيس نيكسون ما يسمى بـ(مبدأ نيكسون) الذي أقر الاعتماد علي قوى إقليمية (إيران والسعودية وإسرائيل) لتكون خط الدفاع الأول ضد أي تحديات للمصالح الأميركية في المنطقة.
وفي 23/12/1974 صرح كيسنجر انه (لا يستبعد قيام الولايات المتحدة بعمل مسكري للاستيلاء علي منابع النفط كلها في الخليج من اجل السيطرة على أسعاره) إذ كان سعر البرميل آنذاك (34) دولاراً، اما سعره في السوق الفورية فكان يتراوح بين (40-50) دولاراً للبرميل.
ومنذ ذلك الوقت اصبر السياسيون الاميركان يناقشون علناً احتمالات القيام بغزو عسكري لمنطقة الخليج، وأوصت لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي في مطلع عام 1975(بضرورة غزو منابع النفط في الخليج).
وفي 7/11/1979ناقشت لجنة الطاقة والموارد الطبيعية في مجلس الشيوخ الأميركي الوضع في المنطقة وقدمت تقريراً إلى الرئيس كارتر جاء فيه: (لأن أميركا زعيمة العالم الغربي، فهي الدولة الوحيدة المؤهلة لإمداد أوربا الغربية بالنفط.. وأن زعامتنا لدول العالم أمر يجب ألا يكون مجالاً للنقاش سواء فيما بيننا.. أم بيننا وبين دول العالم الأخرى).
اما عن الوطن العربي فقالت اللجنة في تقريرها:
1- يجب ألا نسمح بظهور دولة عربية قوية سياسياً واقتصادياً قد تفرض سياسات وطنية على دول الخليج فترفع من أسعار النفط.
2- ويجب ألا نسمر باستقرار الأحوال السياسية والعلاقات العربية - العربية.
3- إن استمرار الصراع العربي الإسرائيلي يؤدي إلى تعاظم شعور العرب بالوحدة، ويدفعهم إلى اتخاذ سياسات موحدة تجاه الولايات المتحدة والغرب. لذلك يجب حث الخطى في طريق تسوية هذا النزاع خصوصاً بعد أن أخرجت مصر من المعسكر المعادي لإسرائيل.
وفي اثر مناقشة هذا التقرير المهم في مجلس الأمن القومي الأميركي اصدر الرئيس كارتر بيانه الذي عرف فيما بعد بـ (مبدأ كارتر) الذي أعلن فيه (ان النفط ليس مادة إستراتيجية تدخل ضمن مقومات الأمن القومي الأميركي حسب، بل انه دم الحياة بالنسبة إلى الولايات المتحدة).
وفي مؤتمر لخبراء النفط عقد في لندن عام 1994 عن توقعات استهلاك النفط حتى 2010 اتضحت الصورة الآتية:
(إن حجم استهلاك العالم من النفط في عام 2010 سيزيد على عام 1995 بحجم يتراوح بين "15" إلى "20" مليون برميل يومياً، وان أسباب هذه الزيادة ناتجة عن:
1- انخفاض إنتاجية حقول النفط في أميركا وروسيا والمكسيك وبعض دول الاوبيك.
2- النمو في الطلب نتيجة التقدم الاقتصادي في جنوب شرقي أسيا والصين ودول أميركا اللاتينية وبعض الدول الإفريقية.
وقد أجاب المؤتمر عن السؤال الأساسي:
من أين سيعوض هذا الطلب الجديد المتنامي من عام 1995الى 2010 وما بعده؟
وقد كانت الإجابة حتى عام 2000 فأن الدول (السعودية، العراق، الإمارات، الكويت) هي التي ستتولى توريد الطلب المتنامي، ولكن بعد عام 2000 سيتغير ترتيب هذه الدول لتصبح (العراق، السعودية، الإمارات، الكويت) إذ سيزداد احتياطي العراق من النفط من (148) مليار برميل حالياً إلى نحو (300) مليار برميل مقارنة باحتياطي السعودية الحالي (227) مليار برميل وسيظل النفط العراقي اقل كلفة في إنتاجه من أي نفط أخر في العالم، بسبب غزارة حقوله العملاقة.
أما الرؤية العراقية - القومية للنفط.. فتتلخص في أن النفط مادة حيوية في الاقتصاد العراقي والعربي والعالمي لان فيه منافع للمنتجين (العرب) وللمستهلكين (الدول الصناعية والدول النامية)، ويجب ان يباع بأسعار عادلة، لا تغمط حقوق المنتجين العرب، ولا ترهق المستهلكين (الدول الأخرى).. وهذا شعار رفعه العراق منذ أكثر من خمس وعشرين سنة في مؤتمرات الاوبيك وفي الأوساط الدولية.
ولأن النفط هو مادة عراقية وعربية وليس نفطاً أميركياً أو بريطانياً، فأن عوائده يجب ان تستخدم لأغراض التنمية القطرية والقومية. وليس لخدمة المصالح غير المشروعة لأميركا وبريطانيا.
لذلك سعى العراق في قمة عمان عام.198 إلى إنشاء الصندوق العربي للتنمية برأسمال قدره (500) مليون دولار، وأسهم فيه وهو يدافع عن العرب في القادسية. ان هذا المشروع الذي لم تكتب له الحياة لتنصل دول الخليج منه، كان مقدراً له ان يعزن التضامن العربي والتنمية القومية.
ثم أرسلت الإدارة الأميركية في 3كانون الثاني 1981بعثة خاصة إلى السعودية برئاسة عضو مجلس الشيوخ (برادلي) مكثت هناك 22يوماً وجمعت معلومات سياسية واقتصادية وعسكرية عن تأثير الحرب العراقية - الإيرانية في نفط الخليج.. وأعدت دراسة إلى البيت الأبيض كان من أهم توصياتها:
1- مادام الصراع بين العراق وإيران قد وقع فعلاً، فمن الضروري العمل على استمراره بما يحقق التكافؤ بين الطرفين، كما ان استمراره يجعل الدول الخليجية وثيقة الصلة بنا وبحلفائنا في الغرب للعمل على حمايتها.
2- ان السيطرة على نفط الخليج ستمكننا من فرض وجهة نظرنا في السياسة النفطية على جميع الدول المستهلكة للنفط.. وفي هذه الحالة لن تكون بنا حاجة إلى عقد اتفاقات معها، بل ان هذه الدول هي التي ستسعى الينا لعقد اتفاقات معنا.
واختتمت اللجنة تقريرها بالتوصية الآتية:
(لذلك بات من الضروري تحجيم قوى العراق وإمكاناته).
وهكذا وضعت هيئة الأركان الأميركية في عام 1981خطة الحرب المسماة (WAR PLAN-1002 ( التي تضمنت الإجراءات اللازمة لنقل قوات أميركية بسرعة إلى الخليج تحت غطاء احتمال (الرد على تهديدات سوفياتية للخليج).. وهي تهديدات لا وجود لها.. ألا ان العسكريين الاميركان أرادوا امرار الخطة في الكونغرس تحت هذا الغطاء من اجل الحصول على تخصيصات مالية دفاعية. وبموجب هذه الخطة شكلت (القيادة العسكرية الأميركية المركزية) التي ترأسها عام 1987 الجنرال نورمان شوارزكوف الذي عاش منذ طفولته في الشرق الأوسط مع والده وآخرين ممن أسهموا في عام 1953في قلب حكومة مصدق في إيران.
وفي العام 1981 نفسه أقرت لجنة الاستماع الخاصة في الكونغرس التابعة للجنة العلاقات الخارجية (ان من الضروري جداً عرقلة القيادة السياسية العراقية عن تنفيذ أي من أهدافها، وضرورة تحجيم نفوذها السياسي والاقتصادي.. ومنع امتداد النفوذ العراقي داخل الاوبيك).
وهكذا بدأت الإدارة الأميركية بتزويد إيران عن طريق الكيان الصهيوني بالأسلحة والعتاد والمعلومات الاستخبارية عن العراق والتي انكشفت فيما بعد على شكل فضيحة سميت (إيران - غيت). وعندما سئل الرئيس ريغان فيما بعد عن أسباب دعمه لإيران في نزاعها مع العراق قال: (ان أسباب تزويدنا إيران بالسلاح لم تكن نتيجة صفقة انتخابية.. وإنما لضرورات متعلقة بالسياسة العليا للدولة).
أما تقرير لجنة الكونغرس الخاص بالتحقيق في قضية إيران - غيت فكان واضح المقاصد وجاء فيه:
* إن السياسة الأميركية المعلنة كانت تستند إلى تحسين العلاقات مع العراق، ولكنها في الخفاء كانت خلاف ذلك.
* إن العقيد (اوليفر نورث) المسؤول عن ترتيب التعاون العسكري بين إسرائيل وإيران إبان الحرب العراقية الإيرانية اخبر الإيرانيين ان الولايات المتحدة ستعمل على تقديم الدعم لتغيير نظام الحكم في العراق.
هنا. لابد من التأمل قليلاً، والتذكير بأسباب رفض الخميني القرارات والوساطات الدولية كافة لإيقاف الحرب، وإصراره على أن الحرب مع العراق لن تتوقف إلا بعد احتلال العراق وإخضاعه للنفوذ الفارسي. وظل مصراً على ذلك إلى ان تجرع كأس السم في 20/7/1988 عندما وافق على قرار مجلس الأمن 598الصادر عام 1987، بعد انهيار إيران عسكرياً.
ثانياً: في مستقبل العرب
تنظر الرؤية الأميركية إلى مستقبل العرب من خلال خطوط حمر وضعتها أمام الأمة العربية والأنظمة العربية نفسها وتمنعها (أي الأنظمة) من تجاوزها أو العمل من أجلها.. وهي:
1- ممنوع على العرب إقامة أي كيان وحدوي، أو اتحاد حقيقي، أو عمل عربي مشترك ومتواصل. لان مثل هذه الخطوة تخل بميزان القوى تجاه (إسرائيل).. وتشجع العرب على مزيد من التقارب والتوحد بل ان على العرب ان يمنحوا الأقليات القومية وحتى المذاهب الدينية حق الانفصال بحجة (الديمقراطية وحقوق الإنسان)، ألا ان الهدف الحقيقي هو مزيد من التجزئة والتناحر في الوطن العربي لأجل القضاء على شعار الوحدة العربية.
 2- محظور على العرب التقدم الصناعي والتكنولوجي المستقل، وعلى الدول العربية ان تكون مفتوحة للاستثمارات والسلع الأميركية، وان تسهل استثمار ثروة العرب النفطية والمواد الإستراتيجية الأخرى على وفق الشروط الأميركية، وان تكون الأنظمة العربية حارسة للمصالح الأميركية ومثال على ذلك فقد أصبح مجموع الأموال الخليجية المسجلة دفترياً على شكل استثمارات في أميركا وبريطانيا ولا يمكن سحبها أو استعادتها نحو (750) مليار دولار حتى عام 1990، في حين كانت تبلغ المديونية الخارجية لكل العرب بما فيهم دول النفط (250) مليار دولار.
أما الرؤية العراقية القومية لمستقبل العرب فهي متناقضة مع الرؤية الأميركية.. فهي تسعى إلى زج إمكانيات العرب من اجل مشروع نهضوي متكامل في جوانبه العلمية والاقتصادية والسياسية والحضارية دون ان تعتدي على احد، أو تغتصب حقوق احد، وان تتعامل مع العالم على أسس متكافئة ومصالح مشروعة وعادلة.
وأن من حق العرب كأمة واحدة ان يحققوا وحدتهم القومية إذن.. هذا التناقض في الإستراتيجيتين في مجال (النفط) وفي (مستقبل العرب لم ليس خلافا في الرأي، بل هو صراع شامل.. صراع فكري اقتصادي سياسي، تطور بعد انتصار العراق على إيران إلى صراع أكثر حدة بعد ان فشلت حرب إيران في إخضاع العراق.
بداية الإعداد لعدوان جديد
بعد تحرير مدينة الفاو في نيسان 1988قرر السيد الرئيس القائد صدام حسين المباشرة بمناقشة موضوع الحدود مع الكويت وتم إبلاغ هذا القرار من قبل وزير خارجية العراق إلى وزير خارجية الكويت. أثناء لقائهما في القمة العربية في الجزائر عام 1988 وكان اقتراح العراق ان يناقش الوزيران هذا الموضوع من دون إعلان وضوضاء وان يقدما مقترحات مبلورة للسيد الرئيس القائد صدام حسين ولأمير الكويت لأن المحادثات السابقة التي جرت في ظل الصخب الإعلامي الكويتي لم تؤد إلى نتيجة.
غير ان حكام الكويت ماطلوا متعمدين في متابعة هذا الموضوع طيلة عام 1988وعام 1989وحتى شباط عام 1990، الذي توقفت فيه المحادثات عملياً.
وبعد شباط 1990 بدأت لعبة تخفيض أسعار النفط. لقد كانت أسعار النفط في كانون الأول 1989تصل إلى (21) دولاراً للبرميل، وكان سوق النفط رائجاً.. ولكن الذي حدث ان الكويت بدأت في زيادة إنتاجها من النفط إلى (2.5) مليون برميل في اليوم في حين ان حصتها كانت بموجب نظام الحصص في الاوبيك هي (1.095) مليون برميل، إضافة إلى سرقتها نفط الرميلة الجنوبي ورفض إعطاء الاوبيك معلومات عن إنتاجها ونوعيته لان نوعية النفط العراقي من الرميلة معروفة. كما زادت دولة الإمارات العربية إنتاجها أيضاً، وأدى ذلك إلى هبوط الأسعار إلى (11) دولاراً في نيسان 1990 وإلحاق خسائر بإيرادات العراق تقدر بمليار دولار لكل دولار يطرح من سعر البرميل الواحد.
وفي هذا الوقت بالذات بدأت أجهزة الإعلام الأميركية ومن بعدها الغربية حملاتها المسمومة على العراق وقيادته وباتجاه تصوير العراق وكأنه خطر على الخليج، بل وعلى العالم كله.
وقبل ذلك كانت معالم التآمر الأميركي على العراق تظهر هنا وهناك.
وفي تشرين الأول عام 1989 التقى الرفيق طارق عزيز نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية آنذاك في واشنطن الوزير الأميركي جيمس بيكر، وابلغه ان العراق لديه معلومات مؤكدة أن إدارة بوش تتآمر على شخص السيد الرئيس القائد صدام حسين وقال له «لماذا تفعلون ذلك ثم تدعون انكم حريصون على إقامة علاقات طيبة مع العراق». وبعد أشهر قليلة اتخذ مجلس الشيوخ الأميركي قراراً في 28شباط 1990 بإيقاف التسهيلات المصرفية الممنوحة للعراق لاستيراد الرز والقمح الأميركي وبذلك بدأت الإدارة الأميركية الحصار الغذائي على العراق بعد فرضها الحصار العالمي عليه.
وفي 31أذار1990 تصاعدت حدة التهديدات الأميركية والإسرائيلية للعراق فصرح نائب رئيس الأركان الإسرائيلي بأن (إسرائيل) تستعد لضرب المفاصل الصناعية الرئيسة في العراق، وقد رد عليهم السيد الرئيس القائد في خطابه في 2نيسان 1990 بأن العراق سيحرق نصف الكيان الصهيوني إذا استخدم ضد العراق السلاح النووي.
واستمرت أسعار النفط في الهبوط، وأصبح العراق في وضع يهدده بالعجز عن تسديد ديونه البالغة حوالي (40) مليار دولار عدا الفوائد، ومن ثم تعلن البنوك عجزه، وتتوقف عن منحه تسهيلات مصرفية للشراء بالآجل، وهذا معناه ان العراق يسدد الديون فقط ولا يستطيع شراء الغذاء والمواد الأساسية للشعب العراقي وهكذا يكمل الحصار الغذائي والعلمي على العراق، وتشل قدرة العراق على الاستمرار في بناء قوتا واقتصاده.
وفشلت كل مساعي العراق مع الكويت لمعالجة هذا الموضوع.. وبرغم اتصالاتنا المستمرة مع السعودية والإمارات وغيرها من دول الخليج استمرت الأسعار في التدهور وتصرفت الكويت بأسلوب فظ تجاه مساعي العراق لإجراء حوار بناء.
وفي 29مايس 1990 انعقدت القمة العربية في بغداد لبحث التهديدات الإسرائيلية والأميركية.
وبعد انتهاء أعمال القمة بنجار تحدث السيد الرئيس القائد (حفظه الله) عن الموضوع بأسلوب موضوعي واخوي وقال بان الذي يجري هو حرب على العراق.. وان الذي ينوي شن الحرب على العراق عليه ان يتوقف عن الأذى، ولكن حكام الكويت لم يتراجعوا عن موقفهم.
وفي خطاب 17تموز 1990 تحدث السيد الرئيس القائد عن الموضوع مرة أخرى محذراً من ان (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق) ولكن دون جدوى، فاستمروا في فينهم، وسط التهديدات الأميركية والإسرائيلية لافتعال معركة مع العراق.. لقد كان العراق يتوقع الضربات التي تستهدف مواقعه الإستراتيجية في أي وقت.

ثم اشتكى العراق لدى الجامعة العربية، والتقى في جدة وزراء نفط السعودية والكويت وقطر والإمارات واتفقوا على الالتزام بحصص الاوبيك، ولكن لم تمض فترة قصيرة حتى أعلن وزير النفط الكويتي ان الكويت لا تلتزم بمقررات اجتماع جدة.
لقد تعددت المعارك.. إذ فتحت الامبريالية الأميركية والصهيونية وعملاؤهما في المنطقة كل صفحات الصراع مع العراق في وقت واحد: المعركة السياسية، والمعركة الإعلامية، والمعركة الاقتصادية، ان ما حدث في 2أب 1990 يفسر في إطار هذه الخلفية.. المدعمة بالحقائق.
وبعد 2 أب 1990 تعددت الأساليب والأشكال الإعلامية التي اتبعتها الإدارة الأميركية في تهيئة الرأي العام الأميركي وتعبئته ليكون جاهزاً لشن العدوان العسكري على العراق كأمر حتمي.
تبرير إرسال القوات الأميركية إلى السعودية
ركزت أجهزة الإعلام الأوربية، ان هناك خطراً محدقاً بالسعودية نتيجة دخول العراق الكويت، بل ان منطقة الخليج كلها مهددة وهذا يعني ان المصالح الأميركية والعالمية أصبحت في خطر كبير، ويشكل هذا الخطر تهديداً للأمن والسلام العالمي.
وهكذا تم إرسال قوات أميركية إلى السعودية بذريعة ان ذلك تلبية لنداء من السعودية، وبناء على طلبها ورغبتها في الدفاع عن أراضيها. وعلى مدى الأربع والعشرين ساعة من دخول القوات العراقية الكويت أذاعت شبكات التلفزيون الأميركية الرئيسة (40) تقريراً عن (الاجتياح العراقي) وعن (جيش عراقي يواصل التحرك جنوباً باتجاه السعودية) ثم أذاعت (10) تقارير عن القوات العراقية وتسليحها وأعداد الفرق والحرس الجمهوري ومستوياتها القتالية. ثم أفاضت في أكاذيب تثير الرعب قائلة (إن اجتياح العراق السعودية سوف يبدأ بالتركيز في المرافق والمطارات القريبة من الظهران والتي تبعد عن الحدود الكويتية ثلاثة كيلومترات - لاحظوا التضليل في المسافة حيث تبعد الظهران عن الحدود أكثر من 450 كيلو متراً).. اما الخطوة التالية (فستكون احتلال الرياض عاصمة السعودية.. وتتركز في منطقة الظهران جميع الأهداف الاقتصادية الحيوية التي يؤدي الاستيلاء عليها إلى إغلاق الخليج على السعوديين والى إعاقة الإمدادات العسكرية إلى السعودية) .. ومعنى هذه الرسالة الإعلامية ان التدخل السريع جداً أصبح ضرورة حتمية
ولكي يتعاطف الرأي العام الأميركي مع إرسال القطعات.. عرضت أجهزة الإعلام الأميركية صور الدبابات الكويتية المغروسة في رمال الصحراء قرب حدود الكويت مع السعودية على انها دبابات عراقية في طريقها إلى اجتياح الأراضي السعودية، وفي فطب الرئيس بوش وتصريحاته في الشهور الثلاثة الأولى وردت كلمة (الدفاع عن السعودية) 39مرة. وفي عشرين برنامجا من الحوار والمناقشات مع وزير الدفاع الأميركي (ديك تشيني) وعدد من المسؤولين الاميركان تردد وصف مهمة القوات الأميركية (130) مرة على انها مهمة دفاعية عن السعودية ضد هجوم عراقي محتمل عليها. وكان الرئيس بوش يعلن من حين إلى أخر ان العراق سيخنق الغرب اقتصادياً إذ سيصب مالكاً لـ (.2%) من احتياطي النفط في العالم (احتياطي العراق واحتياطي الكويت). اما ون ير الخارجية جيمس بيكر فكان يحذر مما اسماه بالآثار الاقتصادية الوخيمة التي سيواجهها المواطن الأميركي فيقول في تصريح له في جريدة (واشنطن بوست) ان النمو الاقتصادي في أميركا سينخفض إلى النصف ثم يتوقف.. ويعود بوش إلى الظهور في التلفزيون محذراً بقوله (ان الخزين النفطي الأميركي لا يكفي أكثر من 80 يوماً).
وفي مقابلة له مع شبكة (CBS) التلفزيونية الأميركية يقول بيكر (ان الخطر الذي سيواجهه المواطنون الأميركيون هو البطالة، إذ ستضطر الشركات إلى الاستغناء عن خدمات الموظفين والعمال) وتتلاقف أجهزة الإعلام الأميركية هذه الفرية وتشبعها بحثاً وتحليلاً، ثم تتحدث إذاعة صوت أميركا ان البطالة في الولايات المتحدة قد بدأت فعلا بالارتفاع.
ومن اجل (تسويق) الحرب على العراق، تحدث بوش وخبراؤه عن قرب امتلاك العراق السلاح النووي فخفضت التقديرات السابقة لفترة امتلاكه هذا السلاح من خمس سنوات إلى ستة أشهر!.
مبادرات عراقية
لقد رغب العراق منذ البداية في إيجاد حل عربي.. وتجاوب مع كل الدعوات التي دعت إلى ذلك.. كما كان ايجابياً ومنفتحاً على المبادرات الدولية لإيجاد حل سلمي عادل ومتوازن لحل النزاع وكما يأتي:-
1- في اثر صدور قرار مجلس الأمن (660) في مساء الخميس 2/8/1990الذي يدعو في الفقرة «3» منه (العراق والكويت إلى البدء بمفاوضات مكثفة لحل خلافاتهما ويؤيد جميع الجهود المبذولة في هذا الصدد، وبوجه خاص جهود الجامعة العربية) أعلن العراق في يوم السبت 4/8/1990 استعداده للانسحاب من الكويت.. وبدأ فعلاً بسحب قواته يوم الأحد 5/8/1990.. وأعلن ان الوجبة الأخرى ستسحب في يوم الثلاثاء 7/8/1990 وتهيأت فعلاً للانسحاب وقبل ذلك تم الاتفاق على عقد مؤتمر في جدة لمعالجة الموضوع يضم العراق، مصر، الأردن، السعودية، اليمن، ولكن المؤتمر لم ينعقد ودخلت القوات الأميركية الأراضي السعودية في نفس الموعد المقرر للمؤتمر.
2- ولما فشل الحل الأول، أعلن العراق في 12/8/1990 مبادرة ذات طبية شاملة تضمنت:
"أعداد ترتيبات انسحاب وفق مبادئ واحدة لانسحاب "إسرائيل" فوراً وبلا شروط من الأراضي العربية المحتلة في فلسطين وسوريا ولبنان، وانسحاب سوريا من لبنان، والانسحاب بين العراق وإيران، ووضع ترتيبات لحالة الكويت.
* تنسحب فورا من السعودية القوات الأميركية والقوات الأخرى التي استجابت لمؤامرتها وان تحل محلها قوات عربية يحدد حجمها وجنسيتها وواجباتها وأماكن تواجدها مجلس الأمن يعاونه الأمين العام للأمم المتحدة.
* ان تتجمد فوراً كل قرارات المقاطعة والحصار ضد العراق وتعود الأمور إلى مجراها الطبيعي في التعامل الاقتصادي والسياسي والعلمي بين العراق ودول العالم.
3- وفي لقاءات السيد الرئيس القائد مع الشخصيات العالمية مثل كورت فالدهايم / رئيس النمسا الذي التقاه في 26/8/1990، وجيسي جاكسون / مرشح الحزب الديمقراطي الأميركي للرئاسة في 28/8/1990 أبدى المراق استعداداً لإجراء تسوية للازمة بالمفاوضات.
4- في أيلول 1990 أعلن الرئيس ميتران في الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادرة فرنسية قال فيها (ان كل شيء ممكن على ان يعلن العراق أولاً نية في الانسحاب) وعندما استطلع العراق من فرنسا عما تقصده بهذا التصريح لم يجب الفرنسيون عن ذلك.
5- في 21/10/1990 صرح ادورد هيث / رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ان الرئيس صدام حسين على استعداد لتحقيق تسوية سلمية.
6- في 2/11/1990 أدلى بتصريح هماثل السيد ناكسوني/ رئيس وزراء اليابان الأسبق وقال ان الرئيس صدام حسين أبدى التزاماً جاداً وصادقاً للوصول إلى حل سلمي..
7- في 5/11/1990 أكد الموقف نفسه المستشار الألماني الأسبق فيلي براندت، إذ التقى السيد الرئيس القائد مرتين.
8- في 11و 12/11/1990 أكد وزير خارجية الصين استعداد السيد الرئيس القائد لممارسة جهود كبيرة لتحقيق حل سلمي..وان الصين تؤيد عقد قمة عربية للوصول إلى هذا الحل.
9- في 1/12/1990 قام الرئيس الجزائري الأسبق (بن جديد) بمحاولة جديدة، فطلب زيارة الرياض وواشنطن وقد رفضت السعودية وأميركا استقباله.
ويتضح من ذلك ان الولايات المتحدة قد أفشلت كل المبادرات والمحاولات العربية والمحاولات الأخرى لإيجاد حل سياسي متوازن للوضع لأن قرار الحرب الأميركية ضد العراق كان قد اتخذ منذ البداية وقبل 2/8/1990.
التعتيم الإعلامي والرقابة
لم تقتصر عملية التضليل الإعلامي على التزوير والكذب، بل نشطت في إخفاء الحقائق. وبعد ان سمحت السلطات الأميركية في السعودية بدخول (1726) مراسلاً الرياض والظهران، ولم تسمح لهم بأية زيارات إعلامية لجبهات القتال، وكان لزاماً عليهم ان يحضروا الإيجاز اليومي الذي يقدمه - الجنرال شوارزكوف قائد الحملة العسكرية أو احد مساعديه في المركز الإعلامي العسكري في كل من الرياض والظهران، ولا يجوز لهم ان يرسلوا أفلاماً أو تقارير صحفية إلا بعد ان تراجمها اللجنة العليا للإعلام الحربي ولا ترسل إلا عن طريقها. وعندما بدأت الحرب البرية فرضت القيادة الأميركية تعتيماً إعلامياً كاملاً، ولم تكتف بذلك بل احتجزت عشرات من الصحفيين من بينهم (فريد تايلر) مراسل الاسوشيتدبريس، و(ويزلي بوكس) مصور مجلة التايم الذي عصبت عيناه واحتجز. وكان البوليس الحربي يغطي عدسات الكاميرات التلفزيونية لكي لا تلتقط أفلاماً للقتلى الاميركان الذين أصاب ثكنتهم في الظهران احد صواريخ الحسين. كما تسترت على أنباء عودة القتلى والجرحى إلى قاعدة دوفر في ولاية ديلاوير.. ووصلت تهديدات إلى داعية السلام المعروف (رامزي كلارك) وروقبت تحركاته وكذبت تصريحاته. كما صدرت الأوامر إلى شبكات التلفزيون الأميركية بمنع عرض الأفلام التي صورها في العراق عما نجم من اثار عن قصف المدنيين. كما طرد المنتج التلفزيوني (جون البرت) من شبكة (NBC) على الرغم من انه خدمها 12 سنة لأنه ساعد كلارك في تصوير هذه الأفلام. واستدعى مكتب التحقيق الفيدرالي الكاتب الصحفي(ستالي ماثيوس) من بنسلفانيا لتقديمه افتتاحية إلى إحدى الصحف في ولايته تدعو إلى إيقاف المجزرة ضد العراق.
وتضايقت الإدارة الأميركية كثيراً من لقاءات السيد الرئيس القائد صدام حسين مع شبكات التلفزيون الأوربية، وكان من المقرر ان يذاع لقاء سيادته مع القناة الايطالية يوم 24/12/1990 إلا ان وزارة الخارجية الايطالية أوعزت بعدم أذاعته، فما كان من رئيس قسم الأخبار وزملائه في القناة الايطالية إلا ان يقدموا استقالتهم، وقامت ضجة في البرلمان الايطالي وفي الصحافة، اضطر معها التلفزيون الايطالي إلى إذاعة اللقاء بعد أسبوعين في 9/1/1991.
وقد أصدرت القيادة الأميركية توجيهات محددة إلى محرري الصحافة والتلفزيون في إتباع الضوابط الآتية :
1- إعادة تحرير الأخبار بما يخدم أهداف الحملة العسكرية.
2- الحديث عن قصة الحاضنات المختلقة وتركيزها في الأذهان.
3- مهاجمة نوايا العراق وسياسته.
4- تحريض العراقيين على السلطة وأثارتهم.
5- السخرية من المبادرات السلمية العراقية.
6- إظهار (إسرائيل) بأنها ضحية الصواريخ العراقية.
7- إظهار الأسرى الاميركان والانكليز بأنهم ضحايا (صدام حسين).
أما الإذاعات التي كانت تعمل بتوجيه من الإدارة الأميركية أو بالتعاون مع أهدافها فكانت تبث في اليوم الواحد (412) ساعة من الأخبار والتلفيقات والدعاية والحرب النفسية الموجهة ضد العراقيين وضد أبناء الأمة العربية.
الصفحة العسكرية من العدوان
بدأت الصفحة العسكرية في ليلة 12/17كانون الثاني 1991بهجوم جوي شامل استهدف أكثر من (400) هدف مدني وعسكري في أنحاء العراق من الجسور والسدود والمدارس والمستشفيات والكنائس والجوامع ومراكز الاتصالات والمصانع والسكك الحديد ومستودعات الغذاء والحبوب ومحطات توليد الكهرباء ومصافي النفط ومستودعات المنتجات النفطية ومحطات تصفية مياه الشرب وعطلت وخربت منظومات المجاري، ولم تسلم من هذه الاعتداءات الأحياء السكنية في بغداد والمحافظات والرعاة والبدو في الواحات الصحراوية.. ثم ارتكب المجرمون عدواناً يدل على مدى ما وصلوا إليه من الخسة والحقد على العراقيين إذ شنوا في الصباح الباكر من يوم 13شباط 1991غارة وحشية على ملجأ العامرية في حي العامرية في بغداد استشهد فيه (421) امرأة وطفلاً ورجلاً.
واستمر الاميركان المعتدون ومن تحالف معهم في قصف العراقيين في جميع أنحاء العراق من اجل تطويع إرادتهم وتركيعهم، فبلغ عدد الغارات الجوية التي شنت في الفترة من 17كانون الثاني إلى 28شباط 1991(112) ألف غارة جوية القي فيها نملى العراق أكثر من (141) ألف طن من المتفجرات.

وقد رد العراق على هذه الفارات الجوية بقصف مواقع العدو وتجمع قواته في الجزيرة العربية بضربات صاروخية. كما وجه ضربات صاروخية إلى الكيان الصهيوني ابتداء من يوم 18كانون الثاني 1991وطوال أيام العدوان لأنه كان احد أركان التآمر على العراق ورداً على ضربه المفاعل النووي العراقي في حزيران 1981.
كانت خطة القيادة العامة للقوات المسلحة بتوجيه ومتابعة خاصة من السيد الرئيس القائد صدام حسين "حفظه الله ورعاه".. هي استخدام التمويه وبناء التحصينات في الجبهة بصورة تقلل من تأثير القصف الجوي والمدفعي على القطعات العراقية، ومن ثم جر القطعات البرية الأميركية وحليفاتها إلى خوض معارك برية، من اجل الحاق اكبر قدر من الخسائر فيها.
لقد حشد أعداء العراق والأمة العربية كل هذا الكم الهائل من الطائرات والصواريخ والمعدات الفنية الحديثة، التي كانت قد أعدت لحرب عالمية ثالثة مع الاتحاد السوفيتي السابق وحلفائه، كما حشدوا (28) جيشاً يزيد تعدادهم على نصف مليون عسكري ورغم هذا الحشد الكبير فأن معنوياتهم ليست بمستوى معنويات المقاتلين العراقيين، فهؤلاء جاءوا من أصقاع العالم ليس للدفاع عن أوطانهم بل عن مصالح شركات النفط الاحتكارية، في حين كان المقاتل العراقي يدافع عن أرضه ووطنه وأمته وكل القيم الشريفة في تأريخه وتراثه، وعن مسيرة عظيمة تبوأت مكانها في تاريخ الأمة لأول مرة بعد سبات أكثر من سبعة قرون، لذلك فأن إلحاق خسائر جدية بهذا الحشد الشرير يحقق عدة أهداف في أن واحد، مما يزيد في إضعاف معنوياتهم، ويربك أمام الرأي العام الأميركي وفي العالم قيادتهم، ويزيد من حماس الشعب العربي وتأييده للعراق.
ولكن رغم كل المحاولات لاستدراج القوات الأميركية وحلفائها، وجدت القيادة العامة للقوات المسلحة أنهم لا يجرأون على الالتحام البري مع القوات العراقية، واستمروا في القصف الجوي من ارتفاع شاهق، وبالقصف المدفعي والصاروخي بعيد المدى.
وفي اجتماع القيادة العامة للقوات المسلحة يوم 26 كانون الثاني 1991، أمر السيد الرئيس القائد «حفظه الله ورعاه» بأعداد الخطة والمباشرة بالسيطرة على مدينة الخفجي السعودية التي تبعد (30) كيلو متراً من الحدود الجنوبية للكويت، ومباغتة العدو من اجل استدراجه إلى معركة برية. وهكذا كان، فقد بوغت العدو بهجوم صاعق ليلة 29/30كانون الثاني بقوة فرقة مشاة آلية ولواء مدرع من الفرقة المدرعة الثالثة، وفي اقل من أربع ساعات كانت مدينة الخفجي في قبضة القوات العراقية، ألا ان القوات الأميركية فرت من الاشتباك مع القوات العراقية، وفضلت استخدام القصف الجوي والمدفعي على القوات المهاجمة.. ولما وجدت القوات العراقية ان القطعات الأميركية تتهرب من الالتحام معها، ولأنها لم تعد مواقع دفاعية ملائمة مثل الدفاعات التي أعدتها في ساحة العمليات عادت إلى مواقعها في الكويت. وكانت خسائر الاميركان إسقاط عدد من الطائرات الثابتة الجناح والسمتية، وكان من بينها طائرة قيادة كان على متنها (18) ضابطاً وعسكرياً، فضلاً عن قتل وجرح أعداد من أفراد العدو نتيجة لقصفنا المدفعي المقابل.
وقد اعترف قائد قوات العدوان نورمان شوارزكوف في مذكراته عن هذه الصولة الشجاعة قائلاً: (ان الجيش العراقي جيش مدرب وله قدرات كبيرة ويمتلك روح التحدي والقتال العالية).
وأشاد محللون روس وشرقيون بكفاءة الخطة العراقية وتعبئة التنفيذ وتأمين مباغتة كاملة بحيث لم تتمكن كل وسائل الرصد والاستكشاف المعقدة التي يملكها الاميركان في البحر والجو والبر من اكتشاف فرقة آلية عراقية ومعها لواء مدرع تدخل ثلاثين كيلومتراً في ارض معادية تضع على شمالها البحر وعلى يمينها البر وفي ارض مستوية وفي ظل سيادة جوية مطلقة. ثم تحقق هدفها وتنسحب عائدة إلى مواقعها حتى بعد ان اكتشفتها فيما بعد القوات المعادية، ولا تتكبد إلا خسائر بسيطة.
وقد حاول العدو القيام بعملية إنزال خلف قطعاتنا، إلا انه تم التصدي لها وإسقاط أربع طائرات سمتية كبيرة من طراز(شينوك) بحمولتها واسر عدد من العسكريين الاميركان والسعوديين.
وهكذا استمر العدو حتى يوم 21شباط في تجنب الالتحام مع قطعاتنا في مواقعها الدفاعية، ثم حاول مرتين في 21و 22شباط تحقيق تماس معها إلا انه جوبه بنيران حامية، وانسحب مخلفاً عدداً من الدبابات المدمرة وبخاصة عندما شعر ان القطعات العراقية قد تهيأت للقيام بهجوم مقابل عليه.

ثم وقع العدو في خطاً أخر عندما تصور ان القصف الجوي من 17 كانون الثاني - 24شباط 1991قد أنهك القطعات العراقية فقام بهجومه البري الذي كان يعده لهذا اليوم إلا ان قطعات الفيلق الأول والثالث والرابع كبدت قواته خسائر كبيرة في الدبابات والآليات والناقلات، كما احتوت قطعاتنا هجوماً فرنسياً بريطانياً في البادية الغربية (النخيب) وتجاه (نقرة السلمان).
ولما وجدت القيادة العامة للقوات المسلحة ان القوات المعادية تتجنب الالتحام في معركة برية واسعة النطاق، وان الوضع السياسي الدولي وبخاصة في مجلس الأمن وفي أوربا يتطلب سحب القطعات العراقية من الكويت خصوصاً بعد وضوح النوايا الأميركية والصهيونية أن الهدف من العدوان العسكري ليس استعادة الكويت بل تدمير العراق، فقد قررت عند ذاك سحب القوات العراقية وتعبئتها عند حافات المدن من اجل استدراج القطعات المعادية للقتال في المدن وهو فخ سيؤدي إلى تكبيدها خسائر فادحة.
وهكذا انفتحت قوات الحرس الجمهوري البطل في جنوب غربي الناصرية وغربي البصرة وجنوبيها. وكان السيد الرئيس القائد صدام حسين "حفظه الله ورعاه" يشرف شخصياً على خطة انفتاح القطعات والتمويه والمواضع الوهمية.
ونجحت الخطة في استدراج ثلاث فرق مدرعة معادية في الساعة 30/4 من مساء يوم 26شباط 1991، ودارت معركة عنيفة وفي أجواء ملبدة بالفيوم المنخفضة والعواصف الترابية. وفوجئ الاميركان بأفراد القوات الخاصة يتسللون بين دباباتهم ويتصيدونها واحدة واحدة، فشاع في قلوبهم الرعب والارتباك وانسحبوا انسحاباً غير منظم تلاحقهم قذائف مدفعية الحرس الجمهوري من أمامهم ومن خلفهم وبين الآليات والدبابات التي أخذت تتسابق إلى الخلف على غير هدى.
ثم حاول الاميركان والبريطانيون التعرض يوم 27شباط لقوات المدينة المنورة (حرس جمهوري) وبعد ان تمكنوا من احتلال موقع احد أفواج المشاة الآلي شنت قوات المدينة المنورة المدرعة هجوماً صاعقاً عليهم، ولم تعطهم الفرصة لتنظيم قواتهم، وتمكنت من تدمير القوة المعادية وإسقاط عدد من الطائرات السمتية والمقاتلة، واستقر الموقف في جنوب غربي البصرة لمصلحة قواتنا.
ولما وجد الرئيس الأميركي بوش وقيادة التحالف الأميركي الصهيوني والحلفاء المتعاونون معهم ان الاستمرار في الحرب سيجعلهم يدفعون ثمناً باهظاً، بادر الرئيس الأميركي إلى إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد في ساعة مبكرة من صباح يوم 28شباط 1991. ولما كانت القيادة العراقية لم تسع إلى الحرب ولم تترك باباً للسلام ألا طرقته ولم تهمل فرصة يمكن ان تقرب وجهات النظر وتحيي فرص السلام، لذلك وافقنا على وقف إطلاق النار من موقع الكفء.
وعند النظر إلى الأمور من الجانب العملي، فأن الرئيس القائد صدام حسين "حفظه الله ورعاه" لا ينظر إلى وقف إطلاق النار بوصفه حالة منعزلة عن نظرة العدو إليها إذ ان العدو طلب وقف إطلاق النار لأنه جابه قوة عراقية رادعة، وان المضي في الحرب سيكون عبئاً على العدو ذا إبعاد عسكرية وإبعاد سياسية كبيرة. وهكذا اعترف بوش ووزير دفاعه (تشيني) عدة مرات انهما كانا قد طلبا وقف إطلاق النار (لأنهما لا يريدان ان تسقط أميركا في أوحال فيتنام أخرى).
وعندما بدأت محادثات وقف إطلاق النار في صفوان بين الجانب العراقي وممثلي (28) جيشاً، اقتصرت المحادثات على تبادل الأسرى وتحديد مواقع القوات، وكان الوفد العراقي يقف موقف الند للند أمام ممثلي لحلفاء بقيادة القائد الأميركي (شوارزكوف).
وان كل الدعايات الأميركية والصهيونية ان العراق قد هزم في الحرب هي جزء من أساليب الحرب النفسية للتأثير في المعنويات، فالمعروف ان هناك مبدأ أساسياً من مبادئ الصراع المسلح.. وهو (مادمت تقاوم فأنك لست مهزوماً).. لان الهزيمة تكون في الاستسلام وليس المقاومة، وان العراق مازال يقاوم الحرب السياسية والحرب الإعلامية وحرب الحصار وحرب التآمر والهجمات العسكرية من حين إلى أخر، ولم يستسلم ولن يستسلم أبداً.

نتائج أم المعارك على المستويين العربي والدولي
لقد أدت (أم لمعارك الخالدة) إلى جعل الواقع العربي يقترب من حقيقة الأمة وروحها الوثابة، سواء في العراق ام في البلدان العربية.
وعلى الرغم من ان ضغط المعاناة من الحصار قد يحول دون رؤية الحقائق أحياناً فأن الحصار كان للعراقيين عاملاً محرضاً وليس عامل إحباط فأستنفر فيهم حالة جهادية في إعادة الإعمار والبناء والصبر والصمود جعلتهم يقهرون المستحيل.
وكان الشاه الذي رفعه قائد المسيرة الجهادية الرفيق صدام حسين "حفظه الله ورعاه" شعار (تباً للمستحيل والله اكبر) حافز استنفار للعاملين في مختلف المستويات الفنية والإدارية، فأعيد إعمار معظم البنى الارتكازية والاقتصادية التي دمرها العدوان في فترة استثنائية لم تتجاوز (11) شهراً في حين ان ألمانيا واليابان اللتين لم تخضعا لحصار شامل كالحصار المفروض على العراق، بل فتحت أمامهما أبواب الاستثمارات والدعم لإعادة البناء، مثل مشروع مارشال لدعم ألمانيا وفرنسا تمكنتا بعد جهود كبيرة من الوقوف على إقدامهما ولكن بعد مرور بضع سنوات على انتهاء الحرب العالمية الثانية.
لقد استهدف المعتدون قاعدة الاقتدار في الأمة (العراق)، لان هذه القاعدة أصبحت محرضاً حضارياً، فالحضارة تتحقق نتيجة لصراع الإنسان اما مع قوى الطبيعة وإما مع قوى شريرة.
وقد حاول الغرب والصهيونية على مدى نصف القرن الماضي إيهام الأمة بل بناء سيكولوجية انهزامية بين أبنائها، مفادها ان العرب غير قادرين علي القتال دفاعاً عن حقوقهم المشروعة، فهذه معاركهم في فلسطين في أعوام 1948، 1956، 1927، 1973 لم تستغرق سوى أيام، وكانت نتائجها كلها ليست في مصلحة العرب. غير ان العراق.. وهو عربي وجزء من الأمة العربية، اثبت ان العرب إذا ما توفرت لهم القيادة الصحيحة وأمنوا بدورهم، سيستفز هذا الإيمان في نفوسهم طاقات استثنائية على الفعل وعلى الصمود لا تقهر.

وهكذا صد العراق العدوان الخميني المسند من الصهيونية والامبريالية في قتال ملحمي استمر ثماني سنوات انتهى بانتصار العراق.
وهكذا وقف العراق في وجه أقوى قوة غاشمة في العالم، وحلفائها الستة والأربعين في أم المعارك، وصمد في أقسى حصار يفرض على شعب من الشعوب.
كما حاول الغرب والصهيونية زرع بذور عدم الثقة بقدرة أبناء الأمة على استيعاب العلم والتكنولوجيا، فأثبت لهم العراق ان العرب ليسوا قادرين على استيعاب العلم والتكنولوجيا حسب، بل أنهم مقتدرون ومتفوقون على الغربيين في سرعة تطويع التكنولوجيا وأي مستويات متقدمة.
كما نشر الغرب مفاهيم عن ضعف قدرات العرب على البناء وإعادة الإعمار.. وأرسى قناعات بأن الشركات والمقاولين والمهندسين الغربيين (والاستشاريين) هم أصحاب الدور الرائد والقيادي في البناء وفي الإعمار، وان العرب لا يصلحون أكثر من متعهدين لتوفير العمال والمواد الأولية، فأثبت لهم العراق ان العربي يتفوق على كل التجارب الغربية والشرقية في إعادة إعمار ما دمرته الحرب في زمن استثنائي وكفاءة عالية في أقسى الظروف (ظروف الحصار)، ولم يساعده مشروع معونات مثل مشروع مارشال أو استثمارات أميركية. كما اثبت في الوقت نفسه قدرات عالية على تصميم المشاريع الجديدة وبنائها قبل العدوان العسكري وبعده.
وقد أحدثت أم المعارك تأثيراً كبيراً على المستوى العربي، فقد انكشفت تبعية بعض الأنظمة العربية للقوى الأجنبية.
وألهبت أم المعارك مشاعر الجماهير العربية المناهضة للغرب الاستعماري وللصهيونية.
كما أحدثت فرزأ في التيارات الفكرية والسياسية، وهي من المناسبات النادرة في التاريخ التي تمتحن فيها جدية هذه التيارات ومدى استعدادها للتجاوب مع مشاعر الجماهير العربية ومواقفها.

واستنهضت أم المعارك الشباب العربي. هذا الجيل الواسع الذي تصل نسبته إلى (60%) من سكان الوطن العربي الذي لم يمر بتجربة النضال القومي العربي في الخمسينات والستينات، فوجد نفسه في مرحلة الانحطاط العربي الجديد امام حالة نادرة من البطولة والتحدي، إذ تعلم في سبعة أشهر أموراً كثيرة عن أمته وعن تاريخها وقيمها ومكانتها ومطامحها المشروعة، وعن تناقضات العالم ومصالح كتله ومعسكراته، وعن تبعية بعض الأنظمة العربية، والثروة العربية الهائلة التي ينهبها الاميركان والغربيون.. كل ذلك في سبعة أشهر، كان يحتاج ليتعلمها إلى سنوات من التثقيف المركز والواسع، حتى ان بعض العرب الذين لم يفهموا أم المعارك خجلوا من أنفسهم عندما شاهدوا الاميركان في التلفزيون يحملون اللافتات أمام البيت الأبيض الأميركي محتجين على الحرب وهم يتعرضون للإهانة والاعتقال من البوليس، كما خجلوا من أنفسهم عندما سمعوا بعض الغربيين يعلنون مواقف معارضة للحرب أقوى من مواقف بعض الحكام العرب، وعندما سمعوا الروس والماليزيين والهنود يطالبون العرب بالمشاركة في الدفاع عن العراق. وتألفت من تلقاء نفسها العديد من المنظمات واللجان الإقليمية والدولية لمساندة العراق، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- حركة النهضة القومية في اليابان.
2- المجموعة القومية اليابانية (اسوكا)
3- وحدة اللوبي البريطاني في مجلس العموم برئاسة النائب توم دالايل، وعضوية توني بن وجورج غالوي... يساندهم ادورد هيث رئيس الوزراء الأسبق.
4- لجان محاكمة مجرمي الحرب المشكلة في أوربا وأسيا وأميركا اللاتينية والولايات المتحدة برئاسة داعية السلام الأميركي رامزي كلارك وزير العدل الأسبق.
5- جمعية (جسر إلى بغداد).. في ايطاليا.
6- جمعية أصدقاء الشعب العراقي - أقطار أميركا اللاتينية.
7- لجان التضامن مع أطفال العراق (في 22بلداً).
8- فريق الخليج للسلام (في 11بلداً أوربياً).
9- حركة من اجل عالم أفضل..ايطاليا.
.1- مكتب التنسيق العراقي الآسيوي (في البلدان الأسيوية).
11- المنظمات واللجان التابعة لمجلس السلم العالمي.
12- لجان منظمة تضامن الشعوب الأسيوية - الإفريقية.
13- لجان المؤتمر الشعبي العربي.
14- لجان المؤتمر الشعبي الإسلامي.
وأهم من كل ذلك، ان أم المعارك كشفت ضعف القوة الخرافية للسلاح والمال برغم شراستها وهشاشة الإعلام المضلل مهما كان حجمه وسعة انتشاره، تجاه قوة الإيمان الصادق المسلح بالقيم والمبادئ الشريفة، ففشل العدوان الذي ساندته (47)، دولة وشاركت فيه عسكرياً أو بجهد غير مباشر (37) دولة في تحقيق أهدافه وسلم العراق على الرغم من الجراح والخدوش التي إصابته.
وحافظ العراق على ثرواته من النهب وعلى اقتصاده من الاستلاب.. وعلى الرغم من ان الحصار شمل كل مظاهر الحياة (الغذاء والدواء والمعدات الصحية وتصفية مياه الشرب، والأجهزة المنزلية، وسيارات ومعدات النقل والمواصلات، والأنشطة الصناعية بأنواعها، والزراعية وتوليد الطاقة الكهربائية، والأدوات الاحتياطية. ووصل إلى علف الحيوانات والمبيدات الزراعية ودفاتر وأقلام الرصاص لتلاميذ المدارس، ولم تنر من أثاره حتى الطيور والأسماك والحيوانات البرية).. ودخل سنته الثامنة.. فأنه خلق أجيالاً من العراقيين الأشداء ذوي الشكيمة والعزم والقدرات الاستثنائية على التحمل والصبر، وهذه وحدها ستفتر أمام العراق أبواباً واسعة في التنمية السريعة عندما يبدأ الحصار في التآكل، عند ذاك سينهض العراق الأقوى والأقدر والأبهى وسط واقع عربي يتسم بالضعف والتردي أمام الطاغوت الأميركي الصهيوني، وأمام امة ترنو إلى دوره القومي الفعال من جديد.. وأجيال تفتحت على عصر البطولة والجهاد لم تشهد له مثيلاً ولم تقرأ عنه في سير الأمم الأخرى.




الفصل الخامس عشر
إعادة البناء ومواجهة الحصار

مقدمة
لم يتوقف العدوان الأميركي الصهيوني على العراق، إذ اتخذ شكلاً أخر، فبدلاً من سياسة القتل بالقنابل والصواريخ تحولت سياسته إلى القتل بالتجويع والحصار الذي لم يقتصر على الاقتصاد والنشاط التنموي بل شمل الغذاء والدواء، انطلاقاً مما قاله جيمس بيكر، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق، أمام السيد طارق عزيز، نائب رئيس الوزراء، عندما كان وزيراً لخارجية العراق في أثناء اجتماعهما المعروف في جنيف في 9/1/1991.
وحدد بيكر في مقولته تلك خطة حكومته التي التزمت بها إدارة كلنتن فيما بعد وهي:
"- لن يكون هدفنا مقتصراً على الكويت وإنما الإطاحة بالنظام الحالي.
- اننا سندمر من خلال الحرب كل شيء كافحتم من أجل بنائه في العراق.
- سنحول العراق إلى دولة ضعيفة جداً ومتخلفة.
- سنرجعكم إلى عصر ما قبل الصناعة".
وما أن توقف إطلاق النار حتى وجد العراق وضعه أمام تحد حضاري كبير ضمن منطق وفلسفة صراع الإرادات فإما أن يخضع وينهار وإما ان ينهض من جديد ويعيد إعمار ما دمرته العدوانية الأمريكية الأطلسية.
واختار العراق النهوض من جديد في مشروع نهضوي وضع أسسه القائد المجاهد صدام حسين..
وكانت طبيعة المشروع النهضوي الشامل تعكس في مضامينها، الارتكان على البعد القومي العربي منطلقاً للنهوض الحضاري للأمة العربية، وكلما تحققت عمليا مستويات من الانجاز الفعلي لهذا المشروع اشتدت معها الهجمة العدوانية بما يتناسب وعمق التضاد والتقاطع في المصالح بين أطراف المشروع (العراق والأمة العربية) من جهة والأطراف المعادية من جهة أخرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، وبقية البلدان الأخرى المتحالفة والسائرة في النهر نفسه.
واتضح حجم المواجهة وعمقها من خلال الفرق بين الإمكانات والظروف الإقليمية والدولية السائدة والتي تميل بكفتها لمصلحة الهيمنة الأميركية، التي استهدفت تدمير كل المرتكزات الجوهرية المستند إليها المشروع النهضوي سواء كانت مادية أم معنوية. والانجاز الجوهري للعراق يتمثل بهذه القدرة المتواصلة والمتتابعة دون وهن وضعف في امتصاص اثار المواجهة وبإعادة بناء هذه المرتكزات بالاعتماد على الذات. وكسر حلقة التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية التي تشكل جوهر المرتكزات التي تستند إليها الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها.
الدوافع الاقتصادية للعدوان
إن الحرب هي تعبير بلفة السلاح عن حالة وجود أزمات اقتصادية - اجتماعية مستعصية الحل تمر بها الدول والشعوب في العالم. وبذلك تكون البواعث الأساسية للحروب التي وقعت في العالم اقتصادية. فالحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال، كانت فيها ألمانيا في وضع اقتصادي أوصلها إلى أعلى درجات التطور الصناعي، وكانت في الوقت نفسه تعاني نقصاً في المواد الأولية لصناعتها وفي الطاقة أيضاً وبالأخص الفحم الحجري الذي كانت تعتمده في توليد الطاقة وتحريك عجلتها الصناعية فضلاً عن الأهداف التوسعية الأخرى وأهمها البحث عن أسواق لتصريف منتجاتها.. وهكذا جاءت الحرب العالمية الثانية ووقعت على أساس اقتصادي.
فإذا أخذنا أم المعارك وحللنا الباعث الحقيقي لدى الولايات المتحدة الأميركية من تجميع (28) جيشاً من اجل الهجوم على بلد من دول العالم الثالث صغير بمساحته وبعدد سكانه مقارنة بالولايات المتحدة الأميركية ودول التحالف، لابد إذن من وجود شيء أعظم بكثير من إخراج الجيش العراقي من الكويت. فما هو؟
في تقديرنا ان أم المعارك بدأت ببواعث اقتصادية وهي مستمرة بوسائل اقتصادية وستنتهي هكذا. فبعد انهيار جدار برلين أخر مخلفات الحرب العالمية الثانية عام 1989 وانهيار المنظومة الشيوعية وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها أمام طريق مفتوح للولوج إلى تحقيق أحلامها القديمة المتمثلة بالسيطرة على المقدرات الاقتصادية والسياسية للكرة الأرضية من اجل توظيف جميع مقدرات الكرة الأرضية من موارد مادية وبشرية وتسخيرها لمصلحتها الأنانية الخاصة وتحقيق رفاه الفرد الأميركي على حساب جميع شعوب العالم. ولكي تتمكن من تحقيق هذا الهدف كان لابد لها من منع ظهور قوة اقتصادية وسياسية أوشكت ان تتشكل كأوربا موحدة واليابان والصين وروسيا خليفة الإرث الكبير للاتحاد السوفيتي. لان ظهور هذه القوى سوف يؤثر تأثيراً مباشراً في المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة الأميركية، وبسبب عظم حجم فائضها الاقتصادي استطاعت ان تكون اكبر مصدر لرؤوس الأموال في العالم، وارتفعت استثماراتها الخارجية في القارة الأوربية ودول العالم الثالث، وهكذا كان حال أميركا بعد الحرب العالمية الثانية إذ ساعد ذلك كله على تبوئها المكانة الأولى وان تلعب الدور القيادي لمنظومة الاقتصاد الرأسمالي، ولكن لأسباب موضوعية وذاتية وعوامل كثيرة ضعفت المكانة القيادية التي احتلتها الولايات المتحدة الأميركية في منظومة الاقتصاد الرأسمالي العالمي في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. ونذكر من هذه العوامل :
أ- استعادة دول السوق الأوربية المشتركة واليابان عافيتها الاقتصادية على نحو تسارعت فيه معدلات النمو الاقتصادي بسبب ارتفاع الإنتاجية وتحسين نوعية منتجاتها فضلاً عن تطورها العلمي - التقني. مما جعل منتجات هذه الدول وبالأخص ألمانيا واليابان منافسة للمنتجات الأميركية، وتطورت مستويات المعيشة في هذه الدول بحيث أصبحت مقاربة لما هو عليه في أميركا مما اثر في موقع الاقتصاد الأميركي من الاقتصاد العالمي وأثر في دوره فيه.
ب - حدوث تدهور واضر في الوضع التنافسي للصادرات الأميركية في السوق العالمية، وهذا متأت من كون العمالة الأميركية ذات أجر عال مقارنة ببقية الدول إضافة إلى تدهور متوسط إنتاجية العامل الأميركي في الساعة مقارنة بالعامل في الدول الصناعية الأخرى.
ج - التقلبات التي حدثت في سعر صرف الدولار وما زالت مستمرة بحسب حالة العجز الخارجي الأميركي وتطورات أسعار الفائدة الأميركية وظهور عملات قوية أخرى وتنافسية ومقبولة للإيفاء على المستوى الدولي، لهذا لم يعد الدولار هو العملة الوحيدة التي تؤثر في هيكل الاحتياطات الدولية من النقد الأجنبي وإنما هناك عملات أخرى إلى جانبه.
د- ان تحول أميركا إلى دولة مدينة جعل ديونها الخارجية والداخلية تهدد الاقتصاد الأميركي برمته، واصبر الاقتصاد الأميركي ينفق أكثر مما ينتج في الداخل حتى انه أضحى اقتصاداً يستهلك ويستثمر ويستورد بشكل يفوق حجم ما يدخر وينتج ويصدر، وهذا يعني ان الأميركيين يعيشون في مستويات معيشية تفوق كثيراً حدود إمكانات الاقتصادهم.
مما تقدم يتضح لنا ان القلق الأميركي من بروز أوربا واليابان قوتين اقتصاديتين - سياسيتين هو قلق مبرر بالنسبة إلى مصالح أميركا العليا وأمنها الاقتصادي فضلاً عن قلقها الأكثر خطورة والمتمثل بتدهور اقتصادها وزيادة مديونيتها الداخلية والخارجية بحيث اخذ يهدد تهديداً خطيراً اقتصادها القومي وأمنها ووجودها، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: أليس ما ذكرناه يعطي أميركا تبريرات كافية بأن تصدر أزمتها إلى خارج حدودها ويعطيها مبررات بأن تخوض عدداً من الحروب لا حربا واحدة من اجل تحقيق أهدافها الامبريالية البغيضة؟
ان العوامل الاقتصادية أنفة الذكر هي التي دفعت أميركا بفلسفتها البراغماتيكية إلى ان تجند كل الجيوش لتغزو بلاد العرب التي تحتوي على أعلى احتياطي نفطي في العالم إذ يمثل الاحتياطي النفطي لدول الخليج وبضمنها العراق 81% من الاحتياطي العالمي.
وتسعى الولايات المتحدة من خلال سيطرتها على منابع النفط إلى التحكم باقتصاديات العالم وبالأخص أوربا واليابان اللتان تعتمدان على أكثر من 85% من مصادر الطاقة من نفط الخليج الذي يعد بمثابة عصب الحياة وسر ديمومتها للاقتصاد الأوربي والياباني.
من هنا تتضح الأهداف الحقيقية لمجيء الولايات المتحدة إلى المنطقة، فهي ليست كما هو معلن (لتحرير الكويت) وإنما للسيطرة على منابع النفط وهذا يعني السيطرة والتحكم في الاقتصاد العالمي.
أسباب اقتصادية لإيقاف العمليات العسكرية
العراق هو البلد الوحيد في العالم الذي وعى مبكراً خطورة المخطط الأميركي ووضع خططه وبرامجه للتصدي لهذا المخطط الذي يستهدف أول ما يستهدف العراق كياناً ودولة وحزباً وقيادة وقائداً يحمل مشروعاً نهضوياً قومياً عربياً يواجه به أعداء الأمة العربية فقال العراق: لا لهذا المخطط ودخل ساحة المواجهة التي نقلها العراق إلى الساحات التي تمركز فيها الأعداء في الكويت وحفر الباطن.
فمن وجهة نظرنا ان المعركة أخذت ثلاث مراحل، وهذه المراحل الثلاث مترابطة جميعاً وحدد لكل مرحلة هدف اقتصادي يخدم المرحلة التي تليها، لذلك نرى ان المعركة قد صممت أساساً باتجاه تحطيم الاقتصاد العراقي ومن ثم انهيار المجتمع والسلطة السياسية بدلاً من إعطاء خسائر بشرية جسيمة إذا ما استخدم الأسلوب العسكري لإسقاط النظام. علماً ان أميركا عندما تقدم على عمل ما تأخذ بالحسبان خسارتها وربحها وتتخذ القرار الذي يناسبها على وفق هذا المنطق، لذا فإن الاعتبار الاقتصادي كان العامل الحاسم لقرار الرئيس الأميركي بوقف إطلاق النار، فضلاً عن الاعتبارات السياسية والنفسية وحساب الربح والخسارة البشرية التي سيتكبدها إذا ما استمرت المعارك، إذ اقترح على القيادة الأميركية ان تحاصر العراق اقتصادياً بعد تدمير بناه الارتكازية، وأذاك سينهار الاقتصاد العراقي وتسهل مهمة إسقاط السلطة في العراق، ويحفظ الأميركيون دماءهم التي ستهدر في حالة دخول معارك عسكرية برية. فجاء القرار مستنداً إلى عوامله الاقتصادية، وفيما يأتي المراحل الثلاث للعدوان وأثارها الاقتصادية في العراق:
المرحلة الأولى: العدوان العسكري المباشر
نلاحظ ان الضربة العسكرية الأولى التي استخدم العدو فيها الصواريخ البعيدة المدى والطائرات استهدفت، إضافة إلى ضرب القطاعات العسكرية، البنى التحتية في المجتمع بشقيه الاجتماعي والتقني، فقد دمرت بحدود 85% من البنى التحتية (الارتكازية) والمتمثلة بطرق المواصلات والعقد والجسور والقناطر والسدود ومصادر الطاقة والماء والمعامل والمزارع والمستشفيات والمدارس... الخ مما أدى إلى تعطيل الحياة على نحو كامل واثر تأثيراً كبيراً في جانب العرض الكلي في المجتمع وضرب احد عناصره الأساسية والمتمثل بالإنتاج الوطني بشقيه الصناعي والزراعي.
المرحلة الثانية: صفحة الخيانة والغدر
إن أي متتبع لأحداث صفحة الخيانة والغدر سيجدها مرسومة ومدبرة من خارج حدود العراق حيث زود المنفذون لهذه العملية بمعلومات تفصيلية عن أمكنة وجود الخزين الاستراتيجي من المواد الغذائية وغيرها في  المحافظات التي وقعت فيها الأحداث، فضلاً عن استغلال الوضع النفسي والظروف التي خلقتها الضربة العسكرية (الصفحة الأولى من أم المعارك) ومن ثم دمر الخزين الاستراتيجي برمته في محافظات الجنوب ومحافظات الشمال وجزء من محافظات الوسط. وبهذا يكون قد دمر العنصر الثاني من عناصر العرض الكلي في المجتمع.
المرحلة الثالثة: الحصار الاقتصادي
من المعروف لدى الجميع ان جميع بلدان العالم الثالث تعاني مشكلة النقص في العرض الكلي، أي النقص في الإنتاج لذلك تسعى هذه الدول إلى سد النقص بين العرض الكلي (أي ما متوفر لديها من سلع وخدمات) والطلب الكلي عن طريق الاستيراد من الخارج، فضلاً عن ان رصيد هذه الدول، والنفطية منها على وجه التحديد من العملات الصعبة يتأتى عن طريق التصدير. وهكذا فإن الحصار الاقتصادي الذي خططت له أميركا لتحطيم الاقتصاد العراقي ئد سد جميع المنافذ التجارية بين العراق والعالم الخارجي، أي ان العلاقات التجارية الدولية بين العراق والعالم الخارجي قد أغلقت تماماً بشكل مطلق ولا نظير له في تأريخ العالم. وكما هو معروف فإن الاستيرادات الخارجية تمثل احد أركان عناصر العرض الكلي، وبذلك تكون جميع صفحات العدوان على العراق مجتمعة قد استهدفت بشكل مباشر العرض الكلي في المجتمع بما ادى إلى انخفاض العرض الكلي إلى مستوى متدن جداً ومخيف يقابله طلب كلي ومتزايد بسبب العامل النفسي الذي خلقته ظروف المعركة وملابساتها، وبذلك غدت الفجوة التضخمية كبيرة جداً مما جعل الأسعار ترتفع على نحو حلزوني ومتصاعد ومستمر وبشكل بدأ يهدد المجتمع ويهدد كيانه.. وهذا ما سعت إلى تحقيقه أميركا وكان الحصار الاقتصادي هو السلاح البديل عن السلاح العسكري حتى تصل أميركا إلى أهدافها بأقل الخسائر البشرية. لذا فإن قرار وقف إطلاق النار من طرف واحد كان لاعتبارات فنية اقتصادية وسياسية ولقناعة أميركا بأن الحصار هو البديل عن الحل العسكري.
ولكن المفاجأة الكبرى التي لم تحسب لها حساباً أميركا ودول العدوان كانت تتمثل بسبل المواجهة العراقية. فقد أدرك العراق وقيادته أن المعركة أخذت طابعاً اقتصادياً بحتاً إضافة إلى امتدادات ذلك إلى الجوانب النفسية والاجتماعية لذا بدأ التفكير في اتخاذ تدابير وسبل مواجهة اقتصادية يواجه من خلالها الواقع الاقتصادي الذي فرضه العدو في حلقات العدوان الثلاثيني أنفة الذكر.
الآلية الاقتصادية لإعادة الإعمار
لم تخلف الأطراف المعادية لتوجهات العراق السياسية والاقتصادية هدفها بل أعلنته بوضوح متمثلاً بتقويض السلطة السياسية وانهيارها، واستمرت مراهنتها عن طريق الحصار الشامل بعد ان تأكد لها فشل المواجهة العسكرية التي شملت إحدى أهم واخطر حلقات المواجهة إذ استهدفت تدمير البنى الارتكازية المادية والخدمية (الطرق، الجسور، الكهرباء، الماء، الاتصالات و المواصلات، خطوط وأنابيب نقل النفط، مشاريع ومؤسسات الصحة والتعليم وغيرها) لتعطيل العملية الإنتاجية أولاً وإصابة النشاط الاقتصادي للقطر بالشلل التام ومن ثم انهيار نظامه الاقتصادي ثانياً، متزامناً هذا العدوان مع الحصار الشامل وصولاً إلى:
أولاً: خلق تدهور خطير ونقص حاد في مجال الإنتاج الصناعي والزراعي وتعطيل الخدمات العامة بأشكالها المختلفة على نحو يصبح فيه العرض الكلى من السلع والخدمات قاصراً تماماً عن مواجهة مستويات الطلب الكلي بحيث تشكل هذه الفجوة بين الجانبين أساساً لتنامي حدة الضغوط التضخمية المعروفة بآثارها الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن الضغط الذي تولده الحرب النفسية والإعلامية والسياسية الموجهة بهدف خلق مستوى من التوقعات التشاؤمية لدى الأفراد تغذي (التضخم المتوقع) ليكون اكبر من مستوى (التضخم الفعلي).
ثانياً: حرمان العراق ومنعه من الحصول على إيراداته بالعملة الأجنبية من صادراته النفطية والتصرف بأرصدته بالعملات الأجنبية في الخارج، وتضييق منافذ الاقتراض الخارجي، لتعطيل قدرته التمويلية على الاستيراد من الخارج وقدرته على تمويل انفاقه في الداخل دون الاعتماد على موارد حقيقية لتمويل هذا الإنفاق.
ثالثاً: المراهنة على حصيلة التدمير الشامل للبنى الارتكازية والمشاريع والقطاعات الاقتصادية المختلفة، وعلى الآثار التي سيخلقها الحصار الشامل ويخلقها التضخم وتدهور سعر صرف العملة الوطنية على الصعد المختلفة، ومن ثم العجز عن تلبية الاحتياجات الضرورية والأساسية لإدامة الحياة، مما يحقق الهدف الأساس الذي تسعى إليه الولايات المتحدة والصهيونية وحلفاؤهما بعد ان تبين فشل المواجهة العسكرية وإخفاق الصفحات السابقة للمواجهة الاقتصادية التي اختيرت بديلاً مكملاً للصفحات التي سبقتها، فكانت المراهنة على إيصال المجتمع العراقي إلى حافة المجاعة الشاملة التي تقودنا آلي حرب أهلية لا يحمد عقباها.
أمام هذه الحالة كان المراقبون السياسيون والاقتصاديون، والمعنيون بشؤون الدراسات الإستراتيجية الدولية والإقليمية يتتبعون بدقة الوضع الاقتصادي الخطير جداً الذي وضع العراق شعباً وقيادة في اختبار لم تعهده المجتمعات الأخرى حتى كان بعضهم يعتقد ان الانهيار قادم لا محالة وواقع فعلاً، وجعل بعضهم الأخر ينتظر بقدر من الشك كيف ستتصرف القيادة في العراق إزاء هذا الوضع الذي لا يحسد عليه احد.
إن العراق يمتلك إمكانات مادية وبشرية كبيرة، ويمتلك قيادة سياسية حكيمة ومجربة في اعقد الظروف وأصعبها ومؤهلة للتكيف والتجاوب حتى مع أوضاع وظروف أصعب من ذلك بكثير. وكان العراق في هذا الظرف النادر وغير المألوف على مر العصور أمام خيارين. إما القبول بتضخم واطئ شرط إبقاء كل ما دمرته الحرب على ما هو عليه، وإما القبول بتضخم عال وتحمل كل إبعاده الاقتصادية والاجتماعية والنفسية شريطة القيام بإعادة بناء كل ما دمرته الحرب على وفق المنهج نفسه القائم على أساس سياسة الاعتماد على الذات وكسر حلقة التبعية للخارج وتعزيز الاستقلال السياسي.

وعلى أساس هذا التحليل تبنت القيادة السياسية الخيار الثاني، فجاء قرار إعادة بناء ما دمرته الحرب بشكل شامل وبالقدرات والإمكانات المحلية فقط دون الاعتماد على الشركات والمهارات والمملات الأجنبية يمثل رداً حاسماً على العدوان، وهو الرد الحضاري الذي فوت الفرصة على الولايات المتحدة وحلفائها في تحقيق أهدافها الاقتصادية والسياسية في المنطقة.
إن القرار الاستراتيجي بالاعتماد على الذات لإعادة الإعمار كان الحل المتاح والأكثر قبولاً في ظل الحصار، وعوامل نجاح هذه الستراتيجية كانت محسوبة من خلال العقل الاستراتيجي للقائد لمعرفته الدقيقة المستندة إلى التجربة والتاريخ، فأبعادها الشمولية تشمل كل قطاعات الاقتصاد وكل مساحة العراق مما ادى إلى السيطرة على موارد المجتمع المتاحة مركزياً.، كما أدت إلى تغيير الكيان الاقتصادي والاجتماعي شبه المدمر والانتقال به إلى كيان اجتماعي جديد، فقد أفرزت التجربة تناسقاً وتفاعلاً بين القرارات المركزية واللامركزية (مركزية التخطيط ولامركزية التنفيذ) ولم تشهد الاقتصادات المخططة تجربة بالشكل الذي حدث في العراق في مرحلة إعادة الإعمار على الرغم من الظروف البالغة التعقيد في العراق والظروف الطبيعية في الاقتصادات المخططة. وقد تحقق التناسق على مستوى الأهداف ومستوى الوسائل لتحقيق الأهداف المرسومة كما تؤشر الخطة مبدأ المرونة العالية إذ انها استجابت استجابة كبيرة للظروف الاستثنائية التي كان يمر بها العراق، فلقرار الإعمار أثار اقتصادية متعددة الأطراف، مباشرة وغير مباشرة، ايجابية وسلبية، ولكن عناصرها الايجابية تفوق كثيراً عناصرها السلبية، لذا كان القرار السياسي إعادة الإعمار حكيماً وصائباً في كل جوانبه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
أولاً: من الناحية الاقتصادية: على الرغم من ان مشكلة تمويل الإنفاق المطلوب لإعادة ما دمر من بنى ارتكازية يمثل معضلة اقتصادية، بسبب انعدام واردات العراق من العملات الصعبة وما تتطلبه إعادة الإعمار من مواد أولية يجب استيرادها من الخارج لعدم توفرها محلياً سواء أكانت (مصنعة أم نصف مصنعة أم خاماً) فضلاً عن توفير كل ما تتطلبه هذه الحملة الهائلة من مستلزمات مادية وبشرية مؤهلة عالي المستوى، فلم يكن ثمة خيار سوى اللجوء إلى سياسة التمويل بالعجز لتمويل هذه الحملة الجبارة، وتحمل تبعاته التضخمية. فالقرار السياسي كان قراراً جريئاً وعلمياً وجاء منسجماً مع طبيعة التحدي المفروض على العراق، كما انه ينسجم ولا يتقاطع مع النظرية الاقتصادية لأن الواقع الموضوعي والذاتي وفي الزمان والمكان المحددين يتطلب اتخاذ مثل هذا القرار كون تأثيراته الاقتصادية في الزمن المتوسط والبعيد تنسجم مع النظرية الاقتصادية ولا تتقاطع معها أبداً.
ثانياً: من الناحية الاقتصادية أيضاً: عملية إعادة البني الارتكازية على وفق أولوياتها وأهميتها كعملية إعادة إعمار محطات المياه والكهرباء وشبكات الاتصالات وقطاع النفط الذي ركز العدوانيون عليه ليلحقوا به اكبر حجم من التدمير كون هذا القطاع يمثل شريان الحياة للاقتصاد العراقي وبتدميره سيلحق الشلل التام الحياة الاقتصادية، علماً ان حجم التدمير في قطاع النفط (قطاع الاستخراج) بلغ كمتوسط 89% من المنشات النفطية إذ تراوح التدمير مابين (83% -100%) اما في قطاع (التصفية والتوزيع)  فبلغ التدمير كمتوسط نسبة 88% في المنشات النفطية المدمرة وتراوح التدمير ما بين (16%-100%) إذ كان الهدف الاقتصادي للعدوان بتلك الطريقة هو إيقاف تصدير النفط الخام والمنتجات النفطية وتوظيف نتائجه سياسياً واجتماعيا وعسكرياً، فضلاً عن أحداث تلوث بيئي تنجم عنه أثار خطيرة على الموارد المادية والبشرية، علماً بأن النفط يؤدي دوراً كبيراً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية فهو المصدر الأساسي للدخل القومي فضلاً عن مساهمته في دعم الميزانية الاعتيادية كما يسهم بدور مركزي في عوامل البرامج التنموية وهو المصدر الرئيس لحصول العراق على العملات الصعبة، هذا إذا علمنا ان القيمة الإجمالية المقدرة للأضرار المادية لهذا القطاع تقدر بـ(16) مليار دولار فضلاً عن قيمة توقف الإنتاج والبالغة (790) مليون دينار حتى أب 1992.
لقد كان ذلك بمثابة الخطوة الأولى إعادة نبض الحياة إلى الاقتصاد العراقي لأنه يمثل عنصر الحركة والطاقة وديمومة الحياة.
ثالثاً: ان عملية بناء الطرق والجسور والعقد والقناطر والسدود وغيرها تعد هي الأخرى من أولويات إعادة الإعمار بوصفها تمثل عنصراً أساسياً من عناصر الحياة الاقتصادية. ان عملية انجاز المهام أنفة الذكر قد مهدت الطريق لإعادة الحياة إلى القطاع الصناعي والزراعي، وباتت عملية إعادة بناء المعامل والمصانع والمنشات الصناعية المدمرة ضرورة ملحة جداً.. إذ تميزت عمليات إعادة إعمار ما دمر من القطاع الصناعي الذي تولته وزارة الصناعة وهيئة التصنيع وجندت له الإمكانات المادية والبشرية كافة لهاتين المؤسستين على وفق الخطة المركزية، لإعادة الحياة إلى القطاع الصناعي، بالكفاءة في استخدام الموارد المتاحة للمنشات وإعادة تشغيلها، وتشمل الموارد الطاقات الإنتاجية والتكنولوجيا المستخدمة وكذلك المستلزمات الأولية والوسيطة والمخزون من هذه المستلزمات والاحتياطي لها مما انعكس على إنتاجية عوامل الإنتاج المستخدمة، فضلاً عن الاستغلال الأمثل لهذه العوامل عن طريق تشغيلها ساعات عمل طوالاً واستغلال الزمن والعمل بنظام الوقت المفتوح على مدار اليوم مما حقق الانجاز بزمن وبكلفة اقل.
أما بالنسبة إلى القطاع الزراعي، فقد أصبحت مهمة تنشيطه ضرورية بل غاية في الأهمية لأن هذا القطاع أضحى من أهم القطاعات على الإطلاق. وما يستوجب رعايته والاهتمام به كونه القطاع الذي يوفر الأمن الغذائي للبلد من خلال تحسين مستويات مساهمته في تكوين الناتج والدخل القومي ويمثل في الوقت نفسه العمود الفقري للاقتصاد الوطني في هذه المرحلة بالتحديد، إذ يستغني العراق أول مرة عن موارده النفطية في فلق تنميته.
ويمكن القول انها فرصة كبيرة من اجل ان تخلق تنمية دون الاعتماد على موارد النفط، والعمل على ان يحتل القطاع الزراعي مركزاً أساسياً في الاقتصاد الوطني بوصفه القطاع الذي يؤمن للعراق الغذاء والمواد الأولية التي تعتمد عليها الصناعة الوطنية، ويكون بذلك قد حقق مبدأ اقتصادياً مهماً، إلا وهو تحقيق النمو المتوازن بين القطاع الزراعي والقطاع الصناعي، وسيكون ذلك التوازن المادة الأساسية لتحقيق التنمية المستقلة التي عجزت كثير من دول العالم الثالث عن تحقيقها في ظل الظروف الدولية السائدة.
رابعاً: لقد وفرت عملية إعادة الإعمار فرصاً كبيرة جداً للعمل حتى أنها تمكنت من امتصاص البطالة الناجمة اعتيادياً عن انتهاء الحروب والأزمات التي تكونت في فترة العدوان، ووفرت دخلاً للمواطنين العاملين مكنهم من تحقيق مستوى كاف من إشباع الحاجات الأساسية لشريحة كبيرة من المجتمع مكنتهم من الصمود أمام آفة التضخم الخطيرة. فعلى سبيل المثال لا الحصر بلغ عدد العاملين الذين استخدموا في عملية الإعمار لقطاع وزارة الثقافة والإعلام (236) مهندساً وفنياً وعاملاً ماهراً فضلاً عن أعداد إضافية من العمال والإجراء اليوميين وعشرات من العمال الذين استخدموا مؤقتاً، كما بلغ عدد العاملين في إعادة الإعمار في وزارة الصناعة (8420) عاملاً وفي قطاع الكهرباء (17793) عاملاً فضلاً عن تشغيل العاملين على ملاك المنشآت الذين سينقطعون في حالة عدم أعمارها.
خامساً: ان عملية إعادة بناء ما دمرته الحرب قد فوتت الفرصة على الولايات المتحدة وحلفائها وعلى الشركات التابعة لها التي كانت تنتظر دورها في إعادة إعمار ما دمروه هم بأنفسهم، آذ قدرت إحدى الدراسات ان كلفة انجاز هذه المهمة تقدر بـ 360 مليار دولار وبفترة انجاز لا تقل عن عشر سنوات. مستندين إلى ان العراق لا يمكنه إعادة بناء ما دمرته الحرب بقدراته الذاتية وان عليه ان يعتمد تماماً على الغرب الرأسمالي في ذلك خصوصاً أن إيراداته بالعملة الأجنبية قد انعدمت بعد توقف صادراته النفطية بسبب الحصار وتصوروا خلافاً للواقع الفعلي ان المهارات والكفاءة اللازمة لإعادة الإعمار غير متوفرة في العراق لذا سيضطر إلى الاستعانة بالخارج، وهذا ما حصل في الكويت التي استنزفت مواردها وعوائد ثروتها النفطية من خلال قيام الشركات الأجنبية بأعمار كل ما دمرته الحرب بإعادة تشغيل أبارها ومنشاتها النفطية.
وعلى الرغم من انه ليس هناك مجال للمقارنة بين الحالتين بسبب التناقض الجوهري في تكوين كل من النظامين فان تمثل ذلك من شأنه ان يوضح مدى الافتراق الجوهري بين توجهات العراق المستندة إلى تعزيز الاستقلال السياسي والاقتصادي الوطني وتوجهات النظام الكويتي في تكريس تبعيته الاقتصادية والثقافية للولايات المتحدة وبريطانيا فضلاً عن أوجه التبعية الأخرى التي تتعمق يوماً بعد أخر، في حين كان تنفيذ قرار القيادة السياسية في العراق الاعتماد على قوة عمل عراقية مؤهلة تأهيلاً جيداً.
وكان الإنفاق على العملية بالعملة الوطنية العراقية، وأنجزت المهمة في ن من اقل لا مثيل له، إذ أنجزت العملية في مدة لا تزيد على السنتين، تبعتها نحو سنة ونصف أخرى لأعمال تكميلية مما جعل العملية كلها تتم في ثلاث سنوات ونيف، فضلاً عن ان عملية إعادة إعمار ما دمرته الحرب قد أكسبت قوة العمل العراقية خبرات فنية وعلمية وهندسية واقتصادية نادرة في فترة زمنية قصيرة مما جعل قوة العمل العراقية تنافس مثيلاتها في المنطقة وهذا نفسه يمثل رصيداً مهما من الممكن استغلاله مستقبلاً لجلب العملات الصعبة إذا ما وظف توظيفاً صحيحاً خارج حدود العراق، وفي الوقت نفسه فإن تأهيلهم ضمن حملة إعادة البناء والإعمار بكل مضامينها العميقة قد وفر موارد للبلد بالعملة الأجنبية كان من الممكن ان ينفق عليهم داخل أو خارج القطر بمبالغ لا يستهان بها أبداً.
مما تقدم يمكننا القول إن قرار إعادة بناء ما دمرته الحرب جاء ليحرك جانب العرض الكلي في المجتمع بوصفه ضرورياً لتقليص الفجوة التضخمية وذلك من خلال تحريك الإنتاج الوطني بشقيه الصناعي والزراعي والقطاع الخدمي أيضاً الضروري لتنفيذ تلك المهمة. فأعاده الحياة إلى هذه القطاعات وبالأخص المصانع التي توقفت بسبب العدوان أو التي توقفت بسبب نقص المواد الأولية أو الطاقة أو لأي سبب كان وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بصناعة المواد الغذائية، ستسهم في زيادة المعروض من السلع والخدمات، مما يقلص الفجوة بين العرض الكلي والطلب في المجتمع التي اتسعت اتساعاً كبيراً في فترة العدوان.
لقد استطاعت القيادة السياسية ان تتخذ جملة من الإجراءات والتدابير الاقتصادية من خلال السياستين المالية والنقدية للتخفيف من ضغط جانب الطلب الكلي لكي تتقلص أكثر الفجوة بين الجانبين، وكان من أهم هذه الإجراءات استخدام البطاقة التموينية التي تمثل رداً حاسماً على أهداف العدوان الاقتصادية إذ كان العدو يسعى عن طريق فرض الحصار إلى جر العراق إلى حافة المجاعة ودخوله حرباً أهلية لا يحمد عقباها، فجاءت البطاقة التموينية لتعيد التوازن إلى المجتمع العراقي وجعل أفراد الشعب يشعرون بوضع نفسي مستقر إذ انها تضمن لهم مورداً غذائياً شهرياً مستمرأ تدعمه الدولة فضلاً عن انها تقلل من حجم الطلب الكلي على المواد الغذائية بقدر كميتها وتقلل الفجوة بين العرض الكلي والطلب الكلي في المجتمع، فضلاً عن استنادها إلى مبدأين أساسين حققتهما وهما مبدأ الشمولية في التوزيع ومبدأ العدالة مما أثار حفيظة القوى المعادية للعراق في هذا الخصوص.
رسالتا الرئيس القائد
أما رسالة السيد الرئيس القائد صدام حسين يوم 12/أب /1992 الموجهة إلى الشعب العراقي والمرأة العراقية فقد دعمت إلى التركيز في التدبير وترشيد الاستهلاك والتصرف العقلاني مع الزمن واستثماره أفضل استثمار بهدف رفع وتائر الإنتاجية وتحسين كفاءة أداه الاقتصاد الوطني، وركزت في كيفية الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة في المجتمع والعمل على تقليص الهدر إلى اكبر حد ممكن، وكان جوهر الرسالة يستهدف الضغط على الطلب الكلي في المجتمع وتقليص الهوة بين العرض الكلي والطلب الكلي.
ثم جاءت رسالة الرئيس القائد إلى مجلس الوزراء في 2/12/1995بمثابة سياسة اقتصادية جديدة موجهة إلى معالجة مشكلات الاقتصاد الوطني الناشئة بالدرجة الأساس عن الحصار الشامل، وقد جاءت هذه الرسالة مكملة لحملة إعادة الإعمار والبناء التي استكملت في فترة قياسية لكي تجنب المجتمع العراقي الآثار السلبية التي خلفها التضخم على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي من خلال تأكيد أهمية تخفيف الإنفاق العام وتحديد أولويات الاستثمار الوطني، وتجنب الاعتماد المتزايد على التمويل بعجز الميزانية بالأسلوب التضخمي (الإصدار النقدي) والعمل أيضاً على تعظيم جانب الإيرادات الحكومية عن طريق جملة من الإجراءات والسياسات المالية التي تؤدي إلى زيادة الموارد المالية هن خلال إيجاد سياسة ضريبية ملائمة ووضع برنامج لزيادة الرسوم وكذلك قيام الدولة ببيع ممتلكاتها، وهذه تمثل الأبواب الأساسية للإيرادات العامة في ميزانيات الدول في العالم، مع تأكيد عدم الأضرار بالأفراد ذوي الدخل المحدود. إلى جانب ذلك فأن السياسة الجديدة لم تغفل أهمية جانب العرض الكلي في تنشيط الاقتصاد الوطني من خلال تشجيع الإنفاق على القطاع الصناعي والزراعي.

إن هذه السياسة الاقتصادية الجديدة جاءت منسجمة تماماً مع النظرية الاقتصادية وملائمة للواقع الذي يعيشه العراق بحيث أدت في السنة التي أعقبت تطبيقها إلى نتائج ايجابية كبيرة إذ أدت أول مرة في تاريخ العراق إلى تحقيق زيادة في الإيرادات العامة بنسبة تقارب (42.2%) من مجموع الإنفاق العام، وتشكل هذه النسبة انجازاً يعتد به في تحسين الإيرادات الحكومية وتخفيض عجز الميزانية ومن ثم تخفيض وتائر التضخم المتصاعد، كما جاءت هذه السياسة لتأكيد القدرة الاقتصادية على استيعاب جزء أساس من الآثار المدمرة للحصار الاقتصادي والمتمثلة بتنامي حدة الضغوط التضخمية وما أفرزته من أثار وأعباء اجتماعية وسياسية وثقافية كانت تشكل جوهر المراهنة الأمريكية على إسقاط النظام السياسي العراقي. وعلى الرغم من تواضع المنافذ الاقتصادية وفي مقدمتها انقطاع حصيلة الصادرات النفطية ومن ثم انعدام القدرة التحويلية للاستيرادات الحكومية فإن الاقتصاد العراقي استطاع بفعل السياسات الاقتصادية التي اتخذتها القيادة مواجهة اخطر مؤامرة عسكرية - اقتصادية عرفها التاريخ واستطاع طوال سنوات الحصار ان يتكيف مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة جداً وان يتجنب الانهيار الذي توقعته وراهنت عليه الإدارة الأميركية وتمكن من إفشال المخطط الاقتصادي الواسع الذي استهدف العراق كله (قدرات العراق المادية والبشرية والعودة إلى الاستحواذ على الثروة النفطية بصورة غير مباشرة واستنزاف تلك القدرات من اجل توظيفها لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية والغرب الرأسمالي بل استطاع مؤخراً ان يستقطب مواقف دولية وإقليمية وعربية تصب باتجاه مناصرة قضيته المشروعة.

أهم الدروس
إن الرد الوطني الشامل الذي جاء لمواجهة وإحباط اكبر عدوان اقتصادي وثقافي وسياسي وتكنولوجي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها على العراق الذي يمثل حالة النهوض الاستثنائية عند دول الجنوب جميعاً وحامل لواء المشروع النهضوي العربي الكبير... ان هذا الرد الشمولي الذي تجسد في عملية إعادة الإعمار والتكيف مع ضغوط الحصار الشامل لابد ان يفرز دروساً عظيمة وبالغة الأهمية بسبب تفرد الحالة وندرتها وكونها تجربة عراقية فريدة من نوعها وسنحدد أهم الدروس المستنبطة كما يأتي:
أولاً: ان القرار المركزي الذي اتخذه الرئيس القائد صدام حسين "حفظه الله" في الرد على العدوان بانجاز الإعمار لم يكن قراراً فنياً بحتاً، بل كان قراراً استراتيجياً وتاريخياً ذا إبعاد روحية وحضارية. إذ ان القرار كان اكبر من حجم العدوان ونتائجه. فالعراق هو العنصر القوي والفاعل في معادلة الأمن القومي العربي ولهذا السبب استهدف أعداء النهضة العربية تدميره والسيطرة عليه بوصفه رمزاً عربياً إسلامياً يشكل صمام الأمان للأمن القومي العربي والإسلامي.
ثانياً: ان عملية إعادة إعمار ما دمرته الحرب العدوانية أسهمت على نحو مباشر في إعادة التوازن النفسي للشعب العراقي وتعزيز ثقته بنفسه وبقيادته وأصبح الصمود والبناء حالة ملازمة لمسيرته التنموية خصوصاً ان العراقيين بوعيهم الذي عركته التجارب كانوا يقدرون حجم التآمر وطبيعته وأهدافه فبقدر ذلك أصبح واضحاً حجم التحدي وحجم الهجوم المقابل، وبذلك تبلورت لدى الشعب سبل المواجهة الاقتصادية وأهمها خلق مستلزمات التنمية في ظروف نادرة وفريدة من نوعها. تختلف عن مثيلاتها من التجارب العالمية (ألمانيا بعد الحربين) في ظروفها الموضوعية والذاتية وما ترتب عليها من تحديات وقيود لا مثيل لها.
ثالثاً: ان تبني إستراتيجية الاعتماد على الذات لإعادة الإعمار من خلال اعتماد العراق على قدراته الذاتية مادياً وبشرياً يشكل احد أهم الدروس الرائدة للأقطار النامية خصوصاً ان هذه الإستراتيجية طبقت على وفق أصعب الظروف وأقساها متمثلة باستمرار فرض الحصار الشامل على كل مرافق الحياة، مما قاد العراق إلى استنفار كل طاقاته من اجل الخلق والإبداع والابتكار، إذ تم ما يأتي:
1- استخدام طرائق وأساليب غير تقليدية في عملية إعادة الإعمار.
2- اكتساب مهارات جديدة إضافية.
3- تعزيز الثقة بالنفس بالإمكانيات الوطنية.
4- استخدام المهارات التي تكونت في المؤسسات العلمية عبر مسيرة الثورة التي حققت هذا الرصيد من رأس المال البشري الذي وجد فرصته في عملية إعادة الإعمار.
5- استخدام بدائل لمستلزمات الإنتاج المحلية بدلاً من المستوردة.
6- التعاون مع القطاع الخاص وإشراكه في عمليات التنفيذ.
7- القيام بعمليات التحوير والإحلال والتحويل في خطوط الإنتاج المتعطلة.
8- إعادة تأهيل وتطوير الكوادر المستخدمة للاستجابة للمتغيرات التي فرضتها عملية إعادة الإعمار في ظل الحصار.
9- استخدام صيغ عمل جديدة طبقت أول مرة في العراق من مثل:
أ (تصليح المعدات) كتصليح المحولات الكهربائية.
ب- (التصميم والتصنيع) كوحدات السيطرة الكهربائية وأبراج الاتصالات.
جـ- (التصميم والبناء) كتصميم وبناء برج محطة كهرباء الدورة وإنشاء جسرين أنبوبيين في القرنة والناصرية وتحويل مجرى العديد من الأنهار.
د (التحوير) كتحوير خطوط الإنتاج المتوقفة في المنشأة العامة للفوسفات لإنتاج بدائل كيماوية وتوفيرها لبعض المنشات بدلاً من استيرادها.
.1- الضغط العقلاني والمدروس على عنصر (الزمن ) لكي لا يشكل عائقاً أمام دقة الأداء والانجاز.
رابعاً: لمواجهة الدمار الذي حل بالبنى الارتكازية في المجتمع والتدمير الكبير الذي شمل القطاع الصناعي والخدمي حشد الجهد الهندسي العراقي على نحو لا مثيل له واستخدم هذا الجهد البشري منه والمادي استخداماً عقلانياً من خلال إدارته مركزياً مما مكنه من الإبداع والخلق في عملية إعادة البناء، فقد تمكن هذا الحشد من إعادة تصليح ما لا يمكن تصليحاً وتطوير الطرائق العلمية وابتكار الوسائل وتحوير ما يمكن تحويره وخلق البدائل ورسم الخطط الهندسية وتطويرها ورسم الخرائط اللازمة لإعادة الاعتزاز. لقد أتى كل ذلك بنتائج باهرة وعظيمة تستحق الدراسة والاعتزاز. فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن ما أنجز في وزارة الصناعة والمعادن فقط كان واحداً وعشرين معملاً ومنشأة كانت كلفتها الحقيقية قبل العدوان (1.5) مليار دينار.لقد نسى أو تناسى المعتدون ان ذاكرة الأمة هي ملكية اجتماعية قومية عامة، وإن آلية السوق أو غيرها من آليات النظام الرأسمالي تبقى عاجزة على الدوام عن تعطيل وتغيير شكل هذه الملكية ومضمونها ووظيفتها على مر الأجيال.
مما تقدم يتضح عمق التجربة العراقية الرائدة في مجال الرد الوطني الشامل من خلال توفير المستلزمات الاقتصادية اللازمة لنجاح القرار السياسي الجريه والمناسب، وان هذه المستلزمات لم يكن لها ان تتحقق لولا العمق التاريخي لمسيرة العراق الوطنية والقومية على امتداد ربع قرن تقريبا التي شهدت توجهاً تنموياً راسخاً من حيث الاعتماد على الذات في كسر حلقة التبعية لخارج، ولم يكن لها ان تتحقق لولا حكمة القيادة التاريخية متمثلة بالقائد صدام حسين «حفظه الله» الذي خطط ببصيرته الثاقبة وفكره النير ووعيه الستراتيجي الثاقب لمسيرة إعادة الإعمار ومواجهة جوانب الحصار وأثاره الضارة وأسرف على تفتيت كل حلقات هذه المسيرة، فضلاً عن البناء القيمي والعقائدي للإنسان العراقي الذي قدم أعظم التضحيات واسماها من اجل ان يبقى العراق عزيزاً رافلاً بالعز منطلقاً بهمة وقوة في دروب المستقبل.







مؤشرات وأرقام
في
التطور التنموي



الدخل القومي ومتوسط نصيب الفرد من الدخل القومي
السنة
الدخل القومي (مليون دينار)
متوسط نصيب الفرد (دينار)
1968
739.9
86.7
1968
813.5
91.1
1973
1382.5
132.0
1978
6709.9
538.2
1983
10996.5
753.9
1988
16982.9
1006.1
1993
12577.3
6431.7
1996
2222935.3
105233.0


الناتج المحلي الإجمالي ومتوسط نصيب الفرد بالأسعار الجارية والثابتة

السنة
الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية
(مليون دينار)
متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي
(دينار)
الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة لسنة 1975 (مليون دينار)
الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة لسنة 1980 (مليون دينار)
1968
913.4
108.5
-
-
1968
1034.5
116.0
2470.2
-
1973
1555.2
148.5
3215.9
-
1978
7017.0
562.8
5773.5
-
1983
12621.0
865.8
5346.2
9870.6
1988
19432.2
1151.1
7123.7
15421.8
1993
140517.9
7214.2
3667.8
4672.9
1996
2493227.0
118028.0
4126.1
8450.5






مؤشرات عن تطور إنتاج النفط

السنة
كمية الإنتاج
(1000 برميل يومياً)
كمية الصادرات
(1000 برميل يومياً)
قيمة الصادرات
(1000 دينار)
1980
2646
911303
8210963
1983
1098
254123
2387933
1988
3740
802404
3487933
1992
1075
22110
62500
1993
1031
21464
102323
1996
1167
35257
204259

إجمالي المساحة المزروعة بالمحاصيل الزراعية لكل مجموعة (1000 دونم)
السنة
حبوب
بذور زيتية
درنيات وأبصال
بقوليات
محاصيل لأغراض صناعية
محاصيل علفية
خضروات
1968
10845
131
58
230
132
-
723
1973
9275
73
61
208
317
-
789
1978
9877
111
71
263
150
167
739
1983
11047
90
57
136
127
177
933
1988
10749
123
103
69
68
230
975
1993
11949
302
141
80
103
183
1041
1996
10746
161
238
168
63
132
1462

الجامعات والطلبة والتدريسيين

السنة الدراسية
عدد الجامعات
عدد الطلبة
عدد التدريسين
طالب/مدرس
1968-1969
5
41189
1879
22

1973-1974
6
58351
2669
22
1978-1979
7
89197
5207
17
1983-1984
7
119028
6934
17
1988-1989
11
179458
9458
19
1993-1994
11
186140
11813
16
1996-1997
11
257278
11986
21

طلبة الدراسات العليا
السنة الدراسية
عدد الطلبة
1973-1974
889
1978-1979
2184
1983-1984
2012
1988-1989
3859
1993-1994
6230
1996-1997
7968

المستشفيات والأسرة والمرضى الراقدين فيها وأعداد المؤسسات
الصحية الأخرى

السنة
عدد المستشفيات
عدد الأسرة المهيئة للرقود
عدد المرضى الراقدين
عدد المؤسسات
الصحية الأخرى
1968
149
16327
-
933
1973
160
20907
572141
1364
1978
200
24697
762928
1686
1983
196
24784
900965
1394
1988
256
28891
1243461
1406
1993
185
25120
1165697
1189
1996
198
26127
-
1210

العراق – ثلاثون عاماً
من مسيرة الخير والتقدم

عدد خاص من كتاب العراق السنوي بمناسبة
الذكرى الثلاثين لثورة السابع عشر- الثلاثين من تموز 1968


هيئة التحرير

ناجي الحديثي            المحرر العام ورئيس هيئة التحرير
أكرم طاهر حسان              رئيس التحرير التنفيذي               
علاء ناصر العاني       سكرتير التحرير                       



تصميم الغلاف الأول والمدخل / ليث متي
الغلاف الأخير / موفق الونداوي


طبع زينل عابدين آردم (شركة آردم هولدنك) تركيا -إستنبول
Erdem Holding / Istanbul / Turkiye

إصدار وزارة الثقافة والإعلام
هيئة تحرير الكتاب السنوي
بغداد- 1998

المحتويـــــات
التمهيد
المقدمة
الفصل الأول: العراق في التاريخ                                      
الفصل الثاني: الأرض والناس
الفصل الثالث: الحزب والنضال الوطني والقومي في العراق
الفصل الرابع: القيادة التاريخية
الفصل الخامس: العراق المعاصر
الفصل السادس: النظام السياسي
الفصل السابع: ثورة 17-30 تموز والتحديات القومية
الفصل الثامن: السياسة الخارجية
الفصل التاسع: العلاقات الاقتصادية الخارجية
الفصل العاشر: المسيرة الديمقراطية
الفصل الحادي عشر: التنمية الاقتصادية
الفصل الثاني عشر: الدفاع عن الوطن
الفصل الثالث عشر: قادسية صدام
الفصل الرابع عشر: أم المعارك
الفصل الخامس عشر: إعادة البناء ومواجهة الحصار
هيئة التحرير والكتاب المساهمين في اعداد فصول الكتاب