السبت، 8 ديسمبر 2018

مختصر التاريخ الثوري للشعب الفرنسي من 1789 نحو 1968 نحو 2018 ثلاثة قرون والثورة مستمرة..... الدكتور عبد الكاظم العبودي




مختصر التاريخ الثوري للشعب الفرنسي

من 1789 نحو 1968 نحو 2018

ثلاثة قرون والثورة مستمرة

دروس من التاريخ على العرب أن يعتبرون بها



ا.د. عبد الكاظم العبودي

الامين العام لحركة اليسار التقدمي في العراقي

الثورة الفرنسية (بالفرنسية: Révolution française) 1789 هي فترة مؤثرة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في فرنسا عرفت عدة مراحل استمرت من 1789 حتى 1799، حتى اسقطت الباستيل ومظالم ملكيات القرون الوسطى في 14 تموز/ جويليه 1789 . وكانت ولا زالت للثورة الفرنسية الأولى تأثيرات عميقة على أوروبا والعالم الغربي عموما، رغم انها انتهت بسيطرة البورجوازية خلال التحالف مع نابليون، وانتهت أيضا بتصدير الأزمة الداخلية الفرنسية من خلال الاستعمار بالتوسع اللاحق للإمبراطورية الفرنسية،واحتلال الجزائر ، وسقط بريق شعاراتها بنظر الشعوب التي ابتليت بالاستعمار وحين انتهت تلك الثورة بسيطرة البورجوازية التي كانت متحالفة مع طبقة العمال مع إحقاق مجموعة من الحقوق والحريات للطبقة العاملة والمتوسطة للشعب الفرنسي ولكنها ظلت اصلاحات تحت رحمة ظروف سياسية معينة . بهذا التاريخ أسقطت الملكية وأسست الجمهورية وشهدت فرنسا فترات عنيفة من الاضطراب السياسي.

الثورة الطلابية May 1968 protests
أحداث آيار/ مايو عام 1968 شهدتها فرنسا ، في فترة عنيفة من الاضطراب السياسي والمدني، سادتها الإضرابات العامة والاعتصامات في المصانع والجامعات في أنحاء الجمهورية الفرنسية الخامسة، بدفع من الطلبة والعمال والاشتراكيين وبمساندة الشيوعيين و قوى اليسار الفرنسي الذي نزل برموزه الى الشوارع والتجمعات الطلابية في الجامعات ومنها السوربون، تصدر الفيلسوف جان بول سارتر وفوكو وغيرهم كثيرون

وقد شهدت أحداث آيار/ مايو 1968 أكبر إضرابٍ عام شهده تاريخ فرنسا، وكان الإضراب الأول من نوعه على مستوى البلاد. وصل الأمر إلى سفر الرئيس شارل ديغول لساعات، بسرية كبيرة ودون إعلام أحد، حتى رئيس وزرائه جورج بومبيدو آنذاك إلى ألمانيا وذلك لمقابلة صديقه الجنرال الفرنسي جاك ماسو ليتأكد من ولاء الجيش له خوفا من محاولته الوقوف في صف المتظاهرين.

انتهى الأمر بالموافقة على حل الجمعية الوطنية، والإعلان عن عقد انتخابات برلمانية جديدة في يونيو/ حزيران 1968 ، فاستغلها ديغول، والتي خرج منها الديجوليون أكثر قوةً لعدم تمكن اليسار من لم صفوفه والاستفادة من نتائج تلك الانتفاضة التاريخية.

لم تكن أحداث انتفاضة آيار / مايو 1968 في فرنسا مجرد مرحلة تاريخية عابرة إرتفع فيها صوت الشباب الفرنسي الثائر ضد القيود التي كانت تكبله فحطمها؛ بل كانت محطة مهمة وانتفاضة غيرت وجه البلد تماما ، ولا تزال آثارها وتداعياتها ممتدة إلى اليوم، وامتدت الى أقطار وبلدان أخرى عبر العالم.

ظل اليمين الفرنسي يستذكر دروس انتفاضة 1968 ، والدليل ما صرح به الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي في بداية عهده، عندما قال : إن من بين أهدافه القضاء على ميراث حركة مايو 1968، لأنه - وكما كل اليمين في فرنسا - يعتبران تلك الحركة قد : شكلت تهديدا للسلطة ، "شوه المعايير السلوكية لدى المواطنين" ، ودفعهم إلى الاستخفاف بقيمة العمل؛ في الوقت الذي يراه فيه خصومهم النقطة التي سمحت بالتأسيس لفرنسا جديدة عنوانها: الحرية والعدالة الاجتماعية.

ولكن الحقيقة المغيبة عن تحاليل بعض السياسيين هي أن انفجار أحداث آيار/ مايو 1968 كان نتيجة لتراكمات طويلة ، فرضتها ظروف محلية ودولية مهمة على المستويين السياسي والاقتصادي منذ بداية الستينيات بدءا من انتصار الثورة الجزائرية وقبلها هزائم الاستعمار الفرنسي في مستعمرات القارة الاسيوية وهزيمته في معركة ديان بيان فو، ثم تصاعد الثورات الوطنية المطالبة بالاستقلال في العديد من بلدان أفريقيا

وعلى المستوى السياسي كانت حالة من الحنق الشعبي تسود البلاد بسبب تقييد الحريات من قبل نظام الجنرال ديغول ، والتضييق على المفكرين وأهل الأدب والسياسة، بحجة الأمن وحماية الجمهورية ومبادئها، وكان الشرخ كبيرا في النظرة إلى قضية الجندية ووضع المستعمرات الفرنسية في الخارج، خاصة الأوضاع في الجزائر، وما شهدته من مجازر قبل استقلالها عام 1962 ، وعودة مليوني فرنسي من المستوطنين، ممن كانوا يعيشون فيها ، بعدما كانت فرنسا قد عاشت مرارة هزيمة ديان بيان فو في 1954

لم تتمكن الدولة الفرنسية ، ولا أجهزتها من إسكات المفكرين أو الصحافة، رغم الضغوط وعمليات المنع التي واجهت الكثير من المؤلفات والمسرحيات، مما إضطرالمفكرون الفرنسيون الى إصدار بيانات ونداءات أشهرها »بيان الــ «121 المناهض للمشاركة في الحروب الاستعمارية، ورفض التجنيد الاجباري ، والذي كان يحرض بوضوح على عصيان الدولة وعدم الذهاب للخدمة العسكرية، ، وقد صاغ ذلك البيان المفكر الفرنسي موريس بلانشو ووقعه أعلام كثيرون ، كان من بينهم جان پول سارتر وممثلي قوى اليسار الفرنسي.

لكن المفاجأة في تلك الانتفاضة : أن التمرّد لم ينطلق في صفوف العمال؛ بل من قبل الطلاب، وبدأ على أساس المطالبة بالحريات وخاصة من خلال رفعهم شعاري (منع الممنوع) و( لا تعطى حريتي ... سأتولى الأمر بنفسي) ! ، ثم تم رفع بقية الشعارات الاقتصادية المطالبة بالاصلاح لاحقا.

ثورة السترات الصفراء/ 2018
جاءت الانتفاضة على شكل حراك متدرج، نتيجة تعفن الاصلاحات الرأسمالية في زمن العولمة، واهتزاز العلاقات الداخلية في الاتحاد الاوربي ، وتململ جديد في صفوف حركات اليسار الاوربي، خاصة بعد وصول اجنحة اليمين، ويمين الوسط للحكم، ووضعهم سياسات باتت تخدم مصالح الاحتكارات الرأسمالية الكبرى، حتى قيل عن الرئيس الفرنسي ايمانوئيل ماكرون (انه بات رئيس وممثل عن الاغنياء الفرنسيين) .

وما الانتفاضة الشعبية التي تتصاعد ثورتها الان في شوارع باريس وتجتاح اغلب المدن الفرنسية، ومرشحة للامتداد الى مدن بلدان أوربية واقاليم خارج قارة أفريقيا ، فهي ليست نتاج سوء السياسات الاقتصادية ورفع اسعار البنزين والوقود والبطالة وما يرتبط بالضرائب وقضايا الضمان الاجتماعي فقط ؛ بل مؤشر وإيذان بنضج مرحلة ثورية فرنسية جديدة تشارك بها الطبقات الوسطى والقوى الشعبية التي تهددها البطالة وتلاحقها الضرائب اضافة الى سكان الاحياء المهمشة والريف الخائف من الفقر وكساد الاسواق ، وهكذا فهذه الانتفاضة تكمل سابقاتها منذ عام 1879 باندلاع الثورة الفرنسية في 14 تموز وسقوط الملكية ، وهي استكمال لثورة وانتفاضة الطلبة والشباب في عام 1968 . التي ظل يحسب لها اليمين الفرنسي والاوربي ألف حساب ؛ فالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ظل يعبر عن خشيته من بقاء جذوة الانتفاضة الثورية الطلابية والشبابية عام 1968، والتي لم يدرسها ويتعلم دروسها الرئيس الحالي عما نوئيل ماكرون ، ففاجئته الاحداث على حين غرة، بعد 18 شهر من حكمه ، ولم يجد لها حلا قبل اليوم، وهاهو يكرر أخطاء أسلافه باستعراض قوة الجيش والشرطة وممارسة القمع الذي لا جدوى منه

وفي الختام يبقى اليمين الفرنسي والاوربي خائفا ومذعورا ومرتعبا كلما تحرك الشارع بمطالبه المشروعة من أجل توفير ضمانات العيش الكريم، ولان النزعة الثورية في التمرد على تدهور الاوضاع، غالبا ما يتلقاها ويترجمها اليسار الى تعبئة شعبية، عندما تحين الفرص للانتفاضات الشعبية.

متى يتعلم العرب من دروس التاريخ، وأين نخبهم السياسية والثقافية التي لازالت مغيبة في سبات القرون.
وان غدا لناظره قريب.








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق