ذكرى يوم الشهيد
ذكرى النصر المبين على الفرس المجوس
أَ . د . أَبو لهيب
في كل سنة يحتفلون العراقيين بذكرى أَليمة الا وهي ذكرى الشهداء الذين ضحوا بانفسهم لاجل وطنهم وشعبهم ويعتبر الاول مِنْ شهر كانون الاول مِنْ كل عام مناسبة وطنية لتخليد ذكرى شهداء الحرب العراقية الايرانية فمنذ عام ١٩٨١م أَعلن العراق ذلك التاريخ مناسبة ليوم الشهيد حيث أقدمت القوات الايرانية على اعدام مجموعة كبيرة مِنْ الجنود بطريقة وحشية بعد اسرهم على جبهة بسيتين . يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل عن الشهيد: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾(سورة آل عمران آية ١٦٩ ) ، وفي هذا تعظيمٌ وإعلاءٌ لمنزلة الشهيد الذي يضحي بروحه ودمه لأجل الحق، وإعلاء كلمة الله تعالى، ونصرة الدين والوطن، فالشهيد هو الذي يستحق أن نتذكّره بجدارة، بكلّ ما في الذكرى من معانٍ ساميةٍ، فمَن أعظم منزلةً ممّن يقدّم روحه دون أن يسأل، وهو يعلم جيداً أنها روحٌ واحدة، لكنه يؤمن بعظمة ما ينتظره بعد الشهادة، فالشهيد لا يموت، وإنّما يرحل إلى الجنة فوراً. في ذكرى الشهيد، يجب أن نستذكر جميعاً مناقبه، وأن نربّي الأجيال على أن يكونوا مثله، وأن نتذكّر تضحياته وشجاعته، ومكانته عند رب العالمين، فهو يشفع لسبعين من أقاربه، ويدخلهم الجنة، فالله تعالى يغفر له جميع ذنوبه في أول دفقةٍ من دمه، ويرى مقعده من جنة الفردوس، فالشهيد في أعلى مراتب الجنة، مع الأنبياء والأولياء والصالحين. الشهادة هي أعلى مراتب الحياة بعد الموت، وهو سببٌ لفخر أيّ أسرةٍ تقدم شهيداً، وفخرٌ لوطنه، وأصدقائه، وأحبته، وجميع معارفه، فقد يكون الشهيد هو الأب، أو الأخ، أو الزوج، أو الصديق، أو الحبيب، وأيّاً كان، فهو على كل حالٍ رمز الشرف والتضحية، فالشهادة كرامةٌ وفضلٌ لا يؤتيه الله تعالى إلا لمن يصطفي من عباده.
فالشهید یستحق ان نذکره فی کل مناسبات ، حتى أنّ ذكراه العطرة تبقى ملهماً مهما طالت الذكرى ومرّ الزمان، كأن الدم الذي سرى من الشهيد، يظلّ يعطر الأجواء بعطر المسك والريحان، وكأنه أيضاً سراجاً لا ينضب زيته ابداًن ويظلّ مشعاً بالنور الكثير عبر الأيام والسنين، فتنمو في كلّ ذكرى تمرّ على الشهيد، شمعةً جديدةً تنير درب الأجيال القادمة. لا يأبه الشهداء عادةً بالتماثيل التي تحيي ذكراهم ولا تهمهم كلمات الرثاء التي تُقال فيهم، ولا تهزّ وجدانهم عبارات العزاء التي تنقل خبر موتهم، فالشهيد يعلم بمجرد أن تفارق روحه جسده أنّه ارتقى إلى عالمٍ أجمل، وأنّه أدّى رسالته في الحياة على أكمل وجه، وأبهى صورة، فالشهاد لا تنبغي إلا لم أخلص النية لله تعالى، لذلك هي أكرم من أن تكون مجرد ذكرى، لكن ذكرى الشهيد تكون لأن يكون قدوةً لغيره من الناس، كي يكونوا مثله، ويسيروا على دربه؛ لأنه درب العزة والفخار ورضى الله تعالى .
وحين نحتفل بيوم الشهيد العراقي علينا أن نتذكر أن الحرب العراقية - الإيرانية كانت حرباً قومية عربية، دفاعاً عن سيادة ووحدة العرب المنتهكة والمفقودة الآن، إِنَّ واحد مِنْ كانون الأول هو التاريخ الذي يحاول الساسة العراقيون وذيولهم نسيانه، في حين تنبش ذكراه أوجاع ثلاثة آلاف عائلة عراقية فقدت أبناءها في الحرب العراقية - الإيرانية، بعد أن وقعوا أسرى، وقامت القوات الإيرانية بقتل أغلبهم بأشكال وطرق وحشية، هذا اليوم الخالد في ذاكرة العراقيين والذي يستذكر فيه العراقيون كل عام أبناءه الشهداء ويستذكرون بطولاتهم وأمجادهم وقصص البطولة والتضحية والفداء. هذا اليوم الذي سجل في سفر العراق الخالد، هذا اليوم الذي ارتكبت فيه الطغمة الفارسية أبشع جريمة عرفتها الإنسانية وغيّبها الإعلامان العربي والعالمي بحق الأسرى العراقيين، وخلافاً لكل المواثيق الدولية التي تنص على حماية أسرى الحرب، وخلافا لكل المواثيق الأخلاقية والإنسانية، هذا هو الحرس الثوري الايراني الذي قتل الأسرى ومثل بجثثهم وقطعها وحرقها وسحلها بالعربات بأمرٍ من خميني آنذاك ، واليوم ترتكب ذات الجرائم التي ارتكبت بحق الأسرى في السابق وبعد الاحتلال، بعدما لعبت المليشيات المرتبطة والمدعومة من إيران وبالأحزاب والتيارات التي جاءت من إيران، والتي فتكت بالعراق وشعبه وقتلت الآلاف من العراقيين بنفس الأسلوب، فكم من عالمٍ وطبيبٍ وطالب علم وكفاءات مهنية في مختلف المجالات تم قتلهم، وكم منهم لا يزال قابعاً في سجون ظلمته قيودها ودفنته أسوارها دون عدلٍ أوإِنصاف، العراق اليوم يعيش أسوأ حقبه عبر التاريخ، فقد تعدت سطوة الأحزاب والمليشيات كل الحواجز إجراماً وفساداً وظلماً، إذ إن أرقام الأيتام والأرامل تعد أرقاماً هائلة وخيالية لم تسبق وإن سجلت في العراق أو حتى دول المنطقة، وهذا ما خلفته الأحزاب التي تعمل وفق منهجية الاستبداد والوحشية، فكل من يعارض أو ينتقد سلطتها وسطوتها وسياستها تكون تهمته جاهزة أو يتم اغتياله بدمٍ بارد وتسجل وفاته ضد مجهول .
فالف الف رحمة على ارواح الابطال الذين افدوا بارواحهم لاجل شعبهم ووطنهم وسقوا بدمائهم ارض الوطن لينمو زهرة الحرية والسعادة لاجيالنا القادمة ، الخزي والعار لمن خان وطنه وباعه للاجنبي الغادر .