بسم الله الرحمن الرحيم
بسم
الله الرحمن الرحيم
من أنا ؟ وماذا أريد ؟
محمود الجاف
الكثير منا ورغم تقدم عمره وطول تجربته لا يزال لم يحدد ماذا يريد؟
ناهيك عن السؤال الأهم : من أنا ؟!
فشلوا لأنهم لم يفهموا حقيقة أنفسهُم
وبالتالي لم يعرفوا كيف يستخدموها . لأنك عندما تعرف من أنت فقد أشَّرتَ موقعك على
الخارطة . أما عند اختيارك لأهدافك فقد حددت النقطة التي ترغب الوصول إليها والتي
ستمنحك القيمة التي أردتها وبالتأكيد لن تعدم الوسيلة حتى تحقق مُبتغاك بعد أن
تتجاهل الكثير مما لا ينفع . لابد من المعرفة الصادقة لما تريد فالأمر يختلف عن
والدك وأخيك وصديقك ! فأنتَ تعرضت لمُؤثرات وبيئة عائلية أخرى وتحمل مشاعرًا
وأفكارًا وإمكانات مُختلفة . حتى ما يُسعدك ويُشعرك بالبؤس كذلك يختلف عنهُم .
لن أحقق ما أريد إذا لم أعرف من أنا ؟
كيف تتعرف على نفسك ؟ من النادر أن نكشف ما
بداخلنا للآخرين ولهذا علينا أن نواجه أنفسنا ونحدد السلبيات والإيجابيات ثم نتخلص
من السلوك الخاطئ ونطور الصحيح ونتعرف على قدرتنا وعلى هذا الأساس نختار الأهداف .
اطرح الكثير من الأسئلة على نفسك وتعمق في الإجابات ولاتتردد في خوض التجارب فلكل
إنسان صورتين داخلية وهي كيف يرى نفسه وخارجية كما يراه الناس . وإن كنت تبحث عن
النجاح لابد أن تكونا مُتطابقتين وإلا فمصيرك الفشل . عندما تختلف حقيقتك عما
يراها الآخرون لن تستطيع الارتقاء وستبقى أسيرًا للتصادمات الموجودة في داخلك .
تنازل عن خوض سباقات كنت تضيّع جهدك فيها لتقلد من تعتقد نجاحهُ وابتعد عن مُزاحمة
الآخرين على ما يعتقدون أنهُ الأفضل وسوف تصل إليه لأنك تعلم أن إحدى أهم قواعد
النجاح هي التركيز على الهدف وتحقيق الأولويات .
كثيرون يعملون ليلًا نهارًا ويخسرون
حياتهُم ويُفرطون في صحتهم من أجل بلوغ أعلى المراتب التي قد يصلون إليها بعد جُهد
وتضحيات . ولكن هل شعروا بالسعادة ؟ هل يمكن أن يُحققوا نجاحات بطريقة أكثر ذكاءً
وراحة؟ وهو ما ينجح فيه الغربيون بقوة لأنهُم أكثر صدقاً وشفافية مع أنفسهم على
عكسنا حيث نرغب بتقليد نماذج مُجربة مُتصورين أن ذلك سيكرر قصة النجاح ! تذكر إن
الطريق طويل وشاق حتى تتعرف على ذاتك . لكنها رحلة تستحق التعب فثمرتها تحفظ وقتك
وجهدك وتُسعدُ قلبك .
ما الذي يجعلني أنا ؟ هل جسمي هو أنا ؟ أم
أحشائي الداخلية ؟ هل ذكرياتي ؟ أم عواطفي؟ حين يُعَرفُني أحد للآخرين ما الذي
يقولهُ لهُم ؟ أي جزء مني يُهمهُم ؟ كُلي ؟ أم بعضي ؟ وما هي طبيعة الذات ؟ لو إن
صديقك ذهب ليحارب وعاد بلا ساقين . هل تعتقد أنه لم يعد صديقك ؟ هل اصبح شخصٌ آخر؟
هل الجسد أساسي في تعريف الذات وهل تتكون هي بسببه أم إنها تُصورهُ على أنه جزءٌ
منها ؟ أثبتت العديد من التجارب أن المُخ هو الذي يجعل اليد والأقدام والصدر جزءًا
منهُ ويُعد لها خريطة تدل على مكان كل منها بداخله . فقد أُجلسَ شخص ووضعت يديه
على طاولة أمامه ثم أخفيت يده اليسرى بحاجز حتى لا يراها ووضعت يد من المطاط
أمامهُ وبدأ الطبيب بمسحها وفي نفس الوقت مسح اليد الحقيقية خلف الحاجز . مسح ثم
مسح ثم مسح حتى بدأ يشعر في الذراع المطاطية رغم إنها ليست له وبعد فترة من تأقلم
مخهُ عليها أتى بمطرقة وضربها ولأنهُ اعتقد أنها يدهُ سحبها بسرعة خشية أن تصاب
فقد استوعب المُخ المُزيفة لتكون جزءًا من جسدهُ .
هناك من يفقد يده ورغم عدم وجودها يشعر
بحكة فيها . لماذا ؟ لأن خريطة المخ لا تزال تحتفظ بها كجزء منها . إن هناك من
لديهم جسد كامل ويشعرون وكأن جزءًا منه ليس لهم ومن المفروض إزالته ولا يستطيعون
العيش مع أرجلهم أو أيديهم مثلا ويحاولون أن يخبئوها حتى لا تظهر أمامهم . وقد
يتجهون إلى أطباء ليجروا لهم عملية جراحية للتخلص من الجزء الذي لا يرغبون بالعيش
معه وبعد انتهاء مفعول المُخدر يشعرون بسعادة لأنهم أصبحوا كاملين . لعلك مصدوم
ولكنها حقيقية . ابحث حولك وستجدهُم . كم شخص تعرفهُ غير شكلهُ أو حاجبيه أو عينيه
أو شفتيه أو اجزاءًا داخلية أو خارجية بحجة التجميل ؟ كثيرون ...
السؤال الآن هل تختفي الذات بمجرد موت
الجسد ؟ وهل الحياة صفة يُشعرك بها العقل؟ هل من المُمكن ألا تكون حيا رغم وجودك ؟
وكونك حيا لا يعني إن ذاتك موجودة .
يقول ديكارت : أنا أفكر إذن أنا موجود . هل
فعلا كل من يفكر موجود ؟ هناك من الحالات ما تخالف ما كان يعتقدهُ . بعض الناس
ميتون رغم إنهُم يفكرون وليس هناك أي دليل تستطيع تقديمهُ لهم ليصدقوا غير ذلك . الاعتقاد بوجود الذات
هو إدراك ذهني يقوم به المُخ . أنا أفكر إذن قد لا أكون موجودا !
نحن بحاجة إلى التماس الجسدي في الكثير من
الأحيان حتى نشعر الآخرين بأننا أحياء . احتضن من هم بحاجة إلى الدفء والحب . رغم
إن بقائي حيا أو ميتا لايرتبط بجسدي فقط إنما بالطريقة التي أفكر فيها فهي التي
تعطي الانطباع إن ذاتي موجودة . هل أنت القصة التي تبنيتها في ذاكرتك؟ أم التجارب
الشخصية التي مررت بها في حياتك؟ قد نجد بعض الإجابات على ذلك في المصاب بمرض
آلزهايمر . عندما تبدأ ذاكرته بالفشل وقصصه الشخصية بالإنهيار . لأنه يسرق
الحكايات التي توفر له فهم ذاته وتجيب عن السؤال : ‘من أنا ؟‘ ذلك التاريخ الذي
نرويه عن أنفُسنا كلهُ يتلاشى . حتى القصص الشخصية فلا ماضي ولا حاضر ولا مستقبل
ولا أنا .
كلنا نعرف اديسون رغم أننا لم نره ولكننا
رأينا انجازه الذي خلده . يدخل من باب الحياة كثيرون ولكنهم يخرجون منها ولم
يكونوا أحياءًا أبدا قبل موتهم رغم إنهم عبروها فقد كانوا على هامش الحياة فقيمة
المرء فيما يحقق من انجاز فابحث عن ما يخلدك ...
ولاتقل إني أُحبك لأحد . قبل أن تثبت ذلك
من خلال السلوك ...
2018 . 08 . 30
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق