إجتياز
متاريس الوهم
بقلم فؤاد العراقي
يعتبر سقوط خط الدفاع الاول واضمحلال مهمته، وتزعزع الخط الثاني وتهيؤه للاضمحلال ايضا، نذير واشارة نجاح الطَرْق المستمر على الهدف، واسقاط
كل خطوط حمايته ودفاعاته،
وما يستتر خلفه، فيصبح الحال موجبا بشدة الوقوف
عند خط الشروع استعدادا للصولة الاخيرة، مع
استمرار الطرق عن بعد؟ وابقاء الهدف مستتراً في خطه الدفاعي الاخير، الذي لا يمكنه
رؤية التحرك المتجه اليه بسرعة حتى يؤسر ويستمكن منه، ومن موضعه.
وهنا تطلق
اشارة نجاح الصولة، ويبدأ العمل على (استثمار الفوز ) ومسك الموضع باحكام وتطهير الموضع من كل معرقلات
ومخاطر. ( تلكم هي مصطلحات عسكرية لكيفية وضع
خطة الهجوم على موضع معين باختصار شديد يعرفها القادة (.
نرجع لسالفتنا المهمة :
ان الطغمة الحاكمة التي استولت على مقاليد الحكم،
بالاستعانة بالدبابة الامريكية اولا، ومن بعدها بدهاء ايران وبرعاية ودعم الحرس الثوري،
وخونة العراق، من قادة المليشيات المجرمة الذين
قاتلوا الجيش العراقي إبان الحرب العراقية الايرانية، وقتلوا من ابنائنا العدد الكثير،
واعدموا الاسرى وعذبوهم في السجون والمعتقلات، وعاملوهم بكل قسوة وازدراء .
إن
اول ما استخدموه وعملوا على ترسيخه هو بناء خط دفاعي أول كبير وغفير من الجموع
المخدوعة والجهلة من الناس، ومن المذهب المعروف،
وقد تمت تحشية ادمغتهم بمظلومية مخادعة، وجرى تسخيرهم لحمايتهم والدفاع عنهم
، تارة بإسم الدفاع عن المقدسات، وتارة باسم
المذهب ونصرة الدين، الذي يَرَونَ انه التوى
وانحرف منذ وفاة النبي (ص) ولحد يومنا هذا , فأضحت هذه الجموع الغفيرة خطا دفاعيا محكما
ومتينا اهم، وصعب الحديث معه لغلوه وتعصبه
الأعمى حتى بات الامر وصعبت حتى حالة مناقشته. بما يحمله ذلك الفرد او تلك الجموع من معتقد او
فكرة ، حتى جعله يشكك بنوايا هذه الطغمة الفاسدة
وانشأت بذلك الخطوط الحمراء الكثيرة؛ إبتداءً من المرجعية، وانتهاءً بابسط شخص وضع
لنفسه شيئاً من قدسية كاذبة، فسمى نفسه ( سيد
وادعة بأن جده رسول الله)، حتى لو كان جاهلا أو سيئا او سارقا وماجنا.
واستخدم هذا
الخط لفترة طويلة جدا كجدار قوي صلب يتلقى الهجمات والتفجيرات والترويع والقتل، وهو
متمسك بعقيدته ايما تمسك، ومستميت في سبيلها ايما تمسك، وهكذا رهن وجوده بها وحياته،
وقدم التضحيات الجسام والمخيفة، خدمة للمذهب والعقيدة إياها، حتى وصل الأمر به انه
ضحى ببلده واخوته في الهوية خاصة بعد تدبير مكيدة تفجير المراقد المقدسة لدى الطرفين،
والقاء التهمة على الطرف المقصود بالثأر والانتقام، فحصل ما حصل .
لكن في الوقت
نفسه تزامنت مع كل هذه الاحداث منهجية أخرى توجهت نحو السرقات للثروات والخيرات، التي لو وزعت بشكل عادل لأصبح المواطن العراقي ينظر
من اعلى سلم الرفاه الاجتماعي نحو المواطن الخليجي (كمثال قريب)، ولكان البلد يعج بالعمران
والتطور والانشغال الدائب بالتقدم والازدهار والتمتع بحياة كريمة رغيدة.
إتسع المجال
في تمكن البعض من الحيتان التي تسلطت وحصلت على سرقات مباشرة والسطو على المال العام
بما يسمى "المشاريع الوهمية" والاستيلاء على الاموال العامة بتمرير قصاصة
ورقية صغيرة آمرة ومنفذة، وأوعزت تلك السطوة غير المباشرة الى سن قوانين لم يسمع بها
أحد سابقا، الا في زمن الاباطرة والملوك الطغاة وهكذا تم انشاء او ايجاد محافل فاسدة
ولصوصية مقننة بعناوين وواجهات رسمية، كمجلس النواب ومجالس المحافظات، والرئاسات الثلاث
ودواوينها واداراتها .
وبالاعتماد
على نفس النهج الاول، باثارة النعرة الطائفية، والادعاء بالدفاع عن المقدسات، خرجت
جموع غفيرة اخرى للقتال خارج الحدود دفاعا عن هذه "المقدسات"، وكأن الوطن
بات غير مقدس؟ والشعب أصبح مدنسا، والحياة لا تستحق ان نحياها دون سلامة هذه البنايات
والقبور المزركشة بالذهب والفضة وباضفاء القدسية عليها اكثر من قدسية الله ودينه السمح؛
بل وحتى صارت الاسماء والمراقد الحقيقية منها والمزيفة اقدس من مقام نبي الرحمة ، حتى
دبّ الفقر والعوز والجوع والعطش والتشرد والضياع بين صفوف هذا الخط المهم الحيوي المتستر
على افعالهم ودنائتهم وسرقاتهم، وبدا هذا الخط بالتفكك من خلال الوقفات الطويلة، والتفكير
كاعادة حسابات لما جرى ويجري، والتشكيك في ما يحصل؟، وانتهت به الامور الى الانتفاضات
المتكررة، والتي نشهد اقواها واعنفها التي تحدث الان وبشكل لم يكن متوقعا من قبل رؤوس
الفساد واللصوص وكأن ما يجري اليوم لم يكن محسوبا ومتوقعاً بالنسبة للحرامية والطغاة
ذاتهم، الذين دأبوا استغلال الليل والنهار توجيه الضلال والتيه الاسود عن طريق ادواتهم
من مروجي المخدرات الفكرية والجسدية، بالتظاهر والتحشد بنصرة اي مسؤول من مذهبهم حتى
لو كان حرامي وفاسد .
وهذا خط دفاعي مهم وحيوي يتهاوى اليوم وبات
سقوطه حتميا امامهم، من الانصار والاتباع والمريدين. وهكذا صاروا عاجزين كليا أن يأخذوا
زمام المبادرة في لم شتاتهم الطائفي في اي (كلاوات او تبرير ) يمكن أن يهدىء من الوضع ، ولو ليوم واحد، وليس لمئة يوم، كما كانت سالفة صاحبنا الاول.
اما الخط
الثاني الذي بدأ يتحلحل، ويتفكك، ويتهيأ للسقوط، فهو الوسطي؛ اي الذي يتموقع في الوسط
منهم ، بين المسحوقين وبين المترفين، والذي كان اهم واخطر وسيط، والذي تتم من خلاله
شرعنة الحرام وتبرير الخيانة والسرقات بالخطب والمواعظ، والحث على اتباع ولي الامر،
الذي ليس منهم طبعا .
هذا الخط
المتمثل بالاتباع (اللواحيكَـ) حيث شعروا، وهم الاقرب للناس بخطورة الموقف، ركنوا الى
الهدوء والعزلة، يتحينون الفرص للهروب والاختفاء خوفا من انتقام الناس منهم.
بقي الخط
الاخير ، وهو الشريان الاكبر والابهر المتمثل بالحاشية التي تلتف حول محيط الطغاة وبطانتهم،
من مستشارين ومشيرين ومخططين؛ وحتى منفذين بشكل مباشر، اولئك الحيتان الحقيقية التي
لولاها لما تملك الطغاة رقاب الناس ومقاليد الحكم ومصير البلد لهذه الفترة الطويلة
. الخط الدفاعي الاخير يكاد يكون خفيا تماما، ولا تعلمه الا دوائر المخابرات، وبالسرية
التي تضمن لهم الحركة والتصرف بحرية تامة، ولا تقع عليهم أية مسؤولية قانونية لانهم
لا يوقعون على قرار، ولا تذكر اسماؤهم في محضر، ولا يتطرق الى ذكرهم اي متحدث . المستشارون
اولئك مختلفوا الجنسية، والاتجاه والميول، واجبهم التخطيط والدراسة وتقديم الحلول والمقترحات
وتزويقها وجعلها مقبولة ومعقولة، في وقت لا يمكن قبول او عقل اي قرار صدر من الدمى
التي تتحرك بخيوطهم من وراء الستار .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق