الاثنين، 23 يوليو 2018

العداء الفارسي للعَرب ج 2 بقلم محمود الجاف






بسم الله الرحمن الرحيم

العداء الفارسي للعَرب ج 2


محمود الجاف

تأريخٌ مُعبأٌ بالحقد والدم وعُقدة الثأر وشَهوة الإنتقام . غَزونا مئات المرات وخلفوا ملايين الضحايا وألوانًا لا تُحصى من الدمار الموجود أثرهُ في أعماقنا من تراكُمات الماضي على امتداد القُرون . لذا نتأثر بالنغمة الحزينة ولما عرفوا ذلك عنّا صاروا يقتلوننا من جهة وينوحون علينا من جهة أخرى حتى يقودونا لما يُريدون . سرقوا ثرواتنا وخربوا الدين والأخلاق والثقافة ونشروا الأمية والمُخدرات ودمروا الأسرة والمُجتمع والزراعة والصناعة وقادوا عمليات تصفية وإبادة جماعية مُنظمة ومُخطط لها بعناية ... يقول الكاتب الإيراني أجوداني : إن العدو الحقيقي للثقافة الإيرانية وسبب مشاكلنا هو الإسلام والعرب . فهم ( موبوءون . قذرون . بشعون . أغبياء . جلودهم سوداء ) ويصفهُم الكثير من الكُتّاب الفُرس بأنهُم مُتعطِّشين للدماء ومُتوحشين وقُساة ...
في عام (2322) ق . م . دخل العيلاميون عاصمة الأكديين في اليوسفية الحالية (20 كم إلى الجنوب الغربي من بغداد) وأحرقوها ثم عادوا بعد (316) سنة ليدخلوا مدينة (أور) عاصمة السومريين ويُخربوها لتزول كما زالت أكد من الوجود وإلى الأبد . وبالطريقة ذاتها دمروا جميع المراكز الحضارية مثل بابل سنة (539) ق . م . على يد كورش وآشور سنة 612 ق . م . والحضر سنة 240 م . ووقع العراق من يومها تحت الإحتلال الفارسي ولمُدة (1180) عام .

إلتفوا على الحيرة وأخرسوا الصوت العربي الوحيد فيها حيث قتلوا النُعمان بن المُنذر . وبعد أن نزل الوحي على النبي العربي مُحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ونجح في بعث الأمة من جديد فقد شهدت تلك الفترة مرحلة بناء ونهوض فكري وعقائدي لم تلق استجابة وقبولًا من لدن الفُرس لأنهُم وجدوا فيها خطرًا يُهدد مصالحهُم ويتعارض وأطماعهُم العُنصرية في استعباد الشُعوب وفرض هيمنتهُم عليها فناصبوها العداء منذ وقت مُبكر من قيامها .

أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة السادسة للهجرة كتابهُ إلى كسرى جاء فيه : بسم الله الرحمن الرحيم
( من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس . سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبدهُ ورسوله إلى الناس كافة لينذر من كان حيًا ويحق القول على الكافرين . فاسلم تسلم . فإن أبيت فان عليك آثام المجوس ) فمزق الكتاب في حين رد النجاشي والمُقوقس ردًا جميلًا على كتبه ( صلى الله عليه وسلم ) فدعا عليه بقوله ( يُمزق الله مُلكهم كل مُمَزق )
وفي عهد الخُلفاء استمر العراقيين في تصديهم للفُرس خاصة قبائل ربيعة من بني شيبان بقيادة المُثنى بن حارثة الشيباني وحين وصلت أخبارهُ إلى الخليفة أبي بكر الصديق ( رضي الله عنه ) أرسل إليه وولاهُ قيادة قومهُ فأصبح بذلك تحرير العراق هدفًا مركزيًا في سياسة الدولة الإسلامية لأنهُ جزء لا يتجزأ منها لكنهُ مُحتل من قبل الفُرس وتحريرهُ يقع على عاتقهم ولأنهُ سيستخدم بعدها كقاعدة مركزية للانطلاق شرقًا لتحرير الشعوب من الظُلم والطُغيان ونشر راية الإسلام .

إهتم الخليفة الصديق بالجبهة العراقية اهتمامًا بالغًا فقرر تعزيزها ودعم صمود مُقاتليها فوجه في سنة 12 هجرية خالد بن الوليد وعينه قائدًا عامًا على أن يكون المُثنى تحت إمرته وبادر بعد استلامه القيادة بإرسال دعوات سلمية إلى الفرس ومرازبتهُم في المنطقة خلال كتب أرسلها لهُم منها : بسم الله الرحمن الرحيم
( من خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس أما بعد : فاسلموا تسلموا وإلا فاعتقدوا مني الذمة وأدوا الجزية وإلا فقد جئتكم بقوم يُحبون الموت كما تُحبون شرب الخمور ) فصالحتهُ مناطق خفان وكسكر والحيرة في حين امتنعت أخرى مما أدى إلى حصول معارك بين الطرفين أحرز فيها انتصارات كبيرة منها معركة ذات السلاسل التي قتل قائدهم هرمز سنة 12 هجرية وألحقت الهزيمة بقواتهم في موقعة (المذار) وموقعة (الولجة) قرب واسط وهزمت قوات جابان في (اليس) قرب السماوة وموقعة امغيشيا قرب الكوفة في صفر سنة 12 هجرية ... إلا أن هذه الإنتصارات وغيرها لم تكن حاسمة .

ولكن بسبب إحتياج جبهة الشام إلى قوات إضافية لدعم صمودها أمام الحشود الرومية الكبيرة أصدر الخليفة أمره سنة 13 هجرية للقائد خالد بن الوليد أن يتحرك إليهم بنصف القوات ويترك النصف الثاني بقيادة المثنى الذي توجه بعد وقت قليل من استلامه القيادة إلى مقر الخلافة في المدينة المنورة لمقابلة الخليفة وإطلاعه على الموقف العسكري في العراق .

استجاب الصديق رضي الله عنه وهو في مرض موته لطلب المثنى فاستدعى عمرًا رضي الله عنه وقال له ( اسمع يا عمر ما أقول لك ثم اعمل به : إني لأرجو أن أموت يومي هذا . فإذا متُ فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى .. ولا تشغلنكم مصيبة وإن عظمت .. وإن فتح الله على أمراء الشام فاردد أهل العراق إليه فإنهم أهله وولاة أمره وحدهم وأهل الضراوة منهم والجرأة عليهم ) بهذه الكلمات العظيمة والمستوى الرفيع من الشعور بالمسؤولية أكد اهتمامه الكبير بالمعركة ضد الفرس وأهمية حشد طاقات الأمة لمواجهتهم وبين الدور المهم للمقاتلين العراقيين الذين رفضوا الإحتلال الفارسي وانتصروا عليه في أكثر من موقعة .

كانت تلك المواقف من أهم الأسباب التي زرعت الحقد في نفوسهم وأذنابهم على الصحابة رضي الله عنهم خاصة والأمة عامة رغم إنهم كان لهم عظيم الفضل بإنقاذهم من عبادة النار إلى عبادة الله الواحد القَهار .

الروم في الشام والفُرس من الشَرق ... نفس الصورة والعَدو

2018 . 01 . 27



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق