الكومبارس
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
الكومبارس باللغة
العربية هو من يقوم بإدوار هامشية، غير مهمة في المسار العام للعمل الفني، وهذه
الكلمة مستخدمة في المسرح، وفي السينما بدرجة أكبر قياساً إلى حجم العمل الفني.
محجم القوة البشرية المستخدمة في العمل. وهي كلمة إيطالية الأصل (Comparso) وفي اللغة الإنكليزية (Extra)، أما في اللغة الألمانية فيطلق عليه كلمة (Statist)، و يمكن أن يطلق عليه كلمة (Figurant):
وفي التعريف العلمي لكلمة كومبارس، (ومن هنا أنا لا أخفي أني أريد أن أقيم مقاربة في العمل السياسي) هو شخص لا يتمتع بقدرات ذاتية تذكر، والكومبارس هو دور على الحافة الخلفية للأحداث، بحيث لا يتداخل مع الأحداث الفعلية.
فالكومبارس هو ممثل
قد يكون دوره لبضعة ثوان لا أكثر، ويختفي عن الفلم أو المسرحية نهائياً، وبالطبع
يقبض أجره على ذلك، ولا سيما إذا كان الدور ينطوي على إضرار، كأن يتلخص دوره بتلقي
لكمة، أو رفسة، تسقطه أرضاً ويزيد أجره إذا كان سقوطه من علو، وفيها مخصصات مخاطر،
وربما مراجعة طبيب. وهنا نقوم بسحب الصورة لتفهم سياسياً.
نستغرب أحياناً حين
نشاهد أفلاماً دور أحد الممثلين فيه أن يأكل لطمة أو لكمة وإلى هنا ينتهي دوره
ويختفي عن المسرح نهائياً، ربما ينال دراهم معدودات عن دوره والقناعة كنز لا يفنى،
ويتساقط الكومبارس بالعشرات أو بالمئات ... الحمار يموت بكروته كما يقول المثل
العراقي، وحين ينتهي العرض ينسى الناس الكومبارس وأدوارهم التي ليست سوى رتوش، أو
إضافة لا معنى لها، سوى أنها تستهلك من زمن المسرحية ربما ثوان، ولكن ما يمكث في
الفكر هو مغزى المسرحية أو الفلم .
إلى هنا ودور
الكومبارس على المسرح أو التمثيل في السينما، ينتهي بلا آثار جانبية تقريباً على
المتلقي أو على المشاهد، ولكن الأمور تسوء كثيراً عندما يتحول الموضوع لغير
التمثيل إلى أدوار حقيقية يقوم بها الكومبارس (للادوار البسيطة لقاء مبلغ بسيط)
والكومبارس له طموحات بسيطة، تكمن في قرارة نفسه فكره أنه تافه ولا يستطيع مجالسة
الكبار، وفي سلوكه هناك عدوانية كامنة تتفاعل داخل روحه المتعبة، من السهولة
استثمار هذه العقد الدفينة من قبل المخرجين الكبار الذين يتمتعون بالدهاء والخبث،
قد توظف لأغراض حقيرة يقبل بها الكومبارس الذي لا يناقش عادة حيثيات ما توكل إليه
من أدوار، فهو ليس في موقع مناقشة أو أن يسألون خاطره في هذا الشأن الكبير أو ذاك.
ولكي يقنع الكومبارس
المخرج الكبير بأهميته، يتفانى ويبالغ في الوضاعة والخسة، ليقنع المخرج أن لا أحد
بوسعه بلوغ هذا المنحدر .. وهناك أفراد وجماعات وكيانات يقومون بهذا الدور
واقعياً، وبمسميات كثيرة، وأشكال مختلفة للأدوار، ونظراً لطبيعة الدور والهدف الذي
يريد المخرج بلوغه، فإن الأخلاق آخر ما هو مطلوب في هذه الأدوار، ومن نافلة الكلام
القول استطراداً : العيب، الضمير، الحلال أو الحرام، فهذه المصطلحات إن وردت فإنما
تأتي في سياق إقناع المتلقي أو المشاهد ...
وهناك في حقل الأعمال
والإنشاءات، ما يطلق عليهم بالمقاول الثانوي، والمقاول الثانوي، هو شخص يتمتع
بإمكانات معرفية بسيطة لا تؤهله لخوض المقاولات الضخمة، ثم أنه لا يتمتع بقدرات
مادية (أموال سائلة أو معدات تكنيكية) وهذا لا يؤهله إلا لقدر بسيط من الأهمية،
لذلك فهو يكتفي بقدر ضئيل من المقاولة الكبرى، وبالتالي بقدر أبسط من عوائدها
وأرباحها، وبعضهم يكتفي بالقليل جداً مقابل أن يلعب دوراً ما ... أما على مسرح الحياة،
فالكومبارس يعلب دوراً يصرف فيه الأنظار عن قضية مهمة، أو ليسد ثغرة أو قد يحدث
ضجيجاً ليخفي صوتاً معيناً، أو يلبس ثياباً فاقعة ليفسد فيها معنى صورة معينة...
والكومبارس هو غير المهرج، والعياذ بالله من المهرجين وتلك قصة أخرى نعدكم أن
نتحدث عنها ذات يوم .
وفي السياسة، هناك من
يقبل بلعب دور خسيس في عملية غير مشرفة، مؤامرة خفية، يلعب كما في الإنشاءات دوراً
ثانوياً، ويقبل بفضلات الحفلة، على أمل أن ينال شيئاً في غفلة من الزمن، وفي هذه
الغفلة فاللاعب / المقاول الثانوي قد يستخدم من هم أقل شأناً منه، فيختارهم غاية
في الوضاعة لكي لا يحلموا يوماً بأن يطمحوا لدور البطولة حتى الثانوية ..
بهذه السطور القليلة،
ونحن نستخدم مصطلحات فنية بشكل علمي، ونحاول إجراء مقاربة مع الفهم السياسي،
وأعتقد أني نجحت في تصوير دور الكومبارس إن على المسرح أو في الحياة الواقعية ..
وأني أعول بالطبع على ذكاء القراء أن يذهبوا إلى أبعاد الحديث ... وقاكم الله شر
المأجورين والكومبارس والمهرجين ومن كل وضيع وتافه.
6 - آذار - 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق