السبت، 27 أكتوبر 2018

الاتباعية أو الإمعية بقلم محمود الجاف





بسم الله الرحمن الرحيم

الاتباعية أو الإمعية



محمود الجاف

سلوك الاتّباعية أو الإمعية : هو رؤيتنا لبعض أفراد المُجتمع الذين يحملون الكثير من الصفات السيئة ومع ذلك يتبعهُم الناس لعدم رغبتهم في مُخالفة الأكثرية . ونرى الكثير من الحالات التي يتفاعل بها مجموعة من الأشخاص مع أخرى تتخذ طريقا أو دينا أو فكرا أو سُلوكا مُنحرفا . تمكنوا من غسل أدمغتهم حتى بدلوا عقيدتهُم وحولوا حبهُم إلى وكر الشياطين وصار قبلتهُم وصبوا جام حقدهُم على مهد النبوة ومنبع الرسالة رغم عدم يقينهم بهذا الأمر . ومع ذلك نحاول أن نتوصل معهم إلى توافق في الآراء والعمل بطريقة مُنسقة للوصول إلى أهداف مُشتركة . ومجموعات كبيرة أخرى تعمل لتحقيق هدف يختلف عما يُريدهُ الفرد كالذي يقوم به حشد أو غوغاء أو الانضمام إلى احتجاج أو المشاركة في قتال أو التصرف بروح وطنية أو العكس . ومن أشكالها الهستريا الجماعية التي تأتي اثر انتشار أوهام عن أخطار قد تهدد المُجتمع يتم تداولها بسرعة من خلال الشائعات والخوف أثناء تجمعات للمشاركة بحدث ما مثل مُشاهدة مسرحية أو مُباراة رياضية . وأحيانا يتفاعل الناس مع موقف واحد رغم تواجدهُم في أماكن مُختلفة مثل مُتابعة أحد برامج التلفزيون .

قد يتشارك الأفراد مع الجماعات مُجبرين لأنها تُساهم في البقاء على قيد الحياة والمُساعدة في البحث عن الغذاء أو تحقيق المركز الاجتماعي وزيادة فرص قيادة الآخرين والكثير من المال والسلطة . إنّ البشر عادة ما يميلون إلى تقليد الآخرين دون وعي وخُصوصا الشخصيات المشهورة كالفنانين ولاعبي الكرة أو السياسيين أو رجال الدين الذين يلعبون على وتر العواطف وينسجون القصص الخيالية المُؤثرة التي يصعب البحث عن أصولها ويمكنها ملء الفراغ العاطفي . فإذا كان الجميع يُقلّد ويُحاكي فأينْ تكمن المُشكلة ؟ هل هي في الذات ؟ وكيف يُمكن للمرء أنْ يتعرف على نفسهُ وسط كلّ هذه الحشود ؟ إنه التعرف على الذات وتطويرها وحب النفس واكتشاف قدراتها واختيار الأهداف والمضي في سبيل تحقيقها فقيمة المرء فيما يحقق من انجاز وعندها سيمكنك الخروج من الامعية بل وستصبح قدوة ومُلهم للكثيرين .

يقوم المجتمع أحيانا من خلال العديد من الأساليب والطرق بعرقلة وصولنا لأعماقنا والتعرف على ذواتنا وتطويرها من اجل الوصول إلى الشخصية القوية الحقيقية وليست التي تنمو على مسرح الخيال من خلال محاولة برمجتنا مُسبقًا كي نُصبح خاضعين لهُ وللضغوطات التي تسعى لجعلنا نتطابق مع القطيع الأمر الذي قد يُشكّل خوفًا لدينا من الرفض أو الاستبعاد في حال فكّرنا بمُخالفته أو الخروج عن نمطه فيحاول إظهار أفضل وجوههُ والتعبير عن ما هو مُتوقّع منهُ . لدينا إرادة تتيح لنا الحرية الكاملة في تحديد خيارات حياتنا وخصوصا عندما تتطلب تحمل المسؤولية عن قراراتنا . إنّ حرية الفرد مقيّدة بالمجتمع فضلًا عن قيوده الخاصة ولهذا عليك أنّ تُخصص وقتًا مُناسبًا للمُراقبة الذاتية حتى تكون واعيًا لأفكارك أولًا بأول وألا تبقي لها مجالًا لأنْ تتراكم دون أن تُفهم أو تُحلّل أو تُصنّف . والأمر ذاتهُ ينطبق على سلوكياتك . فكّر كثيرًا قبل أنْ تفعل شيء وحاول فهم السبب الذي يدفعك لان تُصبح جزءًا من القطيع . ولا تعمل على مُحاولة طمس العقل وقمعه لأنهُ يجعلنا نسخًا مُتشابهة نحملُ نفس الأفكار ونسلك ذات السلوكيات .
إنّ عدم قدرة المرء على التطور دون قيادة الغير هو القصور بحد ذاته ولا يكمن في عدم الفهم بل في غياب العزم والخروج منه يتطلّب إعمال العقل فضغط الامتثال يسيطر على الجميع خصوصا بعد انتشار الجهل والجريمة والخرافات وغياب القانون . لكن يجب أنْ نعي أنّ مد الذات بالثقافة اللازمة لتحقيق النجاح هو شيء قابل للتنفيذ وليس مُستحيلا ونستطيع من خلاله حماية أنفسنا من الآثار السلبية للقطيع وإذا أعطي الأطفال استقلاليةً أكثر وقدرةً على اتخاذ القرار فإنّهم سيطورون مهارات معرفية تحميهم من الانجرار إلى الجانب السلبي وتمنحهم القدرة على السباحة ضد التيار .

إن الله خلق الإنسان وكرمهُ على سائر المخلوقات وخصهُ بالعقل والإرادة التي يستطيع بها تمييز الخطأ من الصواب إلا أن كثيرًا من بني آدم يأبى إلا الانقياد خلف غيره . وهذه مأساة تبدأ من الأفراد ثم تنتهي على مُستوى الأمم والشعوب فتسليم النفس قيادتها لغيرها دون أية مُحاولة للتفكير فيما هي مُقبلة عليه هو شيء في مُنتهى الخُطورة . ونابعة عن جهل المرء بقيمته الحقيقية وفقدان ثقته بنفسه وخالقه الذي قال ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) الإسراء : 70 ولم يقل كرمنا بعض بني آدم . ولكن هذا البعض مُصرٌ على اختيار الموضع الأدنى . إن أمتنا كانت فيما سبق صاحبة القيادة على سائر الأمم وأصبح الجميع على دراية ووعي تام بتربص الحاقدين على ديننا بسبب الفتوحات الإسلامية شرقًا وغربًا وبدلا من أن يحمدوا الله الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور ما زالوا يحملون الحقد على المُسلمين ويخشون أن ينهضوا من سباتهم حتى لا تطمس هويتهم بسبب العقائد المُحرفة .

إن أصحاب تلك الهوية اليوم هم أكثر إصرارًا على رفض التبعية للإسلام في الوقت الذي يصر فيه كثير ممن حظوا بهذا الشرف لأهم وأعظم قيمة حقيقية ألا وهي الدين . ونظرًا لازدياد تفاقم تلك الظاهرة كان لابد من محاولة إيجاد حل في كيفية القضاء على التبعية العمياء ومحاولة الفرد تحرير نفسه ليكون المحرك الأساسي لكل سلوكياته هو الدستور الإلهي . لقد صدرنا إلى الغرب أعظم ما جاء به ديننا من قيم كأهمية الوقت والعلم والعمل والمحافظة والنظافة والوفاء بالعهود والتزام النظام وما يفرضه من واجبات وأخذنا منهم أسواء ما فيهم .

سار احد العلماء يوما مع طلابه إلى باب أحد الأشخاص وقال له : أنا الخضر فانكب على قدميه وهو يبكي ويتمسح به ثم قال : أطمئنك أن الصلاة قد رفعت عنك فازداد سروراً وعندما انتقل إلى بيت عالم وطرق الباب وقال : أنا الخضر ونظر إليه وقال : أبشرك بأن الصلاة قد رفعت عنك فدخل إلى البيت وعاد بعصى ليلحق بهذا الكذاب . إن أعدى أعداء الإنسان هما الجهل والخرافة فأي شيء تفهمه خطأ سيكون له تأثير خطير في حياتك لذلك قالوا في تعريف العلم : هو إدراك الشيء على ما هو عليه بدليل . والجهل هو إدراك الشيء في خلاف ما هو عليه .

وأنا أقول : لكل شيء قيمة ومقياس

2018 . 10 . 25
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق