بسم الله الرحمن الرحيم
ثورَة القَهرباء
محمود الجاف
جاءَتْ هذهِ التَسميَة مِنَ القهَر الذي يُصيبُ الشُعوب . والسياسيون هُم الوَباء فاصبحَت ( قَهرباء ) والتاريخ مَليء بالعُنف والحُروب والإنقلابات التي اندلعت لأسباب مُختلفة وغَريبة بسبب الطعام مثلًا كما حصل في حرب المُعَجنات عام 1828م حينَ دمرت الجماهير الغاضبة أجزاء كبيرة من مدينة مكسيكو خلال إنقلاب عسكري وكان أحد ضحاياها طاهي فرنسي تَعرَّض مَقهاه الصغير للحلويات إلى النهب . تجاهل المسؤولون المكسيكيون شكواه فالتمَس مُساعدة الحكومة الفرنسية التي طالبت بدفع 600,000 بيزو لتعويضهِ عن خسائرهِ وعندما رفضوا شنَت عليهم عام 1838م حربًا استمَرت ثلاثة أشهر .
واتُهِم الفرنسيون بتخزين المَحاصيل
وأبرزها الأرز مما تسببَ في صراعات سُميت ( حرب الأرز ) وبعد المجاعة التي حصلت في
فيتنام عام 1945م أضطر الفلاحون إلى التمرد وطلب الإستقلال لتندلع بعدها الحرب
التي استمرت 8 سنوات .
وفي حادثة أخرى أشد غرابة ... بعد تقسيم
كوريا ظلت التساؤلات حول الحدود البحرية بين البلدين مسألة تُثير القلق وزادت
المُنافسة بسبب المأكولات البحرية وعلى وجه الخُصوص سرطان البحر الأزرق الذي
يُعتبر ذو قيمة عالية . الأمر الذي أدى إلى العديد من الإشتباكات بينهما .
وحرب السُكَّر والتوابل التي تسببت بثورة
ضد بريطانيا في القرن الثامن عشر والتذمُّر في المُستعمرات الأمريكية الذي يرجع
إلى السياسة الإقتصادية التي اتبعتها إنكلترا فقد حتّم قانون الملاحة إلى نقل كافة
الصادرات إليها على سفن يملكها ويتولى تشغيلها انكليز . ويُعاد شحن صادرات
المستعمرات إلى القارة الأوربية في موانئهم أيضا . ومن بين أهم هذه السلع السكر
والتوابل .
وكان الملح أيضا سبباً رئيسياً في كثير من
الصراعات أشهرها حرب الملح عام 1482م بين إركولي الأول ديستي دوق فيرارا والقوات
البابوية التي حشدها عدو إركولي الشخصي البابا سيكستوس الرابع وحلفائه البنادقة .
وحادثة المروحة في 1827م التي كانت الذريعة
لإحتلال الجزائر . حين دخل القنصل الفرنسي بيار دوفال إلى قصر الداي في عيد الفطر
وطالبه بدفع ديون قدرها 24 مليون فرنك فأخبره أن الجزائر ساعدتهم حين أعلنت الدول
الأوروبية حصاراً عليها بسبب الثورة الفرنسية . فرد القنصل عليه بطريقة غير لائقة
فطرده ولوح بالمروحة (وقيل إنه ضربهُ بها على وجهه) فبعث شارل العاشر جيشهُ بحجة
استرجاع مكانة وشرف فرنسا . وهذه الذريعة كانت السبب في حصارها سنة 1828م لمدة 6
شهور ثم الإحتلال .
وفي الإسكندرية في عهد الخديوي توفيق حصلت
حادثة عُرَفت بإسم واقعة ( المَكاري والمالطي ) دبرتها بريطانيا وفرنسا في يونيو
1882م عندما استأجر مُواطن مالطي مكارياً ( سائق حمار) يدعى السيد العجان وطلب منه
الطواف به في الشوارع وهو يسير بجواره في لهيب الشمس . وعندما تعب الحمار طلب
الرجل أجرته فأعطاه قرشاً واحداً رأى العجان أنه قليل ولا يتناسب مع الجهد والوقت
الذي بذلهُ وحدث جدال بينهما فأخرج المالطي سكيناً وقتله . ولما تجمع الأهالي هرب
إلى أحد البيوت التي يسكنها المالطيون واليونانيون خلف قهوة القزاز وبدأ الأجانب
يطلقون الرصاص على الأهالي فثار المصريون وانطلقوا يهجمون على أي أجنبي في الشوارع
والدكاكين . حتى وصل عدد القتلى إلى 238 منهم 75 من الأوربيين و163 من المصريين
فاتخذت بريطانيا تلك الحادثة ذريعة لإحتلال مصر بحجة حماية رعاياها والأجانب .
وفي عام 1837م جنحت سفينة هندية تسمى
دريادولت ترفع العلم البريطاني بالقرب من ساحل عدن فادّعى الإنكليز أنها هوجمت
ونُهِبت حمولتها وأن ابن سلطان لحج وعدن هو الذي حرض على ذلك . وطالبوا بالتعويض
أو السيطرة على الميناء . لكنه رفض المساس بالسيادة اليمنية ووافق على دفع أي
تعويضات أخرى ولكن بريطانيا عدلت عن قبول التعويض واحتلتها .
سرَدَت لنا القصص العِبَر والحِكم التي
مازال الكثير منّا يأخذ بها ويجعلها تعضيداً لكلامه وقد اشتهر العرب بالأمثال حتى
إن الآية الكريمة تقول { كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)
} سورة محمد
والحقيقة إنه كلما أثيرت مشكلة القهرباء (
الكهرباء ) تذكرتُ قصة كمون الذي قال للحكيم : سأصنعُ سُمّاً أسقيكَ به ثم تسقينني
لنرى أيُّنا أبرَعَ من الآخر؟ وما كان من لقمان إلاّ الموافقة . فسارع إلى بيته
وأحضر السمّ وأعطاه إياه فشربه وكان قد جهز نفسه لهذا الأمر بطريقة ذكية فنجى ...
وحين جاء الوقت ليسقي تلميذه الذي أخذ ينتظر
وينتظر يوم ، يومين ، إسبوع وإسبوعين !! .... ولقمانَ مُعتكفٌ في بيته ويشتغلُ
بأموره المٌعتادة ! بلغَ الإنتظار قرابة الشهر وهو يتلظَّى على نار مُحرقة . طرق
بابه قائلاً متى تسقيني السم ؟ أجابه بكل برود عندما يكمل تجهيزهُ فلا تتعجل !
ورجع ينتظر كما تفعل عصابة المنطقة الغبراء فينا بالضبط وبكل هدوء منذ 2003م حتى
يأذن الله ومكث فترة ثم جاء وطرق بابه يا لقمان؟... متى تسقيني؟
أجابه : أسقيك ياكمّون لا تستعجل ! ويهزّ
رأسه إيجاباً . وَتجيب جراء الفُرس قريباً سيُصبحُ العراق جنة ويعمُ الرخاء
والهَناء والسعادة .
وهكذا بقيَّ كمّون على هذه الحالة حتى مات
من الخوف والرعب والترقّب والتفكير بالخلطة التي سيصنعها له وأين ستكون الضربة ...
قتله الهم والنكد كما نموت كل يوم حزناً وألماً وظلماً مُضافاً إليها مأساة
الحرارة صيفاً والبرد القارس شتاءاً ... بدلوا حياتنا وصرنا نعيش الفقر المُدقَع
في الخيام ... لهذا أعتقد والله أعلم أن الثورة القادمة التي سترينا جُثث
السياسيين في الشوارع هي ( ثورة القهرباء ) والجميع شاهدَ على الفَضائيات استهتار
أحدهُم عندما صرَّح انهُم سيُصدرونها في 2013 وصدق من قال ...
) أواعدَك بالوَعَد واسگيك ياكَمّون(
2018 . 05 . 24
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق