بسم
الله الرحمن الرحيم
حكومة الطنبوري
محمود الجاف
أثبتت الروايات التاريخية في مُختلف الحضارات أن مُغامرات الأحذية كانت حاضرة في مجالس الأدب ودواوين الساسة ودُونت من خلالها أطرف القصص وأندرها . ومنها حذاء الرئيس الروسي خروتشوف الذي وضعهُ على منصة مجلس الأمن أبان حُمى الحرب الباردة . في حين كان حذاء غاندي أكثر خدمة لمواطنيه بعد أن فقده وهو يُهرول للحاق بالقطار . كما يُحكى عن خُفي حنين أو الحذاء الذي وُضع على رأس كارلس تايلور في ليبيريا بعد الإنقلاب . والقباقيب التي اعتلت بها جواري أم على زوجة عز الدين أيبك على جسد ضرتها الملكة شجرة الدر والملكة ماري أنطوانيت زوجة لويس السادس عشر التي صعدت على سلم المقصلة في ساحة الكونكورد وسط باريس بحذائها المصنوع من قماش الساتان الفاخر الذي ربما ذكّر الشعب الفلبيني بما كانت عليه السيدة الأولى التي جمعت ثلاثة آلاف زوج من الأحذية الفاخرة إلاّ أن غضبهُم عليها أزاحها عن الحكم . وعلى غرارها كانت إيفان بيرون زوجة الرئيس الأرجنتيني التي كانت تصنع لها أحذية خاصة من جلد حيوان المنك المُهدد بالإنقراض والذي يعد من أغلى الجلود إلاّ أن الشعب كان يقدر لها وقوفها بجانب الفقراء على عكس ما كان عليه الدكتاتور الروماني شاوشيسكو الذي كان يرتدي حذاءً جديداً كل يوم ويحرقهُ حتى لا يلبسهُ بعدهُ أحد . فيما لايزال الحديث مُتداولاً عن مُنتظر الزيدي صاحب أشهر حذاء في الوقت الحالي . كما سيذكر الجميع هبوط مكوك أبولو على سطح القمر وبقاء أثر حذاء أرمسترونغ وصاحبهُ على تربته في حين لا يزال المُتسلقون إلى جبل أيفرست يمرون في طريقهم إلى القمة بكهف الحذاء الأخضر الذي توفي فيه شاب يدعى ديفيد تشارب . وحذاء المُمثل الكوميدي شارلي شابلن والسندريلا الذي حولها ملكة بعد أن كانت خادمة وقصة قيس بن ذريح الذي كان يسير خلف ركب لُبنى ووالدها بعد أن طلقها ويرى أثر خطوات راحلتها وهو يبكي ويقول :
وما قبلت أرضكم ولكن
أقبل إثر من وطئ الترابا
لقد لاقيت من وجدي بلبنى
بلاءً ما أسيغ له شرابا
إذا نادى المنادي باسم لبنى
عييت فما أطيق له جوابا
ويظل حذاء أبو القاسم الطنبوري الأكثر حظاً
وحضوراً في كتب الأدب العربي الساخر : وهو تاجر من بغداد إتسمَ بالبُخل رغم غناه .
كان قديمًا وكلما انقطع منهُ موضع قام بترقيعهُ حتى امتلأ واشتهر بين الناس وشكَّل
له مصدرًا للمتاعب والشؤم حتى بعد مُحاولاته الحثيثة للتخلص منهُ . وقصتهُ تُشبه
نعال عديلة . التي أضاعت ملايين الدولارات في الوقت الذي يموت فيه مئات العراقيون
يومياً نتيجة نقص الأدوية وحليب الأطفال في مدن هُدمت فوق رؤوس ساكنيها . تخيّلوا
أنها استوردته بعقد قيمته 900 مليون دولار رغم أن المواطن لايجد ثمن البنادول .
وكان يمكن أن تبني بهذا المبلغ 20 مستوصفاً صحيّاً فضلاً عن 23 مليون دولار لشراء
أفرشة على أسرّة في بلاد أصبح عدد نازحيها أكثر من الساكنين في بيوتهم . وبذلك
استحقت وبجدارة لقب وزيرة الموت ...
الطنبوري عابه بعض أصحابه وأصرّوا أن يتخلص
من حذاءه فرماه في النهر . وصادف أن هناك صياداً كان قد ألقى شباكه فعلق بها
وعندما وجدهُ قال : لابد أن أصنع لهُ معروفاً . وفعلاً أعاده إليه فأخذهُ ووضعهُ
على سطح بيته ليجف . ثم مرّ قط فرآهُ وظنهُ قطعة لحم فحملهُ بفمه وهرب وأخذ يقفز
فوق أسطح المنازل حتى وقع منهُ على امرأة حامل فأسقطت حملها فأخذهُ زوجها وذهب إلى
القاضي شاكياً . وبالطبع كان عذرهُ غير مقنع فحكم عليه بدية الجنين وأعاد إليه
الحذاء . فقال : سوف ألقيه في مكان لا يصل إليها أحد . وذهب به إلى الحش (المجاري)
ورماهُ فيها وعاد إلى منزله . مرت الأيام وطفحت المجاري . فأتوا بعمال التنظيف
فوجدوا الحذاء فرفعوا أمره إلى القاضي فحبسهُ ولكن بعد التحقيق والتدقيق تبين إن
السبب هي ( صخرة عبعوب ) أمين بغداد الذي ادَّعى بأنها تزن مائة وخمسين كيلوغراماً
. وتحول بعد ذلك إلى بطل الكوميديا السوداء والشخصية الكاريكاتورية ذات التصريحات
الغريبة والمُضحكة والمُثيرة للشفقة . فقد وصف مدينة دبي بأنها زرق ورق والصين
تنتج مياهاً لا ترقى إلى إنتاج العراق . وأنهُ وسيم بغداد بلا مُنازع وأجمل من
أمين طهران لا بل أن فتياتها مُعجبات به . وأن الأمهات في الحدائق يدفعن أطفالهن
ليلتقطوا الصور التذكارية معهُ .
نعود إلى الطنبوري الذي اهتدى أخيراً إلى
طريقة . فقد ذهب إلى الحمام العام وتركهُ في الخارج وعاد إلى بيته وصادف وجود أحد
الأمراء وقد سرق حذاءهُ وعندما خرج لم يجدهُ ؟
فقالوا : ننتظر . والذي يبقى صاحبهُ هو
السارق وكان حذاء الطنبوري أيضا ورفعوا أمرهُ إلى القاضي فأقسم أنهُ لم يفعل ذلك
وأقام الشهود والحجج حتى ثبتت براءتهُ ولكن بعد تأديبهُ على انتظار الأمير وإزعاج
الحرس فقال للقاضي : يا سيدي اكتب صكاً بيني وبين هذا الحذاء أني بريءٌ منهُ فقد
أفقرني وفعل بي الأفاعيل وقص عليه ما تعرض له . صار الحذاء مضرب المثل لما يُعسر التخلص
منهُ أو لما هو مشؤم فيقال مثل حذاء الطنبوري
وهذه القصة ذكرتني بالسياسيين الذين فُرضوا
على شعوبنا ولابد أن نجد حلًا للخلاص منهُم بعد أن فعلوا بنا الأفاعيل . فاحدهم
أصلح دبرهُ بحوالي خمسين مليون دولار . وآخر أجرى عمليات تجميل لمناطق حساسة من
جسد زوجتهُ بمثلها . وجوه ورؤوس كثيرة وكبيرة تشبه ذلك الحذاء ... فهل علينا أن
نكتب صكًا للأمم المُتحدة نعلنُ فيه البراءة منهُم ؟ علمًا أن الطنبوري لم يسرق أو
يقتل باسم الدين ولم يدفع أو يستلم رشاوى ولم يرد عنهُ أنهُ كذاب أو ارتدى عمامة
الدجال ... وينهي لنا الأدب العربي قصصه الهزلية مع ذلك الذي فقد نعليه بعد أن خرج
من أحد الدواوين فراح يصيح في الأسواق بأعلى صوته قائلاً :
قطع الله يميناً
سرقت مني حذائي
أبدلتني بحذاءٍ
نصفه يمشى ورائي
2018 . 09 . 11
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق