الأحد، 23 سبتمبر 2018

الوطن لمن يستحق بقلم ولاء العاني




بسم الله الرحمن الرحيم

الوطن لمن يستحق
ولاء العاني

ترجلتُ من قطار الأنفاق بعد أن أصابني الذهول من ذلك الشاب المملوء حيوية والذي علمني درسًا في معنى الإنتماء الحقيقي للوطن . التقيت به والمسؤولة عنه صدفة وهم عائدون من موعد مُقابلة وتبادلنا التحية فنحنُ نعرف بعضنا بحكم عملي كمترجمة في مكتب يدير شؤون الشباب تحت سن ال 18 عامًا وكل يوم هناك أتعلم منهُم درسًا جديدًا وحكمة . يترجل مُسافرين ويستقلهُ آخرون كُلٌ إلى وجهته ومُبتغاه ...
سألتهُ : هل بدأت الدراسة ؟
أجابني : نعم . لكنني اليوم مُتغيب برخصة
سألتهُ : ماهي اهدافك بعد أن تتقن اللغة ؟
أجابني : أكمل دراستي الجامعية ... رد عليَ بكل ثقة وإصرار
سألتهُ : ماذا تريد أن تدرس ؟
أجاب : هندسة معمارية لأني أحبها منذ طفولتي وهذا الإختصاص هو حُلمي الذي لا يُفارقني وإن شاء الله أحققهُ ولن أترك الفرصة تضيع مني .
قلت : إذا عليك أن تجد وتجتهد
قال : أنا ابذل قصارى جهدي .
ثُم سألتهُ : هل أنت من هواة الرسم فاختصاص الهندسة المعمارية يتطلب خيال واسع ومهارة ؟
قال : كلا لكنني أحاول إيجاد أي وسيلة لتطوير قُدراتي كي أضع أول خطوة على طريق تحقيق أهدافي .
لازلنا نتبادل أطراف الحديث والقطار ينتقل من محطة الى أخرى وأنا أترجم ما يدور بيننا للمسؤولة التي ترافقهُ فهذا واجبها .
قلت : على بركة الله يا ولدي وربي يوفقك وتُصبح أحسن مُهندس إن شاء الله .
أجابني : ربي يخليكِ . وأنا قررت أن أعود إلى سوريا بعد إنهاء دراستي مع من سيعود لنُعمرها معًا ...
وصلت إلى المحطة فقد كان علي أن أغادر . وترجلت وأنا في حيرة من أمري ومشاعري مُتضاربة بين ثورة غضب وفرح فإصرارهُ أصابني بالذهول ووفاءهُ لوطنه وقد غادرهُ بعمر الأحد عشر عامًا . حين بدأت الثورة هرب مع عائلته إلى مُخيمات اللاجئين في تركيا وتلك الإرادة التي يحملها هي التي ستكسر رؤوس الغدر التي تُريد اغتيال هذا البلد وأهله . إرادة صلبة صهرتها التجارب قبل أوانها وجعلت من فتية بعمر الزهور رجال عُقلاء أشداء يُخططون للمُستقبل .
أين شبابنا من أولئك ؟ ولماذا لم يحملوا معهُم رغباتهم وشهواتهم ويضعوها في حقيبة سفرهم ويخوضوا عباب البحر ويواجهوا خطر الموت غرقًا ولا هَمَ لهُم سوى حرية أوربا والتعرف على الصبايا الحسان والفساد والإفساد . دول العالم مُنشغلة بتثبيت ما بناه أجدادهُم وكيف يُحافظون عليه ويطوروهُ رغم انهُ من الأمس القريب الذي لايتجاوز مئات الأعوام . وشبابنا جل همهم بناء حياتهم على حُطام بلد جريح مُزق تاريخهُ العريق الذي تجاوز عمرهُ آلاف السنين .
23.09.2018


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق