بسم
الله الرحمن الرحيم
حدائق الحيوان البشرية
هل إن الميثاق العالميّ لحقوق الإنسان طرحٌ فلسفيّ؟ أم افتراض ثقافيّ؟ أم قانون؟ لأنه اللعبة والأكذوبة التي تسبق احتلال البلدان وانتهاك الأعراض واضطهاد وسرقة الشعوب . وعُدّت بعض بنودهُ مطالب قديمة مثل حظر التعذيب والرقّ والغريب إن مُروجيها هُم سياسيوا الولايات المُتحدة وعُملائهم . رغم إنهم الأكثر إجرامًا على مدى التاريخ . وجُلَّ ما استطاعوا استحداثهُ هو الزواج من الجنس نفسه . الجريمة التي لم نرها حتى في عالم الحيوان . ما هي هذه الحقوق ؟ وهل يمكن للناس الذين لديهم قيم ومُعتقدات مُتصارعة أن يُناشدوا بها لأنهم في نهاية المطاف لا يتفقون على ما يتحدثون عنه ؟ وإذا كان هذا صحيحاً . إذن يُعدّ الحديث عنها تحريفاً بلاغيّا وَيُخفي الانقسامات الأخلاقيّة والسياسية الأعمق .
إن الله سبحانه وتعالى صان كرامة الإنسان
عن أن تُنتهك وتُهان فقال (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) الإسراء : 70 .
إستطاع أن يغزو الفضاء ويغوص في البحر وإذا أمعنت النظر في الجانب الآخر وجدتهُ
ضعيفًا عاجزًا تؤذيه الذبابة الشاردة وتوردهُ الردى خاطرةُ هَمْ . والعاقل هو الذي
لا ينسى أو يغتر بمظاهر القوة والذكاء حتى يزعم لنفسه كل فضيلة ولا يركن إلى جوانب
الضعف فيه . ومن علائم الخير في كل أمة نجاتها من الغرور . أن ترى أفرادها يتدخلون
فيما ليس من شأنهم ويحكمون على ما لم يُحط به علمهُم حتى ليترفع أحدهُم عن الإصغاء
إلى نصيحة والاستماع لرأي والخضوع لكبير والإجلال لعالم . فكل واحد منهم يرى نفسهُ
حكيمًا أوعى من الحُكماء وسياسيًا لا تغيب عنهُ شاردة وعظيمًا لا يُرى بجانبهُ
أحدا ...
واليوم نطلع على قصة لو سمعت بها قد تظنها
من الخيال . لكنها حقيقة جرت أحداثها في عالم الدم قراطية . وليس هذا هو الغريب .
بل ما تتناقلهُ محطاتهم عن حقوق الإنسان والحيوان وكيف يُظهرون أنفسهُم الأتقياء
الأنقياء الأبرياء الذين صانوا البشرية من فيروسات الجهل والتخلف . ولا ادري ما
الذي أخرسَ إعلامنا عن فضحهم ؟ هل هو فشل الحُكّام وغبائهُم أم الأوامر التي تمنع
كشف هذه المعلومات ومنها :
حدائق الحيوان البشرية ؟
أثارت كتابات المُستكشفين حول القبائل
البدائية فُضول الكثيرين . وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر لم تتردد القوى
الإستعمارية في جلب العديد من السكان وعرضهم داخل أقفاص مُخصصة في كُبرى المُدن
الأوروبية . وتزامناً مع ظُُهور حدائق الحيوان البشرية هبّ عدد هائل من الزُوار
للتعرف على الوافدين الجُدد الذين جيء بهم من إفريقيا وآسيا وأستراليا وأميركا
الجنوبية . وأثناء حصار مدينة باريس ما بين سنتي 1870 و1871م من قبل جيوش مملكة
بروسيا أقدم أهالي العاصمة على أكل الحيوانات التي كانت معروضة وبدل تعويضها فضّل
مسؤلوا البلدية ملء العاصمة بحدائق الحيوان البشرية التي انتشرت بكثافة قرب برج
إيفل .
وخلال صيف سنة 1897م أمر الملك ليوبولد
الثاني بإنشاء حديقة شرق العاصمة بروكسل ونقل حوالي 260 إليها وحسب العديد من
المصادر زارها ما لا يقل عن 1,3 مليون . وخلافا للحدائق الأوروبية التي امتلأت
أساسًا بالأفارقة . شهدت الحدائق الأميركية تواجداً مكثفاً للعنصر الفلبيني إثر
الحرب الأميركية . الإسبانية سنة 1898م وبعد الهيمنة عليها لم يترددوا في نقل
أعداد من الناس لعرضهم في كبرى المدن . وفي سنة 1914م أنشأت النرويج حديقة بأوسلو
وتضمنت ما لا يقل عن 80 رجلا إفريقيا جيء بهم من السنغال ولقيت العروض إقبالًا
جماهيريًا هائلًا .
وسجّلت ظهورها خلال المعرض الدولي الذي
استضافته باريس سنة 1889م وعُرضَ فيه 400 رجل إفريقي وحضره ما لا يقل عن 18 مليون
شخص . ومطلع القرن العشرين لعبت تلك الحدائق دورًا هامًا في الترويج لفكرة تفوق
العرق الأبيض وتزامناً مع ذلك أقدم العديد من العلماء على إجراء أبحاث ونشر كتب
حول نظرية التطور ومنهم ويليام ماكغي الذي عرض فكرة جديدة مفادها إن كل عرق بشري
مثّلَ مرحلة في تطور الإنسان نحو شكلهُ الحالي وعلى حسب ما أكده تواجد الأبيض على
رأس قائمة الأعراق بينما الأسود في ذيلها . وتزامناً مع ذلك أقدم المحامي الأميركي
ماديسون غرانت سنة 1918م على نشر كتاب تضمن العديد من النظريات وبناءًا على أفكار
غرانت اعتبر العرق الأبيض سيدًا على البشرية ولهذا السبب وجب عليه إبادة البقية من
أجل تكريس سيادته على الأرض بشكل نهائي . وخلال عصر النهضة وضعت ميديسيس حديقة
كبيرة في الفاتيكان . وفي القرن 16 كان الكاردينال هيبوليتوس ميديشي قد وضع مجموعة
من الناس من مُختلف الأجناس .
أعتقد ينبغي لنا الآن أن نضع المهاترات الفلسفيّة
جانبًا حول طبيعة حقوق الإنسان . ففي القرن الحادي والعشرين لا توجد حقوق .
فالقوانين التي صنعها الأقوياء على وفق أهوائهم ومصالحهم حتى صارت جرائمهم تحرير
ومقاومتهم جريمة والعمالة وطنية والحرية في الزواج من البهيمة والسرقات تعتبر نصر
وفخر وغنيمة . إن حقوق الإنسان التي يدعي بها منتهكوها في الحقيقة تذكرني بقصة
الراعي الذي ساق خرافه إلى حظيرتها وغلق عليها الأبواب . فلمّا جاءت الذئاب ويأست
من الوصول إليها دبرت خطة لإخراجها .
أقاموا تظاهرة أمام بيت الراعي يطالبون
بحريتها وطافوا حول الحظيرة
فلما سمعت الأغنام تأثرت بها وبدأت تنطح
الجدران والأبواب حتى تكسرت وتحررت جميعها وهربت والذئاب تهرول خلفها والراعي
ينادي ويصرخ ويلقي عصاه ليصرفهم ولكن لافائدة . الأغنام في بادية مكشوفة بلا راع
ولا حارس . فكانت ليلة سوداء عليها وشهية جدا للمتربصين .
بعدها لم يجدوا إلّا أشلاءً ممزقة وعظامًا
ملطخة بالدماء ... هذا واقعنا وحال شعوبنا هذه الأيام . نسأل الله أن يصلح الحال ...
2018 . 08 . 24
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق