بسم الله الرحمن الرحيم
الأحواز جرحٌ في الفؤاد لايلتئم
محمود الجاف
الأهواز أو الأحواز : هي عاصمة محافظة خوزستان . تقع جنوب غرب إيران ويخترقها نهر الكارون . وحسب إحصاء عام 2006م بلغ عدد سكانها 1,841،145 نسمة . أما الأهواز فقد جاء في لسان العرب : هي سبع كور بين البصرة وبلاد فارس لكل واحدة منها اسم وهي : عسكر مكرم وتستر وجنديسابور وسوس وسرق ونهر تيرى ومناذر . وأحواز هي جمع كلمة "حوز" ومعناها الحيازة والتملك وتستخدم للدلالة على الأرض التي اتخذها فرد وبين حدودها وامتلكها . وهي كلمة متداولة عندهم فمثلًا يقولون : هذا حوز فلان أي هذه أرض فلان . بعد انتهاء حكم الإسكندر الأكبر قُسِّمَ مُلكهُ إلى أقاليم فأطلق عَرب هذه المنطقة عليها اسم "الأحواز" . أما "خوزستان" فهو الاسم الذي أطلقه الفرس خلال العهد الساساني على جزء من الإقليم ويعني بلاد القلاع والحصون وسمي به مرة أخرى بعد الإحتلال الإيراني بأمر من رضا شاه عام 1925م . وعند الفتح الإسلامي لفارس أطلقوا عليه لفظة "الأهواز" وعلى العاصمة سوق الأهواز للتفريق بينهما وفي عهد الدولة الصفوية سماه الفرس : "عربستان" أي القطر العربي أو أرض العرب .
اغتصبت أنظمة الحكم في إيران من الأراضي
العربية أكثر مما فعل الصهاينة بكثير ومنها الجزر الإماراتية طنب الكبرى والصغرى
وأبو موسى والأحواز التي يعود وجودها إلى عصور سحيقة وجاء ذكرها في التاريخ العربي
والإسلامي كما في كتاب البداية والنهاية وتاريخ الطبري وآثار البلاد وأخبار العباد
لزكريا بن محمد بن محمود القزويني وذكرها شعراء العرب وتحدثوا عن سكانها
فقد قال جرير : سيروا بني العم فالأهواز منزلكم * ونهر ثيرى فلم تعرفكم العرب
يعود تاريخها إلى العهد العيلامي 4000 ق.م.
حيث استطاعوا عام 2320ق.م اكتساح المملكة الأكّدية واحتلال عاصمتها أور ثم خضعت
للبابليين ثم الآشوريين وبعدهم اقتسمها الكلدانيون والميديون .ثم غزاها قورش عام
539ق.م وشن حملة إبادة ضد العرب وعبر الخليج العربي إلى الأحساء والقطيف وقام
بمذابح هائلة فيها . كان العرب متفرقين إلا في أوقات قليلة مثل معركة ذي قار .
خضعت للإسكندر الأكبر وبعد موته للسلوقيين
منذ عام 311 ق.م ثم للبارثيين ثم الأُسرة الساسانية عام 241م . وقد قامت ثورات
كثيرة ضد الغزاة الفرس مما اضطرهم إلى توجيه حملات عسكرية كان آخرها عام 310م حيث
اقتنعوا بعدها باستحالة إخضاعهم فسمحوا لهم بإنشاء إمارات تتمتع باستقلال ذاتي
مقابل دفع ضريبة سنوية . ويؤكد المؤرخ الإيراني أحمد كسروي أن قبائل بكر بن وائل
وبني حنظله وبني العم كانت تسيطر على الإقليم قبل مجيء الإسلام . ثم خضعت للمناذرة
سنة 368م إلى 633م وبعد الفتح الإسلامي ذابت في القبائل العربية الأكبر منها والتي
استوطنت المنطقة في السنوات الأولى من القضاء على الإمبراطورية الساسانية.
وفي الجنوب سكنت قبائل عربية منذ القدم
وكانت تعتمد على البحر في حياتها . يقول الرَّحَّالة الألماني كارستن نيبور الذي
جاب الجزيرة العربية عام 1762م ( لا أستطيع أن أمر بصمت مماثل بالمستعمرات الأكثر
أهمية . ورغم كونها منشأة خارج حدود الجزيرة لكنها أقرب إليها أعني العرب القاطنين
الساحل الجنوبي من بلاد الفرس المتحالفين على الغالب مع الشيوخ الخاضعين لهم وتتفق
ظروف مختلفة لتدل على أنها استقرت في الخليج العربي قبل فتوحات الخلفاء وحافظت على
استقلالها . ومن المضحك أن يصور جغرافيونا جزءاً من بلاد العرب كأنه خاضع لحكم
ملوك الفرس في حين أنهم لم يتمكنوا قط من أن يكونوا أسياد ساحل البحر في بلادهم .
لكنهم تحملوا صابرين على مضض أن يبقى هذا الساحل ملكاً للعرب ) وقال كذلك ( لقد
أخطئوا حين صوروا لنا جزءاً من الجزيرة العربية خاضعًا لحكم الفرس لأن العرب هم
الذين يمتلكون جميع السواحل البحرية للإمبراطورية الفارسية : من مصب الفرات إلى
الإندوس (في الهند) صحيح أن المستعمرات الواقعة على السواحل الفارسية لا تخص
الجزيرة العربية ذاتها ولكن بالنظر إلى أنها مستقلة عن بلاد الفرس ولأن لأهلها
لسان العرب وعاداتهم فقد عنيت بإيراد نبذة موجزة عنهم . يستحيل تحديد الوقت الذي
أنشأ فيه العرب هذه المستعمرات على الساحل . وقد جاء في السير القديمة أنهم
أنشئوها منذ عصور سلفت . وإذا استعنا باللمحات القليلة التي وردت في التاريخ
القديم أمكن التخمين بأنها كانت في عهد أول ملوك الفرس . فهناك تشابه بين عادات
الايشتيوفاجيين القدماء وعادات هؤلاء العرب)
بعد الإنتصار في القادسية ؟ قام أبو موسى
الأشعري بفتح الأهواز . وظل منذ عام 637 إلى 1258م تحت حكم الخلافة الإسلامية
تابعاً لولاية البصرة حتى الغزو المغولي . ثم نشأت الدولة المشعشعية العربية
(1436-1724م) واعترفت الدولتان الصفوية والعثمانية باستقلالها . ثم الدولة الكعبية
(1724-1925م) وحافظت على استقلالها كذلك . وبعد تأهيل نهر الكارون وإعادة فتحه
للتجارة وإنشاء خطوط سكك حديدية جعل مدينة الأهواز مرة أخرى تصبح نقطة تقاطع تجاري
. وأدى شق قناة السويس في مصر لزيادته في المنطقة حيث تم بناء مدينة ساحلية قرب
القرية القديمة للأهواز وسميت ببندر الناصري تمجيداً لناصر الدين شاه قاجار . وبين
عامي 1897 و1925م حكمها الشيخ خزعل الكعبي الذي غير اسمها إلى الناصرية .
وبعد عام 1920م باتت بريطانيا تخشى من قوته
فاتفقت مع إيران على إقصاء أَمير عربستان وضم الإقليم إلى إيران . منحوها لهم بعد
اعتقال الأمير خزغل على ظهر طراد بريطاني وأصبحت الأهواز وعاصمتها المحمرة محل
نزاع إقليمي بين العراق وإيران وأدى اكتشاف النفط فيها وعلى الأخص في مدينة عبادان
الواقعة على الخليج العربي مطلع القرن العشرين إلى تنافس القوى للسيطرة عليها بعد
تفكك الخلافة العثمانية ثم عادت تسميتها القديمة الأهواز بعد سقوط الأسرة
القاجارية إثر الإحتلال الروسي لإيران وتولي رضا بهلوي الحكم . ولم ينفك النزاع
قائماً عليها بعد استقلال العراق حيث دخلت الحكومات المتلاحقة مفاوضات حولها وعقدت
الاتفاقيات بهذا الصدد منها 1937م ومفاوضات عام 1969م واتفاقية الجزائر عام 1975م
بين شاه إيران محمد رضا بهلوي ونائب الرئيس العراقي صدام حسين الذي أعلن بعد
إلغائها عائدية الأهواز للعراق وطالب فيها .
دخل الجیش الإیراني مدینة المحمرة عام
1925م وأسقط آخر حکامها وکان قائد القوات هو رضا خان ويعد السبب الحقيقي لإحتلالها
إلى كونها غنية بالنفط والغاز وكذلك لوجود نهر الكارون الذي يسقي سهلاً زراعياً
خصباً وهو المنتج الرئيسي لمحاصيل السكر والذرة التي تساهم بحوالي نصف الناتج
القومي الصافي لإيران وأكثر من 80% من قيمة الصادرات . وهناك قول معروف للرئيس
السابق محمد خاتمي هو " إيران با خوزستان زنده است " ومعناه (إيران تحيا
بخوزستان). سکان المحمرة ومعظم منطقة الأهواز قبل احتلالها کانوا عرباً وإمارة
المحمرة هي مرکز الحکومة . يسعى النظام إلى زيادة نسبة السكان الفرس وتغییر
الأسماء العربية الأصلية للمدن والبلدات والأنهار فالمحمرة صار اسمها خرمشهر وهي
كلمة فارسية بمعنى البلد الأخضر .
السؤال المهم هنا هو : ما الذي جعل عرب
الأحواز يدافعون عن عروبتهم ضد الفرس ويقاتلوا للخلاص منهم ... وفي الجانب الآخر
يواليهم بعض عرب العراق وسوريا واليمن والكويت ولبنان بل وأصبحوا جنودهم من أجل
تدمير الإسلام والمسلمين وديارهم وسرقة ثرواتهم ؟
2018 . 04 . 08
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق