الأربعاء، 30 أبريل 2025

القيم والاخلاق في المنظور البعثي .بقلم / أ.د ابو لهيب

 القيم والاخلاق في المنظور البعثي .

أ.د ابو لهيب 

لم يفصل حزب البعث العربي الاشتراكي القيم عن الحياة ، ولم ينظر الى الاخلاق الا في التحامها مع حركة النضال.     

ان القيم ، التي يحملها المناضلون ، مثل الايمان والشجاعة والتجرد والتضحية والاستشهاد ، تحمل معانيها الذاتية ، التي هي قريبة من النفس الانسانية ، لكنها تأخذ معناها الحقيقي حين تأتي الى ميدان العمل العام ، لتغني اهداف النضال ، وارادة الامة من أجل الاستقلال والتقدم والحرية. 

اما الموقف الاخلاقي لحزب البعث العربي الاشتراكي فيأتي ضمن منظور نضالي يرفض الاوضاع الفاسدة والحالة الشاذة ، التي تعيشها الامة العربية ، بسبب امراض التجزئة والكبت والاستغلال والتخلف .        

ان عملية الرفض هذه تعني العمل الدؤوب الجاد وتتطلب تقديم التضحيات الكبيرة والمستمرة ، وبذل الجهود الكبيرة ، من أجل انهاء الحالة الشاذة ، وتغيير الاوضاع الفاسدة.       

ان ثقل السلبيات المتوارثة وتراكمها وتعدد القوى التي تقف وراءها يجعل من القضاء عليها . بجهد فردي او بعمل اصلاحي او بقرارات سياسية فحسب امراً عسيراً ، فهي بحاجة الى ثورة جذرية شاملة ، ذات حجم كبير ليس للقضاء عليها فحسب ، وانما لاعطاء البديل الثوري في شتى الميادين ، وهذا يتطلب نوعاً فذاً من المناضلين المسلحين بالاستعداد للتضحية والبذل والعطاء وهذا ما يحدد سمات النضال البعثي ويمنحه خصوصيته وتميزه ، ويعمق معنى الموقف الاخلاقي للحزب.          

ان الالتحاق بصفوف حزب البعث العربي الاشتراكي ، ليس في الحالة الشكلية وانما في الحالة الاصلية يتطلب من المناضل الجديد ، الذي اختار حزب البعث العربي الاشتراكي ، الالتزام الجاد ، والتعبير عن هذا الالتزام بانضباط حزبي ، لابد منه وكمقدمة ضرورية والاستعداد الكامل للعطاء والتضحية ، انها عملية خلق جديدة للانسان .. وهكذا يصبح المناضل الجديد ليس فلاناً نفسه الذي كان بعيداً عن تنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي . 

ان البعثي الحقيقي نموذج وهو صورة المستقبل ، صورة الحزب ، صورة المجتمع العربي ، حيث تستكمل الثورة شروطها في وطننا العربي ، ولذلك يجب ان لا ننتظر الى الحزب على انه مجموعة افراد بمعنى العدد او الرقم بل هو اداة لقوة الفعل الثوري يجد فيه البعثي نفسه ويجد محيطه الثوري ، الذي يؤمن به،ويعمل من اجل نشره وتعميمه.                       

انك حین تکون بعثياً حقيقياً ، وقادرا على الارتفاع الى اخلاقية الحزب والتعبير عن القيم التي آمن بها ودعا اليها ، فانك تتحول حالة بعثية ، اي ستكون صورة الحزب ممثلة في مناضل ، وان مجمل سلوكك الحياتي المعبر عنه بالصدق والصراحة والشجاعة والاقدام والدأب على العمل والنزاهة ورفض الاستغلال والقهر والتمتع سيدفع الاخرين من غير الحزبيين الى القول عن( هذا انسان جيد ومواطن صالح ) وسيقول رفاقك عنك ( هذا بعثي ) .           

ان صورة المجتمع الجديد ، الذي نطمح اليه ، ونناضل ونضحي من اجله ، لابد ان نراها مجسدة في مناضل بعثي ، ونراها بصورة اكبر واكثر وضوحاً في حزبنا

ان صدق ما ندعو اليه من مبادئ لايتبين من خلال ما نكتبه في صحافتنا ونشراتنا الحزبية ، من برامج ومناهج واساليب التنظيم بالاساس ، بل في الممارسة اليومية ، التي تتكشف عن عقلية جديدة وروح جديدة وخلق جديدة ، لاتجمعه بالواقع الفاسد المدان الذي ثرنا عليه أية رابطة ، وهذا يظهر جلياً و واضحاً في اخلاق واسلوب عمل البعثيين ، وفي طريقتهم لتحقيق الاهداف ، في ان تتحقق في ممارساتهم كل الفضائل التي يريدونها في المجتمع الجديد .

اما الذي يلتحق بتنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي بجسده فقط ، اي الذي قد نجده في الاجتماع الحزبي ، وفي الندوة الحزبية او التظاهرة الجماهيرية .. وقد نراه يرفع صوته بترديد الشعارات التي يرفعها الحزب ، بصوت اعلى من اصوات بقية رفاقه فانه حالة مرفوضة اصلاً. 

ان مثل هذا الحزبي يأتي الى الاجتماع او الندوة او التظاهرة وهو يحمل سلبيات الماضي ، التي فرضها عليه المجتمع القديم ، او الهوامش السلبية في المجتمع اليوم ، حيث تكمن في شخصيته القديمة من التسلط والحكم الاجنبي والثقافة المشبوهة المتخلفة والظروف السوداء ، دون ان يبذل جهداً من اجل التخلص منها او تغيير صورة الماضي الذي عاشه وفرض عليه بكل سلبياته واخطائه وعوامل الضعف فيه ، وهو بهذا السلوك لايقترب من صورة البعثي ، بل يعبر عن الصورة التي يعمل الحزب من اجل تغييرها.  

ان الحزب حين يكون صورة مشابهة للواقع الفاسد الذي يعمل من أجل تغييره ، ويحمل في داخلة كل سلبيات المجتمع ، لايستطيع ان ينجز عملية التغيير لان اليد الملوثة لاتستطيع ان تعالج الجسد المريض بل انها تزيد من مضاعفات الحالة المرضية بما تنقله اليها من جراثيم جديدة .              

وفي ضوء هذا المسار يؤكد الحزب على دور التربية الحزبية في بناء شخصية المناضل بناءً (ثورياً حقيقياً ) وكلما نجحت التربية الحزبية في ابعاد صورة المجتمع المقهور المتخلف عن عقل وضمير وسلوك المناضل اقترب من صورة البعث ، ومن صورة الحزب ، ومن صورة المجتمع العربي الثوري الجديد،مجتمع الوحدة والحرية والاشتراكية.

                                                                     وكلما نضج البناء الاخلاقي للحزب ، وتكرست القيم الاصيلة فيه ، زال خطر تأثير المجتمع القديم عليه ، وتضعف امكانية القيم المتخلفة في التأثير بمناضليه ، بل تأتي الصورة على غير هذا المنوال فتزداد قدرة الحزب على التغيير ، وتكبر فرص تأثيره في المجتمع القديم والاوساط المتأثرة به ، ذلك ان القيم البعثية تتفاعل ايجابياً في نفس المواطن لانها تمثل جزء من تاريخه ، ومن تاريخ امته ، وما علينا الا اكتشافها ، والانتقال بها من واقع المقولات المحفوظة حفظاً حرفياً ، ومن التعامل الشكلي الحماسي ، الى عمق الحياة الجديدة ، وهي بهذا ستتحول الى مقياس عام ، تتحدد على اساسه ، جدارة المواطن بالحياة الجديدة ، ومدى قوة ارتباطه بوطنه وشعبه

ولذلك يجب علينا يجب علينا ان لانبتئس اذ نرى فرداً او مجموعة افراد ، في الحزب او في مجتمع دولة الحزب ، حين يتسلم حزبنا السلطة في قطر عربي ، يحملون قيماً متخلفة لاتمت الى قيم حزبنا وقيم مجتمعه الجديد بصلة او نرى فرداً او مجموعة افراد غير قادرين على الارتفاع الى مستوى ثورة حزبنا ، حتى في حالة انتمائهم الى الحزب ، او ان تظهر هذه الاعراض فيما بعد ، حين ينجح البعض في اخفائها وتغليفها لفترة من الزمن .                              

ان عدم الابتئاس ، الذي ندعوكم اليه حين توجهكم مثل هذه الظاهرة انما ندعو اليه لاسباب منطقية ندركها باحساسنا الثوري وبوعينا المتقدم ، فقيم المجتمع المتخلف والتي تكرست عبر قرون عديد يجب ان لاننتظر ان تزول تماماً ، في فترة يسيره اذ لابد ان تظهر في هذا الموقع او ذاك ، وفي هذا الشخص او ذاك ، ولكنها حتى في حالة ظهورها ستكون ضعيفة التأثير امام انتشار القيم الجديدة ، انها قد تزعجنا لظهورها وقد تعرقل جانباً من عملنا ونشاطنا ، ولكنها لن توقف مسيرتنا ومنجزاتنا وحماسنا .

 ثم ان ظهور مثل هذه الحالات الفردية او حتى التي تتجاوز الحالة الفردية ، انما يمثل امتحاناً للجدارة البعثية ولاصالة المناضلين ، الذين يحولون مثل هذه الحالات الى مناسبة لتأكيد نضالهم وايمانهم وتفاؤلهم ، ذلك ان البعثي الحقيقي تتصاعد شجاعته ويقوى ايمانه وعزمه في الظروف الخاصة اكثر يحصل في الظروف الاعتيادية .

ان ظهور هذه الحالات في حياة حزبنا دليل على حيوية الحزب ، وان معالجتها بالطرد خارج جسم الحزب بعد ان يكون هذا الطرد الوسيلة التي لابد منها ، دليل على ان حزبنا جسم حي يطرد الاجسام الغريبةوالحجيرات الميتة 

وهنا يجدر بنا ان نشير الى تعامل حزبنا مع الانسان كقيمة عليا وليس كرقم ، فالاحزاب التي يهمها الجانب الكمي في عملها لاتولي اهتماماً للتربية الحزبية ولاتبذل جهداً ثقافياً من اجل تطوير الحزبي في صفوفها ولانجد نقصاً يستوجب معالجته حين يبقى حاملاً سلبيات المجتمع القديم ، ولاتجد مبرراً لابعاده عن تنظيماتها ، مادام يشكل رقماً مضافاً في مجموع اعضاء الحزب ، وهذا هو الفرق بين حزب صاحب الرسالة التأريخية وبين الاحزاب التي تتعامل مع الواقع ، عبر ممارسات سیاسیة سطحیة قد تصل من خلالها الى السلطة ، لكنها تظل غير قادرة على التغيير الجذري ، وبناء الانسان الجديد وتأسيس حضارة مهمة .

ان المناضل البعثي يختلف عن اولئك الذين ينظرون الى الانتماء الحزبي على انه ضرب من ضروب العمل السياسي الموسمي الذي يتعلق بالمزاج وينفصل فيه الفكر عن السلوك ، كما ينفصل الحاضر عن الماضي ، ويعجز فيه الحاضر عن فتح باب المستقبل ، فاذا كان هذا النمط من الاحزاب ومن الحزبيين الذين ينتمون اليها تحركهم الشعارات السطحية وتلعب بهم العواطف البعيدة عن الصدق ، فيظهرون في لحظات الانفراج وساعة تقسيم المغانم ، ولاتراهم حين تحتدم الامور ويحتاج الوطن الى ابنائه الشجعان المضحين ، فان البعثي هو الذي يقول لوطنه ولامته ولحزبه ها أنذا ، حين يشعر ان وطنه وامته وحزبه يدعوانه للتضحية . وفي كل معارك شعبنا ، وفي كل جزء من اجزاء وطننا الكبير كان المناضلون البعثيون يتقدمون الصفوف ، ويضحون بالغالي والنفيس ، من اجل قضايا وطنهم وامتهم .                                  

ومن تجربة حزبنا في معركة العروبة المقدسة ( قادسية صدام المجيدة ) ، حيث وقف العراق العظيم بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي ، ليدفع الشر والاذى ونزعات التوسع الشرير التي عبرت عنها العنصرية الفارسية عن وطننا الكبير ، كان البعثيون في مقدمة المضحين بارواحهم ودمائهم الزكية ، ومعهم كل العراقيين الشجعان ، الذين قدموا اعظم التضحيات وضربوا اكرم مثل في الصمود ، من اجل رفعة الوطن وكرامته .

ان الايمان المعبر عن هدف وعن قضية له اكبر الاثر في استنهاض قيم الشهامة والبطولة والتضحية في نفس الفرد ، وان الايمان حين يتحول الى حالة عامة بسبب قضية مركزية وذلك حين يتعرض الوطن والامة الى خطر يهدد كيانها ومستقبلها لقادر على استنهاض القيم العامة النبيلة كالصمود والابداع والصبر والمطاولة .

ان تاريخ امتنا علمنا بأن ما انجزته الامة حضارياً قد تم بفعل القيم الكريمة التي تفجرت في نفوس ابنائها ، بفعل الدفقة الاخلاقية الكبيرة التي كانت تقدمها امتنا لابنائها في حالات النهوض الكبرى

وان حزبنا حامل رسالة امتنا الخالدة الذي يفجر الان طاقات الانسان في وطننا ، ويضعها على طريق الثورة والمجد والنهوض ، يحقق بنضاله الدائب وفكره الاصيل ، ثورة الامة في اطار الاخلاقية الثورية ، ويبعث طاقة الفعل الايجابي لقيم امتنا الاصيلة ، لتتحول الى سلاح قوي في يد الثورة العربیە ضد عوامل السیطرە والتشويه والردة . 

ان ضعف الانسان في المجتمع مهما بلغ من تطور وتقدم ، بسبب عدم تماسك العوامل المحركة لذلك المجتمع وضمور القيم الدافعة وضعف الاطار الاخلاقي فيه ، سيجر هذا المجتمع بأتجاه الضعف والتدهور ، وعلينا ان نراقب مايحدث في العالمين الرأسمالي والشيوعي من تدهور وضعف في الانسان رغم قوة القاعدة الاقتصادية ، ولو بحثنا عن السبب لوجدناه في ضمور الجانب الاخلاقي وتدهور القيم الاعتبارية. 

ولذلك فأن حزبنا ينظر للأخلاق وللقيم الاعتيادية ( غير المادية ) على انها سياج يحمي الثورة وروح تدفعها دائماً الى الامام .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق