الجمعة، 25 أبريل 2025

التنظيم والانضباط في الحزب / بقلم / أ.د ابو لهيب

 التنظيم والانضباط في الحزب

أ.د ابو لهيب 

لا تستکمل شخصیة المناضل البعثی مواصفاتها دون الالتزام والانضباط ، فهما من اسس وشروط العمل الثوري المنظم .                                                                

وبدونهما يصبح التنظيم والمنظمة الحزبية والانسان المنظم مصطلحات مجردة لامعنى لها . ان الالتزام هو الايمان بمبادئ وافكار وسياسات الحزب نظرياً وتطبيقها عملياً ، حيث تتحول هذه المبادئ والافكار الى منهج حياتي يدخل في كل تفاصيل الحياة ، وتحل محل الافكار والتصورات التي كان يحملها الفرد ، قبل الانتماء الى الحزب .

فحين يريد الحزبي ان يكون بعثياً حقيقياً فليس من المعقول ان لا يؤمن بأهداف الحزب في الوحدة والحرية والاشتراكية ، او ان يؤمن بالوحدة ولا يؤمن بالاشتراكية ، او يؤمن بهما ولا يؤمن بالحرية . 

                                                               وليس من المعقول ان ينتمي المواطن الى حزب البعث العربي الاشتراكي ويظل محتفظا بولاءاته القديمة ، الطائفية اوالعشائرية اوالقطرية ، ويقدمها على الولاء القومي ، الذي تضعه النظرية البعثية بديلا عن كل تلك الولاءات منفردة او مجتمعة .

الالتزام هو ان يعيش الانسان المبادئ التي آمن بها في الحياة وليس في الحزب فقط ، وان يمارسها لا ان يرددها في الاجتماعات والندوات ثم يتصرف بالضد منها . 

فما الجدوى حين تنتمي الى الحزب تنظيميا لكنك منقطع عنه عمليا وسلوكيا ؟ فالانتماء للحزب ليس مجرد أن يقرأ البعثي ادبيات الحزب او يلتزم بدفع التبرع له ، وانما البعثي هو الانسان الذي يعلم الجماهير فكرة البعث من خلال سلوكه اليومي ، حيث يجعل الوحدة والحرية والاشتراكية صيغة الحياة ، يتمثلها وينقلها الى الجماهير سلوكا حيا ترتضيه وتختاره دون ضغط او اكراه .  

ان كل مناضل حين ينضم الى حزب البعث العربي الاشتراكي يؤمن انه أصبح جزء لايتجزاء من الثورة العربية ، يحمل صفاتها الايجابية ، ويتشرف بالمسؤليات التي نلقيها عليه ، فهو زخم فاعل وقوة مضافة وليس رقما مجردا في سجل الرسمي .       

ان الذين يحاولون نقل السلبيات الاجتماعية التي نشأت وتكرست في ظروف الحكم الاجنبي والتخلف والرجعية الى داخل الحزب ، بسبب عدم تخلصهم منها انما يقفون بذلك موقفا مضادا للحزب وللثورة العربية التي هي الرد على كل تلك السلبيات . فالمناضل الملتزم هو الذي يؤثر في المجتمع ، بنقل رؤية الحزب الجديدة المتفتحة الى الآخرين وليس العكس، والتأثير انما يبدأ بالمحيط القريب ، العائلة والاقرباء والاصدقاء ، ثم في مكان العمل ومكان السكن .                    

صحيح ان انتمائنا للحزب يجب ان لايتأثر بالعلاقات الاجتماعية ، مثل القرابة او الصداقة وما الى ذلك ، والمقصود هنا هو اننا ينبغي ان نضع العلاقة الحزبية في المقام الاول من هذه العلاقات ، ولو خيرنا بينها وبين الحزب لاخترنا الحزب بدون تردد ، لكن الذي لايستطيع ان يؤثر في محيطه القريب هو غير مؤهل لحمل رسالة النضال الصعبة والتي تهدف التأثير في كل الحياة العربية .

ان الالتزام يتأكد من خلال الانضباط الحزبي ، بل ان الانضباط هو تعبير عملي وسلوكي عن الالتزام ولذلك فنحن نعني بالانضباط ،  والتقيد بتقاليد الحزب وقيمه التنظيمية .                                

وسنضرب مثلاً يؤكد العلاقة بين الالتزام والانضباط .. فلنفترض ان احد الحزبيين اكتشف حزبيا آخر معه في المنظمة الحزبية او اعلى منه في المستوى الحزبي وهو يمارس سلوكاً شخصياً منحرفاً عن مبادئ واخلاقية الحزب ، فان المطلوب منه في مثل هذه الحالة ان يبلغ الحزب من خلال كتابة تقرير يرفع الى قيادة المنطقة التي يعمل فيها حزبياً ، فهو بهذا يعبر عن التزامه بمبادئ وقيم الحزب ، فالسلوك المنحرف الذي شاهده ، من خلال تصرفات حزبي آخر ، قد استفزه فلم يقدر على ان يسكت عنه ، اذ انه في حالة سكوته سيكون قد خرج عن مبدأ الالتزام في الحرب ... لكنه بكتابة التقرير او طرح الموضوع خلال اجتماع حزبي يكون قد عبر عن مبدأ الانضباط الحزبي . فاذا افترضنا ان رد فعله على هذا السلوك المنحرف كان بأن هجم عليه وضربه ضرباً مبرحاً ، او ذهب الى اقرب تجمع او مقهى وصار يشهر بسلوك ذلك الحزبي فأنه يكون قد خرج على مبدأ الانضباط في الحزب .                                                 

ان حزبنا يؤكد باستمرار حق ابداء الرأي داخل المنظمة ولذلك فليس من المبرر طرح امور تخص الحزب خارج التنظيم.        

ولنضرب مثلا آخر ، ولنفترض احد الحزبيين شاهد واحدا من العملاء أو المخربين من اعداء الحزب يقدم على عمل تخريبي يستهدف احد مؤسسات الحزب او الدولة فلا شك من ان هذا العمل يستفز مشاعرالحزبي الوطنية وقيمه النضالية التي تعمقت في ضميره وعقله من خلال التزامه المبدئي ، لكن الرد المنضبط في مثل هذه الحالة يجب ان يتسم بالسرعة والمبادرة واذا اقتضى الأمر الاشتباك مع الخصم فلابد من الاشتباك وتضيع الفرصة عليه.

ان الشجاعة والسلوك الشجاع بقدر ماهما تعبيران عن الالتزام فهما تعبيران متقدمان جداً عن الانضباط العالي لدى المناضل فحين تسمح للخصم ان ينفذ عملية تخريبية ، فما جدوى التقرير او نقل ما حدث امامك للحزب ، وانت تقف وقفة المتفرج ، وبعد ان حققت العملية التخريبية اهدافها. 

واذ یۆکد حزبنا بأستمرار على الانضباط الصارم الذي يشبه انضباط الجيش فذلك لأن المطلوب من المناضل المنضبط ان يمتلك حيوية المقاتل الشجاع الذي يعرف كيف يتصرف ازاء كل حدث او مفاجأة او طارئ بشكل يجعل من عوامل الضبط ممارسات تخدم الالتزام والمبدئية العالية.

فحزبنا لم ينظر الى الضبط او مجموع الممارسات التي يعبر بها عنه على انها طقوس شكلية يمكن عزلها عن حياة الحزب او الاكتفاء بها . بل هي اغناء لحياة الحزب وهي وسائل لحمايته من كل القوى والممارسات المعادية . ان التأكيد على منع الحديث عن امور الحزب الداخلية خارج التنظيم لها اسبابها ومبرراتها ومن هذه الاسباب والمبررات انه حديث غير فعال ، وبقدر مايسيء للحزب فأنه غير قادر على تصحيح خطأ ، أو المساهمة في تطوير العملية النضالية ، بل انه سيضعف هيبة الحزب في الاوساط غير الحزبية التي تنظر الينا فيما لو سلكنا مثل هذا السلوك على اننا ثرثارون مصابون بامراض حب الظهور والمباهاة وغير قادرين على حفظ خصوصيات تنظيمنا ، كما اننا سنعطي فرصة للاعداء للاستفادة من المعلومات التي يحصل عليها من خلال الحديث خارج التنظيم والتخطيط في ضوء هذه المعلومات لاضعاف الحزب وعرقلة مسيرته والتقليل من فرص نجاحه.                         

فلو افترضنا ان حزبياً في تنظيمنا يعاني من نقطة ضعف في جانب من جوانب تكوينه الانساني او أن منظمة من تنظيمنا تعاني من خلل معين في هذا الجانب من نشاطها او ذاك .. فأن توفر مثل هذه المعلومات لدي الاوساط المعادية لحزبنا سيجعلها تركز على عوامل الضعف من أجل زيادة تأثيرها واعاقة ومحاولات اصلاحها وتجاوزها من قبل حزبنا.

ثم ان حالة الانضباط في مجال عدم الحديث عن شؤون الحزب الخاصة خارج التنظيم هو اكثر الاسلحة جدوى للدفاع عن التنظيم وعن النفس ويكتسب هذا المبدأ اهمية خاصة في ظروف العمل السري فقوى القمع تستطيع بكل يسر ان تتابع كلمة تقال بطريقة تفتقر الى المسؤولية لتصل من خلال متابعتها الى معلومات من شأنها ان تؤدي الى اختراق التنظيم وبالتالي ضربه وشل فاعليته. وتتسقط الدوائر المشبوهة أخبار الحزب بنفس الطريقة.

واذا كانت الفرصة متاحة للمناضل ان يقول كلمته داخل منظمته وفي الندوات وامام المسؤولين الحزبيين فلماذا يلجأ  للاحاديث الجانبية ، فهذا ان دل على شيء فأنما يدل على ضعف في الشخصية وفي الوعي وفي الانتماء للحزب . 

اما مبدأ التنفيذ ثم المناقشة ( نفذ ثم ناقش ) الذي هو اساسي في حياة حزب البعث العربي الاشتراكي كما هو لدى كل الحركات الثورية الحقيقية ، فهو من جهة دليل ثقة القواعد بالقيادة لكنه في الوقت نفسه وسیلە لحمایە الحزب من الاخطار ، وهو عامل حاسم فی تنفیذ خطط الحزب وقراراته ، فلو ان قراراً معيناً جاء من قيادة الحزب وكان المطلوب تنفيذه ، ولنفترض ان القرار المذكور يتطلب مراقبة مكان معين .. فأذا لم ينفذ القرار بسرعة وبدأ الحزبيون بمناقشة ومعرفة اسبابه ودوافعه فأن الوقت سيمر لصالح العدو الذي قد ينجز مهمته المعادية ، ويبتعد عن مسرح المراقبة ، في وقت نكون فيه مشغولين بالنقاش .. لكن المطلوب من المناضل ، في مثل هذه الحالة ان ينفذ التعليمات ، وان يسرع باتجاه المكان المحدد ، فاذا اكتشف ان ليس هناك من دليل على وجود نشاط معاد ، فيمكنه ان يعود لمناقشة الامر مع مسؤوله ومع اعضاء منظمته واكتشاف اسباب خطأ المعلومات التي بنى في ضوئها قرار المراقبة للعمل على منع تكرار الخطأ ورسم خطة تقلل احتمالات رفع المعلومات غير الدقيقة ، وهكذا هو شأن عدم التنفيذ في الوقت والمكان المحددين لنشاطنا الحزبي ، في ظروف العمل السري ، وفي غير ذلك من الحالات.            

في ضوء ما تقدم ، نكتشف ان الانضباط عمود من اعمدة التنظيم الاساسية ، وبدونه يتحول الحزب الى حالة غير منضبطة والى مجموعة من المواقف الفردية والتصرفات التي لا رابط لها ، حيث يستطيع كل فرد ان يفعل ما يحلو له او ما يرغب فيه .                                    

وهكذا نتبين انه بغياب الانضباط يضيع الالتزام بالمبادئ والمنطلقات الاساسية لحزبنا ، وتتحول الى كلمات نرددها بدون وعي او ادراك او ربما بدون ايمان صميم بها وتنام مفرداتها في صفحات الكتب والنشرات الحزبية مما يؤدي الى فقدان الدور الثوري لحزبنا الذي يعمل على تغيير الواقع المتخلف فيدون الالتزام وبدون السلوك المنضبط لايمكن ان ننجز عملاً كبيراً كالذي نذرنا انفسنا له وهو بناء مجتمع العروبة المتقدم الموحد .                                

ان الكيانات المنتظمة المتسلحة بالفكر الصائب ، والتي تقدر ان تضع حالة التجانس السلوكي الحي لدى قواعدها والمنتمين اليها هي الوحيدة التي بامكانها ان تتحمل اعباء كبيرة وهي التي تستطيع ان تحقق تجارب انسانية وحضارية مهمة ، لانها تستطيع ان تفجر الطاقات الابداعية داخل الانسان ، ويحافظ عليها وتضعها في المجرى العام للتحولات الكبرى ، وتبعدها عن الضياع والتشتت في المسارب الفردية والانانية .

وكلما كان المناضل البعثي ملتزماً ومنضبطاً في حياته الحزبية كان تأثيره اكبر في حياة الحزب وفي مستقبل الوطن وفي رسالة امته الخالدة ، اذ يتحول المناضل الملتزم الى رمز والى حالة تربوية تحتذى من قبل الآخرين ، ويزداد تأثيره في وسطه ، سواء الذي يسكن فيه ام الوسط الذي يعمل فيه ام في وسط رفاقه ، وبهذا يكون عنصر استقطاب للعناصر التي تستهويها الصفات الحميدة وتجد فيها النموذج الذي تريد انه صورة للحزب وصورة للمجتمع الذي يناضل حزبنا من أجل بنائه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق