الثلاثاء، 15 أبريل 2025

بين العصبية المنغلقة والمبادئ السليمة / بقلم / د- فالح حسن شمخي

 بين العصبية المنغلقة والمبادئ السليمة

د- فالح حسن شمخي 

هناك أنواع مختلفة من العصبيات من هذه العصبيات القبيلة والمناطقية وغيرها،  والعلاقة القوية لاعضاء المؤسسة العسكرية او غير ذلك .

 ولكن العلاقة التي تستند عليها الرفقة الحزبية في المؤسسة الحزبية هي ليست العصبية اطلاقا وانما الرابطة  وشدة الانتماء للمباديء التي يقوم عليها الحزب.

وهذه  ما اود الخوض فيها  و مشاركة اصدقائي الرأي ، سأعتمد في الموضوع  الذي سأطرحه على مقدمة ابن خلدون ، وماطرحه مالك ابن نبي في شروط التطور مع التنبيه الى ان ابن خلدون تحدث عن قيام الدول والمجتمعات وهذا مختلف تماما عن الحزب الثوري بطبيعة الحال، لذا فالمقاربة ليست متطابقة ، لكنا نتناولها للافادة.

نظرية ابن خلدون وفي جانب من جوابها  تؤكد على ان بناء الدولة يعتمد العصبية التي تطرح  بعد تأكيد قوتها نص وهذا النص عبارة عن خطة استراتيجية تقدما للعصبيات الاخرى لكي تقنعها بان اهدافها عامة وليست خاصة ،  بعد ذلك تاتي مرحلة اختبار التزام هذه العصبية بالنص المقدم ، وعادة مايكتب هذا النص البعض من  المستشارين المحيطين بصاحب السلطة .

الجانب الثاني  من نظرية ابن خلدون هو تشبيه المراحل التي تمر بها الدولة بالمراحل التي يمر بها الانسان ، نشوء ( ولادة )، تطور (شباب )، النضج ( الحكمة )، الأفول ( الموت).

بالمقابل فان مالك بن نبي قد اخذ او اختلف مع ابن خلدون حينما حدد شروط التطور للأمم فهو يعتقد ان الامم تمر بثلاث مراحل اولها الفطرة وثانيها العقل وثالثها الغريزة ، فالفطرة هي في اندفاع الفقراء واصحاب المصلحة الحقيقية في البناء لتحقيق هدف استلام السلطة ، بعد ذلك تاتي مرحلة العقل ( الحكمة ) و( العدالة )، والتنمية بكل أنواعها ، اخيرا المرحلة المدمرة وهي مرحلة الغريزة حينما تبرز الشهوات والصرعات والمناكفات والابتعاد عن اصحاب المصلحة الحقيقية من الفقراء والكادحين اصحاب الفطرة السليمة .

اما بالنسبة للاحزاب ولاسيما الثورية منها،

  فان الحزب يؤسس على اساس رابطة الايمان الراسخ بمباديء وعقيدة وضعتها مجموعة من المفكرين واصحاب الرأي والقادة والذين لديهم موهبة اكتشاف القوانين المحركة للواقع القديم ، والذين يتوصلون إلى  قوانيين جديدة وبديلة تحقق اهداف وتطلعات الامة في المستقبل الافضل ، هنا يبدا فقراء وكادحين الامة وقبلهم نخبها الالتحاق بركب هؤلاء القادة المؤسسين وبهذا المولود الجديد .

 وعندما تتوسع القاعدة الجماهيرية لهذه الاحزاب تنتقل الى مرحلة استلام الحكم في بعض الدول او تواصل نضالها لتحقيق اهدافها بعيدا عن السلطة ، ويمكن ان نماثل هذه المرحلة بمرحلة الشباب والحيوية .

هذه المرحلة تتطلب  كتابة النص ، والنص هنا ليس دستورها ونظامها الداخلي الخاص بأعضاء الحزب ، النص الذي اعنيه هنا التقرير السياسي الذي يقدم للامة حزبيين وغير الحزبين لاقناع الجماهير بان المستقبل مع هذا الحزب وعقيدته هو افضل وهو من سيحقق المصالح المشتركة والتي توضحها اهدافه الاستراتيجية ومنها اطلاق الحريات والتوزيع العادل للثروة والعدالة الاجتماعية وغير ذلك الكثير وحسب مباديء كل حزب.

وفي تطور الدول تكون مرحلة العقل ( النضج ) ، هي مرحلة البناء والتنمية الشاملة ومرحلة العمران التي تحدث عنها ابن خلدون ( بناء المدن )، تعتبر هذه المرحلة من اهم المراحل لانها تفتح الابواب على مصرعيها للحزب الذي يتولى الحكم في دولة ما حتى يضع بصمته على التاريخ وبسفر التاريخ . مع ملاحظة ان هناك أحزاب تضع بنضالها الضروس وبعيدا عن الحكم بصماتها التاريخية.

واذا ما ابتعدت الاحزاب عن عنفوان عقيدتها ومبادئها التي انطلقت من اجلها ، وابتعدت عن النضال الميداني فانها تتعرض الى خطورة الدخول إلى  مرحلة الغريزة (في حياة تطور الدول) و التي تقود إلى الأفول . حيث تنشب الصراعات بين اعضاء الحزب على المصالح والمواقع ، مع بروز عناصر انتهازية ووصولية تؤجج الصراعات والمناكفات ، واخطر مافي هذه المرحلة ايضا هو اقصاء او تنحي او سكوت اصحاب الفطرة السليمة من النخب وجماهير الكادحين على السواء.

تعودت دائما ان اختم ما اكتبه ( بالزبدة)، الثيمة او المعنى الاساسي .

الزبدة هي ان اسقاط ماقاله ابن خلدون وابن نبي  لايكون صحيحا  على الاحزاب كما ذكرت في المقدمة ، ولاني على يقين ان هناك البعض من الاحزاب التي تنتمي إلى امة حية ، تواصل مسيرتها بوتيرة تصاعدية و تواجه كل المصاعب والتحديات الجسيمة والضربات العمودية والظلم والاستهداف المنقطع النظير ، مستندة إلى ارث الامة الحضاري وارث الحزب نفسه ، ومنها وفي مقدمتها حزب البعث العربي الاشتراكي ، الذي لم تنقطع مسيرته النضالية عن خطها التصاعدي منذ الانطلاق وعبر ما يقارب من ثمانية عقود من النضال المجيد والتضحيات الجسيمة 

واليوم اراه متجددا وينبض بالحيوية خاصة وان الاعضاء الذين انتموا إلى الحزب بعد العام ٢٠٠٣ ، عام احتلال العراق يشكلون اليوم  عنصرا أساسيا في ديمومة مسيرة الحزب الصاعدة مسترشدين بمساندة وحكمة الاجيال التي ناضلت  وضحت  وقدمت ولازالت تقدم ، فهؤلاء الشباب يمثلون مرحلة  عنفوان روح الفطرة والنشوء وهم امتداد للشباب الذي اجتمع في ( مقهى الرشيد الصيفي ) في دمشق العام ١٩٤٧ .

اخيرا اقول ايضا ان النص الذي قدمه الحزب للجمهور والتزم فيه لايزال صالحا لتقديمه اليوم فالاحداث تثبت كل يوم ان لا انجح من عقيدة البعث لمعالجة وضع الامة ، فالامة العربية تمر اليوم بما كانت تمر به في الأربعينات فالتجزأة  والفقر  والمرض والجهل والاستعمار المباشر وغير المباشر هي نفس التحديات و الظروف المحركة لواقع الامة العربية اليوم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق