الاثنين، 21 أبريل 2025

التکتل الحزبی ، أسبابه ومخاطره وطرق علاجه / بقلم أ.د ابو لهيب

 التکتل الحزبي ، أسبابه ومخاطره وطرق علاجه

أ.د ابو لهيب 

تكمن ضمانة قوة التنظيم الحزبي في أنه يستند إلى أُسس وضوابط دقيقة في العلاقات الحزبية ، لأنها تحافظ على وحدة الحزب التنظيمية ، وتمثل سر مواجهة الحزبيين لمهامهم النضالية والسياسية والفكرية ، وبها تحفظ وحدة الأهداف ووحدة النضال من أجل تحقيقها .

وأما النقيض للوحدة التنظيمية فهو وجود تكتلات داخلة مما يحول دون وحدته وتماسكه ، وبالتالي إعاقة تنفيذ أهدافه ، وبوجود أي تكتلات داخل الحزب ، يعني وجود أكثر من حصان يجرعربة واحدة ، والأخطر ما فيها ذلك قد يفع بكل حصان جر العربة في الاتجاه المعاكس لحركة الخيول الأخرى ، وهذا ما يؤدي ليس في تجميد عربة الحزب مكانها فحسب ، بل يؤدي أيضاً إلى انشطارها إلى حطامين أو أكثر ، وتؤدي هذه النتيجة الى فقدان لوحدة الحزب في شتى الأصعدة ، منها التنظيمي والفكري والسياسي .

أَ - مفهوم التكتل داخل الحزب :

التکتل بمعناه الایجابی هو تضافر جهود المجموعة البشرية الواحدة حول اهداف مشتركة من أجل النضال لتحقيقها ، وبهذا المعنى الايجابي يصبح الحزب كتلة واحدة تؤدي الغرض من وسيلة من طبيعة الامور تكتل مجموعة من الأشخاص في سبيل النضال حول هدف واحد . واما بمعناه السلبي فهو احداث أكثر من كتلة داخل الكتلة الواحدة ، وهذا يعني انشطار الكتلة الواحدة إلى أكثر من كتلة ، بما يعنيه من فقدان الهدف الواحد ، ووسائل النضال الواحدة ، فكيف نفسر انقسام كتلة واحدة إلى أكثر من كتلة ؟

من طبيعة الأمور أن تسود رؤى مختلفة حول تنفيذ الأهداف المشتركة داخل الحزب الواحد ، وأن تسود بينهم آراء مختلفة حول وسائل تنفيذها ، وتعدد الآراء تغني في اكتشاف زوايا جديدة حين مناقشة قضية ما ، وتكون خلاصة النقاش تقريباً بين وجهات النظر ، والخروج باتفاق على صيغة واحدة لموقف موحد . وبهذا الاتفاق قد ينال الاجتماع ، ويتشارك الجميع بتطبيقه فيكون تطبيقه أكثر يسراً بالقدر الذي يحوز على قبول أكبر عدد من المجموعة ، وإما أن ينال الاتفاق أكثرية الحاضرين فبهذه الحالة ، وكما هو منصوص عليه في النظام الداخلي ، وتقره الأعراف والتقاليد الديمقراطية ، يصبح رأي الأكثرية ملزماً للأقلية أيضاً ، إذ بغياب هذه القاعدة يصبح من المستحيل أن يتم تنفيذ القرارات الحزبية .

ب - كيف يتأسس التكتل ؟

ومن هنا ، تبدأ الاشكالية ، فإما أن يتم تطبيق القاعدة الديمقراطية في حق الأكثرية بالأخذ برأيها ، ومن واجب الأقلية أن تلتزم به ، في غاية الأهمية حين الإقدام على تنفيذ القرارات الحزبية.

وإذا حصل العكس وامتنعت الأقلية عن الالتزام به ، يعني انها سوف تمتنع عن المشاركة في التنفيذ ، وبهذا الامتناع ما فيه من عثرات وعوائق تحول دون ترجمة القرارات الحزبية إلى عمل تنفيذي ، وفيه ما فيه من عرقلة في تأخر الوصول إلى الأهداف المشتركة التي حازت على قبول كل من انتمى إلى الحزب .

ج - مخاطر التكتل .

وفي هذه النتيجة ، تبدأ الأمراض تتفشى داخل الحزب ، بما فيه تخلي الأقلية عن أداء واجباتها الديمقراطية ، ومن هنا ، أيضاً ، تبدأ مرحلة التكتل ، ويزداد الشرخ كلما أصرت الأقلية على اتخاذ المواقف السلبية . ولعل من أهم مظاهرها ، الامتناع عن المشاركة في التنفيذ ، وهذا ما يفتح الباب واسعاً أمام نقاشات جانبية يقوم بها أفرادها .

وبما أننا شرحنا أعلاه مخاطر الاتصالات الجانبية ، فإن أخطر ما فيها يظهر من تأسيس نواة لتكتل يتناقض بموافقة مع مواقف الأكثرية ، وقد يسود التحريض والتعبئة ضدها ، ومن هنا تبدأ مرحلة التفتيت داخل البنية التنظيمية للحزب الواحد ، فينقسم الحزب على نفسه ، ويفقد وحدته التنظيمية ، ووحدته التنظيمية هي سر قوته .

د - العوامل التي تسهم في منع حصول تكتل داخل الحزب .

هناك عاملان أساسيان يسهمان في منع حصول التكتل ، وهما :

العامل الأول : وعي القيادات الحزبية لدورها في تطبيق الأسس الديمقراطية .

وعي القيادات الحزبية لدورها في تطبيق الأسس الديمقراطية أن يكون شاملاً في جميع المواقف وعلى جميع المستويات الحزبية ، وإفساح المجال في التعبير عن الرأي بحرية غير منقوصة وذلك استلهاماً من نصوص النظام الداخلي التي تحترم حرية الرأي الصادر من الحزبيين على أن لا يكون رأي أحد مصدراً لاتهامه . وهنا يجب إعادة النظر فيما تعنيه ظواهر مبدأ( نفذ ثم ناقش ) ، الذي يتبادر إلى الذهن فوراً أنه عبارة عن مبدأ عسكري ، أو مبدأ أمني ، يصدر من أجل تنفيذه سريعاً ، من دون نقاش حتى لا تفوت فرصة إنجاح القرار في وقته المناسب بما يقتضيه من سرية تامة ، وسرعة محسوبة ، وغالبا ما يصدر في الميادين العسكرية الأمنية ، ولأن مثل تلك القرارات تحمل الصفة الاستثنائية ، لا يجوز تعميمها على المستويات السياسية والفكرية ، حيث إن تلك المستويات لا تقتضي السرعة بالتنفيذ ، وإذا كان تطبيقها يقتضي العجلة في بعض الأحيان لأسباب مرحلية ، إلا أن إعطاءها صفة الدائم يحملها وزر الخطأ إذا لم تأخذ لاحقاً حقها من النقاش والحوار ، حتى لا يتحول المرحلي إلى دائم وثابت .

العامل الثاني : عدم تجاوز حدود التكليف الحزبي.

أما الضرورة الأساسية الأخرى التي تمنع نشوء بذرة تكتل فهي أن المسؤول عن العمل الحزبي ينبغي أن لا يتجاوز حدود تكليفه النظامي فيقوم بالاتصالات مع بعثيين ليست له صلة نظامية بهم ، مستغلاً شهرته أو موقعه القيادي ، فيختار إما البعثي النشط أو البعثي الذي لديه مشكلة ما ، فیتصل به مباشرة ویتعرف علیه شخصیاً ویناقش معه المشکلة مقدماً له الوعود بمساعدته على حلها ، وأحياناً يتجاوز ذلك إلى حدود التحريض على المسؤول الأصلي أو على من يختلف معهم ذلك البعثي ، وهكذا تنشأ صلة غير نظامية بين حزبيين تقوم على تقارب الآراء التي تخص قضايا حزبية لا يجوز مناقشتها إلا ضمن الأطر النظامية الحزبية .

وتأخذ هذه الحالة شكلاً أكثر خطورة حينما يقوم البعض بترصد من يعتقد أنه منافس له في الحزب ، وهي حالة سلبية جداً ثم يقوم بكل ما من شأنه إضعاف ذلك الرفيق أو إعاقة تقدمه في الحزب . ومن الأمثلة على السلوك الذي يعتمده هؤلاء هو الاتصال بكل رفيق حزبي يحصل له خلاف ما مع ذلك المنافس له ، فيقوم بإقناعه بأنه يدعمه ضد ذلك الرفيق حتى وإن كان مسؤوله . أو أن يقوم بالتقرب من أحد الرفاق الذي تمت معاقبته لتقصير ما أو أعفى من مسؤوليته لفشله فيها ، فيتصل به ويعده بإلغاء العقوبة أو بترشيحه لموقع حزبي أعلى .

ومن الجدير بالذكر أن مثل هذه الممارسات لا تظهر بوضوح لأن من يقوم بها يتخفى خلف ستار الصلات الشخصية ، إن مثل هذه الشخصيات التي يتركز تفكيرها في ضمان صعودها داخل الحزب بدون عوائق من ( منافسين لها ) وفق تصورها ، تسعي في العادة إلى التعرف إلى عدد كبير جداً من الحزبيين الذين لا صلة حزبية لهم بها وأغلبهم في العادة يكونون بمستويات حزبية أدنى منها . وفي تفكيرها أنها إنما تهيء هؤلاء للحصول على دعمهم في حالة تفجر خلافات مع المنافس أو للحصول على أصواتهم أثناء الانتخابات الحزبية . من هنا فإن الموقع القيادي لأي رفيق يلزمه بعدم الاتصال بأي حزبي ليست له صلة نظامية به ، ولا أن يطور صلته الشخصية بالبعض إن كانت له صلة شخصية بهم لأجل تهيئتهم لعمل التكتل لاحق أو لعزل استهداف رفيق آخر .

العامل الثالث : وعي البعثيين لأصول العلاقات الديمقراطية .

لا ديمقراطية في حزب البعث من دون بعثيين أتقنوا فهم الديمقراطية وأصولها . فالديمقراطية وعي نظري ووعي تطبيقي ، فكما أن للبعثي حقوقاً ، فعليه واجبات أيضاً ، ويتكامل الوعي الديمقراطي بجناحيه ، الحقوق والواجبات .

فوق هذا وذاك ، ولأن الديمقراطية مبدأ على البعثي أن يطبقه لمصلحة الحزب ووحدته وتيسيراً لتنفيذ مهامه النضالية ، عليه أيضاً أن يعي أهمية مبدأ الحرية في قيادة المجتمع . ولأن الحرية

مبدأ اجتماعي فلن ينجح البعثي في تحويل المجتمع إلى مجتمع ديمقراطي يعرف حقوقه وواجباته ، إذا كان يجهل تطبيق الديمقراطية داخل الحزب .

ولأن سوء تطبيق المبدأ الديمقراطي الذي تقع فيه القيادات يفتح باب أمام نشأة التكتل بين البعثيين لأنهم يحرمون من حقهم في الحواروالنقاش وحرية أبداء الرأي ، فإن نقص الثقافة الديمقراطية عند البعثيين في القاعدة الحزبية ، يشكل المخاطر ذاتها عندما يتجاوزون أصول الاتصالات الحزبية من جهة ، وعندما يرفضون رأي الأكثرية ولا يلتزمون به من جهة أخرى .

وخطورة ضعف الوعي الديمقراطي لدى الحزبي تظهر عندما يستلم الحزب الحكم فالذي لا يستطيع احترام الديمقراطية داخل الحزب لا يستطيع تطبيق الديمقراطية على الشعب وهذه من أكبر وأهم البديهيات التي سبب تجاهلها الكوارث للشعوب والأحزاب الثورية ، لأن ضعف الوعي الديمقراطي داخل الحزب يوصل حكم الحزب إلى طريق مسدود ، فيظهر الاستبداد بالرأي وإقصاء الآخرين من الشعب أو القوى السياسية . وبهذا المعنى فالديمقراطية تبدأ من الحزب أولاً وقبل كل شيء ، واستيعاب مضامينها واشتراطها مقدمة لابد منها للحصول على عضوية الحزب والنضال في صفوفه ، ومن أبرز الاشتراطات يكون وجود تهذيب متدرج ومنظم للوعي الديمقراطي والذي يضمن تجنب اندلاع صراعات ونشوء تكتلات تنبع من مصدر الاستبداد الفردي .

من هنا فان منع التکتلات له صلە مباشرە بالتربیە الدیمقراطیە حیث یجب أن تحتل موقعاً متميزاً جداً في الاعداد الحزبي ، وأن يراقب الرفيق الحزبي من خلال ممارساته اليومية للتأكد من تكيفه مع أسس الديمقراطية ، وأبرزها داخل الحزب سعة الصدر وتقبل نقد الآخرين والاستماع لآرائهم ، وتجنب ردعهم ، أو الضغط عليهم ، والتسامح مع من يقع في الخطأ ، لأن الأصل هو أن الإنسان لديه أخطاء وليس صحيحاً أن نقصي الرفيق عند حصول أول خطأ بل ترعاه ونوجهه ونزيد من توعيته . والأهم هو تجنب تفضيل رفاق عند حصول أول خطاء بل نرعاه ونوجهه ونزيد من توعيته . والأهم هو تجنب تفضيل رفاق على غيرهم ، ودعم آراء البعض ورفض الاصغاء لرأي البعض الآخر . فالقائد الحزبي أب ورفيق للجميع وكلهم يحظون برعايته وعدله وموضوعيته ، وحينما يحصل تميز مثل هذا من قبل قائد حزبي لا يترك للحزبي طريقاً للتخلص من الظلم الذي يقع عليه سوى البحث عمن يساعده حتى خارج الأطر النظامية ، وتلك هي من مقدمات التكتل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق