التنظيم والخلية الحزبية
أ.د ابو لهيب
ان التنظيم الحزبي ليس حالة شكلية مجردة او مصطلحاً مجرداً نستعمله في حياتنا العامة او حياتنا الحزبية .
ان للتنظيم اسسه ، ومرتکزاته ، وله قاعدته القوية المتينة التي بدونها يفقد التنظيم ، كمصطلح او كواقع معناه واثره ومبررات وجوده وقبل ان ندخل في تفاصيل الحالة التنظيمية ، يمكن ان نقول عن التنظيم انه المجموع المتفاعل للضوابط التي ترتكز عليها المسيرة النضالية للحزب وترسم مساراتها ، وتحدد اتجاهات عملها ، ولكن علينا ان نعرف ان هذه الضوابط ليست منفصلة عن فكر الحزب ، وانما هي جزء منه ، عبر وحدة متكاملة بين التنظيم والفكر ، ان مرتكز التنظيم هو الخلية الحزبية التي هي اصغر وحدة تنظيمية ، تقوم بمهمة العمل النضالي اليومي ، في اطار خطته العامة لمجمل التنظيم ، وان مجموع نشاط الخلايا التنظيمية يشكل النشاط الكلي للحزب ، وليس بمعنى الجمع الكلي والعددي لمجمل نشاط هذه الوحدات وانما هو نشاط خلايا الجسم الحي الواحد ، فان نشاط كل خلايا الجسم ، حسب تخصصاتها ومواضعها يشكل في النتيجة ، الحياة .
ان حياة الحزب يشكلها مجموع نشاطات الخلايا التنظيمية وان موت الخلية او مرضها او عدم قدرتها على التلاؤم مع الحركة العامة للجسم معناه انها اصبحت معيقاً لابد من معالجتها واصلاحها، بما يتيسر من وسائل الاصلاح والعلاج ، او ابعاده عن جسم الحزب ، حتى لايؤثر على حركته العامة ، وحتى لاتنتقل الاعراض الى بقية الخلايا الصحيحة المعافاة.
ان نشاط الخلايا الحزبية هو بمثابة الشعيرات الدقيقة التي تحقق تماسك جسم الحزب ، وهي التي تمنح الحياة للهيكل التنظيمي ، وتحقق دور الحزب في الحياة ، كما تحقق الترابط بين الحزب والجماهير ، بصيغة النسغ الصاعد والنسغ النازل ، اي بصيغة التفاعل عبر الاخذ والعطاء .
اذ تستطيع الخلية الحزبية بانتشارها في جميع الاوساط الجماهيرية ، توصيل افكار الحزب ومواقفه وسياساته ، الى جموع الشعب وهي بدورها تكتشف العناصر الصادقة الامينة الصالحة للعمل الحزبي ، فتعمل على ضمها الى الحزب ليس كرقم عددي ، وانما كطاقة نضالية جديدة ، تضاف الى مجمل طاقات الحزب ، فتجدد الدماء الحارة فيه ، وكما يستوعب الجسم الحي الحجيرات النشيطة الجديدة ، ويبعد الحجيرات الفاسدة الميتة .
ان الخلية الحزبية تضم مجموعة من المناضلين ، ويقودها مسؤول من مستوى حزبي اعلى . يكون الحد الادنى لاعضاء الخلية الحزبية ثلاثة اعضاء الى سبعة ويصل الى اثنى عشر عضواً في الاقطار التي يقودها الحزب في ظروف علنية ، وهكذا يزداد العدد الاعلى للخلية حسب ظروف التنظيم وعدده ، لكن يفضل ان لايكون عدد اعضاء الخلية كبيراً ، لكي يستطيع المسؤول الحزبي استيعاب نشاط كل الاعضاء ، واكتشاف قدراتهم وطاقاتهم وتطويرها ، والترکیز على الطاقات المتمیزة ورعایتها ، وتوفیر أسباب ازدهارها وتقدمها .
أما فی العمل السري ، فيجب الابتعاد بصورة قاطعة عن توسيع الخلية الحزبية ، بحيث ينحصر عدد اعضائها بين ثلاثة الى سبعة اعضاء لاسباب تتعلق بأمن التنظيم وعدم اتاحة الفرصة لاعداء الحزب لاكتشافه ومن ثم ضربه ، ذلك ان التجمعات الكبيرة يكون رصدها او اختراقها من قبل الاعداء اكثر سهولة.
ان قلة عدد اعضاء الخلية يتيح للمسؤول الحزبي التركيز على من هم ضمن مسؤوليته التنظيمية ، ليتابع عملية تطويرهم ثقافياً ونضالياً ، وتحصينهم ضد الوسط المضاد ، وتأهيلهم للتأثير في الوسط الذي يعيشون فيه .
ان الساحة ، التي يقودها الحزب يكون الوسط العام فيها متعاطفاً ، ولاتقتصر عوامل التأثير البعثي في هذا الوسط على العمل التنظيمي ، بل تدعمه جميع النشاطات السياسية والثقافية والاعلامية .
ويقسم التنظيم الحزبي بحسب المناطق تسهيلاً لحركة العمل اليومي وحفاظاً على الوقت ، وزيادة في التأثير ، اذ ان الانسان يكون اقدر على التأثير في الوسط الذي يعرفه ، ويعرف امكانية التحرك فيه و وسائل التأثير الاجدى ، والتركيز على العناصر الجيدة من اجل تحديد الاوساط المعادية ، ومعرفة أسباب ودوافع الاعداء ، من أجل تطويقها ، وعدم السماح لها بالانتشار ، والتأثير في الاوساط الشعبية التي هي وسط الحزب وهدفه ومادته، وكذلك من اجل رصد القوى السياسية والاجتماعية ، ومعرفة اتجاهاتها والتحرك عليها وفق خطة الحزب ، وتوطيد العلاقة مع الاوساط الشعبية القريبة منها ، بغية عزلها عنها ، ومحاصرتها ، وفرض واقع التقوقع والضمور عليها . والتنظيم قد يكون مهنياً ، كالتنظيمات الطلابية والعمالية والفلاحية او تخصيصاً مثل تنظيمات الادباء او الفنانين او الصحفيين .
ان مبررات بناء بعض التنظيمات المهنية كثيرة ومتشعبة ، منها الاستثمار الجيد لعنصر الزمن ، حيث تتواجد قطاعات مهنية معينة لفترات طويلة في مجال عملها ، ثم تكثيف النشاط بين هذه القطاعات بما يتناسب مع اهميتها وتميزها وخصوصيتها ، وبالتالي فائدته لعموم عمل الحزب، اضافة الى ان بعض القطاعات المهنية بحكم تركيبتها الاجتماعية بحاجة الى نوع خاص من التعامل التنظيمي المتميز.
ان التنظيمات المهنية والمتخصصة تنشأ عادة عندما تتوسع وتتمدد تنظيمات الحزب افقياً ، وهي تكون تنظيمات منفردة ، اي ان علاقة الحزبي بالحزب تأتي من خلالها ، وفي بعض الاحيان تكون له علاقة تنظيمية مزدوجة بالاضافة الى التنظيم في منطقة السكن .
ان من اولى مهام الخلیە الحزبیە ايصال التعليمات والخطط والتوجيهات الحزبية الى مناضلي الحزب ، من اجل تطبيقها ، في الوقت الذي يقوم فيه مسؤول الخلية بالاجابة على اسئلة اعضائها ، وايضاح مايجد فيه غموضاً ، كي يكون تنفيذها دقيقاً وفق الخطة المرسومة .
ثم تقوم الخلية من خلال اعضائها بايصال مايطلب منها ايصاله الى الجماهير الشعبية ، لتاكيد التواصل بين الحزب والجماهير ، ونقل آراء المواطنين وانطباعاتهم ، ومن ثم تقديم الآراء واقتراح الحلول ، وفي هذا السبيل ، يتم التاكيد على الحالات الايجابية ، التي تنشأ عن العلاقة العميقة بين الحزب والجماهير ، وان ترصد السلبيات ، من اجل تجاوزها .
اذ ان الحزب مهما كان قوياً ومهما كانت مبادئه صحيحة فان ابتعاده عن الجماهير يعني انه يسير في خط تنازلي يصل به الى الضعف والتدهور والموت .
ان قوة حزبنا تأتي من قوة الحزام الجماهيري الذي يلتف حوله ، وان صحة مبادئه تتأكد وتترسخ بأيمان الشعب بها .
ان المناضل الحقيقي والجدير بحمل رسالة الامة الخالدة هو الذي يجعل من حياته كتلة من النشاط المستمر والدائم ، من اجل خدمة الحزب واهدافه ، وان لايقتصر عمله الحزبي على حضور الاجتماع فقط ، ولاينحصر عطاؤه للحزب والشعب داخل المنظمة الحزبية فقط ، وانما يجب ان يتجاوز ذلك الى العطاء الواسع ، فالاجتماع هو مجال لتنسيق العمل والنشاط وتلقي التوجيهات ، ورفع المقترحات ، وتكون الفترة الزمنية بين اجتماع وآخر هي حصة الحزب والشعب من نشاط المناضل ، لتنفيذ التعليمات ومتابعتها ، والاضافة اليها ، من روح المناضل المبدعة .
ان الاجتماع الحزبي ليس عملاً مجرداً يتسم بالالية والثبات والجمود وانما عملية خلق دائمة ومستمرة ، ولذلك نجد ان اهمية الاجتماع الحزبي تتبع من كونه الموعد الذي يتوق اليه المناضلون ، لكي يمارسوا العمل الجماعي من اجل انتصار المبادئ ، التي آمنوا بها ، والتي يرون فيها الخير لشعبهم ، والقوة والمتعة لامتهم ، والمجد والمستقبل السعيد لوطنهم .
انهم يجدون في الاجتماع الحزبي المجال المناسب ، الذي يضعون فيه حصيلة تجاربهم النضالية ، وزبدة معارفهم في نقاش رفاقي ناضج وعملي ، من اجل المساهمة الجادة في مسيرة حزبهم ، الذي أختاروا الانضمام اليه ، ليعبروا من خلال هذا الانتماء عن تطلعات ضميرهم الوطني والقومي والانساني ، ويتطلعون في الوقت نفسه وبمنتهى المحبة والرغبة الاصيلة الى تعليمات الحزب وتوجيهاته وما يعبر عنه من مواقف .
ان الاجتماع الحزبی لقاء له قدسیە ، اذ یلتقی فیه المناضل صاحب الرسالة مع رفاقه المناضلين ، الذين يحملون روحاً مثل روحه ، واستعداداً للتضحية مثل استعداده ، والذين يرتبط بهم بالفكر والضمير ووحدة المصير.
لذلك نجد ان المناضلين الذين وهبوا انفسهم للامة ، ووضعوا كل ما لديهم ومعها الارواح ، في سبيلها ، ومن اجل تقدمها وعزتها ، يتوجهون للاجتماع بشوق غامر ، ورغبته صادقة وتفتح ذهني ونفسي ، واستعداد عقلي للمشاركة من أجل تطوير العمل الحزبي ، وتعميق اثارة الايجابية ، في حياة الشعب ومستقبل الوطن .
ان قدسية الاجتماع الحزبي تتطلب جملة من الالتزامات التي تؤدي الى نجاح عمل الحزب وتسير به الى حيث النصر والسؤدد .
واذ ينبغي الحفاظ على موعد الاجتماع ، واعتبار ذلك من القضايا التي لايجوز التهاون فيها ، فذلك لان احترام الاجتماع ، والالتزام به هما احترام للحزب ودليل على الايمان بمبادئه ، ومما يراعي في الاجتماع انه يجب احترام الوقت اثناء الاجتماع والالتزام بآداب الحديث ، ومراعات حق الآخرين في اخذ فرصتهم في ابداء الرأي والمناقشة ،وعدم اهدار الوقت في الكلام المطول وطرح القضايا الشخصية التي لاعلاقة لها بالمسيرة النضالية للحزب ، وكذلك يجب الدقة في الحديث وفي الحوار ، كما ينبغي الالتزام بتوجيهات المسؤول الحزبي واحترامها ، لانها ليست توجيهات شخصية .
ان توجيهات المسؤول الحزبي واحترامها ، لانها ليست توجيهات شخصية ، ان توجيهات المسؤول الحزبي هي توجيهات الحزب وان المسؤول الحزبي هو حلقة الوصل بين قيادات الحزب وبين المناضلين في الحلقة الحزبية ، وبالتالي فهو حلقة الوصل بين الحزب والجماهير .
تقع على كل بعثي مهمة صيانة اسرارالحزب في مجاله والاحتفاظ بالمعلومات واحترامها ، والتزام وعدم الثرثرة خارج الاجتماع الحزبي ، كي لا تتعرض خطط وبرامج التنظيم للكشف ، فتسهل للاعداء مهمة محاربتها وتعويق تنفيذها ،وبالتالي ان معرفة الاعداء بالخطط والنوايا الحزبية تعوق المناضل كما تعوق المنظمة عن اداء الدور النضالي بصورة جيدة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق