الأربعاء، 30 أبريل 2025

ما العمل لانقاذ العراق من الاحتلالات الاستاذ الباحث والكاتب السياسي جابر خضر الغزي

 بسم الله الرحمن الرحيم

القسم الثاني: 

ما العمل لانقاذ العراق من الاحتلالات ؟ 

المقدمة :

 تحدثنا في القسم الاول عن الوضع العربي بعد انهيار الدولة العثمانية وسطع نجم الامبراطورية البريطانية والفرنسية بعد الحرب العالمية الاولى والثانية وتقسيم الامة العربية الى 22 قطر عربي ضمن اتفاقية سايكس بيكو , وتقسيم المنطقة العربية الى اثنيات جديدة متصارعة وتقسيمات لن تتوقف عند هذا المنحي الافقي ثم احتمال كبير بان تكون عمودية ايضا , وفق اسس طائفية وقبلية او حتى اثنية , وتفجير الحروب الاهلية , "هذا التقطيع الشامل لجثمان رجل العالم المريض لن يتم تقطيعه بين ليلة وضحاها كما حدث مع رجل اوربا المريض فهذا الاخير دولة واحدة يكفي بسقوط عاصمتها كي ينهار بنيانها برمته , بينما الوطن العربي مكون من اثنين وعشرين دولة متباينة عبر ظروف التغيير المحتمله " . وبعد سقوط مشروع بريطانيا العظمي التي لاتغيب عنها الشمس وظهور المشروع الامريكي وصراعها مع المشروع السوفيتي الشيوعي بعد حرب باردة دامت لحقبة زمنية ووكانت نتيجتها انهيار الشيوعية وسقوط جدار برلين الى غزو واحتلال العراق وهيمنة المشروع الامريكي وسادت الفوضى الخلاقة التي بشرت بها مستشارة الامن القومي الامريكي كوندا ليزا رايس.

وبعد التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتخلف الذي طال حياة الشعب العراقي بشكل مخيف والتبعية الكاملة لامريكا وايران من خلال عملية سياسية مخابراتية جائرة وفاشلة وباطلة .


وازاء هذه الصورة المعتمة ما العمل من انقاذ العراق بعد 22 سنة من الكوارث ؟


" رغم عدم وجود بصيص ضوء في هذا النفق المظلم الذي دخله العراق " .

وهل يجوز ان نكرر ( المكر من الكلام ) لايشبع من جوع ولايغني ؟ .

وهل هناك فعل على الارض يضم جميع العراقيين بجبهة وطنية , ويتناسب مع ذلك الصراع الغير متكافئ والغير عادل ؟ .

وهل نكرر الكتابة في هذا الموضوع نظريا لايزيد من وعي العراقيين , فالاوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي تحيط بالمواطن وهي مصدر وعيه لان هناك علاقة بين الجيب والفكر ؟ .

اذن ما العمل للاجابة على هذا السؤال ؟ الذي بحاجة الى اجوبة مصيرية مفتوحة للمستقبل ، لذا نرى ان نعمل الخطوات الاتية وبنفس طويلة وصبر وثبات على قيم المبادئ والمعاني العالية :

1 - تفعيل استراتيجية البعث بعيدة المدى الذي ليس لنا فيها اسرار على القوى الخيرة في الوطن والامة وانقاذ العراق ( عمليا ) وليس فقط نظريا ونشره على صفحات المواقع والصحف والقنوات الفضائية وان يلعب مكتب العلاقات الخارجية دورا متميزا وكذلك الجبهة الوطنية العراقية ومجلس احرار العراق والمؤتمر العربي الشعبي على مستوى الامة , " من هنا فإن الحزب سيبقى منفتحا على كل المبادرات السياسية التي تؤكد على الدور العربي في وضع الحلول , وعلى بذل الجهود الرامية الى إعادة شد القوى السياسية الى خياراتها الوطنية الاصيلة المتجذرة ".

2 - اعادة النظر في الخطاب السياسي الموجه للشعب والقوى الوطنية الرافضة للاحتلال والعملية السياسية الباطلة والجارية في العراق وبالاخص تحديدا جيل الطلبة والشباب والمراة " وليس خطابا ايديولوجيا او مهنيا يجمع حوله الملتزمين ايديولوجيا او السياسيين الوطنيين فقط " .

3 - فتح الحوار الوطني والقومي لكل القوى الحية في العراق والوطن العربي الذي لايهمش احدا ولا للحزب الواحد ولا القائد ولا للتخوين ولا للدكتاتورية والاستبداد لان الساحة تتسع لكل القوى الفاعلة في الوطن والامة .

4 - على مناضلي البعث قيادة وقواعد  واصدقاء وحلفاء ان يدركوا جيدا ما يدار على الساحة العربية والاقليمية والدولية حد التفاصيل بما يجري في ميادين الصراع بين الامة واعدائها التاريخيين وخاصة في ميدان الصراع العسكري الدموي والسياسي الملتهب , كما ان يكونوا عارفين باهداف العدو ونواياه وخططه واساليبه تجاه الوطن والشعب والامة "  لكي نتجنب حقول الالغام التي يزرعها العدو على محاور نضالنا .. لكي لانقع في شباكه فنكون كالسمكة يضع بها الصياد الطعم المغري لكي يصطادها فتذهب الى حتفها " .!! وهذا باب مفتوح لكل القوى التقدمية من المثقفين والاستراتجيين والثوريين من ذوي الخبرة والتجربة النضالية ان يرفدوا هذه الدراسة لكي يفرح بها المناضلون العرب الشرفاء , وخاصة في الامور الاستراتيجية والتكتيكية التي شغلت كل حركات التحرر الوطني .

5 - نرى من الضروري لاتحالف ابدا مع النظام الف،،ارسي الصف،،،وي الشعوبي التوسعي لانه سيبقى العدو الاول للامة العربية والعراق كما لا مهادنة مع الكيان الصهيوني , ولا مناورة ولا تطبيع او تخفيف من هدف الامة في تحرير فلسطين من البحر الابيض المتوسط الى نهر الاردن  , " وهناك مع الاسف من الرفاق يريد مهادنة امريكا ويحسبون ان المهادنة من التكتيك وهذا قمة الجهل إن لم يكونوا متعمدين الاساءة للمسيرة كما عبر عنها الامين العام للحزب رحمه الله , وبمعنى اخر لامهادنة مع امريكا اذا لم تتزحزح عن مواقفها المعادية للبعث والامة يعني الاستسلام لها لذبح الحزب وبكل معاني الاستسلام , واذا الادارة الامريكية في عهد ترامب رفعت يدها عن البعث والغت الاجتثاث وعملت بجد لاسقاط المشروع الايراني بالمنطقة نقول ( نهادن من يهادننا ونسالم من يسالمنا كل هؤولاء الاعداء عدا الكيان الصهيوني ومن يتحرك منهم اتجاه البعث خطوة واحدة حقيقية أثرها على ارض الواقع , نتحرك باتجاهه خطوتين ) .

بمعنى اخر من يعترف من اعدائنا بعدوانه على العراق ويقف عدوانه ويعتذر سنمد له يدا بيضاء ونية مخلصة وصادقة من اجل تجديد العلاقات المتبادلة وغسل اوجاع الماضي وهذا يشمل كل اعدائنا عدا (اسرائيل ) .

6 - ليس لدينا موقف ثابت لايتغيير مع العداء الابدي وإنما نعادي من يعادينا ونسالم من يسالمنا , ونقاتل المعتدين الباغين على شعبنا وامتنا ولانفرق بين احد منهم الا بقدر خطورة عدوانه ولؤمه وخبثه وكيده واطماعه كما عبر عن ذلك الرفيق الامين العام للحزب عزة ابراهيم رحمة الله عليه ورضوانه في رسائله .

7 - نحن مع كل القوى الخيرة في الامة والوطن الرافضة للاحتلال والعملية السياسية الباطلة الجارية في العراق بلا تكبر وبلا استعلاء وبلا تفرد كما نكفر ونشجب ونمحق التكبر والاستعلاء والتفرد وإنما نتحدث من موقع الاستحقاق , واي اقصاء للبعث او التهميش او تجاوز يمثل عين المؤامرة الكبرى على العراق والامة ويجعل هدف الاجتثاث البغيض لتدمير الحزب وشيطنته وتهميشه وبمعنى اخر اقصاء الشعب برمته واقصاء بعقيدتها واهدافها وفكرها ومستقبلها , " وعليه فإن هزيمة المشروع المعادي يبدا من العراق وهذا ما يفرض على كافة القوى الحريصة على وحدة العرب وهويتهم أن ينتصروا لقضية العراق بما هي قضية تحرير للارض وتوحيد للشعب على اسس المواطنة , وإن المشروع السياسي الانقاذي الذي طرحه الحزب يشكل اساسا لإنتاج عملية سياسية جديدة " .

8 - واخيرا وليس اخرا لاصوت يعلوا على صوت الحق و" ان العواطف والرغبات لامكان لها في عالم السياسة وإن عالم السياسة هو ليس عالم القرارات الثابته , او الافكار المستدامة والاحكام الاجمالية بل هو عالم القدرة " المقتدرة في التصور والتصرف .

اعداد 

الاستاذ الباحث والكاتب السياسي

 جابر خضر الغزي

 اواخر نيسان 2025


تم الاعتماد على اعداد هذه الورقة على المصادر الاتية :

1 _ بعض من رسائل الرفيق الامين العام للحزب عزة ابراهيم رحمة الله عليه .

2 _ بيان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي تحليل الواقع العربي الحالي / ت2 1017 

3 _ الحرب على العراق / وثائق ويوميات مركز دراسات الوحدة العربية .

4 _ احتلال العراق وتداعياته / مركز دراسات الوحدة العربية .

5 _ المؤتمر العام لحركة التحرر العربي الديمقراطي / ورقة نجاح اوكيم حضره الحزب برئاسة الرفيق ابو هاشم  عضو قيادة قطر العراق رحمة الله عليه وعضوية ابو عامر وابو صبا العبيدي 2005 / دمشق .

6 _ احمد يوسف احمد / مدير معهد البحوث والدراسات العربية القاهرة.

7- إنقاذ العراق_محاولة استكشاف الطريق / الدكتور صفاء العمر18 ت2/ 2022.  

8 _ محاضرة للاستاذ الدكتور لقاء مكي / فضائية الجزيرة عن المشروع الايراني.

9 _ بحوث الندوة الفكرية بيروت 2004 / مركز دراسات الوحدة العربية .

القيم والاخلاق في المنظور البعثي .بقلم / أ.د ابو لهيب

 القيم والاخلاق في المنظور البعثي .

أ.د ابو لهيب 

لم يفصل حزب البعث العربي الاشتراكي القيم عن الحياة ، ولم ينظر الى الاخلاق الا في التحامها مع حركة النضال.     

ان القيم ، التي يحملها المناضلون ، مثل الايمان والشجاعة والتجرد والتضحية والاستشهاد ، تحمل معانيها الذاتية ، التي هي قريبة من النفس الانسانية ، لكنها تأخذ معناها الحقيقي حين تأتي الى ميدان العمل العام ، لتغني اهداف النضال ، وارادة الامة من أجل الاستقلال والتقدم والحرية. 

اما الموقف الاخلاقي لحزب البعث العربي الاشتراكي فيأتي ضمن منظور نضالي يرفض الاوضاع الفاسدة والحالة الشاذة ، التي تعيشها الامة العربية ، بسبب امراض التجزئة والكبت والاستغلال والتخلف .        

ان عملية الرفض هذه تعني العمل الدؤوب الجاد وتتطلب تقديم التضحيات الكبيرة والمستمرة ، وبذل الجهود الكبيرة ، من أجل انهاء الحالة الشاذة ، وتغيير الاوضاع الفاسدة.       

ان ثقل السلبيات المتوارثة وتراكمها وتعدد القوى التي تقف وراءها يجعل من القضاء عليها . بجهد فردي او بعمل اصلاحي او بقرارات سياسية فحسب امراً عسيراً ، فهي بحاجة الى ثورة جذرية شاملة ، ذات حجم كبير ليس للقضاء عليها فحسب ، وانما لاعطاء البديل الثوري في شتى الميادين ، وهذا يتطلب نوعاً فذاً من المناضلين المسلحين بالاستعداد للتضحية والبذل والعطاء وهذا ما يحدد سمات النضال البعثي ويمنحه خصوصيته وتميزه ، ويعمق معنى الموقف الاخلاقي للحزب.          

ان الالتحاق بصفوف حزب البعث العربي الاشتراكي ، ليس في الحالة الشكلية وانما في الحالة الاصلية يتطلب من المناضل الجديد ، الذي اختار حزب البعث العربي الاشتراكي ، الالتزام الجاد ، والتعبير عن هذا الالتزام بانضباط حزبي ، لابد منه وكمقدمة ضرورية والاستعداد الكامل للعطاء والتضحية ، انها عملية خلق جديدة للانسان .. وهكذا يصبح المناضل الجديد ليس فلاناً نفسه الذي كان بعيداً عن تنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي . 

ان البعثي الحقيقي نموذج وهو صورة المستقبل ، صورة الحزب ، صورة المجتمع العربي ، حيث تستكمل الثورة شروطها في وطننا العربي ، ولذلك يجب ان لا ننتظر الى الحزب على انه مجموعة افراد بمعنى العدد او الرقم بل هو اداة لقوة الفعل الثوري يجد فيه البعثي نفسه ويجد محيطه الثوري ، الذي يؤمن به،ويعمل من اجل نشره وتعميمه.                       

انك حین تکون بعثياً حقيقياً ، وقادرا على الارتفاع الى اخلاقية الحزب والتعبير عن القيم التي آمن بها ودعا اليها ، فانك تتحول حالة بعثية ، اي ستكون صورة الحزب ممثلة في مناضل ، وان مجمل سلوكك الحياتي المعبر عنه بالصدق والصراحة والشجاعة والاقدام والدأب على العمل والنزاهة ورفض الاستغلال والقهر والتمتع سيدفع الاخرين من غير الحزبيين الى القول عن( هذا انسان جيد ومواطن صالح ) وسيقول رفاقك عنك ( هذا بعثي ) .           

ان صورة المجتمع الجديد ، الذي نطمح اليه ، ونناضل ونضحي من اجله ، لابد ان نراها مجسدة في مناضل بعثي ، ونراها بصورة اكبر واكثر وضوحاً في حزبنا

ان صدق ما ندعو اليه من مبادئ لايتبين من خلال ما نكتبه في صحافتنا ونشراتنا الحزبية ، من برامج ومناهج واساليب التنظيم بالاساس ، بل في الممارسة اليومية ، التي تتكشف عن عقلية جديدة وروح جديدة وخلق جديدة ، لاتجمعه بالواقع الفاسد المدان الذي ثرنا عليه أية رابطة ، وهذا يظهر جلياً و واضحاً في اخلاق واسلوب عمل البعثيين ، وفي طريقتهم لتحقيق الاهداف ، في ان تتحقق في ممارساتهم كل الفضائل التي يريدونها في المجتمع الجديد .

اما الذي يلتحق بتنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي بجسده فقط ، اي الذي قد نجده في الاجتماع الحزبي ، وفي الندوة الحزبية او التظاهرة الجماهيرية .. وقد نراه يرفع صوته بترديد الشعارات التي يرفعها الحزب ، بصوت اعلى من اصوات بقية رفاقه فانه حالة مرفوضة اصلاً. 

ان مثل هذا الحزبي يأتي الى الاجتماع او الندوة او التظاهرة وهو يحمل سلبيات الماضي ، التي فرضها عليه المجتمع القديم ، او الهوامش السلبية في المجتمع اليوم ، حيث تكمن في شخصيته القديمة من التسلط والحكم الاجنبي والثقافة المشبوهة المتخلفة والظروف السوداء ، دون ان يبذل جهداً من اجل التخلص منها او تغيير صورة الماضي الذي عاشه وفرض عليه بكل سلبياته واخطائه وعوامل الضعف فيه ، وهو بهذا السلوك لايقترب من صورة البعثي ، بل يعبر عن الصورة التي يعمل الحزب من اجل تغييرها.  

ان الحزب حين يكون صورة مشابهة للواقع الفاسد الذي يعمل من أجل تغييره ، ويحمل في داخلة كل سلبيات المجتمع ، لايستطيع ان ينجز عملية التغيير لان اليد الملوثة لاتستطيع ان تعالج الجسد المريض بل انها تزيد من مضاعفات الحالة المرضية بما تنقله اليها من جراثيم جديدة .              

وفي ضوء هذا المسار يؤكد الحزب على دور التربية الحزبية في بناء شخصية المناضل بناءً (ثورياً حقيقياً ) وكلما نجحت التربية الحزبية في ابعاد صورة المجتمع المقهور المتخلف عن عقل وضمير وسلوك المناضل اقترب من صورة البعث ، ومن صورة الحزب ، ومن صورة المجتمع العربي الثوري الجديد،مجتمع الوحدة والحرية والاشتراكية.

                                                                     وكلما نضج البناء الاخلاقي للحزب ، وتكرست القيم الاصيلة فيه ، زال خطر تأثير المجتمع القديم عليه ، وتضعف امكانية القيم المتخلفة في التأثير بمناضليه ، بل تأتي الصورة على غير هذا المنوال فتزداد قدرة الحزب على التغيير ، وتكبر فرص تأثيره في المجتمع القديم والاوساط المتأثرة به ، ذلك ان القيم البعثية تتفاعل ايجابياً في نفس المواطن لانها تمثل جزء من تاريخه ، ومن تاريخ امته ، وما علينا الا اكتشافها ، والانتقال بها من واقع المقولات المحفوظة حفظاً حرفياً ، ومن التعامل الشكلي الحماسي ، الى عمق الحياة الجديدة ، وهي بهذا ستتحول الى مقياس عام ، تتحدد على اساسه ، جدارة المواطن بالحياة الجديدة ، ومدى قوة ارتباطه بوطنه وشعبه

ولذلك يجب علينا يجب علينا ان لانبتئس اذ نرى فرداً او مجموعة افراد ، في الحزب او في مجتمع دولة الحزب ، حين يتسلم حزبنا السلطة في قطر عربي ، يحملون قيماً متخلفة لاتمت الى قيم حزبنا وقيم مجتمعه الجديد بصلة او نرى فرداً او مجموعة افراد غير قادرين على الارتفاع الى مستوى ثورة حزبنا ، حتى في حالة انتمائهم الى الحزب ، او ان تظهر هذه الاعراض فيما بعد ، حين ينجح البعض في اخفائها وتغليفها لفترة من الزمن .                              

ان عدم الابتئاس ، الذي ندعوكم اليه حين توجهكم مثل هذه الظاهرة انما ندعو اليه لاسباب منطقية ندركها باحساسنا الثوري وبوعينا المتقدم ، فقيم المجتمع المتخلف والتي تكرست عبر قرون عديد يجب ان لاننتظر ان تزول تماماً ، في فترة يسيره اذ لابد ان تظهر في هذا الموقع او ذاك ، وفي هذا الشخص او ذاك ، ولكنها حتى في حالة ظهورها ستكون ضعيفة التأثير امام انتشار القيم الجديدة ، انها قد تزعجنا لظهورها وقد تعرقل جانباً من عملنا ونشاطنا ، ولكنها لن توقف مسيرتنا ومنجزاتنا وحماسنا .

 ثم ان ظهور مثل هذه الحالات الفردية او حتى التي تتجاوز الحالة الفردية ، انما يمثل امتحاناً للجدارة البعثية ولاصالة المناضلين ، الذين يحولون مثل هذه الحالات الى مناسبة لتأكيد نضالهم وايمانهم وتفاؤلهم ، ذلك ان البعثي الحقيقي تتصاعد شجاعته ويقوى ايمانه وعزمه في الظروف الخاصة اكثر يحصل في الظروف الاعتيادية .

ان ظهور هذه الحالات في حياة حزبنا دليل على حيوية الحزب ، وان معالجتها بالطرد خارج جسم الحزب بعد ان يكون هذا الطرد الوسيلة التي لابد منها ، دليل على ان حزبنا جسم حي يطرد الاجسام الغريبةوالحجيرات الميتة 

وهنا يجدر بنا ان نشير الى تعامل حزبنا مع الانسان كقيمة عليا وليس كرقم ، فالاحزاب التي يهمها الجانب الكمي في عملها لاتولي اهتماماً للتربية الحزبية ولاتبذل جهداً ثقافياً من اجل تطوير الحزبي في صفوفها ولانجد نقصاً يستوجب معالجته حين يبقى حاملاً سلبيات المجتمع القديم ، ولاتجد مبرراً لابعاده عن تنظيماتها ، مادام يشكل رقماً مضافاً في مجموع اعضاء الحزب ، وهذا هو الفرق بين حزب صاحب الرسالة التأريخية وبين الاحزاب التي تتعامل مع الواقع ، عبر ممارسات سیاسیة سطحیة قد تصل من خلالها الى السلطة ، لكنها تظل غير قادرة على التغيير الجذري ، وبناء الانسان الجديد وتأسيس حضارة مهمة .

ان المناضل البعثي يختلف عن اولئك الذين ينظرون الى الانتماء الحزبي على انه ضرب من ضروب العمل السياسي الموسمي الذي يتعلق بالمزاج وينفصل فيه الفكر عن السلوك ، كما ينفصل الحاضر عن الماضي ، ويعجز فيه الحاضر عن فتح باب المستقبل ، فاذا كان هذا النمط من الاحزاب ومن الحزبيين الذين ينتمون اليها تحركهم الشعارات السطحية وتلعب بهم العواطف البعيدة عن الصدق ، فيظهرون في لحظات الانفراج وساعة تقسيم المغانم ، ولاتراهم حين تحتدم الامور ويحتاج الوطن الى ابنائه الشجعان المضحين ، فان البعثي هو الذي يقول لوطنه ولامته ولحزبه ها أنذا ، حين يشعر ان وطنه وامته وحزبه يدعوانه للتضحية . وفي كل معارك شعبنا ، وفي كل جزء من اجزاء وطننا الكبير كان المناضلون البعثيون يتقدمون الصفوف ، ويضحون بالغالي والنفيس ، من اجل قضايا وطنهم وامتهم .                                  

ومن تجربة حزبنا في معركة العروبة المقدسة ( قادسية صدام المجيدة ) ، حيث وقف العراق العظيم بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي ، ليدفع الشر والاذى ونزعات التوسع الشرير التي عبرت عنها العنصرية الفارسية عن وطننا الكبير ، كان البعثيون في مقدمة المضحين بارواحهم ودمائهم الزكية ، ومعهم كل العراقيين الشجعان ، الذين قدموا اعظم التضحيات وضربوا اكرم مثل في الصمود ، من اجل رفعة الوطن وكرامته .

ان الايمان المعبر عن هدف وعن قضية له اكبر الاثر في استنهاض قيم الشهامة والبطولة والتضحية في نفس الفرد ، وان الايمان حين يتحول الى حالة عامة بسبب قضية مركزية وذلك حين يتعرض الوطن والامة الى خطر يهدد كيانها ومستقبلها لقادر على استنهاض القيم العامة النبيلة كالصمود والابداع والصبر والمطاولة .

ان تاريخ امتنا علمنا بأن ما انجزته الامة حضارياً قد تم بفعل القيم الكريمة التي تفجرت في نفوس ابنائها ، بفعل الدفقة الاخلاقية الكبيرة التي كانت تقدمها امتنا لابنائها في حالات النهوض الكبرى

وان حزبنا حامل رسالة امتنا الخالدة الذي يفجر الان طاقات الانسان في وطننا ، ويضعها على طريق الثورة والمجد والنهوض ، يحقق بنضاله الدائب وفكره الاصيل ، ثورة الامة في اطار الاخلاقية الثورية ، ويبعث طاقة الفعل الايجابي لقيم امتنا الاصيلة ، لتتحول الى سلاح قوي في يد الثورة العربیە ضد عوامل السیطرە والتشويه والردة . 

ان ضعف الانسان في المجتمع مهما بلغ من تطور وتقدم ، بسبب عدم تماسك العوامل المحركة لذلك المجتمع وضمور القيم الدافعة وضعف الاطار الاخلاقي فيه ، سيجر هذا المجتمع بأتجاه الضعف والتدهور ، وعلينا ان نراقب مايحدث في العالمين الرأسمالي والشيوعي من تدهور وضعف في الانسان رغم قوة القاعدة الاقتصادية ، ولو بحثنا عن السبب لوجدناه في ضمور الجانب الاخلاقي وتدهور القيم الاعتبارية. 

ولذلك فأن حزبنا ينظر للأخلاق وللقيم الاعتيادية ( غير المادية ) على انها سياج يحمي الثورة وروح تدفعها دائماً الى الامام .

المشروع الايراني في المنطقة اهدافه _ ادواته _ مشكلاته _ مصادر قوته وضعفه _ استراتجياته الخارجية _ مستقبله . اعداد / الاستاذ جابر خضر الغزي

 بسم الله الرحمن الرحيم

ورقة للحوار

بعنوان : المشروع الايراني في المنطقة اهدافه _ ادواته _ مشكلاته _ مصادر قوته وضعفه _ استراتجياته الخارجية _ مستقبله .

القسم الاول

المقدمة : 

ساتناول في هذا القسم الخلفية التاريخية للاحتلال البريطاني الفرنسي بعد انتهاء عصر النظام الاقليمي للدولة العثمانية للوصول للهيمنة الامريكية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشيوعي , فكانت  القطبية الامريكية " والذي بلغت ذروة أندفاعه في غزو العراق واحتلال بعد حصار ظالم فرض بعد العدوان الثلاثيني . بل هذه الظروف أشتدت وطأتها من خلال أجتياح النظام الايراني للعراق وأندفاعه الى العمق القومي من بوابة العراق فبدأت تشكل تهديدا للامة العربية سواء عبر الاحتلال المباشر كما فعل في العراق .. او عبر الاذرع الامنية والمليشياوية التي ترتبط بمركز التوجيه والتحكم الذي يشرف عليه ما يسمى الحرس الثوري ".

 اما القسم الثاني ما العمل من اجل انقاذ العراق على ضوء الاستراتجية بعيدة المدى الذي توفر الارضية الداخلية الوطنية المناسبة القادرة اطلاق المبادرات والمشاريع لمعالجة هذه الازمات الطاحنة في العراق من خلال مصالحة ومصارحة وطنية تشكل مدخلا امينا لبلورة مشروع وطني للقوى الرافضة للاحتلال والعملية السياسية الجارية حاليا في العراق .

ليس من المبالغة في شيء تشبيه الاوضاع في المنطقة العربية بالايام الاخيرة للدولة العثمانية الذي يختزن في مجالات عدة فعلى الصعيد الدولي " انهيار الاتحاد السوفيتي وصعد نجم الامبراطورية الامريكية الراسمالية,كما حدث على مدى التاريخ على غداة التحولات الدرامية وهكذا انتهى عصر النظام الاقليمي للدولة العثمانية في الشرق الاوسط  , وأقيم مكانه النظام الاقليمي البريطاني _ الفرنسي في إطار اتفاقية سايكس _ بيكو" , والان يجري التمهيد لاقامة النظام الجديد في المنطقة متطابق مع المصالح الامبراطورية الامريكية المهيمنة على العالم ( الشرق الاوسط الجديد او الكبير ) .

والسؤال الذي يطرح نفسه : 

هل تنوي امريكا قتل الرجل المريض ؟ , وهناك تشابه مع النظرة للدولة العثمانية التي اطلق عليها منذ القرن التاسع عشر رجل اوربا المريض , وهل هذه التسمية تطلق عليها حاليا على الانظمة العربية وتحديدا الجامعة العربية ؟.

فهل هناك مخرج من هذه المذبحة التاريخية – الحضارية ؟

وباعتقادنا سيتنامى هناك نهوض قومي عربي إسلامي رسالي إنساني , لان الوضع في المنطقة العربية يشبه ذلك الذي ساد في الفترة بين الحربين العالميتين الاولى والثانية وأسفر عن أنبثاق حركات تحرر عربية ( البعث والقوميين العرب ) وإسلامية ( إخوان المسلمين ) ويسارية ( التيارات الماركسية ). ورفضت كلها راية الاستسلام للامر الواقع , وهذا لايعني ان نتوقع بروز العينة ذاتها فالظروف الدولية والاقليمية تغيرت وثمة إيديولوجيات تلاشت .

فإستراتيجية الفوضى الخلاقة فهذه بعضها .

1 - التمهيد لاعلان الوفاة السريرية لجامعة الدول العربية , فلم يكن احتلال العراق الازمة الاولى التي واجهت الجامعة العربية إن سجلها حافل بالازمات فتذكيرا سريعا منذ تاسيسها عام 1945 وهزيمة نكبة فلسطين عام 1948 والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وهزيمة النظام العربي عام 1967 وحرب تشرين 1973 التي كانت حرب تحريك لا تحرير , ثم الحرب الاهلية اللبنانية عام 1975 وزيارة السادات للكيان الصهيوني واتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة (السلام الاسرائيلية العربية 1979 ) والحرب العراقية الايرانية 1980 - 1988 وتداعيات قضية الكويت عام 1990 ودور حسني اللامبارك التخريبي في مؤتمر القاهرة وحصار العراق ثلاثة عشر عاما اقتصاديا وغزو واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية والبريطانية .

وعلى ضوء هذه المقدمة ساعرض على رفاقي الاستراتيجية الايرانية في المنطقة / اهدافها - ادواتها - مشكلاتها -مصادر قوتها وضعفها - استراتجياتها الخارجية - مستقبلها , انطلاقا من مقولة الاستراتيجي العسكري الصيني " ان من يعرف عدوه ويعرف نفسه يقود مائة معركة دون خطر ومن لايعرف عدوه ولكن يعرف نفسه فقد يحرز النصر او يلقي الهزيمة , ومن لايعرف نفسه ولايعرف عدوه يكون في دائرة الخطر في كل معركة " . 

اولا : اهداف المشروع الايراني 

1- الامن القومي الايراني.

2- جانب مذهبي ولاية الفقيه وتصدير الثورة .

3 - تكريس الهيمنة على المنطقة باعتبار النظام العربي الحلقة الاضعف بعد غزو واحتلال العراق .

4- تحسين موقفه التفاوضي مع امريكا والغرب والحصول على اقصى قدر من المكاسب .

ثانيا : ادواته : 

كانت ادواته حزب الله في لبنان والمجلس الاعلى والدعوه والتيار الصدري وحزب العمل الاسلامي ( الشيرازي ) في العراق , وقوى وشخصيات ونخب ومنظمات سرية وعلنية تعمل تحت وصايا قم وطهران او بالتنسيق معها وما تتلقاه من معونات إيرانية ودعم لتسويق المشروع الايراني او إزالة العوائق إمامه.

ثالثا: 

مشكلات ومصاعب المشروع الايراني الذي وصفه المفكر العربي محمد حسنين هيكل ( بانه يؤذن من بعيد وعلى استحياء ) .

فواجهه هذا المشروع مشكلات ومصاعب اهمها : 

1- تتمثل بشكل خاص في الوضع الاقتصادي المتراجع الذي يتزايد بسبب العقوبات الدولية .

2- الانقسام الاجتماعي الذي ظهر جليا بعد نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009 واغتيال الرئيس الايراني ووزير الخارجية الايراني وتصفية اسماعيل هنيئة في ايران عام 2024 واغتيالات قادة حزب الله الحليف الاستراتيجي لايران في المنطقة وهو صلة الوصل بين حماس والنظام السوري بشار الاسد .

3- اصبحت جسرة وتهديد لمرتكز النظام المتمثلة ( بولاية الفقيه ) الذي تعطي هذه السطوة ( الالهية ) رؤوس النظام في ايران سلطات مطلقة .

رابعا : 

ابرز التحالفات الايرانية ( مصادر القوة ) .

1- النمط الاستراتيجي الاقليمي الذي يرتكز على ثلاثة محاور وهي :

أ - محور ايران - حزب الله - نظام بشار - حماس هذا المحور سقط الى الابد.

ب- محور ايران مع المليشيات المسلحة والتنظيمات ( الشيعية ) في العراق ومحور الحوثيين في اليمن آيل للسقوط .

ج- محور إيران - القاعدة .

2- النمط الايديولوجي في محاولة ايران قيام هلال ( شيعي ) في المنطقة فقد فشل هذا المشروع بعد تصفية قادة حزب الله وامينها العام حسن نصر الله واسقاط النظام النصيري في سوريا .

3- النمط الاقتصادي : هناك  عدة تحالفات في دعم المشروع الايراني ومن ابرزها كان :

- العلاقات الروسية والصينية وكوريا الشمالية التي مثلت دعما كافيا لايران في المجال العسكري والتسليحي وخاصة سياسة الاحتواء المزدوج لمواجهة الحصار الاقتصادي التي فرضته امريكا على ايران .

وعلى ضوء ذلك ان المشروعيين الامريكي والصهيوني دور كبير في تقوية المشروع الايراني اثناء حربها على العراق بفضيحة ( ايران كيت ) وكذلك بعد غزو واحتلال العراق ساعدا بشكل غير مباشر على تحقيق الاستراتيجية في المنطقة حيث قام المشروع الامريكي بالقضاء على آلد نظامين لايران هما :

أ- نظام طالبان في إفغانستان 

ب- نظام البعث في العراق الذي جرع  ايران السم الزعاف كما ان النظام العربي المتهاوي كان دوره البارز في تقوية المشروع الايراني في المنطقة وتقوية تحالفاتها.

خامسا: 

اهم الاستراتيجيات التي تستند اليها السياسية الخارجية الايرانية في التفاوض مع الشيطان الاكبر !!.

هناك اربع استراتجيات تستند عليها السياسة الخارجية الايرانية هي : 

أ – تبني قرارات الشرعية الدولية الصادرة من الامم المتحدة وخاصة العقوبات التي فرضت على العراق بعد قضية الكويت .

ب – إستراتيجية التحفيز الذاتي ، تهدف منها في الجانب الاقليمي مع امريكا في المعادلة الاسيوية والخليجية ( المشاركة في الترتيبات الامنية ) ولقاءاتهما في العراق المحتل .!!

ج – "استراتجية المساومة ، تهدف هذه الاستراتيجية الى تحقيق اعلى درجة من المنفعة من خلال المناورات الدبلوماسية ".

د- إستراتجية التصلب ، وبها تظهر إيران استقلالها عن الغرب والولايات المتحدة الامريكية من خلال قوتها الاقليمية وعلى المباديء الرئيسية للثورة " .

خلاصة القول : 

ان ايران طبقت هذه الاستراتيجيات في مواجهة الحرب على افغانستان اولا ثم الاستجابة للحرب على العراق ، ولما بعد الاطاحة بالنظام الوطني في العراق ثانيا .

- التنديد الشديد بالحرب واهدافها وخاصة تنديد ( المرشد الاعلى للثورة الايرانية اعلاميا ) الا إن إيران قدمت الدعم الكامل لتحالف الشمال لاسقاط نظام طالبان ( الهدف المشترك مع واشنطن كما سبق مشاركتها في مؤتمر بون في المانيا حول مستقبل افغانستان ثم قدمت الدعم لحكومة كرزاي التي تحميها الولايات المتحدة ) لكنها في الوقت لاتزال تحافظ على علاقات واسعة مع كثير من امراء الحرب وزعماء القبائل ( المتمردون على الحكومة ) ومن دون إعاقة او إدانة العمليات التي تتعرض لها القوات الامريكية انذاك !!

- اعتراف نائب الرئيس الايراني ابطحي في ندوة الدوحة حيث قال :

" لولا إيران ما سقطت افغانستان والعراق" .

- أن ايران اختارت الحرب الباردة مع واشنطن من خلال العبث عن مواقع النفوذ والتاثير التي ستنشأ بدعم امريكي مباشر التي تختلف معها ايران , كما قبلت امريكا المشاركة في هذه ( اللعبة ) وسمحت بها او رضخت لها فعمدت تارة إلى فتح ( النوافذ ) إمام إيران ( للتفاهم ) معها حول حجم المصالح وتارة اخرى الى ممارسة الضغوط والتقليص مساحة تلك المصالح وحجم النفوذ الايراني الى اقصى الحدود الممكنة , ( الضغوطات والتهديدات بالعقوبات في مجلس الامن بسبب السلاح النووي والصواريخ بعيدة المدى والاتهام بدعم الارهاب ) بوجود عناصر من الحرس الثوري والاحزاب الموالية لايران في العراق التي وصفتها محور الشر .

اما ايران استمرت بالدعوات ( الواقعية السياسية ) لحفظ الامن القومي الايراني والمصالح الوطنية حتى لو ادى ذلك الى التفاهم مع الادارة الامريكية الترامبية , فالايام المقبلات حبلى , فننتظر مع المنتظرين !!

كيف يعمل المشروع الايراني ؟

يعمل المشروع الايراني من خلال مبدأ تشرشل وعرف هذا المبدا بانه (القدرة على امتطاء جوادين في وقت واحد ) .

كما ان ايران ليست لها مصلحة في مواجهة الولايات المتحدة ولم تعرقل عملياتها في لبنان وسوريا واليمن والعراق وفلسطين المحتلة .

- " ايران لم تقاتل الى جانب النظام الوطني في العراق والوقوف الى جانبه انذاك ، لان اساسا من مصلحة ايران التخلص من نظام البعث وعقيدته " ومشروعه القومي العربي النهضوي الذي كان يهدد مشروعها الفارسي الشعوبي التوسعي   وهذا ما اطلقت عليه ( الحياد الايجابي ) وما ذهبت إليه لجنة تشخيص مصلحة الجمهورية الاسلامية الايرانية التي كان يراسها رفسنجاني انذاك .

- اما بعد الاحتلال الامريكي البريطاني للعراق حيث قامت ايران :

أ- الاعتراف بمجلس الحكم الذي اسسه بريمر الحاكم العسكري الامريكي في العراق .

ب- دعم العملية السياسية المخابراتية الجارية في العراق التي صاغتها الادارة الامريكية في المطابخ الصهيونية لتكن مخدة تتكئ عليها امريكا وايران لتنفيذ مشاريعهما الغير شرعية في العراق .

ج- اول من فتحت ايران لها قنصلية في كابول وقنصليات في النجف وكربلاء والبصرة واربيل .

وعلى ضوء ذلك نستنتج : 

ان عدونا الاول في العراق هو المشروع الايراني الصفوي التوسعي وهو اخطر من المشروعين الامريكي والاسرائيلي معا .

ايران لن تخرج من العراق كما يتصورها المتفرجون والحالمون فسيدخل الشعب العراقي العظيم معها حربا طويلة فهي العدو الاول للامة , "انظروا الى حال العراق اليوم وحكموا العقل والضمير من يحكم العراق " ؟ اليس العملاء المزدوجون لايران وامريكا .

ان العلاقة الجارية بين ايران وامريكا والغرب كعلاقة بين مستقيمين متوازيين لايلتقيان ولكنهما يسيران في نفس الاتجاه لمعاداة العراق والامة العربية , فكلاهما من مصلحته الهيمنة على المنطقة عسكريا وسياسيا واقتصاديا ( التخادم السياسي ) بينهما .

- ان ايران حققت تقدما تكنلوجيا وعسكريا ونوويا ولكنه لم ترتقي للجوانب الاقتصادية المدنية فان الاوضاع الداخلية مهيئة للانفجار , لان شعبها يحتاج الغذاء والدواء والسكن والعمل , وكما الاوضاع الاجتماعية في ايران متفاقمة وقابلة للانفجار , , كما انها متخلفة تنمويا وخصوصا في الميدان الزراعي والصناعي وتزايد العاطلين عن العمل , كما ان المعارضة الايرانية غير ساكته وهناك جسرة واضحة على ولاية الفقيه وعلى خامئني وخميني نفسه التي مزقت صوره في التظاهرات الجامعية .!!

اما التحدي الخارجي ، الادارة الامريكية الترامبية , ترى ايران مزاحم لها في المنطقة وخاصة في الخليج العربي بالرغم من هناك تخادم سياسي بين الاثنين , كما ترى ايران في سياساتها بان المعركة القادمة مصيرية لها في العراق لان العراق اصبح ممرا للشر الايراني لضرب الاردن وسوريا واقطار الخليج العربي 

خلاصة ذلك : 

الحديث عن طمس عروبة العراق ومخاطر تقسيمه جدي للغاية يستند الى رغبة الحزبين الكرديين في اقامة الاقليم الكردي بما يحقق لهم الانفصال عبر الممارسات الديمقراطية ( الاستفتاء ) ، والطائفيين من الصفويين الشعوبيين التوسعيين والسنة التكفريين والاخوانيين الذين وضعوا لافتة ( الاسلام السياسي ) مكان لافتة العروبة وهذا تجلى في دستورهم المسخ , والعمل يجري على قدم وساق لاحلال الروابط المذهبية والطائفية مكان الروابط العربية الجامعة .

إذن هناك مؤامرة على الهوية العربية اخطر بكثير من مؤامرة سايكس – بيكو.

يتبع

اعداد / الاستاذ جابر خضر الغزي

اواخر نيسان 2025

الاثنين، 28 أبريل 2025

يوم 28 نسيان يوم اللواگة العراقية بأمتياز/ بقلم / دينا عامر عبد الله

 يوم 28 نسيان 

يوم اللواگة العراقية بأمتياز


يوم التمرغل ب الگياعين وحيّاك يابو حلا

هذا ال قرأته هنا وهناك في بعض الصفحات

وآثرت اكون آخر من يكتب عن هذا اليوم ومايعنيه بالنسبة لي شخصياً.

انا ابنة القومي الناصري الذي لم يكن بعثيّا يوماً ولايوجد في عائلتي من الطرفين بعثي واحد يوحد القائد . 

انا ابنة رجل دخل سجن رقم واحد .. وسجن النهاية في إستضافة اعتى رجال العراق آنذاك ناظم گزار والذي تفنن بتعذيب والدي من قلع اظافره الى حرق حلمة ثديه وكل تهمته انه ضد نظام الرجل الواحد . 

كان قوميّا ناصرياً حتى النخاع .. يعشق العراق حتى آخر أنفاسه .

انا التي كبرتُ اظنُ ان البعثيين ناسٌ لايتقون الله في عباده .. شديدو القسوة لارحمة في قلوبهم . 

ومع ذلك ورغم تأريخ ابي .... تلقيت التعليم مجانياً حالي حالي ملايين العراقيين .

اشتغلت في اهم وزارة سيادية بالبلد وزارة الخارجية .. وثقوا بي وكانوا فخورين بعملي ويسموني بنت الذيب !!!

لم يطرق احد بابنا يوماً .. ليرهبنا او يطلب منا ماليس في المستطاع 

لم اتعرض يوماً لموقف محرج من اي شخص كان لي تواصل معه بسبب عملي .

ولأني من منطقة الكرادة الشرقية كان هناك الكثير من الشيعة كنت اسمع منهم ظلم النظام للتبعية وكيف انه قام بتسفيرهم في ليلة سوداء . 

حيث لم اكن موجودة داخل العراق ايامها ولم نعرف شيئاً عما جرى للتبعية الا من خلال ماسمعناه من الناس . 

كم سمعت ان القادسية هي تعدي عراقي على حدود الجيران !

وان دخول النظام في حرب مع الكويت كان قراراً دمر العراق .. وان السجون مليئة بالمظلومين .. الخ الخ الخ 

وتمر السنوات ويدخل العراق الساقطون عام 2003 المشؤوم

لتبدأ ضبابية الصورة بالوضوح 

اكتشفت ان تسفير التبعية كان استحقاقاً وطنياً وقراراً صائباً ونظرة بعيدة المدى لما سيكون من شأنهم لو انهم ظلوا داخل البلد خلايا سرطانية مستعدة للأنفجار تبث سمومها في جسد العراق الواحد .

اكتشفت ان القادسية كانت دفاعاً عن الأمة العربية ضد مدٍ مذهبي عقائدي بعيد عن الأسلام وعن اي دين آخر وان الجندي العراقي ضحى بنفسه ليحمي الأمة من شرّ قادم مستطير . 

ولولا القادسية ورجالها لكانت اطماع فارس في المنطقة متحققة منذ اربعين سنة .

اكتشفت ان حرب الكويت كانت استحقاقاً في عالم لايعترف بالحقوق  

دولة كانت تمتص نفطنا بعد ان امتصت دماءنا وخاضت في عِرضنا وانها كانت حرباً مدروسة فكل دولة دافع عنها العراق في المنطقة كان لها دور في خرابه وتدميره . 

اصبح الجيش العراقي جيشاً يجب الخلاص منه .. والنظام لابد ان ينتهي !!

لسلامة تل ابيب .. وسلامة نظام الخميني .. ووووووووو . 

كان على العراق ان ينتهي . ليبدأوا اول فصول الربيع العربي !

ربيع س يدمر الدول العربية بالقضاء على الحكومات التي جاءت بها ثورات التحرر في منتصف القرن المنصرم ليعود عصر الأحتلال والهيمنة الصهيونية والأمبريالية على المنطقة . 

وستقولون هذه مبالغة . كان على النظام ان يقبل بشروط دول القرار ليعيش شعبه كما تعيش باقي الشعوب في المنطقة . 

وهذا مستحيل !

طبيعة الشخصية العراقية مختلفة عن الباقين .. الغيرة العراقية لاتشبه الآخرين . 

العراقي قبل ان يفكر بالسفر والمتعة .. يفكر بالحصول على شهادة من جامعة مرموقة . ووظيفة مرموقة تهمه القومية العربية ومهموم بمشاكل الأمة .

ناهيك عن موقعه الجغرافي والأرث المعنوي لكل الأديان السماوية وخصوصاً اليهودية .. وثرواته الخرافية . 

يجب القضاء على هذا الشعب العروبي .

وعاد التبعية ... 

في ليلة سوداء محملين بأحقاد عمرها آلاف السنين 

عادوا حاملين اجندات ومخططات لم تكن تخطر في بال احد منا في اسوأ كوابيسه .

عاد التبعية ...

ليبدأوا فصلاً من اشد الفصول دموية وترويعاً وديكتاتورية مرت بتأريخ البلد او اي بلد آخر .

عادوا .. 

- يشوهون ثوابت الدين 

- يهدمون مباديء القومية والوطنية في النفوس

- يهدرون ثروته الطائلة في تسليح ميليشيات ومافيات تعبث بأمن المنطقة 

- جعل العراق دولة بلامقومات ولا ركائز ولا قانون 

- تفكيك البنى التحتية والقضاء على التعليم والزراعة والصناعة 

- تجهيل المجتمع وتفريغه من الطبقة المثقفة والحرص على افقارها

- تقديم الولاء المطلق والطاعة لأيران وتركيا ودول الخليج 

-  هدم آثار البلد بأدخال منظمة ارهابية مدعومة عالمياً

- الحكم بنفس طائفي وتكريس الأفكار الطائفية وترسيخها

وتهدمت ركائز المجتمع وتغيرت ثوابته وقناعاته واصبحت أرضيته هشة بهشاشة عظام جدتي .

وساد فسادٌ رهيب .. بعد ان كان قبلة العرب للدراسة في جامعاته اصبح قبلتهم في الملاهي والدعارة والمخدرات . 

واصبحت مؤسساته الأمنية من شرطة ومكافحة وامن مخابرات واستخبارات مؤسسات ارهابية تبتز المواطن وتبدع في الأخلال بقوانين السماء قبل قوانين الأرض . 

وتشكل خط دفاع اول يحمي الفاسدين والمجرمين ويوفر لهم الأمن والأمان 

وسقطت ورقة التوت عن الغيرة العراقية ..

وصار مقياس النجاح والتفوق يعتمد على عدد المليارات التي يختلسها وزير او موظف . وزراء يحملون شهادات مزوّرة لاعلم لهم لاشأن لهم سوى تأريخ قذر في الولاء للمحتل اي محتل طالما انه ضد العراق . مسؤولون يعرفون تماماً ان بقاءهم فوق كراسيهم مقترن بحجم تحقيق اعلى مؤشرات للتدمير والتخريب . 

سقطت ورقة التوت عن الغيرة العراقية ..

عندما صدروا الجهلة الأميين الذين لايفقهون لا في علوم الدين ولا في الشؤون السياسية ولا الاجتماعية كقادة وقدوة لجيلٍ تم خنقه بالتجهيل والواقع الأقتصادي المُر . جيلٌ حوصِرَ بالملذات يدفع ثمنها حكام البلد من اجل تغييبهم عن ما آل اليه حالهم وحال البلد . 

سقطت ورقة التوت عن الغيرة العراقية ..

عندما اصبحت العاهرة نائبة في البرلمان .. تمتد قوتها  وسطوتها من كم عدد الرجال الذين ضاجعتهم امام كاميرات توثق فحشها وفجورها لتتباهى به بعد ان ينتشر بين العامة . ونوّابٌ يتباهون بأنهم مُرتشين وخونة وعملاء . 

سقطت ورقة التوت عن الغيرة العراقية ..

عندما اصبح رجل الدين يتاجر بقصص خرافية يشوه فيها الدين فأرتفعت نسب الكفر والألحاد في بلد الأنبياء . 

واصبحت الطقوس الوثنية معيار ولاء للحاكم الفاسق.

تشجيع القيام بالرذيلة عن اي طريق ممكن مرة بأسم الدين ومرة بأسم الحرية ومرة بأسم التطور .. اصبح للشوAذ نوادٍ امام اعين الحوزات والمؤسسات الدينية تدعمها بشكل وبآخر وتدفع لممارسة المزيد من الفجور والرذائل .

سقطت ورقة التوت عن الغيرة العراقية ..

عندما اصبح هاتف مومس يهدد الدولة ورجالها لما فيه من عهر وليالٍ حمراء فاسقة 

سقطت ورقة التوت عن الغيرة العراقية .. 

مع سقوط تمثال صدام حسين المجيد 

وصار العراقي يتلوگ لزائر ايراني يمسح اقدامه ويغسلها ثم يتبرك بالماء القذر .

الرجل الذي قرأ تأريخنا واستوعبه وفهمه وفهم تماماً ان هذا الشعب لايُحكم الا بالنار والحديد .

شعبٌ متقلب لايستقر على حق ... شعبٌ ملوّث بأنساب آتية من شرقٍ ملعون . شعبٌ اثبت للتأريخ انه من اصعب الشعوب . 

يوم 28 نيسان ... 

يوم ميلاد رجل دخل التأريخ بذكائه الحاد بعنفوانه بغيرته بجبروته بحكمته بدهائه عرف كيف يضبط ايقاع شعبٍ متعدد الأهواء عشوائي . 

مع الأسف لم يكن بالأمكان استمراره .. لأنه لم يكن خائن . 

من عراقية مستقلة عشقت البعث والبعثيين بعد 2003

نفتقدك سيدي

#دينا عامرعبدالله

السبت، 26 أبريل 2025

الشرق الأوسط على عتبة تشكّل جديد في الجغرافيات السياسية / بقلم / أ. د. محمد مراد باحث في التاريخ السياسي والشؤون الدولية

 الشرق الأوسط على عتبة تشكّل جديد في الجغرافيات السياسية 

  أ. د. محمد مراد

باحث في التاريخ السياسي والشؤون الدولية 

أولاً: في تقديم البحث:

منذ مطلع العُشرية الثانية من القرن الحالي) القرن الواحد والعشرين(، دخلت المنطقة العربية ــ المجال الحيوي للشرق الأوسط ــ في أتون الحروب الأهلية غير المسبوقة، الأمر الذي بات ينذر بفتح الكيانات السياسية العربية (الدول) على مرحلة قاسية من الانقسامات العمودية السياسية والاجتماعية والثقافية، مرحلة يُعاد معها رسم تضاريس جديدة على خارطة سايكس ــ بيكو 1916، التي أُنتجت في ظل النظام الجديد للعلاقات الدولية، الذي أُرسيَ آنذاك كإحدى النتائج الأساسية التي انتهت إليها الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918.

وحالياً، وبعد انقضاء ما يقارب قرن وعقد على تقسيمات الخارطة المشار إليها، فإنَّ المجال العربي برمته مرشح لإعادة تشكّل في جغرافياته السياسية على أساسٍ من التوزيعات المحكومة بتلاوين مذهبية وإثنية وثقافية وسياسية جديدة، بحيث تتقدم معها مصطلحات من مثل الدولة ــ المذهب، أو الدولة ــ العرق، أو الدولة ــ العشيرة، على مصطلحات الدولة الوطنية أو الدولة القطرية السابقة التي عرفها النظام الإقليمي العربي في تاريخه المعاصر.


دخلت الحروب الأهلية العربية عامها الخامس عشر، وهي ما تزال تشتد اشتعالاً في غير دولة، في ليبيا، ومصر، والعراق، وسوريا، واليمن، والسودان، والصومال، وتونس، ولم يظهر في الأفق، حتى الآن، مبادرات جادة أو مشروعات حلول قادرة على وقف النزف العربي، أو تبشر بقرب انتهاء المأساة العربية التي باتت تُوصَّف على أنَّها مأساة العصر. فلا يوجد دليل على أنَّ النظام العالمي الذي ساد في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، والذي يعاني من عدم توازن في بنيانه الهرمي بسبب سيطرة أحادية القطب الأميركي وسياسة التفرّد التي ينتهجها في تقرير العلاقات الدولية، فلا يوجد دليل على أنَّ مثل هذا النظام العالمي الراهن مؤهل للتدخل إيجابياً لإطفاء الحروب المشتعلة، ونقل دول المنطقة من دوائر الحرب إلى مرحلة السلام الداخلي أمنياً وتنموياً وسياسياً.


كما أنَّ قوى الداخل المتحاربة، هي نفسها، لا تمتلك رؤية واضحة يمكنها أن تقدم برنامجاً لحلول مستقبلية تقوم على الانتقال من الحرب لمباشرة استعادة السّلم الأهلي، إنَّ الأولوية لهذه القوى ما زالت تدأب على تحشيد مستلزمات الصراع العسكري على أمل الفوز في الحرب الثأرية الدائرة، دونما أي مشروع أو تصوّر لمرحلة ما بعد الحرب.

لذلك، أمام هذا الواقع الدولي والعربي، فإنّه من المتوقع أن يستمر التصدّع في الجغرافيات السياسية العربية القائمة، وأن يزداد عمقاً في الاجتماع السياسي العربي دون أن يلوح في الأفق أي مشروع يستند إلى ركائز فكرية وسياسية تتمتع بالقدرة على إحداث تحول استراتيجي من شأنه التأسيس لنظام إقليمي عربي جديد يأخذ طريقه إلى الاستقرار والنهوض الشامل.


ثانياً: في مصطلح الشرق الأوسط:

مصطلح الشرق الأوسط هو واحد من مصطلحات ثلاثة تتابعت في ظهورها كتسويق مفهومي أوروبي منذ أواسط القرن التاسع عشر، لتتحول إلى مفهوم دعائي أميركي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً بعد قيام الكيان الصهيوني في فلسطين من أجل إحلال الشرق أوسطية كبديل للرابطة القومية العربية التي كانت تشهد حراكاً خطياً خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم) القرن العشرين).

أما المصطلحات الثلاثة فكانت: (1)

الأول: الشرق الأدنى.

الثاني: الشرق الأقصى.

الثالث: الشرق الأوسط.


في الواقع، تلازم ظهور هذه المصطلحات مع تحوّل متسارع في وظيفة الدولة الرأسمالية في الغرب الأوروبي ــ الأميركي حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، والأميركي ــ الأوروبي خلال المرحلة اللاحقة، تحوّل نحو المزيد من الكولونيالية والتوسع الاستعماري. والأمر الملفت بشأن هذه المصطلحات هو أنها ارتبطت بثلاث مسائل أو قضايا تعاملت معها الرأسماليات الغربية في الاتجاه الذي يستجيب لمصالحها الاستراتيجية والجيوسياسية:

الأولى، المسألة الشرقية والشرق الأدنى:

المقصود بهذا الترابط هو إخراج السلطنة العثمانية من شرق أوروبا أي بلاد البلقان القريبة من رأسمالية المركز في غرب أوروبا آنذاك.

الثانية، المسألة الهندية والشرق الأقصى:

تلازم هذا الترابط مع الاندفاع الاستعماري البريطاني والفرنسي نحو آسيا السكانية (الهند والصين) بهدف إيجاد سوق واسعة لاستهلاك الفائض السلعي المتراكم في المنتجات البريطانية والفرنسية.

الثالثة، المسألة الفلسطينية والشرق الأوسط:

برزت الشرق أوسطية كدعاية إعلامية مكثَّفة في وسائط الإعلام الدعائي والسياسي الأميركي بصورة خاصة في أعقاب الاعلان عن قيام " دولة إسرائيل" في14 - 15 أيار 1948، والتي سارعت الولايات المتحدة إلى الاعتراف بها بعد عشر دقائق فقط من إعلانها. وإذا كان الدعم الأميركي للكيان الصهيوني ينسجم مع صعود الرأسمالية الأميركية إلى قمة الهرم الرأسمالي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك من حيث اعتبار قيام "إسرائيل" يمثل مشروعاً استثمارياً استراتيجياً للرأسمال الأميركي في قلب المجال الحيوي للشرق الأوسط، فإنَّ ثمة دافعَين آخرين يندرجان في أجندة الاهتمامات الأميركية، الأول، حاجة الولايات المتحدة إلى النفط العربي الذي راح يتبوأ المرتبة الأولى في العالم على صعيدي الإنتاج(2)  والمخزون الاحتياطي(3)، الثاني، الإمساك بقلب المجال الحيوي للشرق الأوسط الذي هو الوطن العربي، نظراً لأهمية هذا المجال بوصفه مفصلاً جيو-استراتيجياً يساعد الولايات المتحدة على التصدي للطموحات السوفياتية في إحداث اختراقات للمنطقة العربية من جهة، ويساهم، من حيث شبكة العلاقات الاقتصادية الأميركية-العربية، في إعادة إنتاج النظام الرأسمالي الأميركي كلّما تعرّض هذا النظام لهزّات داخلية وارتدادية من جهة أخرى.


ثالثاً: خصائص الجغرافية السياسية للشرق الأوسط:

يتميز الشرق الأوسط بِمَدَيَيْن إثنين:

الأول، المدى الجغرافي-السياسي:

تقدر المساحة الجغرافية للشرق الأوسط بحوالي 17,778 مليون كلم2 موزَّعة وفقاً للآتي:

-  الوطن العربي   13923(4) مليون كلم2 أي المساحة الإجمالية للكيانات السياسية (الدول) المنضوية في عضوية جامعة الدول العربية وعددها اثنتان وعشرون دولة بما فيها دولة جنوبي السودان التي انفصلت عن العاصمة المركزية الخرطوم عام 2012، بالإضافة إلى كيان سياسي غير مكتمل هو السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. 

- الدول الآسيوية التالية (5): باكستان 796,100 كم2، أفغانستان 652,090 كم2، إيران )1,633,190 كم2(، تركيا )775000 كم2(، وقبرص )9251 كم2(.

وهناك من يعتبر جمهوريات آسيا الوسطى التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي السابق، في عداد المدى الجغرافي للشرق الأوسط.

أما الكتلة السكانية الشرق أوسطية فهي، حسب إحصائيات تعود لسنوات مختلفة من العقد الأول من القرن الحالي، تناهز 700 مليون نسمة (6).

تشكل مساحة الشرق الأوسط حوالي 12,5% من إجمالي مساحة العالم، في حين تمثل كتلته السكانية قرابة 10% من سكان العالم.

قامت دراسات عديدة بتوصيف المدى الجغرافي للشرق الأوسط؛ حيث أخذت بالاعتبار تدرّج القوة والتماسك بدءاً من المركز وصولاً إلى الأطراف. فالشرق الأوسط، تبعاً لهذه الدراسات، هو عبارة عن ثلاث دوائر متداخلة Cercles Concentriques هي على النحو التالي:

الأولى، الدائرة المركزية أي "قلب الشرق الأوسط"، وهي تضمّ دول: العراق، سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين ومصر، ويُطلق على هذه الدائر "المجال الحيوي للشرق الأوسط".  تتميز هذه البلدان بوحدة المسار التاريخي والتفاعل الحضاري وفي إنتاج تجارب حضارية ما زالت ماثلة إلى اليوم بمعالمها الأثرية البارزة.

الثانية، دائرة الغلاف الأول أو الحزام الأول، وهي تضم مجموعة الدول التي تحيط بالمركز أو بالقلب، وهي السعودية، ليبيا، السودان، إيران وتركيا-قبرص.

الثالثة، دائرة الغلاف الثاني أو الحزام الثاني، وهي تضم:

• باقي مجموعة دول شمال أفريقيا العربية أي بلاد المغرب العربي: تونس، الجزائر، المغرب وموريتانيا.

• امتداداً أفريقياً نحو الجنوب ويشمل الصومال، جيبوتي وأثيوبيا.

• باقي دول شبه الجزيرة العربية: اليمن، الكويت، قطر، البحرين، الإمارات العربية وسلطنة عُمان

• امتداداً آسيوياً نحو الشرق ويشمل: باكستان، أفغانستان، والجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز، والتي استقلت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وهي: كازخستان، أوزبكستان، تركمانستان، قيرغيزستان، طاجكستان وأذربيجان.

وهكذا، فالمجال الشرق أوسطي يتألف من دول “القلب”، والدول المحيطة بها على شكل طوقين: أحدهما يمثل الغلاف الأول، والآخر يمثل الغلاف الثاني.

الثاني، المدى الجيو-استراتيجي:

يتميز الامتداد الجغرافي للشرق الأوسط بأربع خصائص جيو-استراتيجية هي التالية: (7)

1. - يربط بين قارات العالم القديم الثلاث آسيا – أوروبا – أفريقيا.

2. شبكة من المنافذ البحرية تمتد من بحر قزوين إلى البحر الأسود) مضائق الدردنيل والبوسفور)، إلى الخليج العربي فالمحيط الأطلسي، فإلى البحرَين المتوسط والأحمر.

3. مخزون هائل من الثروات الباطنية، واحتياط مؤكد من الطاقة) (النفط والغاز (يصل إلى أكثر من 75% من إجمالي الطاقة العالمية.

4. مخزون حضاري تاريخي، إضافة إلى خصوصية ثقافية إسلامية غالبة مع تلوينات دينية وإثنية مختلفة.

رابعاً: الشرق الأوسط في الأدبيات الغربية الحديثة:

ثمة ثلاث دلالات مفهومية للشرق الأوسط كما جاءت في الأدبيات الغربية الحديثة، وهي تتمحور حول التوصيفات التالية (8):

«1- إنَّ مصطلح الشرق الأوسط لا يشير، حسب المنظور الغربي، إلى منطقة جغرافية ذات مدى تكاملي واحد، بل إنه مصطلح سياسي في نشأته وفي استخدامه.

«2- إنَّ هذه التسمية لا تُستمدّ من طبيعة المنطقة نفسها وخصائصها البشرية، أو الحضارية الثقافية، أو شكل نظمها السياسية، بل تسمية تشير إلى علاقة الغير بالمنطقة.

«3- إنَّ هذه التسمية تمزق أوصال الوطن العربي ولا تتعامل معه على أنه وحدة متميزة، فهي تُدخل فيه باستمرار دولاً غير عربية مثل تركيا وقبرص وأفغانستان وباكستان وإيران “وإسرائيل"، وتخرج منه باستمرار دول المغرب العربي الجزائر وتونس وليبيا وكذلك مصر والسودان.

يستند التصور الغربي لمفهوم الشرق الأوسط إلى مسلّمة تقول بأنه عبارة عن منطقة فسيفسائية (موزاييك) من خليط من الشعوب والجماعات الثقافية والقومية. وبذلك فإنَّ هذا الخليط لا يقوم على التجانس أو التماثل بين جماعاته المختلفة، وإنما يقوم على التعدد المتغاير لغوياً ودينياً وقومياً وسلالياً، فهناك العرب، والإيرانيون، والأتراك، والأرمن، والإسرائيليون، والأكراد، والبهائيون، والدروز، واليهود، والبروتستانت، والكاثوليك، والعلويون، والصابئة، والشيعة، والسنة، والايزيديون، والشركس، والتركمان، والأشوريون، والكلدانيون، وسواهم.  وبذلك، فإنَّ المنطقة التي تشكّل الجغرافية التاريخية والاجتماعية لهذه الجماعات المتعددة ما هي إلا منطقة أقليات لا يوجد بينها تاريخ موحد يجمعها، ومن ثم يصبح التاريخ الحقيقي هو تاريخ كل أقلية على حدة (9).

هذه الخارطة المتشعبة التضاريس في المنطقة الشرق أوسطية ليست إلا تبريراً أيديولوجياً غربياً الهدف المركزي منه تبرير الكيان الصهيوني ليس بوصفه كياناً دخيلاً على المنطقة وحسب، وإنما مصطنعاً أيضاً أنتجته مصلحة صهيونية – استعمارية مشتركة، وراحت تعمل لتسويقه في فضاء عربي – إسلامي من تشكلات متغايرة بين الجماعات البشرية القائمة فيه من حيث الاختلاف اللغوي والعرقي والثقافي.

إنَّ ثمة هدفين إثنين من وراء التبرير الغربي لتعددية الاختلاف في إطار الشرق أوسطية المطروحة:

الأول، رفض مفهوم القومية العربية، والحؤول دون قيام وحدة عربية في المستقبل. فتبعاً للتصورات الغربية تصبح القومية العربية فكرة يحيطها الغموض، إن لم تكن غير ذات موضوع على الإطلاق. وقد برز في هذا المجال اتجاهان: اتجاه يتحدث عن “خرافة الوحدة العربية."  وتبعاً لهذا الرأي فإنَّ العرب يتحدثون عن أمة واحدة، ولكنهم يتصرفون كدول قومية مستقلة، وإنَّ ما يجمع هذه البلاد هما اللغة والدين وهما ما يجمعان بعض الشعوب الناطقة بالإنكليزية دون أن يخلق ذلك منها أمة واحدة، وأنَّ ما يجمع دول أمريكا اللاتينية على سبيل المثال أكبر بكثير مما يجمع البلاد العربية. واتجاه آخر يعترف بوجود القومية العربية بمعنى مجموعة روابط ثقافية وعاطفية وتاريخية بين العرب، ولكن يفصل بين ذلك وبين الدعوة إلى الوحدة العربية التي يعتبرها مستحيلة (10).

الثاني، تبرير شرعية الوجود الصهيوني في المنطقة في ظل خليط من القوميات والشعوب واللغات، وتصبح مسألة قيام وحدة بينها ضرباً من المحال، الأمر الذي ينتهي إلى نتيجة منطقية مفادها أن تكون لكل قومية لغوية أو دينية أو عرقية دولتها الخاصة بها. وفي هذا الإطار تكتسب “إسرائيل" مبرر وجودها وشرعيتها بوصفها قومية لها خصوصيتها في المنطقة، وعليه ينبغي أن يكون لها دولتها الخاصة بها أيضاً. ولعلَّ ما يفسر تشجيع الفكر الإسرائيلي لمنطق الأقليات في المنطقة، وطرحه، بين حين وآخر، فكرة إقامة دويلات درزية أو شيعية أو مارونية على حدود إسرائيل، تكون بمثابة مناطق أمن تُكسب إسرائيل الاطمئنان، وتشكل حاجزاً مادياً ومعنوياً يفصل بينها وبين الأقطار العربية (11).

هكذا، إنَّ مشروع الشرق الأوسط لم يكن فكرة طارئة في السياسة الأمريكية الخارجية، وإنما هو ثابت استراتيجي في برامج كل الحكومات التي تعاقبت على إدارة البيت الأبيض منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً بعد أن التزمت الولايات المتحدة أمن "إسرائيل" بعد قيام هذه الأخيرة في أيار1948. ثمة ثلاثة أهداف مركزية في الإستراتيجية الأمريكية بشأن شرق أوسطة المجال العربي – الإسلامي هي:

أولاً، شرق أوسط ممسوك أمريكياً يكون بديلاً للنظام الإقليمي العربي الذي شهد ولادته مع قيام جامعة الدول العربية في العام 1945. 

ثانياً، القفز فوق الخصوصية القومية للأمة العربية عن طريق خلق عناصر جديدة ليست فقط عناصر غير ذات انسجام مع القومية العربية، وإنما ذات آليات إلغائية للثقافة العربية، وبالتالي، للهوية القومية.

ثالثاً، مركزية "إسرائيل" في النظام الشرق أوسطي، بحيث تتحول الدولة العبرية إلى وزن تكنولوجي واقتصادي قادر على استتباع العديد من الجماعات العربية المذهبية والإثنية، وإلحاقها      "بإسرائيل"  كمركز قوة مسيطرة.

من هنا، فالمشروع الشرق أوسطي هو مشروع أمريكي-صهيوني تتقاطع عنده مصلحة الرأسمالية الأمريكية في السيطرة على الثروات العربية من جهة، ومصلحة الصهيونية في إقامة دولتها التوراتية اليهودية في قلب الشرق الأوسط من جهة أخرى.


خامساً: النظرية الأمريكية الجديدة: جغرافيات سياسية متعددة في شرق أوسط كبير:

في قمة مجموعة الدول الصناعية الثماني المنعقدة في شباط 2004، تقدَّمت الولايات المتحدة الأميركية بوثيقة إلى القمة تحت عنوان "مشروع الشرق الأوسط الكبير" (12).

ترى الولايات المتحدة أنّ هناك ثلاث معوِّقات أساسية تحول دون تطور بلدان الشرق الأوسط، وتنعكس، بالتالي، سلباً على المصالح الأميركية والغربية، وهذه المعوِّقات هي:

1. غياب الحرية) أزمة الديمقراطية (.

2. بطء المعرفة ومحدودية الارتكاز إلى العلوم الحديثة في التنمية العامة.

3. اختلال الهياكل الإقتصادية وتدني الإنتاجية.

وتذهب الولايات المتحدة بعيداً في توصيف المعوّقات المشار إليها، وكذلك النتائج المترتبة عليها في الواقع، مستندة في طرحها إلى جملة من المؤشرات الرقمية الواردة في تقريري الأمم المتحدة حول التنمية البشرية العربية للعامين 2002-2003، وهذه أبرزها: (13)

-  إجمالي الناتج القومي العربي لدول الجامعة العربية مجتمعة) 22 دولة) هو أقل من ناتج دولة أوروبية واحدة هي إسبانيا (هناك تقرير آخر صادر عن جامعة الدول العربية يقدر إجمالي الناتج القومي العربي بحوالي 50% من إنتاج إيطاليا (.

-  هناك 40% من العرب من هم في سنّ البلوغ، أي أكثر من 65 مليون شخص، هم أميّون وتشكل النساء حوالي 3/2 من هذا العدد.

-  في العام 2010 سيدخل أكثر من 50 مليوناً من الشباب العربي سوق العمل، وفي العام 2020 سيتضاعف العدد 100 مليون، أي أنّ الحاجة الأكيدة تقتضي خلق ما لا يقل عن 6 ملايين وظيفة جديدة أو فرصة عمل جديدة سنوياً من أجل مواجهة استيعاب هذه الكتلة البشرية المستجدة في سوق العمل.

-  إذا استمرت المعدلات الحالية للبطالة، سيبلغ معدل البطالة في المنطقة العربية أكثر من 25 مليوناً بحلول 2010 أي ما يفوق 30% من قوة العمل الفعلية، مع الإشارة إلى أنّ البطالة في بعض الأقطار العربية قد تصل إلى أكثر من 50% من قوة العمل.

-  حوالي 3/1 سكان المنطقة يعيشون على أقل من دولارين أميركيين في اليوم. ولتحسين مستويات المعيشة يجب أن يتضاعف النمو الاقتصادي عن مستواه الحالي الذي هو دون 3% ليصل إلى 6% على الأقل.

-  أكثر من 51% من العناصر الشابة العربية عبّروا عن رغبتهم في الهجرة إلى بلدان أخرى، والهدف المفضل لديهم هو البلدان الأوروبية.

-  أكثر من 25% من خريجي الجامعات العربية يهاجرون سنوياً إلى الخارج) أميركا وأوروبا) وهم الأكثر تفوقاً في مجال التحصيل العلمي.

-  لا يمثل ما تنتجه البلدان العربية من الكتب سوى 1,1% من الإجمالي العالمي السنوي )مع الإشارة إلى أنّ الكتب الدينية تشكل أكثر من 15% منها( .

-  يبلغ عدد الكتب المترجمة إلى اللغة العربية أقل من 1/5 أي 20% من تلك المترجمة إلى اللغة اليونانية التي لا ينطق بها سوى 11 مليون شخص.

-  اعتماد شبه كلي على استيراد التكنولوجيا من الخارج.

-  16% من السكان بإمكانهم استخدام الأنترنت، وهو رقم أقل مما هو عليه في أي منطقة أخرى من العالم، بما في ذلك بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

-  هناك أقل من 53 صحيفة لكل 1,000 مواطن عربي بالمقارنة مع 285 صحيفة لكل 1,000 شخص في البلدان المتطورة.

-  لا تشغل النساء سوى 3,5% فقط من المقاعد البرلمانية في البلدان العربية بالمقارنة، على سبيل المثال، مع 8,4% في إفريقيا جنوب الصحراء.

إنّ المعطيات الرقمية المشار إليها ستفضي إلى المزيد من التوترات الاجتماعية والسياسية الداخلية في بلدان الشرق الأوسط من جهة، وستزيد أيضاً من ظاهرة “التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة" للملايين من الأشخاص الشرق أوسطيين إلى أميركا وأوروبا وغيرها من جهة أخرى.

لجأت الولايات المتحدة إلى توظيف ذريعة الإحصاءات المذكورة من أجل تبرير تدخل أميركي على المستويات كافة عسكرية وسياسية واقتصادية وثقافية، يتولى صياغة “شرق أوسط أميركي" بمساعدة أوروبية ملحقة أكثر منها قائمة على التكافؤ في الشراكة مع الولايات المتحدة. فالإدارة الحاكمة في أميركا  "إدارة المحافظين الجدد" راحت تدعو أوروبا بإلحاح تحت التلويح بالمخاطر المهددة لمصالحها في المستقبل، راحت تدعوها إلى المساعدة في إعادة هيكلة الشرق الأوسط بما يستجيب لحاجات الرأسماليات الصناعية وفي مقدمتها مجموعة الثماني إلى شراكة بعيدة المدى مع قوى الإصلاح في الشرق الأوسط، وهي قوى تقوم أميركا وأوروبا في خلقها، وتهيئتها، وتثقيفها، وتنشئتها. أما أولويات الإصلاح من المنظور الأميركي فتتمحور حول ثلاث قضايا مركزية:

1. تشجيع الديمقراطية.

2. بناء مجتمع معرفي.

3. إصلاحات هيكلية اقتصادية.


تذهب الولايات المتحدة إلى درجة المغالاة في تضخيمها الدعاية حول هذه الإصلاحات، وهي تستبق النتائج التي قد تنتهي إليها من حيث أنها السبيل أو بالأحرى خارطة الطريق إلى التنمية الشاملة في المنطقة. فالديمقراطية السياسية والإدارية هي الإطار الذي تتحقق داخله التنمية، والأفراد الذين يتمتعون بتعليم جيد هم أدوات التنمية، والتخطيط الاقتصادي القائم على المبادرة والتوسع في مجال الأعمال هو ماكينة التنمية والآليات المحققة لها.


 1 - - تشجيع الديمقراطية:

إنّ الديمقراطية والحرية، كما جاء في النص الأميركي هما "ضروريتان لازدهار المبادرة الفردية، لكنهما مفقودتان إلى حد بعيد في أرجاء الشرق الأوسط الكبير".  ويلفت النص الأميركي الانتباه إلى تقرير (فريدوم هاوس) للعام 2003، الذي يعتبر فيه "إسرائيل" على أنها البلد الوحيد في الشرق الأوسط الكبير المصنف بأنه حر. "أما البلدان العربية فهي على أدنى درجة من الحرية مقارنة بين سبع مناطق في العالم في أواخر التسعينيات. وكذلك احتلت المنطقة العربية المرتبة الأدنى في العالم في القواعد والبيانات التي تقيس التعبير عن الرأي والمساءلة" .

إنّ الديمقراطية التي تروّج لها الولايات المتحدة ليست أكثر من حملات دعائية تهدف بالنتيجة، إلى إلغاء الحواجز والسدود التي تحول دون حرية رأس المال وتوفير المناخات الملائمة لحركة دائمة من المراكمة المالية. فالولايات المتحدة، في عصر العولمة، تعيش حالة من التحوّل في مفاهيم الديمقراطية من ديمقراطية الطبقة الرأسمالية التي عرفتها الدولة السيادية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، إلى ديمقراطية الشركة العملاقة التي باتت تقف فوق الدولة في الوقت الحاضر.

أما أبرز استهدافات المشروع الأميركي في مجال تشجيع الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير فهي تتمثل بإحلال المفاهيم التالية:

 1 -أن تكون النخبة المحلية الحاكمة على صلة بأميركا والغرب وموالية لهما.

 2 - أن تكون المؤسسات مفتوحة لمشاركة المواطنين، ولكن بطرق حصرية واضحة.

 3 - أن تجري الانتخابات بشفافية لكن ضمن خيارات مخطط لها سلفاً، بحيث ينبغي التأكد من أن النخبة التي تخوضها هي وحدها المسموح بها.

 4 - يوجّه الرأي العام بشكل دقيق من خلال الرقابة الذاتية واستطلاعات الرأي التي تتحول إلى قوة تهيمن على خيارات الناس.

 5 - أن تكون الحياة العامة غير مسيّسة، بحيث يتم الفصل بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي. فالسياسة تدار بواسطة محترفين وبواسطة مؤسسات المجتمع المدني، في حين يتحول بقية الناس عملياً إلى متفرجين يشاركون بين الحين والآخر في انتخابات مخطط لها بدقة، وينشغلون بأمورهم الحياتية وهمومهم المعيشية.

 6 - خلق قوى سياسية وحزبية متعددة حتى يشاع أنّ المناخ السائد هو مناخ ديمقراطي، لكن هذه القوى والأحزاب هي مجوعات شديدة التأييد والولاء للولايات المتحدة وللغرب عموماً لتكون في النهاية جزءاً من “الكفاح” السياسي ضد قوى الأصولية واليسار العلماني" (14). 

إنّ الشرق الأوسط الكبير الذي تريد أميركا أن تشكله سياسياً هو عبارة عن فسيفساء أو موزاييك طوائف ومذاهب إثنيات بحيث يتاح لها التعبير عن خصوصياتها ومشاركتها في الحياة السياسية تأكيداً لفئويتها من جهة، ولتبعيتها للمرجعية الأميركية الحاضنة من جهة أخرى. وهكذا، في ظل هذا المشروع تنتهي الدولة المركزية التقليدية لتحل محلها الدولة الفدرالية التي هي عبارة عن اتحاد بين مجموعة طوائف أو مذاهب أو إثنيات عرقية. وعند ذلك تظهر في الشرق الأوسط الكبير سلسلة لا تنتهي من الفدراليات السياسية بحيث تختفي معها الهوية الوطنية والقومية وتُلغى الأمة كوحدة انتماء للجماعة البشرية الواحدة.

2 - بناء مجتمع معرفي 

تمثل المعرفة الطريق إلى التنمية والانعتاق، خصوصاً في عالم يتسم بعولمة مكثّفة)15(. لقد أخفقت منطقة الشرق الأوسط الكبير، التي كانت في وقت مضى مهد الاكتشاف العلمي والمعرفة إلى حد بعيد، في مواكبة العالم الحالي ذي التوجه المعرفي. فالفجوة المعرفية التي تعانيها المنطقة ونزف الأدمغة المتواصل منها، يشكلان أكثر العوامل سلبية تجاه عملية التنمية وانطلاقها واستمراريتها.

من المفيد ذكره في هذا المجال، أنّ الولايات المتحدة كانت الممانع الأكبر في سبيل امتلاك بلدان الشرق الأوسط، باستثناء "إسرائيل"، معرفة علمية متطورة، لا سيما منها تلك التي يمكن تحويلها إلى معرفة إنتاج.

فالولايات المتحدة تعاملت مع الشرق الأوسط وستظل تتعامل معه لاحقاً من كونه يمثل لها كتلة سكانية وازنة على مستوى العالم من جهة، وكتلة سوقية استهلاكية لمنتجاتها وشركاتها من جهة أخرى.

هي الولايات المتحدة التي منعت على العرب امتلاك التكنولوجية تحت أي ظرف من الظروف. فقد منعت قيام أي محطة نووية للأغراض السلمية أو المحطات الكهربائية لمعالجة مياه البحر في الخليج والدول العربية الأخرى، وحتى عن السعودية التي بقيت السند الرئيسي للاقتصاد الأميركي لسنوات عديدة ماضية، والمكان الذي يصل منه أكبر حجم من الإيرادات العسكرية الأميركية. وكذلك منعت الولايات المتحدة مصر، وهي الحليف الأكبر في الشرق الأوسط بعد كامب ديفيد والمرحلة الساداتية وما بعدها للولايات المتحدة، منعتها من بناء برنامج نووي سلمي بمساعدة فرنسا وألمانيا، إذ راحت أميركا تضغط بكل الوسائل المالية والسياسية لوقف البرنامج.

وبعد حرب تشرين أول 1973، وعندما حاولت كل من مصر والسعودية والإمارات وقطر إنشاء الهيئة العربية للتصنيع، تدخلت أميركا لدى الأقطار الخليجية وحملتها على الانسحاب من المشروع في محاولة مكشوفة لحرمان العرب من امتلاك أو من تأسيس تجربة صناعة ناجحة.

وإذا كان من سبب جوهري لضرب العراق واحتلاله فهو لأن العراق بدأ يمتلك القوة العسكرية، وبدأ يقترب من التكنولوجية النووية ويطور التكنولوجية الكيميائية، وبدأ ينتج العقول والأدمغة العراقية) العلماء (كل ذلك بقدرات عراقية وصولاً إلى إنتاج نموذج عراقي ذي خصوصية عربية قادرة على منافسة النماذج الأميركية والإسرائيلية والأجنبية.


 3 - التوسع في الإصلاحات الإقتصادية:

النظرة الأميركية إلى الإصلاحات الهيكلية الإقتصادية، حسب مشروع الشرق الأوسط الكبير، تقوم على اعتماد الآليات التالية:

 1 - اعتماد كل الوسائل المتاحة من أجل تأمين ليبرالية متفلتة لرأس المال دونما أية حواجز أو موانع من قبل الدولة أو مجموعة الدول لأسباب سياسية.

 2 - إطلاق قدرات القطاع الخاص في المنطقة عن طريق خصخصة واسعة لقطاعات الدولة (التعليم، الإعلام، الصحة، الخ...(بما في ذلك القطاع العسكري أي خصخصة الجيش وتحويله إلى قوى أمنية تحرس الشركات وتؤمن حمايتها، وإلغاء وظيفة الجيش في الدفاع عن السيادة الوطنية وعن الدولة الآخذة بالتلاشي.

 3 - التوظيف الهائل للرساميل المتوفرة لدى الشركات العملاقة المتعدية الجنسية، في مشروعات استثمارية بعيدة المدى وخاصة في القطاع النفطي.

 4 - تعزيز فاعلية القطاع المالي والتوسع في مجال إقراض المشاريع على اختلاف درجاتها. وقد تضمنت الوثيقة الأميركية الدعوة إلى إنشاء ما يلي:

 1 - مؤسسة المال للشرق الأوسط الكبير، وهي كتلة مالية تقوم بتمويلها مجموعة الثماني أي  (G8) وذلك بهدف المساعدة على تنمية مشاريع الأعمال على المستويين المتوسط والكبير، وعلى أن تكون إدارة هذه المؤسسة من قادة القطاع الخاص) من أصحاب الشركات الكبرى وحاملي الأسهم الكبار من مجموعة الثماني(.

2 - بنك تنمية الشرق الأوسط الكبير، وهو بنك يعتمد في تمويله على مقرضين أو ممولين من مجموعة الثماني ومن منطقة الشرق الأوسط الكبير نفسها.

أما الهدف الأبعد لهذا البنك فهو يتمثل بخلق شراكة مالية شرق أوسطية-أميركية تساهم بفعالية في تعزيز العولمة المالية للولايات المتحدة كقطبية أحادية سياسية واقتصادية، ومالية، وثقافية، وعسكرية. وحسب الإعلان الأميركي، أنّ هذه المؤسسة الجديدة تعمل على "توحيد القدرات المالية لدول المنطقة الأغنى وتركيزها على مشاريع لتوسيع انتشار التعليم والعناية الصحية والبنى التحتية الرئيسية (أي في إطار خصخصة التعليم والصحة والخدمات). كما بإمكان بنك تنمية الشرق الأوسط الكبير “أن يكون مذّخراً للمساعدة التكنولوجية واستراتيجيات التنمية لبلدان المنطقة، واتخاذ قرارات الإقراض أو (المنح) يجب أن تتحدد بحسب قدرة البلد المقترض على القيام بإصلاحات ملموسة” (16).

 3 - الشراكة من أجل نظام مالي أفضل، بحيث تستطيع الولايات المتحدة ومعها الدول الصناعية المتقدمة، أن تقوم بتطوير نظام خدمات مالية في المنطقة يساعد على إندماج بلدانها في النظام المالي العالمي، والهدف من إصلاح النظم المالية القائمة في الشرق الأوسط الكبير سيتيح “حرية الخدمات المالية وتوسيعها في عموم المنطقة من خلال تقديم تشكيلة من المساعدات التقنية والخبرات في مجال الأنظمة المالية مع التركيز على تنفيذ خطط الإصلاح التي تخفض سيطرة الدولة على الخدمات المالية، ورفع الحواجز على التعاملات المالية بين الدول، وتحديث الخدمات المصرفية وتقديم وتحسين وتوسيع الوسائل المالية الداعمة لاقتصاد السوق وإنشاء الهياكل التنظيمية الداعمة لإطلاق حرية الخدمات المالية".(17)

إنّ المشروع الأميركي للشرق الأوسط الكبير يفتقر إلى البراءة، فهو لا يستهدف تلبية حاجاتنا الوطنية والقومية في الإصلاح والتطوير وهي حاجات باتت أكثر من ضرورية، وإنما يستهدف أولاً وأخيراً، صياغة شرق أوسط أميركي ينسجم مع "أهداف مشروع القرن الأميركي الجديد”، وهو قرن الأحادية الأميركية في عصر العولمة المنتصرة وهما في التاريخ والساعية إلى تنميط العالم إقتصادياً وسياسياً واجتماعيا وفكرياً وثقافياً وفقاً لقيم ومعايير الرأسمالية الأميركية خصوصاً والغربية عموماً.

إن العقل الأميركي في عصر العولمة، يسعى إلى إعادة صياغة الشعوب الشرق أوسطية والعربية منها بوجه الخصوص، بحيث تتلبس أفكارا وأنماط سلوك النموذج الأميركي – الغربي، الأمر الذي ينتهي بإخضاع الشعوب المذكورة ليس سياسياً واقتصادياً فحسب، وإنما حضارياً وسلوكياً أيضاً.

أما تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير فهو نقطة الارتكاز في السياسة الاستراتيجية الأميركية التي كانت خطوتها التأسيسية الأولى احتلال العراق وتقديمه كنموذج يجري تعميمه على سائر بلدان الشرق الأوسط، كل ذلك وفق مخطط هجومي أميركي يشكل خروجاً على مستويات ثلاثة:

أولاً: خروج على الدولة الأميركية السيادية نفسها، فالإمبريالية الأميركية بشركاتها العملاقة باتت تضع نفسها فوق الدولة الأميركية وقوانينها) توظيف الدولة لصالح الشركات). وهنا تكون أميركا في عصر العولمة قد خرجت عملياً عن  "دولة كينز ونظرية الدولة الكنزية" التي جاء بها كينز في مطلع ثلاثينات القرن العشرين. فالآن باتت الشركة العملاقة فوق الدولة كحالة قانونية أو دستورية أو سيادية.

ثانياً: الخروج على القانون الدولي الذي مانع إسقاط أي نظام سياسي بالقوة العسكرية والاحتلال العسكري المباشر. فاحتلال العراق لا يستند إلى أي مبرر أو مسوغ قانوني يتيح لأميركا أن تلغي استقلال هذا البلد وسيادته الوطنية وتستأثر بثرواته الطبيعية.

ثالثاً: الخروج على منظمة الأمم المتحدة التي لم تمنح الولايات المتحدة أي تفويض بشن الحرب على العراق واحتلاله. وهنا تكمن الخطورة الكبرى في الخروج على الوضعية السيادية للمنظمة الدولية ودفعها تواجه المصير نفسه الذي واجهته عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى في ثلاثينيات القرن الماضي) القرن العشرين(.


إسرائيل والشرق الأوسط الكبير الأميركي:

عند الشرق الأوسط الكبير تتقاطع المصالح الاستراتيجية لقوتين اثنتين:

الأولى، رأسمالية الذروة الأميركية) الشركات العملاقة (

الثانية، الصهيونية التوراتية وذراعها العسكري – السياسي) إسرائيل(

ترى الولايات المتحدة في" إسرائيل "، بالدرجة الأولى، مشروعاً استثمارياً حقيقياً في الشرق الأوسط، يهدف إلى تقويض النظام الإقليمي العربي بما يخدم المشروع الأميركي نفسه لجهة قيام نظام شرق أوسطي – اقتصادي – أمني على أنقاض جامعة الدول العربية كنظام إقليمي عربي ظهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

أما مصلحة "إسرائيل" من خلال إقامة شرق أوسط كبير فهي إلى جانب كونها سوف تحتل حضوراً محورياً وازناً في المنطقة سياسياً وأمنياً واقتصادياً، فإنها ستجد في المشروع حلمها التلمودي يتحقق في إقامة "إسرائيل الكبرى" من الفرات إلى النيل. وأبرز الدلالات على ذلك هو الدخول الإسرائيلي اليوم بشكل مكثف إلى العراق بحيث أنشأت إسرائيل حتى الآن ثلاث محطات أمنية للموساد الإسرائيلي: محطة في بغداد، والثانية في كركوك، والثالثة في روسيتا على الحدود العراقية القريبة من سوريا.

هذا بالإضافة إلى تمادي "إسرائيل" في مسألة تهويد الاقتصاد العراقي وكذلك الأراضي والفنادق والدور في بغداد والموصل وكركوك، وهناك العديد من الشركات الإسرائيلية لشراء الأراضي في كردستان وغيرها، الأمر الذي يساعد على تعزيز النفوذ الصهيوني الاقتصادي والأمني والسياسي في العراق كمدخل إلى الخليج وسائر الدول العربية الأخرى. والأمر نفسه يحدث حاليا، بعد طوفان الأقصى، من الدخول الإسرائيلي الى الأراضي السورية واللبنانية، وممارسة حرب الإبادة الجماعية في غزة والضفة الغربية المحتلة. 


خلاصة واستنتاج:

لمَّا كان مشروع الشرق الأوسط قد استمر ثابتاً استراتيجياً في السياسة الخارجية الأميركية يستجيب لمصلحة رأسمالية الذروة الأميركية من جهة، ولمصلحة الصهيونية في إقامة دولتها الإسرائيلية فاليهودية من جهة أخرى، فإنّ هذا المشروع لما هو ابتكار آليات للتفتيت والتجزئة المستمرة في جغرافيات المنطقة العربية السياسية والاجتماعية، فإنَّ ما يحدث اليوم من حروب أهلية مذهبية وعرقية وجهوية في غير دولة عربية في العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر وتونس والسودان والصومال وسواها، هذه الحروب جاءت لتوفر الفرصة التاريخية لترجمة تطبيقية لمشروع الشرق الأوسط في أرض الواقع العربي بوصف المجال العربي هو بمثابة المجال الحيوي للشرق الأوسط برمته.

إنَّ الحروب المفتوحة في غير ساحة عربية تنذر بوضع المنطقة العربية على عتبة تحول استراتيجي في جغرافيتها السياسية، ذلك أن ما تشهده هذه المنطقة من الانقسام السياسي – الاجتماعي المقرون بالشحن المذهبي، والإفراط في التطرف والعنف الدموي، هذا الإنقسام بلغ، في غير دولة أو كيان سياسي من الدول والكيانات السياسية العربية مستوى عميقاً، بحيث بات من المتعذر إلى حدّ الاستحالة استمرار هذه الدول أو الكيانات كما كانت في جغرافيتها السياسية والاجتماعية قبل تفجر الحروب الأخيرة، ذلك أن التفتيت والانقسام العمودي لم يعد مقتصراً على مستوى الجغرافية السياسية وحدها، وإنما، وهنا الأمر الأخطر، بات يصيب البنية المجتمعية التي اتخذت، وما تزال، أشكالاً انشطارية ذات طابع مذهبي وعرقي ومناطقي.

إنَّ صعود الاسلام السياسي إلى واجهة السياسة والحرب الدائرة في غير بلد عربي، جاء ليقدم حاجة أكثر من ضرورية للسياسة الأميركية في مباشرتها ترسيم جغرافيات سياسية جديدة في المنطقة العربية تقوم على الضم والفرز لإنتاج مجتمعات مغلقة مفرغة من هوياتها الوطنية والقومية، وذلك عبر اعتماد آليات تقوم على العنف والإقصاء والتكفير، وتنتهي إلى إقامة إمارات سلطوية مستقبلها في الماضي في وقت لم يكن لها في الحاضر والمستقبل سوى الفراغ والتدمير وعدم الاستقرار.

وأخيراً، وحتى يكون الربيع العربي ربيعاً عربياً وقادراً على مواجهة التحديات الضاغطة، وفي مقدمتها مشروع الشرق الأوسط الكبير غير البريء، فإنَّ الضرورة التاريخية تقضي بوجوب تلمس الخطوط الكبرى لمشروع نهضوي عربي يكون قادراً على التأسيس لتجربة نهضوية تقوم على التكامل والتفاعل الحي بين  حركات  التحرر الوطني والقومي من أجل إنتاج استجابات جديدة تأخذ بالمجتمعات العربية إلى النهوض والتقدم، وإلى الإسهام في بناء الحضارة الإنسانية.


هوامش

1) سيَّار الجميل، المجال الحيوي للشرق الأوسط إزاء النظام الدولي القادم: من مثلث الأزمات إلى مربع الأزمات، تحديات مستقبلية، المستقبل العربي، العدد 184، حزيران (يونيو) 1994، ص 11-13.

2) ربيع كسروان (معدّ)، الملف الإحصائي: إحصاءات الطاقة في الوطن العربي، المستقبل العربي، ا لعدد 297، تشرين الثاني (نوفمبر) 2003، ص 190.

3)   بشأن الاحتياطي العربي من النفط والغاز، أنظر، الملف الإحصائي: إحصاءات الطاقة في الوطن العربي والعالم، المستقبل العربي، العدد 277، آذار (مارس) 2002، ص 195، وأيضاً، العدد 297، تشرين الثاني (نوفمبر) 2003، ص 196-197.

4) جامعة الدول العربية، الأمانة العامة [وآخرون، التقرير الاقتصادي العربي الموحَّد للعام 2006، الملحق الرقم (2/7)، ص 261.

5) أطلس المجال الجغرافي، جونية-لبنان، طبعة أولى، 2001، ص 142-143.

6) جامعة الدول العربية، الأمانة العامة [وآخرون)، التقرير الاقتصادي العربي الموحَّد لأعوام 2006، 2007 و 2008.

7) بشأن الخصائص الجيو-استراتيجية والجيوسياسية للوطن العربي (المجال الحيوي للشرق الأوسط)، أنظر: محمد مراد، السياسة الأميركية تجاه الوطن العربي بين الثابت الإستراتيجي والمتغير الظرفي، دار المنهل اللبناني للنشر، بيروت، طبعة أولى، 2009، ص 347-353.

😎 بشأن الدراسات الغربية حول الشرق الأوسط، راجع: جميل مطر، وعلي الدين هلال، النظام الإقليمي العربي: دراسة في العلاقات السياسية العربية، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، طبعة سابعة، 2001، ص 29 و33.

9) المرجع نفسه، ص 34.

10) المرجع نفسه، ص 35.

11) المرجع نفسه، ص 35.

12) أنظر النص الكامل لمشروع الشرق الأوسط الكبير في: “الحياة” اللبنانية، تاريخ 13 شباط 2004، وأيضاً: السياسة الدولية، العدد 156، نيسان (إبريل) 2004، ص: 297-301.

13) بشأن تفاصيل وافية حول تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2003 – راجع ملحق “السياسة الدولية” باللغتين العربية والإنكليزية العدد 156، نيسان (إبريل) 2004، ص: 7-43، وكذلك المستقبل العربي، العدد 303 أيار 2004، ص: 134-163.

14) فؤاد مغربي: “الصراع العربي – الصهيوني في النظام العالمي”، في: “العرب ومواجهة إسرائيل – احتمالات المستقبل”، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، طبعة أولى، 2000، ص: 113.

15) تقرير التنمية البشرية العربية للعام 2000.

16) الحياة عدد 13 شباط 2004.

17) الحياة عدد 13 شباط 2004.

------------------------------------------

منقول عن المنبر الثقافي العربي الدولي 

للاطلاع / الضغط على رابط المنبر ادناه 

https://www.facebook.com/100068302610301/posts/pfbid02QQGVPwHZbpJUeQAqwwwubYDeLYvrBUFv52GZ4d3e1KuhL3Vta9vyKJ2oPTdDxUm6l/