الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

كتاب ..العراق ثلاثون عاما من مسيرة الخير والتقدم ..وزارة الثقافة والاعلام العراقية 1998...الجزء الثاني



اللجنة التحضيرية للذكرى التاسعة لاستشهاد الرئيس الخالد صدام حسين 

هدية من لجنة لبنان 


العراق

ثلاثون عاماً من مسيرة الخير والتقدم

حلقة 2
-------------------------------

العراق

في التاريخ


سلالة بابل الحديثة (626-539 ق.م)
ظهر الكلديون في الخليج العربي منطلقين من أراضيهم المجاورة للسبئيين، وهذا يضعنا أمام احتمالين: اما مجاورتهم السبئيين في اليمن ومن ثم تقدمهم نحو العراق عبر جنوبي الجزيرة وشرقيها بمحاذاة الخليج العربي وإما مجاورة السبئيين في شمال غربي الجزيرة العربية حيث محطات التجارة السبئية ثم بدأ تقدمهم من هناك باتجاه الخليج والعراق. ويرجح المؤرخون الاحتمال الأول مستندين إلى وجود كتابات بالعربية الجنوبية في مدن جنوبي العراق مثل أور والوركاء ونفر أو وصلوا منحدرين إلى سوريا مع الفرات ثم اتجهوا جنوباً. مارس الكلديون دورهم السياسي انطلاقاً من وضعهم الاجتماعي بوصفهم جزءاً من سكان العراق بقيادة الآشوريين فكانوا يحكمون باسم الآشوريين في بابل إلى ان انتزعوا الحكم في عهد نابو- بولاصر. واشتهر من ملوكهم نبو خذ نصر (604-562ق.م) بحروبه التي ثبت بها الدولة خصوصاً في بلاد فلسطين ضد الشغب اليهودي وبميوله العمرانية وبقيادته الحكيمة وبالسياسة والإدارة وتثبيت كيان موحد للدولة. ويتميز عهد الكلديين ببعث الثقافة العراقية القديمة ولاسيما في حقول الأدب والعلوم والمعارف الأخرى والاهتمام بالماضي وجمع مخلفات الملوك العظام وهو اتجاه واضر في حياة نبوخذ نصر ونبونئيد آخر الملوك الكلديين.
لقد أعقب نبوخذ نصر ملوك ضعاف ربما كان جل اهتمامهم منصباً على تحالفاتهم مع الميديين والاخمينيين (من الشعوب الفارسية ) إلا ان الملك نبونئيد حاول الوقوف في وجه تلك التحديات عبر محاولاته مع سكان حران والجزيرة العربية من اجل توحيد الجهود لصد الهجمة المتوقعة القادمة من بلاد إيران، غير ان جهوده جادت متأخرة فاستغل الفرس الاخمينيون هذا الواقع المتردي وتقدموا بقيادة كورش مستفيدين من تحالفاتهم مع اليهود ومع احد الطامعين من أعوان الملك البابلي ليدخلوا بابل وينهوا الدولة الكلدية سنة 539ق.م.

العراق في الفترة الاحتلالية الأولى (536ق.م 635م)
كان دخول كورش مدينة بابل سنة 539 ق.م بداية لفترة احتلالية طويلة تعددت فيها الأطراف التي مارست احتلال العراق واستمرت حتى دخول العرب المحررين بقيادة سعد بن أبي وقاص المدائن وإنهاء الاحتلال الفارسي الساساني سنة 635م. لقد حاول الاخمينيون في البداية تطبيق سياسة استرضاء سكان وادي الرافدين مكتفين بحيان تهم لقب (ملك بابل) وما يرمز إليه من معان حضارية، غير أنهم لم يستطيعوا الاستمرار على هذه السياسة خصوصاً بعد ان ثارت مدينة بابل وتكررت ثوراتها مما دفع المحتلين إلى ممارسة قتل السكان في العراق ومدينتهم العظيمة بابل وتشريدهم وحرقهم.
وتكشف الوثائق المعاصرة للاحتلال الفارسي الاخميني عن ثقل الضرائب المفروضة على السكان فضلاً عن تطبيق سياسة اقتصادية تدميرية اعتمدت نظام الإقطاع وتجنيد الفلاحين في الجيش الفارسي وإنهاء دور المعابد في الحياة الاجتماعية والاقتصادية وظهور المصارف التي كانت تدار بتعاون يهودي فارسي. أما في المجال الاجتماعي فقد انتهج الفرس سياسة سيئة شملت بيع النساء واسترقاقهن. وانتهجوا أيضاً سياسة توطين الفرس وبخاصة رجال الدين المجوس ببلاد بابل في محاولة لفرض طبقة ثقافية وثقافة دخيلة على المجتمع.غير ان إقصاء الكهنة والكتاب البابليين الذي سار عليه الفرس لم ينه دورهم إذ سرعان ما اتحدوا ونشطوا في دور علمي وفكري ظهرت نتائجه في وقت لاحق في حين لم يستطع الفرس خلق أي ثقافة في العراق وبقوا محض محتلين يمتلكون القوة ولا يمتلكون الإبداع.
وازداد تمسك المجتمع بثقافته الوطنية واصبر اسم نبوخذ نصر رمزاً للوطنية، واتخذه اسماً كل ثائر ظهر في بلاد بابل مما يدلل على فعل الذاكرة التاريخية في صنع المواقف السياسية. ويظهر من قوائم أسماء المولودين في عهد الاحتلال تدني نسبة الذين سموا أبناءهم بأسماء فارسية على خلاف الفرس الذين انتقلوا إلى العراق واليهود الذين اتخذوا الأسماء البابلية بكثرة. ولم يعتنق السكان الديانة الزرادشتية، فلم تكشف البقايا الاثارية أية آثار لمعبد نار في العراق. انتهى الاحتلال الفارسي على يد الاسكندر المقدوني ( 331- 323ق.م) الذي تقدم على رأس جيش إغريقي- مقدوني ليهزم دارا الثالث ويدخل بابل ويستولي على أملاك الاخمينيين في العراق وعيلام وفارس. وبعد وفاته قسمت إمبراطوريته بين قادته وكان العراق من نصيب سلوقي عام 311ق.م مؤسس الدولة السلوقية، وقد اتسم عهدها بالاضطرابات والنزاعات بين الطامعين في حين وقف السكان موقفاً سلبياً من تلك الأحداث، وأدى انشغال المحتلين بخلافاتهم إلى استعادة بعض المؤسسات البابلية بخاصة المعبد دورها في الحياة وظهر الدور العلمي والفكري لبابل التي قصدها العلماء اليونانيون طلاباً للعلم.
لجأ اليونانيون إلى إلغاء الدور المحلي للمجتمعات المحتلة وتخطيط عالم جديد بقوة اليونانيين فشيدوا مدناً جديدة خصصت لليونانيين، غير ان سياستهم لم تفلح واضطروا إلى إعطاء المجتمع البابلي دوراًَ فعادت المدن البابلية الكبيرة إلى دورها السابق ولكن بطابع جديد يطمس معالم الحضارات القديمة ويلفي دور العراقيين  في التقدم العلمي الذي سلبوا معه أسماء المبدعين فأطلقوا عليهم أسماء إغريقية أو غلفوا أسماءهم بأسماء يونانية لإسدال الستار على كل ما هو عراقي ونسبته إلى أنفسهم.
ومع اشتداد الصراعات الداخلية بين القادة اليونانيين ظهر الفرثيون في شمالي إيران واستطاعوا الانقضاض على العراق مستغلين الاضطرابات التي رافقت وفاة الحاكم السلوقي آنطيوخوس الرابع.

الفرثيون 140ق.م -226م
دخل الفرقيون سنة 140ق.م واتخذوا لهم معسكراً عرف فيما بعد بطيسفون في حين ظهرت إمارات عربية على امتداد نهر الفرات ولاسيما إمارة بيت عديني الكلدية وإمارة كرخ ميسان في جنوبي العراق وإمارة الحضر في شمالي العراق. واستقل متغلب من خارج السلالة الفرثية ببابل فاقتصر حكم الفرثيين على شمالي العراق الذي تعرض في زمنهم لهجمات الرومان، غير ان الدولة الفرثية استمرت إلى 226م إذ استطاع الفرس الساسانيون دخول طيسفون (المدائن) وقتل الملك الفرثي واحتلال العراق.
الاحتلال الساساني 224م-635م
استولى الساسانيون أولاً على إيران الفرثية ثم توجهوا إلى طيسفون سنة 224م واستولوا على بابل واتسم حكمهم على المستوى العالمي بحروبهم مع الرومان، وعلى المستوى الداخلي بالانقسامات في الأسرة الحاكمة وظهور الديانة المانوية وبكثرة الحروب بين الفرس والعرب الذين ازداد ضغطهم على الفرس واستمر تدفقهم باتجاه جنوبي العراق ووسطه والى منطقة الجزيرة، فقد تقدمت قبيلة قضاعة إلى الحيرة وبادية السماوة وتقدم قسم منها إلى الحضر تلته قنص بن معد واياد وعبد القيس وربيعة وبكر بن وائل بخاصة وبعض مضر ويشار إلى خليط قبلي من الازد وكلب وحنظلة وتميم في الاحواز، وفي حين عبرت حملة سابور ذي الأكتاف على القبائل العربية في العراق وشبه الجزيرة عن إصرار الفرس على إقصاء العرب من العراق وتذويب سكانه القدماء بمنع تواصلهم مع إخوانهم عرب الجزيرة عبر التحرك البشري للقبائل العربية عن إصرار على التوجه إلى العراق وقد تركز انتشارها في غربي الفرات، إذ بدأ من الابلة صعوداً إلى أعالي الفرات وكانت تغتنم الفرص للاندفاع نحو الداخل بثلاثة اتجاهات : الأول نحو الاحواز(بنو العم وقبلهم عرب إمارة كرخ ميسان) والثاني نحو دجلة من منطقة بادية السماوة (قضاعة) والثالث نحو الجزيرة بددا من تكريت إلى أعالي دجلة والفرات (اياد وقضاعة وربيعة). وفي سبيل تحقيق هذا الانتشار خاضوا حروباً طوالاً مع الفرس في عهد سابور ذي الأكتاف وبعده.
ويكشف توزيع العرب في العراق قبل الإسلام عن انتشارهم في معظم أنحائه. ويعد ظهور إمارة الحيرة في أوائل القرن الثالث الميلادي إحدى ثمار هذا التحرك الواسع الذي مارسوه واخذ فيما بعد في زمن النعمان بن المنذر أمير الحيرة بعده الثقافي كما سنرى.

الحضر
ظهرت الحضر إبان حقبة التسلط الفرثي على العراق وقد أسستها جماعات من الازد من قضاعة. وقد عرف احد ملوكها سنطرق بكتابته الشهيرة (سنطرق ملك عربو) أي سنطرق ملك العرب. ولان الحضر من مدن العرب الصحراوية الشهيرة، مثلها مثل البتراء وتدمر، فان قصتها نمواً ودماراً لا تختلف كثيراً عن قصص الأخريات، فقد قاومت طموحات سكانها السلطتين الرومانية والفارسية أمداً طويلاً ولكن الرومان والفرس دمروها جميعاً واحدة بعد الأخرى، وكان نصيب الحضر أن يدمرها الفرس الساسانيون.
وذكر المؤرخون الرومان فشل محاولات تراجان وسبتموس سيفروس احتلال الحضر، وكذلك اردشير بادئ ذي بدء. ويروى عن حصار سبتموس سيفروس إياها عام 199م بعد ان احتل كلا من بابل وسلوقية وطيسفون ان سكانها دافعوا عنها دفاعاً عنيداً، وإنهم استخدموا أقواساً مركبة ترمي سهمين مرة واحدة، وأنهم قتلوا بعضاً من الحرس الخاص بالإمبراطور.
كما قاموا بحرق النفط وقذف الجرار المملوءة بالحشرات فوق رؤوس الغزاة. وعندما حقق الرومان فتح ثغرة في السور الخارجي فرحوا بذلك طمعاً بالمغانم التي سيغنمونها في اليوم التالي ولكنهم فوجئوا بأهل الحضر وهم يسدون الثغرة في اليوم نفسه، وعندئذ أصابتهم الخيبة واستبد بهم الغضب، ورفضوا التقدم. وأضطر سبتموس سفيروس إلى العودة إلى سوريا بعد عشرين يوماً من حصاره الحضر.
ويبدو ان مدينتي بابل والحضر بقيتا عاملي جذب وإغراء على الدوام لجيوش الغرب التي غزت الرافدين. فقد طمع الرومان بكنوز معبد الشمس في الحضر، كما كانت قصة موت الاسكندر في بابل وأحلامه بجعلها عاصمة له تثير لديهم الرغبة في دخولها حتى ان تراجان قدم القرابين في الغرفة نفسها التي مات فيها الاسكندر عندما كان في بابل ربيع عام 116ميلادية، أي بعد مرور أكثر من 400 سنة على موت الاسكندر. أما الفرثيون والساسانيون فقد عقدوا آمالهم على احتلال سلوقية وطيسفون لضمان السيرة على العاصمة السياسية قبل اهتمامهم ببابل، بل ان الساسانيين أسهموا في تدمير بابل تدميراً نهائياً، وجعلوها مهجورة إلى الأبد قبل ان ينتهي القرن الخامس الميلادي، ومع ان الروايات تذكر ان أسوار بابل كانت ما تزال قائمة غير أنها من الداخل كانت خرائب يسرح فيها الوحش، وان ملوك ساسان اتخذوها مربعاً من مرابع الصيد والنزهة ولاشيء غيرهما.

 دولة الحيرة
 استمرت الممالك العربية في الظهور في مناطق الفرات الوسطى والجنوبية منذ العصر السلوقي، وكانت آخرها مملكة الحيرة على الضفة الغربية للفرات، في منطقة الكوفة الآن وكانت حدود هذه المملكة تمتد في بلاد بابل على الفرات إلى الخليج العربي، ويعتقد المؤرخون ان الحيرة ظهرت مدينة عربية في الربع الأول من القرن الثالث الميلادي، وقد اختلفت الآراء في أصل عرب الحيرة فقيل أنهم من اليمن ومن عرب الجنوب من عشائر قضاعة والازد، وهنالك من يعتقد أنهم من العرب الشماليين بدليل التشابه اللغوي بينهم وبين اللهجة العدنانية. وربما كانوا مجموعة متحالفة من القبائل العربية الشمالية والقبائل الكلدية التي استوطنت بعد سقوط بابل المنطقة نفسها، كما انها (أي مملكة الحيرة) سيطرت على المنطقة نفسها بحدودها الجغرافية - السياسية التي كانت تحت سيطرة مملكة بيت عديني عند بداية الاحتلال الفرثي لبلاد الرافدين. وقد اجمع المؤرخون، اعتماداً على المصادر العربية، ان سكان الحيرة كونوا تالفا من ثلاث مجاميع بشرية، هي:
1- اللخميون (آل نصر بن ربيعة ): النازحون من الجزيرة.
2- العباد: من السكان الأصليين (أي من قبائل كلدة التي كانت تسكن المنطقة نفسها).
3- الأحلاف: عرب مهاجرون نزلوا في المنطقة، وحالفوا تنوخ والعباد.
لقد حكم الحيرة (25) ملكاً، منهم خمسة من الأوائل الذين تروى عنهم بعض القصص غير الواقعية. أما الملك الأول الذي حكم الحيرة فعلاً وثبت وجوده بنص مكتوب فهو امرؤ القيس بن عمرو بن عدي وقد ذكر في النص انه وصل أسوار نجران، وكان له من أبنائه سفراء لدى الفرس والروم، وعاش ملكاً في حدود 288- 328م.

آخر ملوكها
كان النعمان بن المنذر (580-602م) آخر ملوك أل لخم في الحيرة، وقد عاصر حكم الملك الفارسي ابرويز، وكان عهده يمتان بجو من السلام الذي ساد علاقة الحيرة بالغساسنة في الشام، ولاسيما علاقاته الوثيقة بجزيرة العرب التي اتضحت في:
أولاً- لقاءاته المستمرة مع قادة العرب من الحكماء والشعراء والخطباء ورؤساء القبائل.
ثانياً- علاقاته الواسعة بشعراء عصره، مما مهد له ان يكون على صلة بالرأي العام إذ كان الشاعر ابرز حلقات الاتصال في ذلك الوقت.
ثالثاً- علاقته بمكة عن طريق تردد رجالاتها إلى الصرة في رحلاتهم التجارية إذ يشار إلى علاقات تجارية بعبد الله بن جدعان وسهيل بن عمرو.
لقد أسهمت هذه العلاقات في تكوين مناخ ثقافي مؤثر في بلاط النعمان، ولابد أيضاً أنهم كانوا ينقلون أخبار لقاءاتهم إلى قبائلهم ويسهمون في تكوين رأي عام عربي مشترك في قضايا تتجاوز المكاسب والمفاخر القبلية.
وقد حاول النعمان توظيف هذه العوامل الايجابية لمصلحة استقلاله عن الفرس غير ان محاولته اصطدمت بالقوة الفارسية وأدت إلى مقتله وهو أمر فاد إلى معركة ذي فار التي انتصر بها العرب على العجم وكانت بداية لسلسلة من الانتفاضات قام بها العرب في الاحواز والابلة (البصرة) والسماوة والحيرة.
تحرير العراق
ظهر الإسلام والعرب متفرقون ومفككون سياسياً واجتماعياً، وأجزاء كبيرة من وطنهم محتلة، فقد بسط البيزنطيون نفوذهم على بلاد الشام ومصر والمغرب، في حين بسط الفرس نفوذهم على العراق واليمن، وتمتعوا بنفوذ سياسي واقتصادي في الخليج العربي ان الرسول العربي الكريم محمد بن لمه (ص) نجح بجهاد عظيم في ان يكون جماعة مؤمنة بالدين الجديد، وان يصنع من الإنسان الذي امن به أنسانا مجاهداً تتجسد فيه قيم الأمة وتقاليدها وأخلاقها، ويؤمن بالله ومبادئ التوحيد. وعندما هاجر الرسول (ص) إلى يثرب أرسى نواة الأمة بمن هاجر معه من مكة، وأمن به من أهل المدينة، واستطاع ان يثبت الكيان الجديد ويكمل بناءه الاجتماعي والسياسي والثقافي، وان يحوله إلى قوة عسكرية تدافع عن المدينة وتسعى إلى نشر الدين الجديد، وقد تمكن فعلاً من تحقيق هدفه، فقد طهر المدينة من اليهود الذين لم يحترموا العهد ومد يد سلطة الدين الجديد إلى خيبر ثم دخل مكة وأعلن أهلها إسلامهم وانضمامهم إلى السلطة الجديدة فأصبحت للعرب دولة واحدة في جزيرتهم. وفي آخر أيامه اشر لصحابته ضرورة تحرير بلاد الشام غير انه توفي. واستطاع العرب من بعده ان ينجزوا واحدة من أهم المعضلات، هي مسألة نفل السلطة فانتخب أبو بكر(رض) خليفة.
سعى الخليفة أبو بكر إلى تثبيت المبادئ العامة لسياسة الرسول (ص)، فتفرغ لمعالجة المواقف المرتدة والمترددة التي ظهر بعضها في أواخر حياة الرسول (ص)، ثم اتسعت واشتدت بعد وفاته (ص)، وقد نجح في سياسته واظهر من المقدرة والحزم ما مكنه من إعادة تثبيت الوحدة السياسية، ولما اطمأن إلى ان العرب أصبحوا امة متوحدة قرر ان يباشر الجهاد لتحرير الشام والعراق كما أمره رسول الله (ص) في أواخر أيامه فسير خالد بن الوليد إلى العراق وسير أربعة جيوش إلى الشام، وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رض) حقق العرب انتصاراتهم على البيزنطيين في معركة اليرموك، فقرر الخليفة مباشرة العمل في جبهة العراق.

مقدمات التحرير
شهدت السيطرة الفارسية على العراق في أواخر أيامها، وبعد معركة ذي قار، مرحلة ضعف وتفكك في حين أحس عرب العراق بقوتهم وقدرتهم على خوض المعارك، فنشطوا في معارضتهم السيطرة الفارسية، وعندما توجه خالد بن الوليد إلى العراق انضموا إليه وقاموا بعمليات عسكرية على امتداد المنطقة الواقعة غربي الفرات.
فلما انتقل خالد إلى الشام وتولى الخلافة عمر بن الخطاب (رض) بادر إلى تنشيط جبهة العراق عندما انتدب الصحابي سعد بن أبي وقاص لقيادة العمليات العسكرية لتحرير العراق.

القادسية
خرج سعد في سنة 14هـ-635م في أربعة آلاف مقاتل يمثلون القوة الضاربة والتحقت به أعداد كبيرة من عرب الجزيرة الذين يستوطنون العراق، فتكامل جيشه مع من أنضاف إليه من عرب العراق (جيش المثنى).
عسكر سعد في القادسية واتخذ من قلعة قديس مقراً لقيادته، وكان واضحاً انه اختار البقاء قرب الصحراء لضمان خطوطه الخلفية التي تكون مواصلاته وخطوط إمداده، واستدرج جيش الفرس بقيادة رستم إلى حيث قرر ان تدور المعركة. وما ان استقر سعد حتى بدأ عمليات تكييف جيشه لأرض المعركة، فقسمه كتائب وسرايا بثها في المنطقة الواقعة غربي الفرات بين السماوة والحيرة باتجاه ميسان، إلى ان وصل الجيش الفارسي بقيادة رستم.
ولقد سبقت الحرب مفاوضات بين الجانبين بطلب من القائد الفارسي رستم استغرقت وقتاً غير قصير، ودارت بين وفود العرب ويزد جرد في المدائن أو بينهم وبين رستم نفسه. عبرت الوفود العربية المفاوضة عن شعارات العرب واستيعابهم لرسالتهم وكان تركيزهم في المفاوضات في تحديد هدف مجيئهم إلى العراق «الله جاء بنا لنخرج من شاء من عباده من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام»، موجزين المبادئ الجوهرية الثلاثة المعبرة عن إنسانية الرسالة العربية:
التوحيد والحرية والعدل. ومن ثم وضع الفرس أمام الخيارات الثلاثة: الإسلام أو الجزية أو القتال.
ركز سعد في الأمور الأساسية ذات الصلة بالمعركة وهياً الخدمات ووسائل النقل والبريد فاستخدم نحو 1700امرأة من النخع وبجيلة للقيام بواجبات إيصال الماء والطعام وأسلحة القتال إلى المقاتلين في الصفوف الأمامية وكذلك العناية الجرحى ودفن الشهداء. كما هيأ إعداداً كبيرة من الإبل لاستخدامها في النقل والحركة، وفي توزيع القوات وحركتها في أثناء القتال. ورتب إيصال الأوامر العسكرية إلى القوات بسرية وسرعة حتى قيل ان الجيش كان يسمع أوامره كأنه رجل واحد. وكان واضحاً ان القائد سعد يركز في خطته للمعركة في استخدام الزمن وانه يجب ان ينظم تفاصيل المعركة على نحو يحقق تفوقاً في استخدام الزمن لإحراز النصر.

المعركة
دارت معركة القادسية على مدى أربعة أيام، ابتدأت يوم الاثنين 6محرم سنة 15هـ المصادف 19شباط 636م بانتصار العرب وهزيمة الفرس هزيمة ساحقة فانسحبت فلولهم صوب المدائن تبعتها القوات العربية.
أنهت معركة القادسية القوة العسكرية الرئيسة للفرس في العراق، وفتحت لهم أبواب العراق، فرحب بهم أهله، وتقدم سعد إلى المدائن فعبر دجلة ودخلها بعد مقاومة ضعيفة أنهاها الملك الساساني بهروبه من عاصمته. وعمد بعد دخوله المدائن إلى تنظيم جيشه وانجاز الأعمال العسكرية الضرورية لتأمين المدائن، فأرسل جيشاً بقيادة هاشم بن عتبة إلى جلولاء فحررها وترك فيها حامية عسكرية بقيادة جرير بن عبد الله البجلي الذي تقدم نحو حلوان فطرد الفرس منها. وأرسل الخليفة عمر بن الخطاب (رض) م سنة 17هـ أبا موسى الأشعري قائداً لمنطقة البصرة، ثم أمر سعداً بن أبي وقاص ان يتخذ مقراً جديداً غربي الفرات حيث لا يعزله عن الصحراء عازل. فاتخذ سعد الكوفة معسكراً له.
اتجهت جهود أبي موسى العسكرية إلى تأمين البصرة أولاً فأعاد تثبيت ما حققه العرب من انتصارات قبله في الابلة والأراضي الممتدة على امتداد شط العرب إلى ميسان، ثم توجه إلى الاحواز، ووصلته الإمدادات من الكوفة بقيادة النعمان بن مقرن المزني فوضع قوة عسكرية بقيادة سهيل بن عدي قبالة سوق الاحواز وأمر النعمان بن مقرن المزني ان يتقدم إلى رامهرمز فدخلها وانسحب الهرمزان بقواته إلى تستر. ثم التحقت قوات سهل بن عدي وقوات عرب الاحسراز التي مع سلمى بن القين وحرملة بن مريطة وحرقوص بن زهير السعدي وجزء بن معاوية فحررت تستر والسوس وجندي سابور.
وجه الخليفة عمر(رض) عتبة بن فرقد السلمي إلى الموصل سنة 20هـ  فتقدم إليها وحررها وسيطر على ما حولها، ثم ولى هرثمة بن عرفجة البارقي عليها فاسكن المقاتلة العرب في الموصل وجعلها قاعدة للحركات العسكرية في الشمال، وعزز عتبة حاميته في تكريت ويبدو انه تقدم فيها إلى باجرمي وشهرزور حيث استقرت قواته لتأمين المنطقة.

نهاوند
حاول الفرس إيقاف العرب فقاموا بحشد قواتهم في نهاوند، وكانت أخبار هذا الحشد تصل تباعا إلى الخليفة عمر بن الخطاب (رض) فأدرك خطرها واخذ يستعد لها، فكتب إلى أبي موسى الأشعري ان يستعد عند الأهواز ليسفل الفرس في الجنوب ويمنع إمدادهم أهل نهاوند. كما أمر عتبة بن فرقد بتأمين منطقة شهرزور وما حولها ثم توجه الجيش العربي بقيادة الصحابي النعمان بن مقرن المزني إلى نهاوند حيث اشتبك مع الفرس وهزمهم في أروع معركة فاصلة سنة 21هـ عرفت بفتح الفتوح لأنها أجهزت على قوة الفرس نهائياً، وفتحت أبواب الهضبة الإيرانية لانتشار الإسلام وقضت على كل خطر عسكري يهدد وجود» في العراق، حتى ان الخليفة عمر، وقد أكمل تحرير العراق بحدوده الطبيعية في الشمال والوسط والجنوب، قال قوله المشهور: «ليت الله لو جعل بيننا وبين فارس جبلاً من النار» إشارة إلى ان العراق حرر بحدوده الكاملة الجغرافية والبشرية والحضارية.

إدارة العراق
أدى تحرير العراق إلى ان يصبح جزءاً من الدولة العربية الواحدة، وقد استقر الجيش المحرر بمعسكرين هما البصرة والكوفة اللتين مصرتا لتكونا قاعدة للجيوش ثم مقرأ للإدارة عندما قسم عمر بن الخطاب الدولة إلى ولايات فأصبحت الكوفة ولاية والبصرة ولاية. ونظراً إلى أهمية العراق فقد كان يجمع أحياناً لوال واحد بخاصة الولاة الأقوياء، وقد نشأت واسط سنة 82هـ عندما أسسها الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق ويعبر نشوؤها عن تحول مهم في إدارة العراق بموجبه أصبح العراق عملاً واحداً يدار من مركز إداري واحد مما استوجب تغيير النظام الإداري. فضلاً عن تعريب الدواوين أصبح يدير الكوفة والبصرة نواب والي العراق وقد استمر هذا الوضع إلى سنة 132-750م.

الدولة العباسية
تسلم العباسيون الخلافة سنة (132هـ-750م ) واستمروا فيها حتى (656هـ- 1258م) وحكم فيها سبعة وثلاثون خليفة بدءاً بابي العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس حتى آخر الخلفاء العباسيين المستعصم بالله أبي احمد عبد الله بن المستنصر. ومن ابرز خلفاء بني العباس أبو جعفر المنصور ثاني الخلفاء (136-158هـ/754-775م) الذي عرف بإدارته الحازمة والناجحة، وبناء مدينة بغداد الذي باشر فيه سنة 145هـ. وقد تألق المهندسون العراقيون في أحكام قواعدها وتنظيم أمكنتها وتشييد بنائها، وقد روعيت فيها أكثر أساليب بناء المدن تحضراً وتحقيقاً لوظيفة اجتماعية وسياسية وعسكرية وثقافية واقتصادية للمدينة. وقد عرفت بمدينة المنصور والمدينة المدورة ودار السلام وأنشئت في الجانب الغربي من دجلة.
ازدهرت بغداد في عهد الخليفة الخامس هارون الرشيد(170-193هـ/ 781-809م) الذي عرف عصره بازدهاره الثقافي والاقتصادي والاجتماعي فسمي بالعصر الذهبي إذ بلغت فيه بغداد قمة فخامتها عمرانياً وظهر الجانب الشرقي من المدينة حافلاً بقصوره وحماماته وأسواقه ومدارسه ومساجده غير ان ازدهارها الحقيقي تمثل بازدهار العلم والمعرفة والأدب وانتقال الثقافة العربية إلى آفاق عالمية واكبت تعاظم الدور الاجتماعي والاقتصادي لبغداد. فلم تكن بغداد محض ظاهرة عمرانية أو سياسية على أهمية ذلك إنما بداية لعصر من الإبداع الحضاري إذ انتقل إليها العلماء من المدينة المنورة والكوفة والبصرة وأصبحت رمزاً لمدرسة فكرية موحدة وقبلة للعلم يقصدها طلابه من مختلف الأنحاء فازدهرت فيها الترجمة وقاد بيت الحكمة حركة اطلاع واسعة على التراث العالمي.
شهدت الخلافة العباسية تنافس عناصر السكان الذين حوتهم وفي الفترة التي حكم فيها المعتصم بالله بن هارون الرشيد (1218هـ- 833م) ظهر دور الجند الأتراك الذين تزايدوا فيما بعد واخذوا يتدخلون في سياسة الدولة فاضطربت أحوال الخلافة واستمر تردى الإدارة فيها إلى دخول البويهيين.

البويهيون (334-447) هـ (940-1055م)
ينتمي البويهيون إلى بويه، وهو رجل من الديلم الذين يسكنون جنوب غربي بحر قزوين. استطاع الاستيلاء على إقليم الديلم ثم على الهضبة الإيرانية، وفي عهد ابنه معز الدولة تقدم البويهيون في 334هـ-940م بجيش إلى العراق ودخلوا بغداد وبسطوا نفوذهم على العراق ولم يبقوا للخلافة غير نفوذها الاسمي. وكانت الدولة البويهية تدار من شيراز قاعدة أمير الأمراء البويهي في حين يتمتع سلطان بغداد بالاستقلال، وتميزت السيطرة البويهية بنظامها الإقطاعي في الحياة الاقتصادية وحتى في الجيش. وقد شجع البويهيون الطائفية في بغداد وأشاعوا الفتن والاضطرابات ليشقوا الوحدة الاجتماعية ويضمنوا استمرار احتلالهم، كما فرضوا الرقابة على الحياة الفكرية. وقد اضطربت أحوال العراق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ولم تنفع محاولات الخلفاء استعادة السلطة حتى ظهر السلاجقة الأتراك.

السلاجقة
ظهر السلاجقة في الأقسام الشرقية من الدولة العباسية وتوسعوا على حساب الدولة الغزنوية في خراسان حيث أعلن طغرلبك الولاء والطاعة للخليفة العباسي طالباً اعترافاً به في وقت ازداد الصراع بين الأمراء البويهيين وبينهم وبين أمراء القبائل المحلية مثل (خفاجة). وقد وجد الخليفة العباسي في ظهور السلاجقة فرصة للتحرر من السيطرة البويهية، فأمر بالخطبة لطغرلبك بجوامع بغداد. وفي سنة 447هـ-1055م دخل طغرلبك بغداد، غير ان موقف السلاجقة من الخلافة لم يختلف عن الموقف البويهي، فهم أيضاً كانوا مجرد سلطة إقطاعية ولم يشعر السكان بالاطمئنان إليها فثاروا عليها. الحق السلاجقة العراق بدولتهم واستعملوا عليه نائباً عنهم وتركوا لهم جيشاً في بغداد، وشجعوا الانقسامات القبلية واضطهدوا السكان ونهبوا موارد البلاد وقد رفض السكان السيطرة السلجوقية وتجمعوا حول الخليفة، وشهدت الفترة المتأخرة من عهد السيطرة السلجوقية محاولات الخلافة المتعددة للتحرر منها وكانت أكثرها عمقاً وتعبيراً محاولة الخليفة  المسترشد(512-529هـ/1118-1135م) الثورة التي انتهت بقتل الخليفة. غير ان ثورات العراقيين استمرت حتى أثمرت في سنة 596هـ-1170م إذ شهدت الخلافة يقظة استمرت حتى دخول المغول مدينة بغداد (656هـ- 1258م) ومن أشهر خلفاء هذه الفترة الناصر لدين الله (575- 622هـ /1180- 1225م) الذي استمر في الحكم 16عاماً عالج فيها الأوضاع الداخلية بحزم مركزاً في الوحدة الاجتماعية فترك لخلفائه وضعاً مستقراً أفاد منه المستنصر بالله الذي ارتبط عصره بنشأة المدرسة المستنصرية وهي، بنظامها وأهدافها وطبيعة عملها، تعد أول جامعة من نوعها في العالم، عنيت بدراسة علوم القرآن والسنة النبوية والمذاهب الفقهية الأربعة وعلوم العربية والرياضيات وقسم الفرائض والتركات ومنافع الحيوان وعلم الطب وحفظ قوام الصحة وتقويم الأبدان.
واشتهر عهده بالعمارة، وتعود معظم العمائر العباسية الباقية في العراق إلى فترة حكمه كما ازدهرت الفنون وشهد العصر احد ابرز الرسامين (يحيى بن محمود الواسطي).
وازدهرت حركة التأليف في النحو والسعر والبلاغة وأدى انتشار المدارس إلى ازدهار علوم التربية والتعليم، وتطور الفكر الجغرافي لكي يستجيب لاحتياجات الإدارة الجغرافي لكي يستجيب لاحتياجات الإدارة أولاً ثم للأغراض العلمية البحت، وتطور الفكر التاريخي ليعزز العلوم الدينية وأغراض علم التاريخ. وظهرت مدرسة بغداد التاريخية في القرن الثالث الهجري متكاملة في المنهج والفلسفة وتنوع الكتب التاريخية كما ازدهر علم الكلام وتطورت العلوم الصرف سواء في منهج البحث العلمي أم في نحو العلوم وتفرعها كالعلوم الرياضية والفلكية والعلوم الطبيعية والطب والصيدلة.
لقد قادت هذا التطور مؤسسات أبرزها بيت الحكمة الذي أسسه هارون الرشيد، وقاده علماء ومفكرون عظام حققوا انجازات كبيرة في مجال الفكر والعلوم.
رافق هذا الازدهار ازدهار الحياة الاجتماعية والاقتصادية وحدث كله بقيادة بغداد التي أصبحت أم الدنيا.وقبلة الناس وموئل التجارة فتفنى بها الشعراء وألف فيها الكتاب وسطر الأدباء حياتها فنقشت في قلوب البشرية مكانة العراق واحتلت في التاريخ حيزه الكبير.
الاحتلال المغولي
ظهر المغول في أواسط آسيا وأقاموا إمبراطوريتهم الواسعة بقيادة جنكيز خان (1154- 1227م) وشملت جزءاً كبيراً من الصين وأواسط آسيا وإيران وشرقي أوربا.
وفي سنة 656هـ- 1258م تقدم هولاكو على رأس جيش إلى بغداد فاحتلها ووضع السيف في رقاب أهلها وقتل الخليفة وأبقى على الوزير مؤيد الدين بن العلقمي وبعض موظفي الإدارة ممن واطؤوا المغول على إدارة العراق الذي أصبح جزءاً من الإمبراطورية بعد ان قسموه ثلاث ولايات:
1- العراق وهو القسم الأهم من أراضي الخلافة ويشمل الأراضي الممتدة من الزاب الأعلى شمالاً إلى عبادان جنوباً ومن القادسية عند حافة الصحراء غرباً إلى حلوان شرقاً.
2- الجزيرة الفراتية وتشمل الموصل وسنجار والعمادية واربيل.
3- بلاد الجبل وبضمنها منطقة شهرزور وسمي العراق مملكة ودعي حكامها بالملوك.

حضارة العراق
يرتكز الإبداع الحضاري في العراق في عصره الإسلامي على عاملين أساسين هما: التراث العراقي القديم والإسلام. وإذا كانت حقبة النشأة والتكوين شهدت عملية ابتكار حاجات المجتمع وتنظيمها وإرساء أسس البناء الاجتماعي فحقبة الإسلام حفلت بمتغيرات فكرية واضحة ومحددة تتعلق بالتوحيد وتنظيم الموقف الفكري من الكون كما حفلت بمتغيرات اجتماعية تمثلت بالحراك البشري الواسع للعرب والمقدرة الفائقة التي أظهروها في استيعاب أبناء عمومتهم في الأجزاء التي حرروها من الاحتلال. وكان نصيب العراق من هذه المتغيرات كبيراً، فقد اقترن تحريره من الاحتلال الفارسي بانتصار التوحيد في شبه الجزيرة العربية وتحوله إلى أساس في الوحدة الاجتماعية بكل أبعادها، كما اقترن باستقرار العرب المحررين في مركزين بشريين هما البصرة والكوفة. وقد قادت اعتبارات الإدارة وتنظيم اقتصاد العراق إلى انتشار نسبي للعرب في المراكز البشرية القديمة وأكملت المصاهرات ووحدة المصير  هذا الانتشار بتمازج جيلين من سكان العراق: جيل ممتد من الماضي(عرب العراق قبل الإسلام) وجيل صنع الحاضر(عرب العراق المسلمين). وقد عزز هذا التمازج سياسة التعريب التي ابتكرها الخليفة عبد الملك بن مروان (65-86هـ/984-705م) ونفذها بدقة في العراق واليه الحجاج بن يوسف الثقفي. وعندما قامت الدولة العباسية وأصبح العراق مقراً للخلافة لعبت بغداد دورين في أن واحد، فقد استوعبت التطورات الفكرية التي شهدتها مكة والمدينة والكوفة والبصرة ودمشق والفسطاط وقدمتها للعالم بمنهجية وحدوية إبداعية شمولية أتاحت لها الانتشار والتأثير العالمي، أي نقلتها من الدور القومي إلى الدور العالمي وكشف مضامينها الإنسانية.
إن أبرز ما يميز الدور الجديد شموله مختلف نواحي الحياة، فما من شك في ان ازدهار الحركة العمرانية كان كبيراً ويكفي إنشاء مدينة بغداد وسامراء والمتوكلية وما ترتب عليه من تطور أبنية المساجد والمدارس والمستشفيات والمرافق الأخرى والإبداع الجمالي الذي رافق ذلك في الهندسة المعمارية والزخرفة وغيرهما وكان له أثره في تطور حركة الفنون.
وازدهرت الحركة الفكرية في احد ابرز جوانبها وهو العلوم الدينية واللغوية وأضفى تطور الفقه الإسلامي على العلوم الدينية عمقاً وشمولاً واكسب اللفة فرصة البحث المنهجي الشامل.
لم يستطع المغول البقاء بعيدين عن الإسلام فاعتنقوه واصبر دين الدولة الايلخانية الرسمي في عهد الايلخان غازان محمود. وفى عهد حسن الجلائري أصبح العراق مستقلاً عن ا لإمبراطورية الايلخانية وسميت الفترة بالفترة الجلائرية التي انتهت بالغزو التيموري للعراق سنة 759 هـ واستمرت الإمارات ا لمغولية تتوالى على حكم العراق فخضع لسيطرة دولة القرة قوينلو (1410-1467م) ثم دولة الاق قوينلو(1467-1508م). وبعد انتهاء سيطرتها أصبح العراق موضوع صرا ع دائم بين الصفويين والعثمانيين.

الصراع الصفوي العثماني على العراق
أسس الصفويون إمارة صغيرة لهم في تبريز ومنها توسعوا في بلاد فارس وخراسان واذربيجان وكردستان وديار بكر على حساب دولة الاق قوينلو ثم تقدموا بقيادة الشاه إسماعيل الصفوي إلى العراق واحتلوا بغداد سنة 1508م. وقد شعر العثمانيون بخطر ظهور الدولة الصفوية وبخاصة على علاقتها بأوربا التي كانت الدولة العثمانية تتقدم فيها. لذلك جهز السلطان العثماني سليمان القانوني حملة عسكرية على تبريز وهنها إلى بغداد سنة 1534م فكان ذلك بدء عصر السيطرة العثمانية على العراق غير ان ذلك لم ينه الصراع على العراق بين السلالات الحاكمة في إيران والعثمانيين حتى الحرب العالمية الأولى.
قسم العثمانيون العراق أربع ولايات وكان لوالي بغداد صلاحيات أوسع مما للولاة الآخرين، وهذه الولايات هي بغداد،والموصل وسهرزور والبصرة.
كانت المشكلة الرئيسة التي واجهت السيطرة العثمانية في العراق هي توطيد السلطة بسبب بعده عن مركز الدولة وضعف المواصلات. وظهر اثر هذه المشكلة في البصرة وشهرزور حيث الأولى منطقة قبائل شديدة المراس في حين الثانية منطقة جبلية متاخمة للدولة الصفوية. وتسببت هذه الحالة في اقلاق السيطرة الأجنبية على العراق غير أنها لم تساعد العراق على الاستقلال. وقد تركزت جهود العثمانيين في تثبيت حدود العراق الشرقية لمنع التجاوزات الصفوية في حين استخدم الصفويين الاعتداءات العسكرية لانتزاع ارض عراقية.
شهد العراق في أوائل القرن الثامن عشر تحسناً في أوضاعه الاجتماعية ولاسيما في بغداد عندما تولى حسن باشا ولايتها(1704-1723م) واستخدم كفاءته العسكرية والسياسية والإدارية في تثبيت كيان العراق بحدوده المعروفة جغرافياً وإدارياً وحضارياً وخلق حكومة مستقرة تعزن ت في فترة حكم ابنه (1733- 1747م) وظهرت نتائجها في صمود العراق أمام حملة نادر شاه الثانية (1743م).
شهد هذا القرن بداية الاهتمام الأوربي بالعراق ودخول بريطانيا وفرنسا طرفين في التنافس عليه دون ان تنتهي السيطرة العثمانية، بل يبدو ان بريطانيا كانت حريصة على تطوير نفوذها في العراق في ظل الدولة العثمانية إلى ان تمتلك زمام السيطرة وتحقق التفاهم الأوربي على اقتسام مناطق النفوذ وهو ما تحقق في الحرب العالمية الأولى(4ا9ام). وفي هذا المجال أفادت من حركة الإصلاح العثماني في الحصول على الامتيازات اللازمة لتطوير نفوذها. جاء النفوذ البريطاني في وقت وعى المجتمع العراقي فيه توجهات أوربا الأخرى والدلائل على تطوير كيان صهيوني في فلسطين، في ذات الوقت الذي شهدت فيه الدولة العثمانية تطورات جاءت بجماعة الاتحاد والترقي إلى الحكم وبدء اضطهاد العرب وأسهمت هذه العوامل مجتمعة في تنبيه العراقيين على أوضاعهم ضمن وعي بأوضاع الأمة العربية مجتمعة فظهرت حركة هذا الوعي العربي مطالبة بالحقوق القومية للعرب والمطالبة بالحكم الذاتي غير ان هذا الوعي تزامن مع قيام الحرب العالمية الأولى التي أصبح العراق احد ميادينها.

الاحتلال البريطاني
عندما اندلعت  الحرب العالمية الأولى تقدمت قوة بريطانية واحتلت البصرة في الخامس من تشرين الثاني 1914 وبدأت عملياتها العسكرية ضد الدولة العثمانية وفي 1918 أكملت بريطانيا سيطرتها على العراق بولاياته الثلاث المعروفة (بغداد- موصل - بصرة ) وكان البريطانيون قد وعدوا العرب بالاعتراف باستقلالهم ودولتهم الموحدة عندما أعلنوا ثورتهم العربية على الأتراك العثمانيين، ولذلك أعلن الجنرال مود قائد القوات البريطانية التي دخلت بغداد في 11 آذار 1917انهم جاءوا محررين لا فاتحين، لكن البريطانيين تنكروا لوعودهم وبدأوا يعملون على ترسيخ استعمارهم العراق من خلال نظام الانتداب الذي ابتدعوه مع القوى الكبرى المنتصرة في الحرب للسيطرة على المناطق العربية التي كانت خاضعة للسيطرة العثمانية، وكان هذا النظام يعني من الناحية الشكلية انتداب عصبة الأمم دولة كبرى على منطقة معينة لمساعدة أهلها على تقرير مصيرهم. اما من الناحية العملية، فقد كان الانتداب وسيلة للاستعمار ولذلك عده الشعب العراقي قناعاً للسيطرة البريطانية على العراق.
أعلن الانتداب البريطاني في 25نيسان 1920، فرفضه الشعب العراقي وطالب بعقد مؤتمر عراقي منتخب يقرر شكل الحكم والحاكم في العراق. وعندما ماطلت بريطانيا باستجابتها لهذا المطلب وعملت على اضطهاد الشعب العراقي ثار الشعب في 30 حزيران 1920، واندلعت الصدامات بين الثوار والقوات البريطانية.
وقد قاتل العراقيون (بالمكوار والفاله) وبكل ما يملكون من أدوات بسيطة في مواجهة بنادق ومدفعية البريطانيين. ومع ان ثورة العشرين لم تحقق أهدافها فقد كانت نموذجاً حياً للحركة الوطنية في العراق ونبراساً مضيئاً في الوقوف في وجه الاستعمار البريطاني.

تأسيس الدولة العراقية الحديثة
كانت ثورة العشرين درساً بليغاً لقنه العراقيون للبريطانيين، فكان لابد لهم من مهادنة الشعب العراقي فتشكلت الحكومة العراقية المؤقتة التي رأسها نقيب إشراف بغداد عبد الرحمن الكيلاني لإدارة شؤون البلاد. وقد استمرت تلك الحكومة المؤقتة على العمل إلى ان انتخب الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على العراق في شهر أب عام 1921. وكان الشعب العراقي قد طالب، في الاستفتاء الذي أجرته السلطات البريطانية عام 1918- 1919 في مستقبل العراق، بأن تشكل حكومة عربية يرأسها احد انجال السريف حسين قائد الثورة العربية عام 1916، على ان يكون مقيداً بمجلس وطني ينتخبه الشعب، فكان اختيار الملك فيصل الأول لحكم العراق يمثل استجابة لمطالب العراقيين.
اصطدم الملك فيصل الأول بالبريطانيين لأنه رفض توقيع المعاهدة العراقية البريطانية التي اقترحتها بريطانيا، لأنها تضمنت بنود نظام الانتداب الذي يرفضه الشعب العراقي، ولان الملك فيصل أراد هو والقوى الوطنية ان تكون المعاهدة بديلاً من الانتداب لتنظيم علاقات العراق ببريطانيا على أساس الاستقلال التام للعراق، في حين أرادت بريطانيا ان يستمر الانتداب بصيغة المعاهدة. وقد عبرت القوى الوطنية عن رأيها هذا في الذكرى الأولى لتتويج الملك فيصل عام 1922، وفي اليوم نفسه أعلنت السلطات البريطانية على نحو مفاجئ إصابة الملك فيصل بالزائدة الدودية وإجراء عملية له. فتسلم المندوب السامي البريطاني السلطة في البلاد ووجه ضربة قوية إلى الحركة الوطنية وفير الملك بين إلغاء الحكم الوطني وتوقيع المعاهدة، فلم يجد الملك خياراً غير ترقيع المعاهدة شريطة موافقة المجلس التأسيسي العراقي، الذي يجب ان ينتخبه الشعب بكامل حريته، عليها.
قاطع الشعب العراقي انتخابات المجلس التأسيسي في البدء لأنه وجد في الظروف القائمة ما يحول دون إجرائها بحرية، وعندما اضطر الانكليز إلى رفع تلك القيود جرت الانتخابات، ويمكن القول أنها الانتخابات النيابية الوحيدة التي جرت في العهود السابقة ولم تشهد، تدخلاً أو تزويراً، ولهذا رفض المجلس التأسيسي العراقي المصادقة على المعاهدة العراقية البريطانية عندما عرضت عليه، وكشف عن عيوبها التي تمس الاستقلال. إلا ان الانكليز جمعوا نحو نصف أعضاء المجلس ليلة 10/11حزيران 1924 وخيروهم بين المصادقة على المعاهدة أو إلغاء الكيان السياسي للعراق وإعادة السيطرة البريطانية المباشرة وحل المجلس التأسيسي، واتخذت بعض الإجراءات بهذا الاتجاه، فاضطر الحضور إلى المصادقة على المعاهدة شريطة ان ينظر في تعديلها فور انتهاء المجلس من أعماله، ثم ناقش المجلس مسودة أول دستور عراقي وقانون الانتخابات وصادق عليهما، وانحل المجلس في أب من العام نفسه.
بدأت مسيرة الدولة العراقية على أسس دستورية بداية عام 1925، غير ان وجود نظام الانتداب وسعي بريطانيا إلى ترسيخ مصالحها قد أديا بتلك المسيرة إلى الانحراف في الكثير من جوانبها، إذ عملت بريطانيا على تزوير الانتخابات النيابية والإتيان بمجالس لا تمثل الشعب تمثيلاً حقيقياً، وحصلت على امتيازات النفط بشكل أجحف بحقوق العراق في ثروته الوطنية وحاولت إشاعة التفرقة بين أبناء الشعب وعرقلت تشريع قانون الخدمة العسكرية الإلزامية للحيلولة دون تطوير الجيش العراقي الذي تشكلت نواته منذ 6كانون الثاني/ 1921، واستمرت على التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد في ظل نظام الانتداب، فكانت الإدارة العراقية مزدوجة لان لكل وزير عراقي مستشاراً بريطانياً ولكل متصرف «محافظ حالياً» مفتشاً إدارياً بريطانياً، ويناقش الملك في سلطته المندوب السامي البريطاني.
أصر الشعب العراقي والملك فيصل الأول على إنهاء الانتداب البريطاني وضغطا كثيراً لتحقيق الاستقلال، فرضخت بريطانيا للأمر، وأدخلت العراق عضوا في عصبة الأمم، والفت نظام الانتداب عام 1932، ومع ذلك فأنها أبقت استقلال العراق مقيداً بمعاهدة وقعها الطرفان عام.193، لذلك كان استقلال العراق ناقصاً أو شبه استقلال.
توفي الملك فيصل الأول على نحو مفاجئ في السنة التالية لدخول العراق عصبة الأمم، واعتقد الناس انه مات مسموماً بيد الانكليز فولدت وفاته فراغاً كبيراً لكونه مؤسساً للدولة العراقية الحديثة وحل محله ولده الملك غازي الذي عرف بعدائه لبريطانيا ومهاجمتها بسبب تشجيعها الهجرة اليهودية إلى فلسطين وعدم منع الصهاينة من تهجير العرب، ومساعدتها إياهم على الاستيطان م وقد جعل الملك غازي من العراق مركزاً لتجميع العناصر القيادية العربية الداعية إلى الوحدة العربية وإنقاذ فلسطين من الصهاينة، فاصبر العراق منطلقاً لحركة القومية العربية والتجأ إليه العرب القوميون الهاربون من طغيان الاستعمار البريطاني والفرنسي في فلسطين وسوريا ولبنان.
لقد تميز عهد الملك غازي بالاتجاه إلى تحقيق استقلال المراق ووحدته الوطنية من اجل الوحدة العربية. إلا ان أماله انتهت بمقتله في حادث سيارة غامض عام 1939 ومازالت الشكوك تحوم على الانكليز في تدبير الحادث، فخلفه ابنه فيصل الثاني على العرش ولأن سنه القانونية لم تكن تسمر له باعتلاء العرش لصفره فقد أصبح خاله الإله وصياً على عرش العراق.

الثورات الشعبية والانتفاضات
لم تكن سياسة عبد الإله ورئيس الوزراء نوري السعيد شبيهة بسياسة الملك فيصل الأول والملك غازي ومبادئهما، فقد اتجها إلى التحالف مع الانكليز ضد مصالح الشعب العراقي وأمانيه بالاستقلال التام، وعندما قامت الحرب العالمية الثانية أعلن عبد الإله ونوري انضمام العراق إلى معسكر الحلفاء، في حين كان الشعب العراقي وضباط الجيش يريدون الوقوف على الحياد لدراسة الموقف الدولي والتصرف بالشك الذي يخدم القضية الفلسطينية ومصلحة العراق الوطنية والقومية.
لقد تطور الخلاف بين نوري السعيد وعبد الإله من جهة وقادة الجيش العراقي الأربعة صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد ومحمود سلمان وكامل شبيب ورفيقيهم من المدنيين رشيد عالي الكيلاني ويونس السبعاوي من جهة أخرى واتخذ شكل صدام والقيام بثورة قومية في العراق بعد ان تشكلت قيادة عراقية عربية بمشاركة ممثل فلسطين أمين الحسيني وبدعم السياسيين العرب في العراق، فقامت ثورة نيسان - مايس 1941واقصت الوصي عبد الإله ونوري السعيد عن السلطة وشكلت حكومة عراقية ذات أهداف قومية برئاسة رشيد عالي الكيلاني وكان هدفها ضمان استقلال العراق التام والعمل على تخليص فلسطين من الصهيونية ومحاولاتها إقامة كيان لها فيها. كما أعلنت الثورة هويتها الوحدوية العربية، لذلك حظيت بمساندة البعثيين الأوائل في سوريا.
لم يرق بريطانيا قيام الثورة في العراق، فهاجمت القوات البريطانية العراق، ودارت معارك منذ الثاني من مايس بين الجيش العراقي والقوات البريطانية الغازية، كما شاركت في المعارك إلى جانب الجيش العراقي قوات عربية من المتطوعين العرب من سورية وفلسطين ولبنان ونظم يونس السبعاوي حركة المقاتلين العراقيين والعرب وأشرف على المقاومة الجماهيرية لحماية الثورة، إلا ان الغزو البريطاني تمكن من تحقيق أهدافه الاستعمارية في السيطرة على العراق وعاد الوصي عبد الإله ونوري السعيد إلى الحكم بحراب البريطانيين. واستمر الوصي والانكليز يطاردون قادة الثورة وتمكنوا من إعادتهم إلى العراق، بعد مغادرتهم إياه اثر فشل الثورة ونفذ حكم الإعدام بالضباط الأربعة وبيونس السبعاوي وأودع السجن العشرات من الوطنيين والقوميين العراقيين والعرب.
إن إعدام قادة الثورة قد أدى إلى طريق اللاعودة بين الجماهير والنظام، إذ أصبح في عهد عبد الإله ونوري السعيد منفصلاً تماماً عن الأهداف الوطنية والقومية فرفع الشعب سعار إسقاطه.
تميزت الفترة التي أعقبت ثورة نيسان مايس 1941 بالانتفاضات الجماهيرية المتعاقبة التي تتوجت بقيام ثورة 14تموز 1958 التي الفت النظام الملكي وأعلنت النظام الجمهوري. ففي سنة 1948 انتفض الشعب العراقي على حكومة صاع جبر التي وقعت معاهدة بور تسموث مع بريطانيا، إذ وجد الشعب ان تلك المعاهدة ستعزز النفوذ البريطاني في العراق ولن تقود إلى الاستقلال التام. وقد أجبرت التظاهرات الضخمة التي اندلعت في العاصمة بغداد وبقية المدن العراقية حكومة صالح جبر على الاستقالة وإهمال معاهدة بورتسموث. ثم تجددت الانتفاضات الجماهيرية عام 1952 احتجاجاً على الفساد في أجهزة الحكم والإجراءات القسرية التي اتخذت ضد الحركة الوطنية، وفي المقدمة طلبة كلية الآداب والعلوم، ثم أعقبتها انتفاضة جماهيرية أخرى عام 1956على الموقف المخزي والمهادن الذي اتخذته وزارة نوري السعيد من العدوان الثلاثي على مصر بعد تأميم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قناة السويس، فقد هب العراق من شماليا إلى جنوبيه مؤيداً الشعب العربي في مصر الذي كان يقاوم الإنزال البريطاني- الفرنسي- الصهيوني. وكان التحالف الصريح للنظام مع الاستعمار البريطاني ودخوله حلف بغداد الاستعماري ووقوفه ضد إرادة الجماهير والجيش قد قاد إلى قيام جبهة الاتحاد الوطني التي تكونت من الأحزاب الوطنية والقومية في العراق، وفي مقدمتها حزب البعث العربي الاشتراكي. وقد نسقت الجبهة العمل بينها وبين تنظيمات الضباط الأحرار في الجيش العراقي، وكانت ثمرة هذا التعاون قيام الثورة عام 1958.

ثورة البعث
استبشر الشعب العراقي بالعهد الجمهوري الجديد وتطلع إلى الحرية.الاستقلال والوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة، ولكن رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم انحرف بمبادئ الثورة وعمل على شق وحدة الشعب العراقي وعزل العراق عن الأمة العربية، وقاوم كل الاتجاهات والأحزاب القومية الوحدوية وفي مقدمتها حزب البعث العربي الاشتراكي واصبر العراق مرتعاً للحركة الشعوبية المنحرفة عن المبادئ والقيم العربية الإسلامية، فقامت ثورة الموصل بقيادة الشواف عام 1959، وأدى فشلها إلى إعدام كوكبة لامعة من الضباط القوميين الأحرار كان في مقدمتهم ناظم الطبقجلي ورفعت الحاج سري، مما عجل بخطط حزب البعث العربي الاشتراكي للتخلص من عبد الكريم قاسم فقاد صدام حسين ورفاقه البعثيون عملية التخلص من عبد الكريم قاسم حين هاجموا سيارته في شارع الرشيد بعد أسبوع واحد من تنفيذ أحكام الإعدام المذكورة وأمطروها بوابل من الرصاص والقنابل، لكن قاسم نجا بأعجوبة وتعرض البعثيون للمحاكمات والمطاردة والاضطهاد إلا ان الحزب تمكن من إعادة تنظيم نفسه ليقود في 8شباط من عام 1963 أول ثورة شعبية في الوطن العربي، وهي ثورة 14رمضان التي قضت على حكم عبد الكريم قاسم المنحرف.
ولم تستمر ثورة رمضان طويلاً، إذ تعرضت لتآمر الاستعمار والرجعية والتفافهما عليها، فنفذ عبد السلام عارف مؤامرته على الثورة في 18تشرين الثاني،وهو الذي جاءت به الثورة رئيساً للجمهورية على الرغم من انه لم يشارك فيها أو يعرف شيئا عنها، وشن حملة تصفية للمناضلين البعثيين. وقد اتصفت فترة الحكم العارفي بالضعف والفردية وشهد العراق تكالب أجهزة التجسس والمخابرات الأجنبية للسيطرة على البلاد. فكان لابد للبعثيين من ان ينهضوا من جديد على الرغم من الإرهاب والتعذيب والسجون، وكان لوجود (القائد الضرورة ) الرئيس القائد صدام حسين الأثر الرئيس والكبير في إعادة تنظيم البعثيين، ومن ثم قيادته وتفجيره ثورة 17-30 تموز 1968 التي أعادت العراق إلى مسيرته القومية التقدمية والحضارية.

لقد حققت الثورة انجازات ومكتسبات كثيرة على الصعيدين القطري والقومي والصعيد الدولي، فقد صدر في الأول من حزيران عام 1973 قرار التأميم الخالد الذي أعاد إلى الشعب العراقي سيطرته على ثرواته النفطية بعد ان كان الأجنبي يستغلها لمصلحة الدول الاستعمارية. وكان لقرار التأميم بعده القومي الخطير أيضاً لأنه كان أول ضربة حاسمة يوجهها الشعب العربي إلى الامبريالية منذ نكبة الخامس من حزيران، وأول انتصار تحققه الأمة العربية منذ سنوات طوال. ثم اتجه الحزب إلى إقامة الجبهة الوطنية والقومية التقدمية من اجل إرساء قواعد الوحدة الوطنية.


----------------------------
الفصل الثاني 
الأرض والناس


العوامل الطبيعية

تقتضي في مثل هذه الدراسة الجغرافية الوصفية العامة معرفة ثلاث حقائق مهمة قبل البدء بتصنيف العوامل الطبيعية والبشرية والاقتصادية وتقويمها. فمعرفة موقع العراق وحجم مساحته وشكلها يعد مدخلاً علمياً سليماً لها. فكل حقيقة منها تؤدي دوراً مهماً في جغرافية القطر والإقليم. ولكي تتضح حقيقة ذلك لابد من مناقشة واقع كل منها بشيء من الإيجاز.

أ- الموقع

يشغل العراق موقعاً فلكياً بين دائرتي عرض (260° و3715°) شمالاً وخطي طول (3845° و484°) شرقاً. وهذا موقع يضعه كلياً في المنطقة المعتدلة الشمالية ويتيح له ظروفاً ينعم فيها بفصول مناخية تحفز الإنسان إلى النشاط وتحثه على العمل.
أما موقعه المجاور فيضعه إلى جوار أقطار عربية وبلدان غير عربية. فمن الشمال تحده تركيا ومن الشرق إيران ومن الغرب سورية والأردن ومن الجنوب المملكة العربية السعودية والكويت والخليج العربي. ويبين (جدول 1) أطوال حدود العراق مع الأقطار والبلدان المجاورة.



(جدول-1)
(أطوال حدود العراق مع الأقطار والبلدان والمجاورة)

الأقطار والبلدان المجاورة
النسبة المئوية
الطول/كيلو متر
سورية
الأردن
السعودية
الكويت
تركيا
إيران
17.5
4.1
23.7
5.7
11
38
600
140
812
195
377
1300
المجموع
100
3424

ظل سكان العراق طوال تاريخهم ينشدون إقامة علاقات سليمة طيبة بجيرانهم، فقد مهدت حضارتهم الزراعية الطريق لعلاقات تجارية مهمة. ويصدق هذا القول في الوقت الحاضر أكثر من أي وقت مضى. فثروته الزراعية المتنامية وغناه المعدني الوفير لا يتركان مجالاً أو حافز يحيد بالعراق عن مواصلة علاقته التاريخية السليمة وتأكيدها.
ولموقع العراق أهمية بالغة على المستوى الإقليمي والدولي منذ أقدم الأزمان، إذ ان موقعه عند ملتقى قارة أسيا وإفريقيا وأوربا من ناحية وعلى اقصر طرق اليابسة التي تربط المحيط الهندي بالبحر المتوسط من ناحية أخرى جعل منه إحدى مناطق الارتكاز في العالم. ان دجلة والفرات لا يؤمنان مياه الري وحاجات الإنسان المباشرة حسب، بل هما يمهدان طرقاً يسلكها السائرون. فالانتقال، كما يقال، يتبع اقل المسالك صعوبة. وكان يومئذ من السهل الانتقال من وادي الرافدين إلى سواحل البحر المتوسط عبر وادي الفرات، ومع تقدم الحضارة وتحسن ظروف المعيشة ازدادت أهمية موقعه، فلا عجب ان تزدحم طرقه الخارجية الحديثة بوسائط النقل تحمل سلعاً من أماكن نائية إلى نقاط وصول بعيدة متباينة. وتطير في سمائه الزرقاء الصافية طائرات خطوط الطيران الدولية ليل نهار.

ب- المساحة
تبلغ مساحة العراق (438317) كيلو متراً مربعاً. وهذه مساحة تفوق مساحة كثير من بلدان أوربا عدا الاتحاد السوفيتي سابقاً وفرنسا واسبانيا، ونظراً لتباين معطياتها الطبيعية فان ارض العراق يمكن ان تعيل عدداً كبيراً من السكان وتؤمن لهم غذاءهم ومقومات عيش رغيد ويمكن ان تدر هذه الأرض خيرات على نطاق أعظم مما كانت تدره وتبقي العراق مزدهراً منيعاً على مر السنين.

ج- الشكل
إن لشكل العراق فائدة جُلَّى في الكثير من الأمور، إذ يكاد يكون شكلاً دائرياً مثالياً تحتل فيه العاصمة بغداد موقعاً مركزياً، ولمثل هذا الشكل المتلاحم أفضليته ومزاياه من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والحضارية والوحدة الوطنية فهي تقلل من صعوبات السفر إلى حدها الأدنى وتختزل تباين البيئات الطبيعية، وتقصر الطوال الحدود التي لابد من حمايتها. فالسفر، على سبيل المثال، لا يستغرق سوى ساعات معدودة بسكك الحديد أو السيارة إلى أي مكان في القطر.

د- ميزان
يتميز العراق بخصائص مناخية قارية لوقوعه بعيداً عن المحيطات والبحار. فحرارة الصيف وجفافه، وبرودة الشتاء وأمطاره تعد ملامح منافية رئيسة. ويقع العراق معظم أيام السنة تحت تأثير منطقة ضغط عال تعمل على هبوب ريا- دافئة جافة من طبقات الجو العليا. وتستمر حركة الهواء هذه في فصل الصيف من الشمال والشمال الغربي مكونة رياحاً حارة جافة (الشمال) تهب معظم أيام الصيف بنسبة لا تقل عن 90 في المائة ولكن تيار الهواء هذا لا يستمر على وتيرة واحدة في فصل الشتاء، إذ غالباً ما ينقطع هبوبه بفعل مرور الأعاصير وما يصحب ذلك من هبوب رياح متغيرة الاتجاهات. وهذه الأعاصير جزء من دورة الرياح الغربية غير المنتظمة التي تسود في العروض الوسطى.
وينتقل سير هذه الرياح في فصل الشتاء جنوباً بتأرجح نطاق الضغوط المدارية في هذا الاتجاه. ويبلغ معدل عدد الأعاصير المارة بالعراق في الفصل البارد من 120 إعصاراً. ويقترن سقوط معظم الأمطار على العراق بمرور هذه الأعاصير الضعيفة. وقد يتطور بعضها ويتسع من حين إلى آخر ويبقى مستقراً في البلاد عدة أيام.وتسبب مثل هذه الأعاصير هبوب رياح بحرية مصحوبة بهطول أمطار غزيرة على مناطق السهول وسقوط كميات كبيرة من الثلوج على الجبال. وتزداد عموماً كميات الأمطار الساقطة تدريجياً كلما اتجهنا نحو الشمال الشرقي، إذ تزداد كميتها من (50 ملم) في الزاوية الجنوبية الغربية من العراق إلى (1000ملم) في المنطقة الجبلية العالية الواقعة في الشمال الشرقي منه. وتعزى كثرة التساقط في هذه المنطقة إلى تأثير عامل مزدوج من النشاط الإعصاري والحاجز الجبلي. ويعد خط المطر المتساوي (200ملم) خطاً مهماً، على العموم، يرسم الحد الجنوبي لمنطقة الزراعة الديمية ولكن درجة تذبذب الأمطار السنوية عالية جداً، إذ لا يطل الحد الجنوبي لمنطقة الزراعة الديمية محتفظاً بموضع ثابت. فبعض فصول الشتاء جافة، في حين بعضها الأخر وافر الأمطار. وتبعاً لذلك تنتقل خطوط الأمطار المتساوية إلى الشمال الشرقي في السنوات الجافة والى الجنوب الغربي في السنوات الرطبة. ويمكن ان نتبين هذا التباين بين أعلى متوسط للأمطار السنوية وأدناه واختلاف مقاديرها الشهرية.
يعد الاختلاف الجغرافي والزمني لسقوط الأمطار من الحقائق المهمة بالنسبة إلى الزراعة الجافة. فسقوط كميات إضافية من المطر في الربيع يترك أثاراً ايجابية في إنتاج القمح والشعير. ويضاف إلى كل هذا ان هناك اختلافاً في مقادير ما يسقط من الأمطار شهرياً، إذ يبلغ عدد الأيام الممطرة في البصرة والرطبة وبغداد والموصل 51، 55، 48، 59 يوماً تباعاً.

درجة الحرارة
من الأمور المعتادة ذكر معدل درجات الحرارة في الأوصاف المناخية. ويعتمد الفرق بين أعلى درجات وأوطئها، يومياً وسنوياً، على موقع المكان سواء أكان قريباً من البحر أم في اليابسة. ويعد ارتفاع معدل درجة الحرارة اليومي والسنوي من الخصائص البارزة لظواهر المناخ القاري. وهو ما يمكن ان نتبينه في ظواهر درجات حرارة مدينة بغداد، إذ يبلغ معدل درجة الحرارة السنوية فيها (22.5°م) في حين يهبط معدل درجة الحرارة الصغرى في شهر كانون الثاني (يناير) إلى (4م°) ويرتفع معدل درجة الحرارة العظمى في شهر أب (أغسطس) إلى(43.2م°) ورطوبة الهواء النسبية في مدينة بغداد واطئة في الأرجح، إذ تتباين رطوبة الهواء النسبية من 44في المائة في حدودها القصوى أيام أب (أغسطس) إلى 21في المائة في حالاتها الدنيا. ويتراوح عدد الأيام الصاحية في العراق بين (198) يوماً في الموصل و(207) في بغداد، وبهذا يصبح من مناطق الطاقة الحرارية العالية. وتصبح الطاقة الشمسية المتاحة مورداً متجدداً من موارد الثروة القومية. وهذا يعني من ناحية أخرى ان العراق بفضل طول النمو فيه (أي المدة الخالية من الصقيع) وما يتوافر فيه من موارد مائية يستطيع ان يزرع كل ما يمكن زراعته في مناطق العروض الوسطى والدنيا من محاصيل.

أنواع المناخ

يمكن تصنيف مناخ العراق في ضوء درجات الحرارة وكميات الأمطار المتساقطة إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي:

1- مناخ البحر المتوسط:
يتصف هذا النوع بشتاء ممطر بارد نسبياً وبصيف حار جاف ويظهر هذا المناخ على نحو واضح متميز في المناطق الجبلية. وعليه فان سقوط الثلج أمر شائع شتاء وتتراوح كمية الأمطار الساقطة بين (400ملم) في المناطق الواطئة و(1000 ملم ) في المناطق العالية. أما درجات الحرارة صيفاً فلا يزيد معدلها على 35 م في مناطق السفوح الدنيا ويقل كثيراً جداً على السفوح العالية الظليلة.

2- مناخ السهوب:
وهذا يمثل مناخا انتقاليا بين مناخ البحر المتوسط في الشمال والمناخ الصحراوي في الجنوب، اما الحقائق الأساسية التي ترسم حدوده فتجمع بين ارتفاع درجات الحرارة وقلة ما يسقط من أمطار، وتتراوح كمية الأمطار الساقطة فيه بين (200ملم) إلى (400ملم) ويسقط معظمها في الفصل البارد من السنة إذ ننخفض درجة التبخر إلى حدها الأدنى.

3- المناخ الصحرواي الحار:
تسود سهول العراق ظروف مناخ صحراوي حار، ان تساعد نقاوة الهواء على اشتداد أشعة الشمس وارتفاع درجة الحرارة العظمى حداً يتراوح بين 45م°و50°م كما يزداد معدل درجة الحرارة اليومي ازدياداً كبيراً جداً. أما الليالي فطقسها منعش بارد مما يحدو الناس على النوم في الهواء الطلق. ويسود طقس دافئ مشمس في فصل الشتاء ويندر ان تهبط درجة الحرارة إلى اقل من درجة التجمد.

هـ - السطح:
تكون الجبال والهضاب والتلال والسهول والوديان والأنهار والبحيرات معالم السطح الرئيسة في العراق. وتترك أشكال السطح أثاراً مهمة في أنماط الحياة والاقتصاد فيه. وتكون أشكال السطح مع ظروف المناخ السائدة ظهيراً ثابتاً يستند إليه تاريخ العراق. ومن الطريف ان نجد في مساحة محدودة مثل مساحة العراق أمثلة جيدة لمختلف أشكال السطر التي تكون ظواهر سطح الكرة الأرضية.
إن العراق والخليج العربي يمثلان كتلة هابطة من القشرة الأرضية مثلها في ذلك مثل البحر الأحمر حتى أنها تأخذ الاتجاه الذي يتجه إليه، فقد كان العراق منذ ملايين السنين يقع في خضم بحر ضحل. ثم رسبت في هذا البحر رواسب بحرية جيرية في الأغلب. كما نقلت إليه الأنهار من الأراضي المجاورة رواسب غرينية. وهكذا بدأ البحر يضمر تدريجياً.
في زمن جيولوجي تال تعرضت الرواسب التي كانت تغطي قاع هذا البحر لحركات في القشرة الأرضية بدأت منذ مدة تراوحت بين 30 و50 مليون سنة مضت. وتكونت تدريجياً أقواس وأحواض. كونت الأقواس مناطق المرتفعات في حين أصبحت الأحواض ودياناً. وما تزال حركة بناء الجبال مستمرة في العراق ولكن ببط ء شديد. وكان مناخ العراق في أثناء ثلاث فترات مطيرة صاحبت العصور الجليدية التي اجتاحت أوربا أكثر أمطاراً مما عليه اليوم. تعرض سطر العراق في تلك الفترات إلى تعرية نهرية واسعة عدلت من معالم سطحه، فانخفضت الجبال وطمرت الأودية كما طمر الجزء الجنوبي من هذا الحوض الواسع برواسب من الحصى والرمل والطين. ثم سادت بين هذه الفترات المطيرة ظروف مناخية مشابهة لمناخ القطر الآن عطلت عمليات التعرية وحدت من شدتها وساعدت على تكون مدرجات نهرية على امتداد الأنهار وروافدها في المنطقة الوسطى والشمالية من العراق، إذ يمكن، على سبيل المثال، مشاهدة ثلاثة مدرجات تعرية نهرية على الضفاف الشرقية لنهر دجلة في منطقة تكريت.
وإذا أخذنا مستوى ارتفاع الأرض عن مستوى سطر البحر معياراً أساسياً لامكن تقسيم سطر العراق إلى أربعة أقاليم هي:

1- إقليم الجبال:
تشغل الجبال بمناظرها الفخمة الرائعة مساحة قدرها (92.000) كيلو متر مربع أو حوالي (21) في المائة من مجموع مساحة القطر. وتمتد هذه على نحو رئيس في شمالي وشمال شرقي العراق. وتتكون من سلاسل جبلية تسير موازياً بعضها بعضاً تفصل بينها أودية طولية. ولكن هذه السلاسل برغم ذلك، لا يبقى بعضها بمعزل عن بعض إذ تربط بينها فجاج ضيقة كونتها انهار الأحواض الداخلية. وقد تعرضت الجبال، في معظم أجزائها، لتعرية كبيرة ورسبت أنقاض موادها في المناطق الممتدة أمامها وفي بطون الأودية. وتتكون هذه السلاسل من طبقات صخور كلسية التوائية تتباين من التواءات بسيطة في الجنوب إلى التواءات معقدة في الشمال تفصل بينها أحواض مثل سهل السندي والزاب وراوندوز ويتراوح ارتفاع المنطقة الأولى بين (5000 و6000) قدم فوق سطح البحر في حين يتراوح الارتفاع في منطقة الالتواءات المعقدة بين (7000و 1000) قدم. ويكثر في المنطقة الجبلية عموماً وجود انكسارات وصخور متحولة وظواهر تضاريسية أخرى كونتها عوامل التعرية الجليدية كالوديان المعلقة والدارات والمدرجات. اما الجهات العالية منها فيكسوها غطاء جليدي دائم. وتصل هذه الجبال أقصى ارتفاعاتها عند قمة حصاروست التي ترتفع (36.7) أمتار عن سطح البحر.
وينتشر في هذا الإقليم كثير من الظواهر التضاريسية آلتي تتميز بها المناطق الجبلية عموماً من شلالات وجنادل ومندفعات نهرية وفجاج عميقة وضيقة.
وتفصل بين هاتين المنطقتين الجبليتين سهول كثيرة من مثل سهل رانية وشهرزور، والأول سهل كلوي الشكل يقع في منطقة الزاب الصفير ويتراوح ارتفاعه بين (1600- 2000) قدم ويمتد (30) كيلو متراً، اما اتساعه فيتراوح بين (20-30) كيلو متراً. أما شهرزور فهو سهل حوضي الشكل يتراوح ارتفاعه بين (1500-2000) قدم فوق سطر البحر، ويمتد مسافة (5) كيلو متراً من الشرق إلى الغرب ولكن اتساعه يضيق من الشمال إلى الجنوب حتى يبلغ (15) كيلومتراً. ويعكس الغطاء النباتي في هذا الإقليم الجبلي الظروف المناخية المحلية، إذ ترسم درجات الحرارة وكميات المطر الساقطة الحد الأدنى لنمو الأشجار. وتقع هذه الحدود على ارتفاع (1000) متر في مناطق لا يقل نصيبها من المطر عن (500ملم). وتنمو أشجار العرعر في الجهات العليا من نطاق الغابات في حين تنمو على نطاق واسع أشجار الجوز واللوز والدردار والقيقب في مناطق متوسطة الارتفاع. ويكثر نمو أشجار الفستق والزيتون في الأمكنة الجافة من هذه المناطق.
وينحصر خط الأشجار الداخلي في مناطق لا يزيد ارتفاعها على (1500) متر فوق سطر البحر ولا تقل فيها كميات الأمطار الساقطة عن (500ملم) وتنمو الحشائش «الالبية» في مناطق يزيد ارتفاعها على ذلك. وهذه مناطق رعي طبيعية تنتقل إليها في فصل الصيف قطعان كبيرة من الأغنام والمعز، إذ يصعد الرعاة في هذا الفصل بقطعانهم متتبعين ذوبان الثلوج حتى يصلوا إلى ارتفاع (9000)قدم. ويمكن ملاحظة ذلك على سفوح جبل حصاروست الواقع إلى الشمال الشرقي من راوندوز. اما في الخريف فان هذه الهجرة تأخذ اتجاها معاكسا إذ يبدأ الرعاة رحلة العودة بقطعانهم إلى بطون الأودية.
وتسود الزراعة الواسعة سهول هذا الإقليم حيث تستغل الأراضي في سهلي رانية وراوندوز شتاء في زراعة القمر والشعير. اما في بقية فصول السنة فتسود فيهما زراعة كثيفة مختلطة وقد أصبحت زراعة الخضراوات والفواكه والبنجر السكري من المحاصيل الزراعية الرئيسة في الإقليم.

2- الأراضي المتموجة:
يقع هذا الإقليم إلى الجنوب والغرب من إقليم الجبال وتغلب على مظهر سطحه كثرة التلال. ويشغل مساحة تبلغ حوالي (42000) كيلو متر مربع، أو نحو (9.6) في المائة من مساحة العراق الكلية. ومع ان هناك بعض الشبه بينه وبين إقليم الجبال إلا ان ثمة اختلافاً واضحاً في ظواهر السطح بينهما. ويبدو ان هذا الإقليم قد تعرض لحركة التواء من حركات القشرة الأرضية في مرحلة متأخرة. لذا فانه يتكون من سلاسل تلال تمتد على نحو يوازي فيه بعضها بعضاً، وأودية واسعة قليلة العمق وسهول واسعة حفرت الأنهار فيها أوديتها النهرية.
ويتراوح ارتفاع تلاله على العموم بين (200و1000)متر، أما تضاريسها المحلية، أي الفرق بين اقل النقاط ارتفاعاَ وأعلاها، فتزيد على (500) قدم في كل كيلو متر مربع ولكنها تقل عن (2500) قدم. ويتكون الإقليم من طبقات من الحصى والصخور الرملية. ويمكن ان يقسم هذا الإقليم طبقاً لبنية وأشكال سطحه والمرحلة التي بلفتها عملية التعرية في رسم معالمه إلى عدة سهول وهضاب وجبال وحافات وتلال. وإذا أردنا ان نلم بصورة تضاريسه كاملة نعرض أقسامه عرضاً موجزاً: الجبال واطئة نسبياً. فسنجار سلسلة التوائية تمتد باتجاه شمالي شرقي يتراوح ارتفاعها بين (2800 و4800) قدم. وقد حفرت التعرية كثيراً من الأودية قطعت حافتها الجنوبية قطعاً شديداً وتركت حافات صغيرة تبرز هنا وهناك. أما الهضاب فقليلة العدد وأشهرها هضبة الموصل وكركوك. وتستطع سطح هضبة الموصل أودية قليلة العمق تبرز فيها تلال ترتفع نحو (1000) قدم عن بطون الأودية المحيطة بها.
وللسهول حظها في هذا الإقليم مثل سنجار واربيل. وسهل أربيل حوض مثلث الشكل ملأته عوامل التعرية النهرية برواسب غرينية. وارتفاع السهل لا يستقيم على مستوى واحد إذ يصل ارتفاعه إلى (1800) قدم عند حافته الشرقية يهبط إلى ارتفاع (1000) قدم في جهاته الغربية. وساعدت تربته الخصبة وأمطاره الشتوية الوافية على إيجاد قاعدة جيدة لاستغلال زراعي ناجح. وتحتل زراعة القمح والشعير مكان الصدارة بين محاصيل الشتاء في حين تؤمن مصادر المياه الجوفية ما يلزم هن الماء لري كثير من المنتجات في بقية فصول السنة.

3- السهل الرسوبي
وهو سهل دجلة والفرات الذي كان يعرف في التاريخ القديم باسم سهل (سنعار). ثم سمي فيما بعد بأرض السواد لكثرة إنتاجه الزراعي. ويقع وسط العراق وجنوبيه. تبلغ مساحة السهل الرسوبي، بما في ذلك الاهوار والبحيرات نحو(30.2) في المائة من مساحة العراق. ويمتد عموماً من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي مسايراً اتجاه دجلة والفرات وشط العرب.
وكان هذا السهل قد امتلأ برواسب نقلتها إليه الأنهار في أثناء الزمن الجيولوجي الرابع والحديث. والى جانب رواسب دجلة والفرات هناك مواد أخرى نقلتها الرياح من الصحراء واختلطت بها. وقد رسبت على سطح التربة الأصلية طبقة طينية سميكة نتيجة طغيان المياه أوقات الفيضان وما يصاحب عمليات الري من فيض وغمر حتى ان هذه المواد الطينية تكاد تغطي سطح السهل برمته.
ويأخذ سطح السهل بالارتفاع تدريجياً من الجنوب إلى الشمال.
وساعدت الأنهار المنحدرة من المرتفعات الشرقية على تكوين مراوح غرينية على امتداد حافة السهل الشرقية. ونتيجة لالتحام سلسلة من المراوح الغرينية المتجاورة تكون سهل غريني فسيح عند لحف المرتفعات. وتتفاوت نسبة مواد المراوح الغرينية بين حصى كبيرة عند قممها ومواد ناعمة دقيقة تغطي سفوح نهاياتها. ويقوم في مثل هذه المراوح الغرينية كثير من المدن والقرى مثل مدينتي مندلي وبدرة.
وينبسط سطر السهل الرسوبي في معظم أنحائه انبساطا شديداً إذ يستطيع الناظر، إذا بعد عن الأنهار والأراضي الزراعية، ان يرى استدارة الأفق كاملة دون ان يلحظ انحداراً ملموساً. ولكن أكتاف الأنهار وجداول الري وبعض التلال الواطئة تحول دون استمرار هذا الانبساط الرتيب.
وتعجز الأنهار في هذا السهل عن حمل رواسبها لقلة انحدار مجاريها. وترتب على :لك تكون أكتاف تحف بدجلة والغرات تعلوها سداد للحيلولة دون طغيان الماء وقت الفيضان. إلا ان ذلك، في الوقت نفسه، يجعل من السهل حفر جداول وشق بثوق تنقل الماء سيحاً من النهر إلى المزارع. ولكن شدة الانبساط جعلت السهل في كثير من أنحائه يعاني مشكلة صرف مياه الري ولاسيما الجزء الجنوبي منه الواقع شمالي البصرة. فلا غرو ان اتسعت الاهوار والبحيرات فيه حتى غطت مساحة تزيد على (35000) كيلومتر مربع. ويمكن ان يظهر التوزيع الجغرافي لهذه المناطق المغمورة بالماء في ثلاثة مجالات واضحة. يقع أولها إلى شرقي دجلة وغربيها، ويتمثل الثاني ببحيرة الحمار ويقع الثالث بين شط الحلة ونهر الفرات. وقد عملت السلطات المختصة على تحسين ظروف تصريف المياه في السهل وتخليص التربة من أملاحها بإنشاء جدول تصريف عام يكاد يكون نهرا ثالثا يتوسط دجلة والفرات، ويمتد أقصى شمالي السهل وينتهي في جنوبيه حاملا مياهه إلى الخليج العربي.
وينبت القصب والأثل كثيفا عند حافات هذه الاهوار ومناطقها الضحلة وتعد هذه المنابت أمكنة تفريغ ممتازة لكثير من الطيور المهاجرة شتاء، إذ تفد إليها أسراب كبيرة من البط وغيره من الطيور هرباً من برد شمالي أوربا وطلباًَ ويعد الرز والذرة للدفء والتكاثر الرئيسة التي تزرع عند حافات الاهوار صيفاً، في حين تكثر زراعة الخضراوات ولا سما الطماطم شتاء. أما الحيوانات فتنحصر في الجاموس  إذ تلاءم ظروف البيئة بمياهها ونباتاتها الفضة ما يتفق ومتطلبات تربية هذا النوع من الماشية. ويؤدي هذا الإقليم دوراً اقتصادياً مهماً. ففي هذا السهل توجد أوسع الأراضي الزراعية في العراق وتنتشر في أرجائه اكبر مدنه مثل بغداد والبصرة وكثير غيرهما. ومن السهل ان تستغل تربته الخصبة وأرضه المنبسطة في الزراعة. ولا نذهب بعيداً إذا قلنا ان الإنسان قد ن أول الزراعة هنا قبل غير» في مكان أخر على وجه الكرة الأرضية. فإضافة إلى المحاصيل التي ذكرت أنفاً ينتج هذا السهل كميات كبيرة من القمر والشعير والقطن والذرة وقصب السكر والفواكه والخضراوات وتعد منطقة شط العرب اكبر منطقة لزراعة النخيل وإنتاج التمور في العالم. كما يكثر في هذا السهل إنتاج الألبان وتنتشر فيه حقول تربية الدواجن.
وللثروة المعدنية أهميتها أيضاً في هذا الإقليم. فحقول النفط في محافظتي البصرة وميسان تعد من حقول النفط الكبيرة في العالم. وأصبح النفط والغاز الطبيعي والملح والرمل والطين وأحجار الكلس مواد خاماً لكثير من الصناعات المزدهرة في الإقليم. وتحولت البحيرات التي تتوزع على أكثر من مكان في هذا السهل، من مثل بحيرة الحبانية وغيرها، منتجعات يرتادها الناس أيام عطلهم لقضاء الوقت في السباحة والصيد والتجذيف أو الاستلقاء على شواطئها للتمتع بدفء شمسها شتاء. أما الاهوار من مثل الحمار والحويزة والسنية فتجذب اعدادا متزايدة من الزائرين، إذ تشجع بيئتها أعداداً كبيرة من السكان للتمتع بمشاهدها والتنقل في مجاريها وبين منابتها. ولهذه الاهوار تاريخ عريق وعلى أطرافها بدأ تاريخ الإنسان وازدهرت حضارته.
وحيثما يذهب المرء في هذا الإقليم يجد أثاراً لانجاز حضاري كبير. فلكل مرحلة تاريخية خصائصها الحضارية المتميزة وتوزيعها الجغرافي الواضح حتى كأن السهل يبدو لوحة منمنمة بعناية من جزئه الجنوبي الذي ازدهرت في ربوعه حضارة السومريين إلى أثار البابليين في وسطه، إلى التراث الحضاري العربي الإسلامي الرائع الذي ينتشر في كل مكان. وقد أصبحت كل هذه مراكز حضارية يفد إليها الزائرون من كل حدب وصوب طوال العام للاطلاع على ما أبدعه فكر أهل العراق وبراعتهم في الإنشاء والبناء منذ أقدم العصور.

4- الهضبة الغربية (الصحارى):
وتعد اكبر الأقاليم التضاريسية في العراق، إذ تشغل مساحة قدرها (17817) كيلومتراً مربعاً أو نحو (39.2) في المائة من مجموع مساحة العراق. يرتفع سطو الهضبة تدريجياً من مستوى(400) قدم فوق سطر البحر في الشرق إلى (2000) قدم في الغرب، وعلى النقيض من ذلك تتغير تكويناتها الصخرية وتصبح أكثر حداثة من الناحية الجيولوجية كلما اتجهنا من الغرب إلى الشرق فيها. اما تصريف مياهها السطحية فيتجه عموماً إلى الشرق مسايراً اتجاه السطح العام.
ولكن تفاصيل تضاريس السطح تصرف مياه كثير من الجداول المنحدرة من جبل سنجار إلى الجنوب حتى تنتهي بوادي الثرثار، اكبر منخفضات العراق. وقد استخدم منذ سنة 1956لخزن الفائض من مياه دجلة عن طريق قناة تحويل تبدأ عند سد سامراء. وقد ربط الثرثار بنهري دجلة والفرات وأصبح بالإمكان إعادة كميات وافية من مياه الري إلى النهرين كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
وتوجد ضمن هذا الإقليم الواسع مجموعة من السهول من مثل سهل الوديان وسهل الجزيرة وسهل الحجارة وسهل الحماد وسهل الدبدبة. وينحصر الاختلاف بين هذه السهول في ظواهر طبيعية كالتضاريس المحلية ونوع التكوينات الصخرية.

1- سهل الوديان
لقد تطور هذا السهل في منطقة صخور كلسية وجبسية ويتفاوت سطحه بين الاستواء والتموج. وتخترقه أودية مختلفة الأعماق تأخذ نمط تصريف شجرياً. ولا يخلو هذا السهل من منخفضات منها منخفض الجعارة الواقع في منطقة الوديان الشمالية شمالي مدينة الرطبة.
2- سهل الجزيرة
وهو بقايا بحر قديم ويظهر الآن منطقة مرتفعة مقطعة تخترقها مجموعة من الأنهار تجري في أودية واضحة المعالم. وهذا السهل من الناحية المناخية منطقة واسعة موزعة بين الصحراء والسهوب ويكتسي القسم الشمالي منه في الشتاء والربيع، ولاسيما بعد سقوط الأمطار، بنباتات صحراوية ترعاها الإبل والأغنام كما يتخلله كثير من البحيرات المالحة والمستنقعات والمنخفضات أكبرها منخفض الثرثار.
3- سهل الحجارة:
وهو سهل صخري منبسط تخترقه بعض الأودية الضحلة.
4- سهل الحماد:
يقع هذا السهل في الزاوية الغربية القصوى من القطر وقد تطور في منطقة صخور كلسية ويتميز باستواء سطحه وخلوه من ظاهرة تضاريسية ملموسة.
5- سهل الدبدبة
يشغل هذا السهل القسم الجنوبي من الإقليم، ويقع غربي البصرة. وقد تطور في منطقة تكوينات رملية حصوية ويتفاوت سطحه بين الاستواء وشيء هن التموج ويرتفع في وسط هذا السهل المنبسط -بل سنام إلى نحو (300) قدم. وهو قبة صغيرة تكونت بفعل تدفق صهير باطني إلى مقربة من السطر عمل على تقبب قشرته الخارجية. يرد ذكر مرابع هذه المنطقة ولاسيما صفوان في الشعر العربي القديم وكتب التراث. وساعدت المياه الجوفية في هذا السهل على قيام نشاط زراعي كثيف في بعض المناطق يتركز في إنتاج بعض الخضراوات الصيفية والشتوية. كما تزرع أشجار الأثل للاستفادة منها في أغراض مختلفة.
وتكثر في الهضبة الغربية ظواهر تضاريسية كونتها القشرة الأرضية من طي والتواء وانكسار، حيث يشغل منخفض السلمان، على سبيل المثال، قبة ذهبت بأعاليها عوامل التعرية. وتوجد في كثير من المواقع أيضاً أشكال تضاريسية صحراوية، فبقايا الصخور الكلسية التي صمدت لعوامل التعرية ما تزال تعلو سطحها مكونة موائد صحراوية وهضيبات صغيرة. كما توجد كثبان رملية تشغل مساحة غير صغيرة يصل ارتفاع بعضها إلى نحو(30) متراً إضافة إلى أخرى واطئة.
ولا يخلو إقليم الهضبة، لانتشار التكوينات الكلسية فيه، من كهوف وقنوات جونية جافة وينابيع للماء. ولابد ان هذه تكونت ني الفترات المطيرة التي مر بها تاريخ المناخ في العراق. ومن الأمثلة الأخرى وجود عيون يتدفق منها الماء مثل عيون منطقة عين التمر، وعيون قيرية وكبريتية شديدة الملوحة كما هي الحال في المنطقة القريبة من هيت.
وقد خضر هذا الإقليم لكثير من التغيرات منذ ثورة 17-30 تموز 1968المجيدة، فقد شهد تنفيذ خطط تنمية سريعة واسعة من بناه طرق حديثة ومد سكك حديد وإنشاء مراكز سكن جديدة متطورة. كما ارتفعت في عدد من الأودية مثل وادي حوران، سدود لحجز المياه التي تندفع فيها بعد سقوط الأمطار شتاء.
واستغلت رواسب المعادن في عكاشات على نطاق تجاري واسع وأصبحت صادراتها تصل إلى أنحاء مختلفة من العالم. وقامت أيضاً صناعة للزجاج في الرمادي اعتمادا على ما يكثر فيها من أنواع الرمال الجيدة. كما امتدت عملية البناء إلى النشاط الزراعي فأسست مزارع ومحطات تجارب زراعية كثيرة وما يرافقها من مستلزمات الحياة الجديدة، إلى جانب تطور المرافق السياحية في هذا الإقليم الذي أشير إليه آنفاً.
وهكذا أصبحت الهضبة الغربية، بفضل خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي وضعتها الدولة، من المناطق القومية الفاعلة.

و- الأنهار والبحيرات:
يكون دجلة والفرات مصادر الماء الرئيسة في العراق. وتقع منابع كل منهما في جبال تركيا حيث يكثر سقوط الثلوج. ولان التساقط على هذه المرتفعات لا يستمر على وتيرة واحدة طوال العام فان ما يجري في الرافدين يتعرض لتذبذب فصلي كبير. ويجري الرافدان في أودية محددة واضحة المعالم عندما يقطعان المنطقة المتموجة ولذلك تقتصر الزراعة على ما يمكن زراعته في سهولهما الفيضية الضيقة. ولكن سرعان ما تكثر ثناياهما عندما يجريان في السهل الرسوبي. ويدخل الفرات هذا السهل قرب مدينة هيت ويفقد النهر انتظامه جنوبي الهندية، في حين تعد مدينة بلد نقطة دخول نهر دجلة السهل الرسوبي، ويفقد النهر انتظامه جنوبي الكوت.
ويقل انحدار مجرى دجلة والفرات إلى جنوبي نقطتي الدخول ويضعف تيارهما في حمل رواسبهما وتغلب عليهما صفة الإرساب وتكون أكتاف طبيعية على جانبي النهر. هنا يجري دجلة والغرات على حافات أكتافهما فوق مستوى سهلهما الفيضي الواسع مما يجعل بالإمكان إنشاء شبكة جداول واسعة حولت هذا السهل في العصور القديمة إلى جنة عدن وأصبحت في الوقت الحاضر من أعظم مناطق إنتاج التمور في العالم.
تفقد الانهار بعض مياهها في المناطق الجافة نتيجة التبخر والتسرب والري. وهذا يصدق على دجلة والغرات، إذ يقل تصريف نهر دجلة جنوبي بغداد حتى يصل إلى(158)متراً مكعباً في الثانية، في حين يبلغ تصريفه السنوي (1236) ويرتفع إلى (13000) متر مكعب في الثانية في أوقات الفيضان. ويفقد النهر كثيراً من مياهه صبباً (Downstream) حتى ان الأرقام المقابلة لما ذكرناه آنفاً تبلغ عند الملتقى (78.11 و179) متراً مكعبا في الثانية. وقد تغيرت هذه الأرقام اليوم لكثرة مشاريع الري والتنظيم النهري التي نفذت مؤخراً، ولكن نمط التصريف ظل على ما هو عليه. ويمر النهران عند نهايتهما الجنوبية باهوار واسعة.

الفرات:
يبلغ طول الفرات 2900 كيلومتر وينبع من جبال شرقي تركيا الوعرة العالية. ويقطع النهر مسافة.44كيلومترأ قبل ان يدخل أراضي الوطن العربي في سوريا قرب جرابلس. ويجري النهر مسافة 675كيلومتراً في سوريا مخترقاً أراضي جافة منبسطة يلتقي فيها برافديه البليخ والخابور.
ويدخل الفرات ارض العراق عند قرية حصيبة ليبدأ رحلة طويلة يقطع فيها مسافة (1015) كيلومتراً باتجاه الجنوب الشرقي. يظهر وادي النهر، وهو يخترق الهضبة الغربية، واسعاً قليل العمق واضح المعالم تعترض مجراه في كثير من المواضع مندفعات نهرية وجنادل. كما تظهر في وسطه مجموعة من الجزر. وبعد ان يمر بمدينة هيت يبدأ سيره في السهل الرسوبي حيث تقع بحيرة الحبانية قرب الرمادي على بعد 80 كيلومتراً من شمال غربي بغداد و63كيلومتراً من جنوبي هيت وهي حوض خزن طبيعي ذو سعة جيدة. وقد أدت البوابات التي أنشئت على مجرى النهر الرئيس إلى تحويل الفائض من مياهه إلى هذا الخزان للحيلولة دون حدوث فيضان خطير. ونتيجة لذلك تكونت بحيرة تبلغ مساحتها السطحية القصوى 422 كيلومتراً مربعاً وتصل سعة خزنها إلى 4/3مليارات متر مكعب. اما إذ زادت مقادير المياه المتدفقة على ذلك فإنها تصرف إلى منخفض أبي دبس الواقع إلى الجنوب منها. ويتميز سطر منطقة نهر الفرات في الجزء الشمالي من السهل الرسوبي بوضع يجعله أكثر ارتفاعاً من نهر دجلة. وبناء على ذلك فان الأراضي الواقعة إلى الشمال الغربي والجنوب الغربي من بغداد، أي الأراضي الممتدة بين الفلوجة والهندية، تسقى بمياه الغرات، حتى إذا بلغ الفرات الهندية تفرع إلى فرعين: شط الحلة وشط الهندية. وبعد مسافة قصيرة يلتقي الجدولان شمالي مدينة السماوة ويظهر النهر موحد المجرى ثانية. ويمر الفرات بعد ذلك بمدينة الناصرية وسوق الشيوخ قبل ان يصل بحيرة الحمار. هناك تضيع معالم واديه حتى يلتقي نهر دجلة عند كرمة علي شمالي البصرة. وقد أعطت الأعمال الهندسية الحديثة نهر الغرات مظهراً جديداً ونظام تصريف مختلفاً. فقد أقيم على النهر (سد القادسية) مثالي مدينة حديثة (التي تقع على بعد (260) كم من شمال غربي بغداد)، ويحجز هذا السد مياه النهر ويكون بحيرة تمتد أمامه مسافة طويلة. وسيحقق سيطرة كاملة على نظام التصريف المتذبذب لهذا النهر.

دجلة:
يبلغ طول نهر دجلة 1970 كيلومتراً وينبع من المناطق الجبلية المطيرة الواقعة جنوب شرقي تركيا. ويتكون النهر في منابعه العليا من عدة جداول صغيرة ولا يظهر مجراه موحداً إلا بعد ان يلتقي رافده الشرقي (دجلة) رافده الغربي (بوتان صو). ويأخذ النهر اتجاهاً جنوبيا شرقيا قاطعا مسافة 300 كيلومتر عبر مناطق تركية وعرة حتى بدخل الوطن العربي في أراضي العراق عند قرية فيسخابور حيث يبلغ طوله 1290 كيلومتراً، حتى إذا مر النهر بمنطقة الفتحة الفاصلة بين مرتفعات حمرين ومكحول يبدأ جريانه بين ضفاف صخرية واضحة يحف به سهل فيضي قليل الاتساع. ويمكن مشاهدة صورة النهر هذه شمالي سامراء ثم يأخذ النهر بالسير بدءاً بمدينة بلد، في سهل رسوبي منبسط وتقترن بقلة انحدار مجرى النهر كثرة الثنايا فيه ولاسيما في المنطقة الواقعة بين بغداد والكوت.
ويتفرع من ضفة دجلة اليمنى شمالي سدة الكوت جدولان هما الغراف والدجيلة. كما تتفرع من جانبيه عند العمارة خمسة فروع أخرى هي: المشرح والكحلاء على جانبه الأيسر والبتيرة والمجر الكبير والمجر الصغير على جانبه الأيمن. وتبعاً لذلك يصبر مجرى النهر ضيقاًَ جداً ويقل حجم الماء الذي يجري فيه قلة واضحة. ثم يعود النهر إلى الاتساع ثانية وتزداد كميات المياه الجارية فيه بفضل مقاديرها المتزايدة التي تنحدر إليه من مناطق الاهوار المحيطة به حتى يلتقي الفرات عند كرمة علي شمالي مدينة البصرة كما أسلفنا.
وترتفع مناسيب مياه دجلة في شهر نيسان (ابريل) وأيار (مايو) وتنخفض في شهر أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر). ونظامه هذا يظهر اختلافاً نسبياً عما عليه الحال في مناسيب الفرات التي يرتفع منسوبها في نيسان ( ابريل) وتبلغ ذروتها في أيار (مايو). اما الواطئة منها فتحدث كالمعتاد في شهر أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر). وهناك اختلاف مهم أخر هو أن عدداً من الروافد يحمل إلى دجلة كميات إضافية من المياه داخل الأراضي العراقية مما لا يحظى به الفرات. وهذه الروافد هي:
أ- الخابور: وينبع من مرتفعات تركيا ويلتقي نهر دجلة عند قرية فيشخابور.
ب- الزاب الكبير: وينبع من مرتفعات تركيا ثم يلتقي نهر دجلة عند مدينة نمرود الأشورية التاريخية.ويعد الزاب الكبير الرافد الرئيس لنهر دجلة نظراً إلى كثرة المياه التي يحملها إليه، إذ تقدر هذه بنحو 33في المائة من حجم المياه الجارية في نهر دجلة.
جـ- الزاب الصغير: وينبر من المرتفعات الشرقية خارج القطر ويلتقي دجلة جنوبي مدينة الشرقاط.
د- العظيم: وتقع منابعه كلها داخل الأراضي العراقية ويلتقي دجلة عند مدينة بلد. والعظيم نهر فصلي تنحدر إليه كميات كبيرة من مياه الأمطار شتاء مثقلة بحمولتها من الرواسب ولكن مجراه يصبر في فصل الصيف خندقاً جافاً تقريباً.
هـ- ديالى: وينبع من المرتفعات الشرقية ويقع جزء من منابعه داخل الأراضي العراقية ثم يلتقي دجلة على بعد 22كيلومتراً جنوبي بغداد.
ومثل دجلة مثل الفرات إذ تقع على مقربة منه منخفضات تتسع لخزن مقادير كبيرة من فائض مياهه. فقد أمكن بواسطة سد سامراء تحويل مياه فيضانه إلى منخفض الثرثار وتبلغ سعة الخزن القصوى لهذا المنخفض 85مليار متر مكب. وهو من اكبر الخزانات التي هندسها الإنسان في العالم. ويأتي في المرتبة الثانية بعد بحيرة ناصر في جمهورية مصر العربية. وتعمل السدود التي أقيمت في عرض النهر وروافده على حجز المياه والاستفادة منها لسد حاجة المزارع المروية. وكان أخرها (سد صدام) قرب الموصل وقد أقيم سدا دربنديخان وحمرين من قبل على نهر ديالى وسد دوكان على نهر الزاب الصفير. وقد وضعت الخطط لإقامة سدود أخرى يأتي في مقدمتها سد بخمة على نهر الزاب وسد العظيم. وستكون لهذه السدود منافع متعددة تجمع بين خزن الماء وتوليد الطاقة الكهربائية وتربية الأسماك فضلاً عن كونها منتجعات يؤمها الناس لقضاء أيام العطل.
ولابد ان يضاف إلى طول دجلة والفرات طول شط العرب البالغ 190 كيلومتراً الذي يتكون من التقاء النهرين. وهذا الطول يضع شبكة شط العرب بين 16نهراً من أطول انهار العالم. ونهر الدجيل (الكارون) الذي يجري من الشرق هو رافده الوحيد. ويصل عمق المجرى الملاحي في شط العرب إلى 32قدماً مما يتيح إمكانية إبحار السفن المحيطية فيه صعداً (upstream) مسافة 80 كيلومتراً من مصبه في الخليج العربي.
وتحظى منطقة شط العرب بزراعة اكبر نسبة من نخيل العراق حيث تضم 18مليون نخلة من بين 30مليون نخلة في العراق. وتساعد مياه المد هنا على ري بساتينها بانتظام وينصرف في أوقات الجزر ما يفيض من ماء تربتها وما يحمله من أملاح.

أطوال الأنهار الواقعة في الأراضي العراقية

اسم النهر
الطول / كيلومتر في  الأراضي العراقية
نهر دجلة (إلى كرمة علي)
الزاب الكبير
الزاب الصغير
العظيم
ديالى
الفرات (إلى كرمة علي)
شط العرب
1290
230
250
150
300
1015
190
السكان:
ازداد عدد سكان العراق بسرعة متزايدة منذ مطلع هذا القرن. فقد زاد من مليوني نسمة عام 1900 إلى أكثر من 16مليون نسمة في عام 1187ثم إلى 22مليون نسمة عام 1997 وبلغت الزيادة الطبيعية للسكان نحو 3في المائة نتيجة تحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية. وعليه فان الكثافة العامة، محسوبة بالنسبة إلى مساحة القطر، تصل إلى 28نسمة في كل كيلومتر مربع ولذا يمكن القول ان العراق قطر تكمن فيه إمكانات عظيمة لتأمين مستوى معاشي مرتفع لسكانه إذ تزداد كثافة السكان في المناطق التي يزداد فيها عطاء الأرض. وقد بدأت تظهر مراكز تجمع سكاني في المناطق الصحراوية حيث توجد الثروة المعدنية التي استغلت حديثاً أو في المناطق التي استصلحت أراضيها. ويظهر توزيع المناطق المزدحمة بالسكان في اغلب الأحيان على شكل مجالات ضيقة الاتساع تساير امتداد الأنهار والجداول الرئيسة. وهذا يعني ان السهل الرسوبي يعد مستقراً لنحو 73في المائة من مجموع السكان حيث يسهل استثمار الأرض والحصول على مياه الري وترتفع مثل هذه الكثافة في المناطق الممتدة على شط العرب حتى تزيد على 500 نسمة في كل كيلومتر مربع. وتوجد مثل هذه المنطقة في مساحات صغيرة قريبة من بغداد.
أما توزيع السكان في منطقة الأراضي المتموجة والجبلية فيأخذ صورة مراكز متباعدة، إذ تقل كثافتهم في مناطق الزراعة الديمية عن 100نسمة في كل كيلومتر مربع كما هي الحال في الأراضي المحيطة بالموصل وكركوك.
أما مراكز السكان الرئيسة في العراق فهي العاصمة بغداد ومدينة الموصل في الشمال وميناء البصرة في الجنوب.

النقل:
أولت الدولة منذ ثورة 17- 30تموز عام 1968 المجيدة هذا القطاع عناية فائقة وأنشأت شبكة نقل حديثة جداً لا لربط مختلف جهات القطر حسب، بل لإيجاد روابط نقل دولية جيدة أيضاً. والنقل أنواع مختلفة وهو يشمل النقل البري والمائي والجوي.
أ- النقل البري:
ويشمل نوعين مختلفين هما الطرق الخارجية وسكك الحديد وتوجد في العراق شبكة طرق خارجية حديثة تربط جميع مراكز المدن وتؤمن في الوقت نفسه طرقا دولية حديثة. ويتكون كل من هذه الطرق من ممرين يتسع كل منهما بدوره لعدة مسارات. وبغداد هي مركز شبكة الطرق هذه. واهم الطرق الخارجية هي:
أ- بغداد - موصل : ويمر بالمدن الواقعة على امتداد نهر دجلة وتتفرع منه طرق خارجية تتجه إلى تركيا وسورية.
ب- بغداد - البصرة : ويربط مدينتي الكوت والعمارة ويتفرع منه في البصرة طريق يتجه إلى الكويت.
جـ- بغداد - الرمادي - الرطبة : وهذا الطريق يربط القطر بعدد من الأقطار العربية هي الأردن وسورية ولبنان.
د- بغداد- البصرة : وهو يحاذي في بعض أجزائه امتداد نهر الفرات ماراً بمدينة الحلة والديوانية والسماوة والناصرية والبصرة.
د- بغداد- الموصل مروراً بمدينتي كركوك واربيل : وقد أنجزت مؤخراً أجزاء من طريق دولي حديث يبدأ من بغداد ويتجه إلى مختلف الاتجاهات موفراً شبكة حديثة متكاملة تخدم حاجات النقل الداخلية وحركة المرور الدولية في أن واحد.
أما سكك الحديد فتمتد في اتجاهات مختلفة من القطر وأهمها :
أ- بغداد - الموصل - ربيعة : وهذا خط قياسي يمتد على امتداد الضفة اليمنى لنهر دجلة. ويتصل هناك بسكة حديد قطار الشرق السريع المشهور ماراً في مساره إلى أوربا بكل من سورية وتركيا.
ب- بغداد - البصرة: وهو خط قياسي يسير محاذياً نهر الفرات وموازياً طريق بغداد البصرة ماراً بالمدن التي يربطها الطريق المذكور كما أسلفنا.
جـ- بغداد- أربيل: وهو خط متري يمر في طريقه إلى أربيل بكل من بعقوبة وجلولاء وكركوك ويتفرع منه خط يربط جلولاء بخانقين.
د- بغداد - القائم : وهذا احدث خطوط سكك الحديد التي أنجزت مؤخراً على أسس تقنية حديثة جداً. وسوف يخدم هذا الخط عمليات تعدين رواسب الفوسفات في منطقة عكاشات ويربط العراق بالموانئ العربية الواقعة على البحر المتوسط في سورية ولبنان.
ويضاف إلى كل هذا ان خططاً وضعت لبناء سكك حديد جديدة وتشمل هذه خطاً قوسياً يربط مراكز الصناعة الواقعة إلى الجنوب من بغداد وجعل كل الخطوط العاملة حالياً قياسية مزدوجة المسار.
ب- النقل المائي:
وهو نقل رخيص ميسور. وقد عرف العراق النقل النهري منذ أزمنة تاريخية قديمة حتى بلغت شبكة الأنهار والجداول، ان المرء كان ينتقل عن طريقها في منطقة السواد دون الحاجة إلى تغيير واسطة نقله كما استخدمت الاطواف الخشبية المنحدرة من الموصل مع تيار دجلة إلى بغداد لنقل البضائع والسلع. ويمكن للسفن الحديثة النهرية والجنائب ان تسير في دجلة من بغداد إلى البصرة ذهاباً وإياباً، ونطاق هذه الحركة محدود في نهر الفرات إذ يمكن وصول السفن النهرية إلى الهندية - ولكن معظمها صغير مسطح القاع. أما حركة النقل شمالي الهندية فتنحدر مع تيار النهر في الأغلب. ولقد أشير آنفاً إلى سير السفن المحيطية مصعدة في شط العرب. والعمل جار لانجاز شط البصرة. وهو قناة لشط العرب إلى غربي مدينة البصرة تنتهي بالخليج العربي. وتخدم هذه القناة أغراضاً متعددة وستكون شرياناً يحمل السفن المحيطية الكبيرة. ويمتلك العراق أسطولاً تجارياً وعدداً من ناقلات النفط الحديثة وأسطولاً -  اسماك في أعماق البحار.
جـ- النقل الجوي:
كان العراق بالنسبة إلى دول الإقليم رائداً في حركة النقل الجوي. فنظراً إلى وقوعه على طريق الشرق للقادمين من أوربا أصبحت ارض العراق مهبطاً للطائرات منذ أوائل أيام الطيران.
وللخطوط الجوية العراقية شهرتها في كل أنحاء العالم لما تقدمه من خدمات مريحة للمسافرين وتسهيلات مكفولة للنقل. وقد قطعت الخطوط العراقية شوطاً بعيداً في التكامل والنمو. فبعد ان كانت طائراتها في الأربعينات من هذا القرن تقتصر على مجموعة صغيرة أصبح أسطولها اليوم يتكون من عدد كبير من احدث طائرات النقل. وأضحى«مطار صدام الدولي» في بغداد محطاً لكثير من الخطوط الجوية العالمية الوافدة من مختلف أنحاء العالم.
وقد بنيت مطارات جديدة في البصرة والموصل وغيرهما من المدن لسد حاجة حركة الطيران المحلي المتزايدة.









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق