الجمعة، 25 أبريل 2025

التنظيم والانضباط في الحزب / بقلم / أ.د ابو لهيب

 التنظيم والانضباط في الحزب

أ.د ابو لهيب 

لا تستکمل شخصیة المناضل البعثی مواصفاتها دون الالتزام والانضباط ، فهما من اسس وشروط العمل الثوري المنظم .                                                                

وبدونهما يصبح التنظيم والمنظمة الحزبية والانسان المنظم مصطلحات مجردة لامعنى لها . ان الالتزام هو الايمان بمبادئ وافكار وسياسات الحزب نظرياً وتطبيقها عملياً ، حيث تتحول هذه المبادئ والافكار الى منهج حياتي يدخل في كل تفاصيل الحياة ، وتحل محل الافكار والتصورات التي كان يحملها الفرد ، قبل الانتماء الى الحزب .

فحين يريد الحزبي ان يكون بعثياً حقيقياً فليس من المعقول ان لا يؤمن بأهداف الحزب في الوحدة والحرية والاشتراكية ، او ان يؤمن بالوحدة ولا يؤمن بالاشتراكية ، او يؤمن بهما ولا يؤمن بالحرية . 

                                                               وليس من المعقول ان ينتمي المواطن الى حزب البعث العربي الاشتراكي ويظل محتفظا بولاءاته القديمة ، الطائفية اوالعشائرية اوالقطرية ، ويقدمها على الولاء القومي ، الذي تضعه النظرية البعثية بديلا عن كل تلك الولاءات منفردة او مجتمعة .

الالتزام هو ان يعيش الانسان المبادئ التي آمن بها في الحياة وليس في الحزب فقط ، وان يمارسها لا ان يرددها في الاجتماعات والندوات ثم يتصرف بالضد منها . 

فما الجدوى حين تنتمي الى الحزب تنظيميا لكنك منقطع عنه عمليا وسلوكيا ؟ فالانتماء للحزب ليس مجرد أن يقرأ البعثي ادبيات الحزب او يلتزم بدفع التبرع له ، وانما البعثي هو الانسان الذي يعلم الجماهير فكرة البعث من خلال سلوكه اليومي ، حيث يجعل الوحدة والحرية والاشتراكية صيغة الحياة ، يتمثلها وينقلها الى الجماهير سلوكا حيا ترتضيه وتختاره دون ضغط او اكراه .  

ان كل مناضل حين ينضم الى حزب البعث العربي الاشتراكي يؤمن انه أصبح جزء لايتجزاء من الثورة العربية ، يحمل صفاتها الايجابية ، ويتشرف بالمسؤليات التي نلقيها عليه ، فهو زخم فاعل وقوة مضافة وليس رقما مجردا في سجل الرسمي .       

ان الذين يحاولون نقل السلبيات الاجتماعية التي نشأت وتكرست في ظروف الحكم الاجنبي والتخلف والرجعية الى داخل الحزب ، بسبب عدم تخلصهم منها انما يقفون بذلك موقفا مضادا للحزب وللثورة العربية التي هي الرد على كل تلك السلبيات . فالمناضل الملتزم هو الذي يؤثر في المجتمع ، بنقل رؤية الحزب الجديدة المتفتحة الى الآخرين وليس العكس، والتأثير انما يبدأ بالمحيط القريب ، العائلة والاقرباء والاصدقاء ، ثم في مكان العمل ومكان السكن .                    

صحيح ان انتمائنا للحزب يجب ان لايتأثر بالعلاقات الاجتماعية ، مثل القرابة او الصداقة وما الى ذلك ، والمقصود هنا هو اننا ينبغي ان نضع العلاقة الحزبية في المقام الاول من هذه العلاقات ، ولو خيرنا بينها وبين الحزب لاخترنا الحزب بدون تردد ، لكن الذي لايستطيع ان يؤثر في محيطه القريب هو غير مؤهل لحمل رسالة النضال الصعبة والتي تهدف التأثير في كل الحياة العربية .

ان الالتزام يتأكد من خلال الانضباط الحزبي ، بل ان الانضباط هو تعبير عملي وسلوكي عن الالتزام ولذلك فنحن نعني بالانضباط ،  والتقيد بتقاليد الحزب وقيمه التنظيمية .                                

وسنضرب مثلاً يؤكد العلاقة بين الالتزام والانضباط .. فلنفترض ان احد الحزبيين اكتشف حزبيا آخر معه في المنظمة الحزبية او اعلى منه في المستوى الحزبي وهو يمارس سلوكاً شخصياً منحرفاً عن مبادئ واخلاقية الحزب ، فان المطلوب منه في مثل هذه الحالة ان يبلغ الحزب من خلال كتابة تقرير يرفع الى قيادة المنطقة التي يعمل فيها حزبياً ، فهو بهذا يعبر عن التزامه بمبادئ وقيم الحزب ، فالسلوك المنحرف الذي شاهده ، من خلال تصرفات حزبي آخر ، قد استفزه فلم يقدر على ان يسكت عنه ، اذ انه في حالة سكوته سيكون قد خرج عن مبدأ الالتزام في الحرب ... لكنه بكتابة التقرير او طرح الموضوع خلال اجتماع حزبي يكون قد عبر عن مبدأ الانضباط الحزبي . فاذا افترضنا ان رد فعله على هذا السلوك المنحرف كان بأن هجم عليه وضربه ضرباً مبرحاً ، او ذهب الى اقرب تجمع او مقهى وصار يشهر بسلوك ذلك الحزبي فأنه يكون قد خرج على مبدأ الانضباط في الحزب .                                                 

ان حزبنا يؤكد باستمرار حق ابداء الرأي داخل المنظمة ولذلك فليس من المبرر طرح امور تخص الحزب خارج التنظيم.        

ولنضرب مثلا آخر ، ولنفترض احد الحزبيين شاهد واحدا من العملاء أو المخربين من اعداء الحزب يقدم على عمل تخريبي يستهدف احد مؤسسات الحزب او الدولة فلا شك من ان هذا العمل يستفز مشاعرالحزبي الوطنية وقيمه النضالية التي تعمقت في ضميره وعقله من خلال التزامه المبدئي ، لكن الرد المنضبط في مثل هذه الحالة يجب ان يتسم بالسرعة والمبادرة واذا اقتضى الأمر الاشتباك مع الخصم فلابد من الاشتباك وتضيع الفرصة عليه.

ان الشجاعة والسلوك الشجاع بقدر ماهما تعبيران عن الالتزام فهما تعبيران متقدمان جداً عن الانضباط العالي لدى المناضل فحين تسمح للخصم ان ينفذ عملية تخريبية ، فما جدوى التقرير او نقل ما حدث امامك للحزب ، وانت تقف وقفة المتفرج ، وبعد ان حققت العملية التخريبية اهدافها. 

واذ یۆکد حزبنا بأستمرار على الانضباط الصارم الذي يشبه انضباط الجيش فذلك لأن المطلوب من المناضل المنضبط ان يمتلك حيوية المقاتل الشجاع الذي يعرف كيف يتصرف ازاء كل حدث او مفاجأة او طارئ بشكل يجعل من عوامل الضبط ممارسات تخدم الالتزام والمبدئية العالية.

فحزبنا لم ينظر الى الضبط او مجموع الممارسات التي يعبر بها عنه على انها طقوس شكلية يمكن عزلها عن حياة الحزب او الاكتفاء بها . بل هي اغناء لحياة الحزب وهي وسائل لحمايته من كل القوى والممارسات المعادية . ان التأكيد على منع الحديث عن امور الحزب الداخلية خارج التنظيم لها اسبابها ومبرراتها ومن هذه الاسباب والمبررات انه حديث غير فعال ، وبقدر مايسيء للحزب فأنه غير قادر على تصحيح خطأ ، أو المساهمة في تطوير العملية النضالية ، بل انه سيضعف هيبة الحزب في الاوساط غير الحزبية التي تنظر الينا فيما لو سلكنا مثل هذا السلوك على اننا ثرثارون مصابون بامراض حب الظهور والمباهاة وغير قادرين على حفظ خصوصيات تنظيمنا ، كما اننا سنعطي فرصة للاعداء للاستفادة من المعلومات التي يحصل عليها من خلال الحديث خارج التنظيم والتخطيط في ضوء هذه المعلومات لاضعاف الحزب وعرقلة مسيرته والتقليل من فرص نجاحه.                         

فلو افترضنا ان حزبياً في تنظيمنا يعاني من نقطة ضعف في جانب من جوانب تكوينه الانساني او أن منظمة من تنظيمنا تعاني من خلل معين في هذا الجانب من نشاطها او ذاك .. فأن توفر مثل هذه المعلومات لدي الاوساط المعادية لحزبنا سيجعلها تركز على عوامل الضعف من أجل زيادة تأثيرها واعاقة ومحاولات اصلاحها وتجاوزها من قبل حزبنا.

ثم ان حالة الانضباط في مجال عدم الحديث عن شؤون الحزب الخاصة خارج التنظيم هو اكثر الاسلحة جدوى للدفاع عن التنظيم وعن النفس ويكتسب هذا المبدأ اهمية خاصة في ظروف العمل السري فقوى القمع تستطيع بكل يسر ان تتابع كلمة تقال بطريقة تفتقر الى المسؤولية لتصل من خلال متابعتها الى معلومات من شأنها ان تؤدي الى اختراق التنظيم وبالتالي ضربه وشل فاعليته. وتتسقط الدوائر المشبوهة أخبار الحزب بنفس الطريقة.

واذا كانت الفرصة متاحة للمناضل ان يقول كلمته داخل منظمته وفي الندوات وامام المسؤولين الحزبيين فلماذا يلجأ  للاحاديث الجانبية ، فهذا ان دل على شيء فأنما يدل على ضعف في الشخصية وفي الوعي وفي الانتماء للحزب . 

اما مبدأ التنفيذ ثم المناقشة ( نفذ ثم ناقش ) الذي هو اساسي في حياة حزب البعث العربي الاشتراكي كما هو لدى كل الحركات الثورية الحقيقية ، فهو من جهة دليل ثقة القواعد بالقيادة لكنه في الوقت نفسه وسیلە لحمایە الحزب من الاخطار ، وهو عامل حاسم فی تنفیذ خطط الحزب وقراراته ، فلو ان قراراً معيناً جاء من قيادة الحزب وكان المطلوب تنفيذه ، ولنفترض ان القرار المذكور يتطلب مراقبة مكان معين .. فأذا لم ينفذ القرار بسرعة وبدأ الحزبيون بمناقشة ومعرفة اسبابه ودوافعه فأن الوقت سيمر لصالح العدو الذي قد ينجز مهمته المعادية ، ويبتعد عن مسرح المراقبة ، في وقت نكون فيه مشغولين بالنقاش .. لكن المطلوب من المناضل ، في مثل هذه الحالة ان ينفذ التعليمات ، وان يسرع باتجاه المكان المحدد ، فاذا اكتشف ان ليس هناك من دليل على وجود نشاط معاد ، فيمكنه ان يعود لمناقشة الامر مع مسؤوله ومع اعضاء منظمته واكتشاف اسباب خطأ المعلومات التي بنى في ضوئها قرار المراقبة للعمل على منع تكرار الخطأ ورسم خطة تقلل احتمالات رفع المعلومات غير الدقيقة ، وهكذا هو شأن عدم التنفيذ في الوقت والمكان المحددين لنشاطنا الحزبي ، في ظروف العمل السري ، وفي غير ذلك من الحالات.            

في ضوء ما تقدم ، نكتشف ان الانضباط عمود من اعمدة التنظيم الاساسية ، وبدونه يتحول الحزب الى حالة غير منضبطة والى مجموعة من المواقف الفردية والتصرفات التي لا رابط لها ، حيث يستطيع كل فرد ان يفعل ما يحلو له او ما يرغب فيه .                                    

وهكذا نتبين انه بغياب الانضباط يضيع الالتزام بالمبادئ والمنطلقات الاساسية لحزبنا ، وتتحول الى كلمات نرددها بدون وعي او ادراك او ربما بدون ايمان صميم بها وتنام مفرداتها في صفحات الكتب والنشرات الحزبية مما يؤدي الى فقدان الدور الثوري لحزبنا الذي يعمل على تغيير الواقع المتخلف فيدون الالتزام وبدون السلوك المنضبط لايمكن ان ننجز عملاً كبيراً كالذي نذرنا انفسنا له وهو بناء مجتمع العروبة المتقدم الموحد .                                

ان الكيانات المنتظمة المتسلحة بالفكر الصائب ، والتي تقدر ان تضع حالة التجانس السلوكي الحي لدى قواعدها والمنتمين اليها هي الوحيدة التي بامكانها ان تتحمل اعباء كبيرة وهي التي تستطيع ان تحقق تجارب انسانية وحضارية مهمة ، لانها تستطيع ان تفجر الطاقات الابداعية داخل الانسان ، ويحافظ عليها وتضعها في المجرى العام للتحولات الكبرى ، وتبعدها عن الضياع والتشتت في المسارب الفردية والانانية .

وكلما كان المناضل البعثي ملتزماً ومنضبطاً في حياته الحزبية كان تأثيره اكبر في حياة الحزب وفي مستقبل الوطن وفي رسالة امته الخالدة ، اذ يتحول المناضل الملتزم الى رمز والى حالة تربوية تحتذى من قبل الآخرين ، ويزداد تأثيره في وسطه ، سواء الذي يسكن فيه ام الوسط الذي يعمل فيه ام في وسط رفاقه ، وبهذا يكون عنصر استقطاب للعناصر التي تستهويها الصفات الحميدة وتجد فيها النموذج الذي تريد انه صورة للحزب وصورة للمجتمع الذي يناضل حزبنا من أجل بنائه .

الثلاثاء، 22 أبريل 2025

البعث حركة تاريخية ماضي وحاضر ومستقبل / بقلم / الكاتب السياسي والباحث جابر خضر الغزي

 بسم الله الرحمن الرحيم

البعث حركة تاريخية ماضي وحاضر ومستقبل.


تعضيد لمقالة الاستاذ فالح حسن شمخي بعنوان / البعث وحركة التاريخ.

حركة البعث حركة تاريخية تعمل لمئات السنين فتعتبر النضال هو الاصل والاساس لان فكرها يتجسد بفكر بطولي ماضي وحاضر ومستقبل ، عكس التيارات والاحزاب التي سبقت بالنشاة الرسمية كالاحزاب الشيوعية والاخوان , فالحركات اليسارية الشيوعية ركزت على المستقبل الذي ليس له جذور ، واما حركات الاسلام السياسي بشقيها ركزت على الماضي واعتبرته صنم يتعبدون به واعتبروه نقطة اتكاء.

أما نحن البعثيون نعتبر الماضي نقطة ارتكاز للحاضر وبناء المستقبل , ويقول طيب الذكر احمد حسن البكر  رحمه الله لمجلة افاق عربية بعددها الاول " انفتحوا على العالم من اول نقطة مضيئة في تاريخكم وكونوا معاصرين بشرط ان تكونوا اصيليين ، لان المعاصرة لاتعني الانقطاع عن الجذور " .

فتلك الاحزاب التي ظهرت معه او بعده او قبله ، البعض منها اختفى واصبح شيء من التاريخ , وتخلوا من اللحظة الاولى عن قضايا الوطن والشعب والامة بسبب تبعيتهم , الا ان البعث كانت فلسفته هي : " ثقة الامة بنفسها واعتمادها على قواها " لان فكره قوة تاريخية لاتقدر بثمن ، ولدت من نظرة فكرية ممتزجه بمعاناة وجدانية .

انظروا الى مصير الحزب الشيوعي العراقي جماعة حميد ( وطواطة ) كما يسمونه الشيوعيون الوطنيون الذين رفضوا الاحتلال والحصار كما رفضوا العملية السياسية المخابراتية الجارية في العراق وفي مقدمتهم المناضل باقر ابراهيم الموسوي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الذي توفاه الاجل العام الماضي 20 نيسان 2024.  " ثم انظروا الى حركة الاخوان في العراق اولا وفي بعض اقطار الامة كيف تهاوت وتدحرجت الى اسفل السافلين , أملنا كبير ان تتراجع هاتيين الحركتين عن الانحرافات والارتدادات , لاننا واثقون بان هناك رجال مناضلون صادقون ومؤمنون وقادرون على تصحيح تلك الانحدارات والعودة الى خط البداية " .

وعلى ضوء ذلك هناك دعوة منذ عام 2017 من الرفيق الامين العام للحزب رحمة الله عليه ورضوان الذي دعى فيها المثقفون الثوريون في العراق والوطن العربي الى الكتابة للمقارنة بين فكر البعث ونظريته في الحياة وبين النظريات السائده اليوم مثل النظم والعقائد الراسمالية ثم الشيوعية وتطبيقاتها ثم النظام الاقتصادي الاسلامي كما جاء في فكر الاخوان المسلمين او ما يسمى بالحكم الاسلامي او الحكم الشرعي.

" لاننا نحن في البعث نعيش في بحر من هذه النظريات الثلاث وفكرها وثقافتها 

واخلاقها وتطبيقاتها والترويج الاعلامي والثقافي الهائل لها وذلك كي تظهر عقيدتنا ومبادئنا وفكرنا بكل صفائها ونقائها وأزدهارها وتعبيراتها عن روح الامة وأصالتها وعن أرادتها ونزوعها الى الحياة الحرة الكريمة والى التطور والتقدم الحضاري والانساني , ولكي نقول ونؤكد ان حزبنا يلتقي مع الاحزاب الشيوعية في موضوع النضال التحرري ضد قوى الاستعمار وكل ذيوله وخيوطه في المجتمع رغم ان بعض الاحزاب الشيوعية قد تخلت عن هذا الهدف المبدئي والاستراتيجي المعروف لها كالحزب الشيوعي العراقي الذي سقط في حضن الامبريالية والاستعمار ".

واخيرا نقول : ليست مهمة البعث محاربة الشيوعية بل هذه مهمة الاحزاب الرجعية المتخلفة الظلامية اي احزاب الاسلام السياسي المغطاء بغطاء الدين .

الكاتب السياسي والباحث                                

جابر خضر الغزي   

22 نيسان 2025

الاثنين، 21 أبريل 2025

التکتل الحزبی ، أسبابه ومخاطره وطرق علاجه / بقلم أ.د ابو لهيب

 التکتل الحزبي ، أسبابه ومخاطره وطرق علاجه

أ.د ابو لهيب 

تكمن ضمانة قوة التنظيم الحزبي في أنه يستند إلى أُسس وضوابط دقيقة في العلاقات الحزبية ، لأنها تحافظ على وحدة الحزب التنظيمية ، وتمثل سر مواجهة الحزبيين لمهامهم النضالية والسياسية والفكرية ، وبها تحفظ وحدة الأهداف ووحدة النضال من أجل تحقيقها .

وأما النقيض للوحدة التنظيمية فهو وجود تكتلات داخلة مما يحول دون وحدته وتماسكه ، وبالتالي إعاقة تنفيذ أهدافه ، وبوجود أي تكتلات داخل الحزب ، يعني وجود أكثر من حصان يجرعربة واحدة ، والأخطر ما فيها ذلك قد يفع بكل حصان جر العربة في الاتجاه المعاكس لحركة الخيول الأخرى ، وهذا ما يؤدي ليس في تجميد عربة الحزب مكانها فحسب ، بل يؤدي أيضاً إلى انشطارها إلى حطامين أو أكثر ، وتؤدي هذه النتيجة الى فقدان لوحدة الحزب في شتى الأصعدة ، منها التنظيمي والفكري والسياسي .

أَ - مفهوم التكتل داخل الحزب :

التکتل بمعناه الایجابی هو تضافر جهود المجموعة البشرية الواحدة حول اهداف مشتركة من أجل النضال لتحقيقها ، وبهذا المعنى الايجابي يصبح الحزب كتلة واحدة تؤدي الغرض من وسيلة من طبيعة الامور تكتل مجموعة من الأشخاص في سبيل النضال حول هدف واحد . واما بمعناه السلبي فهو احداث أكثر من كتلة داخل الكتلة الواحدة ، وهذا يعني انشطار الكتلة الواحدة إلى أكثر من كتلة ، بما يعنيه من فقدان الهدف الواحد ، ووسائل النضال الواحدة ، فكيف نفسر انقسام كتلة واحدة إلى أكثر من كتلة ؟

من طبيعة الأمور أن تسود رؤى مختلفة حول تنفيذ الأهداف المشتركة داخل الحزب الواحد ، وأن تسود بينهم آراء مختلفة حول وسائل تنفيذها ، وتعدد الآراء تغني في اكتشاف زوايا جديدة حين مناقشة قضية ما ، وتكون خلاصة النقاش تقريباً بين وجهات النظر ، والخروج باتفاق على صيغة واحدة لموقف موحد . وبهذا الاتفاق قد ينال الاجتماع ، ويتشارك الجميع بتطبيقه فيكون تطبيقه أكثر يسراً بالقدر الذي يحوز على قبول أكبر عدد من المجموعة ، وإما أن ينال الاتفاق أكثرية الحاضرين فبهذه الحالة ، وكما هو منصوص عليه في النظام الداخلي ، وتقره الأعراف والتقاليد الديمقراطية ، يصبح رأي الأكثرية ملزماً للأقلية أيضاً ، إذ بغياب هذه القاعدة يصبح من المستحيل أن يتم تنفيذ القرارات الحزبية .

ب - كيف يتأسس التكتل ؟

ومن هنا ، تبدأ الاشكالية ، فإما أن يتم تطبيق القاعدة الديمقراطية في حق الأكثرية بالأخذ برأيها ، ومن واجب الأقلية أن تلتزم به ، في غاية الأهمية حين الإقدام على تنفيذ القرارات الحزبية.

وإذا حصل العكس وامتنعت الأقلية عن الالتزام به ، يعني انها سوف تمتنع عن المشاركة في التنفيذ ، وبهذا الامتناع ما فيه من عثرات وعوائق تحول دون ترجمة القرارات الحزبية إلى عمل تنفيذي ، وفيه ما فيه من عرقلة في تأخر الوصول إلى الأهداف المشتركة التي حازت على قبول كل من انتمى إلى الحزب .

ج - مخاطر التكتل .

وفي هذه النتيجة ، تبدأ الأمراض تتفشى داخل الحزب ، بما فيه تخلي الأقلية عن أداء واجباتها الديمقراطية ، ومن هنا ، أيضاً ، تبدأ مرحلة التكتل ، ويزداد الشرخ كلما أصرت الأقلية على اتخاذ المواقف السلبية . ولعل من أهم مظاهرها ، الامتناع عن المشاركة في التنفيذ ، وهذا ما يفتح الباب واسعاً أمام نقاشات جانبية يقوم بها أفرادها .

وبما أننا شرحنا أعلاه مخاطر الاتصالات الجانبية ، فإن أخطر ما فيها يظهر من تأسيس نواة لتكتل يتناقض بموافقة مع مواقف الأكثرية ، وقد يسود التحريض والتعبئة ضدها ، ومن هنا تبدأ مرحلة التفتيت داخل البنية التنظيمية للحزب الواحد ، فينقسم الحزب على نفسه ، ويفقد وحدته التنظيمية ، ووحدته التنظيمية هي سر قوته .

د - العوامل التي تسهم في منع حصول تكتل داخل الحزب .

هناك عاملان أساسيان يسهمان في منع حصول التكتل ، وهما :

العامل الأول : وعي القيادات الحزبية لدورها في تطبيق الأسس الديمقراطية .

وعي القيادات الحزبية لدورها في تطبيق الأسس الديمقراطية أن يكون شاملاً في جميع المواقف وعلى جميع المستويات الحزبية ، وإفساح المجال في التعبير عن الرأي بحرية غير منقوصة وذلك استلهاماً من نصوص النظام الداخلي التي تحترم حرية الرأي الصادر من الحزبيين على أن لا يكون رأي أحد مصدراً لاتهامه . وهنا يجب إعادة النظر فيما تعنيه ظواهر مبدأ( نفذ ثم ناقش ) ، الذي يتبادر إلى الذهن فوراً أنه عبارة عن مبدأ عسكري ، أو مبدأ أمني ، يصدر من أجل تنفيذه سريعاً ، من دون نقاش حتى لا تفوت فرصة إنجاح القرار في وقته المناسب بما يقتضيه من سرية تامة ، وسرعة محسوبة ، وغالبا ما يصدر في الميادين العسكرية الأمنية ، ولأن مثل تلك القرارات تحمل الصفة الاستثنائية ، لا يجوز تعميمها على المستويات السياسية والفكرية ، حيث إن تلك المستويات لا تقتضي السرعة بالتنفيذ ، وإذا كان تطبيقها يقتضي العجلة في بعض الأحيان لأسباب مرحلية ، إلا أن إعطاءها صفة الدائم يحملها وزر الخطأ إذا لم تأخذ لاحقاً حقها من النقاش والحوار ، حتى لا يتحول المرحلي إلى دائم وثابت .

العامل الثاني : عدم تجاوز حدود التكليف الحزبي.

أما الضرورة الأساسية الأخرى التي تمنع نشوء بذرة تكتل فهي أن المسؤول عن العمل الحزبي ينبغي أن لا يتجاوز حدود تكليفه النظامي فيقوم بالاتصالات مع بعثيين ليست له صلة نظامية بهم ، مستغلاً شهرته أو موقعه القيادي ، فيختار إما البعثي النشط أو البعثي الذي لديه مشكلة ما ، فیتصل به مباشرة ویتعرف علیه شخصیاً ویناقش معه المشکلة مقدماً له الوعود بمساعدته على حلها ، وأحياناً يتجاوز ذلك إلى حدود التحريض على المسؤول الأصلي أو على من يختلف معهم ذلك البعثي ، وهكذا تنشأ صلة غير نظامية بين حزبيين تقوم على تقارب الآراء التي تخص قضايا حزبية لا يجوز مناقشتها إلا ضمن الأطر النظامية الحزبية .

وتأخذ هذه الحالة شكلاً أكثر خطورة حينما يقوم البعض بترصد من يعتقد أنه منافس له في الحزب ، وهي حالة سلبية جداً ثم يقوم بكل ما من شأنه إضعاف ذلك الرفيق أو إعاقة تقدمه في الحزب . ومن الأمثلة على السلوك الذي يعتمده هؤلاء هو الاتصال بكل رفيق حزبي يحصل له خلاف ما مع ذلك المنافس له ، فيقوم بإقناعه بأنه يدعمه ضد ذلك الرفيق حتى وإن كان مسؤوله . أو أن يقوم بالتقرب من أحد الرفاق الذي تمت معاقبته لتقصير ما أو أعفى من مسؤوليته لفشله فيها ، فيتصل به ويعده بإلغاء العقوبة أو بترشيحه لموقع حزبي أعلى .

ومن الجدير بالذكر أن مثل هذه الممارسات لا تظهر بوضوح لأن من يقوم بها يتخفى خلف ستار الصلات الشخصية ، إن مثل هذه الشخصيات التي يتركز تفكيرها في ضمان صعودها داخل الحزب بدون عوائق من ( منافسين لها ) وفق تصورها ، تسعي في العادة إلى التعرف إلى عدد كبير جداً من الحزبيين الذين لا صلة حزبية لهم بها وأغلبهم في العادة يكونون بمستويات حزبية أدنى منها . وفي تفكيرها أنها إنما تهيء هؤلاء للحصول على دعمهم في حالة تفجر خلافات مع المنافس أو للحصول على أصواتهم أثناء الانتخابات الحزبية . من هنا فإن الموقع القيادي لأي رفيق يلزمه بعدم الاتصال بأي حزبي ليست له صلة نظامية به ، ولا أن يطور صلته الشخصية بالبعض إن كانت له صلة شخصية بهم لأجل تهيئتهم لعمل التكتل لاحق أو لعزل استهداف رفيق آخر .

العامل الثالث : وعي البعثيين لأصول العلاقات الديمقراطية .

لا ديمقراطية في حزب البعث من دون بعثيين أتقنوا فهم الديمقراطية وأصولها . فالديمقراطية وعي نظري ووعي تطبيقي ، فكما أن للبعثي حقوقاً ، فعليه واجبات أيضاً ، ويتكامل الوعي الديمقراطي بجناحيه ، الحقوق والواجبات .

فوق هذا وذاك ، ولأن الديمقراطية مبدأ على البعثي أن يطبقه لمصلحة الحزب ووحدته وتيسيراً لتنفيذ مهامه النضالية ، عليه أيضاً أن يعي أهمية مبدأ الحرية في قيادة المجتمع . ولأن الحرية

مبدأ اجتماعي فلن ينجح البعثي في تحويل المجتمع إلى مجتمع ديمقراطي يعرف حقوقه وواجباته ، إذا كان يجهل تطبيق الديمقراطية داخل الحزب .

ولأن سوء تطبيق المبدأ الديمقراطي الذي تقع فيه القيادات يفتح باب أمام نشأة التكتل بين البعثيين لأنهم يحرمون من حقهم في الحواروالنقاش وحرية أبداء الرأي ، فإن نقص الثقافة الديمقراطية عند البعثيين في القاعدة الحزبية ، يشكل المخاطر ذاتها عندما يتجاوزون أصول الاتصالات الحزبية من جهة ، وعندما يرفضون رأي الأكثرية ولا يلتزمون به من جهة أخرى .

وخطورة ضعف الوعي الديمقراطي لدى الحزبي تظهر عندما يستلم الحزب الحكم فالذي لا يستطيع احترام الديمقراطية داخل الحزب لا يستطيع تطبيق الديمقراطية على الشعب وهذه من أكبر وأهم البديهيات التي سبب تجاهلها الكوارث للشعوب والأحزاب الثورية ، لأن ضعف الوعي الديمقراطي داخل الحزب يوصل حكم الحزب إلى طريق مسدود ، فيظهر الاستبداد بالرأي وإقصاء الآخرين من الشعب أو القوى السياسية . وبهذا المعنى فالديمقراطية تبدأ من الحزب أولاً وقبل كل شيء ، واستيعاب مضامينها واشتراطها مقدمة لابد منها للحصول على عضوية الحزب والنضال في صفوفه ، ومن أبرز الاشتراطات يكون وجود تهذيب متدرج ومنظم للوعي الديمقراطي والذي يضمن تجنب اندلاع صراعات ونشوء تكتلات تنبع من مصدر الاستبداد الفردي .

من هنا فان منع التکتلات له صلە مباشرە بالتربیە الدیمقراطیە حیث یجب أن تحتل موقعاً متميزاً جداً في الاعداد الحزبي ، وأن يراقب الرفيق الحزبي من خلال ممارساته اليومية للتأكد من تكيفه مع أسس الديمقراطية ، وأبرزها داخل الحزب سعة الصدر وتقبل نقد الآخرين والاستماع لآرائهم ، وتجنب ردعهم ، أو الضغط عليهم ، والتسامح مع من يقع في الخطأ ، لأن الأصل هو أن الإنسان لديه أخطاء وليس صحيحاً أن نقصي الرفيق عند حصول أول خطأ بل ترعاه ونوجهه ونزيد من توعيته . والأهم هو تجنب تفضيل رفاق عند حصول أول خطاء بل نرعاه ونوجهه ونزيد من توعيته . والأهم هو تجنب تفضيل رفاق على غيرهم ، ودعم آراء البعض ورفض الاصغاء لرأي البعض الآخر . فالقائد الحزبي أب ورفيق للجميع وكلهم يحظون برعايته وعدله وموضوعيته ، وحينما يحصل تميز مثل هذا من قبل قائد حزبي لا يترك للحزبي طريقاً للتخلص من الظلم الذي يقع عليه سوى البحث عمن يساعده حتى خارج الأطر النظامية ، وتلك هي من مقدمات التكتل .

البعث وحركة التاريخ / د. فالح حسن شمخي

 البعث وحركة التاريخ 

د. فالح حسن شمخي 

ان دراسة حركة التاريخ تعتبر من اهم الدراسات لانها تقود إلى  فهم القوة الدافعة للتقدم البشري وتغيير المجتمع ، وهذا الأمر بالغ الأهمية لمن يريد التغيير في المجتمع الذي يعيش فيه .

 لقد اقترن التفكير على مستوى العالم  بالتحليل اﻻقتصادي او الاجتماعي او العلمي او الديني …الخ في تفسير الحوادث التاريخية، حيث رأى ماركس (وهو يحلل المجتمع الاوربي الصناعي بالذات ) أن النظام اﻻقتصادي هو اﻷساس الذي يقوم عليه التاريخ السياسي والفكري. ويرى ماركس أن تاريخ المجتمعات ينحصر في صراع طبقاته والذي كان ينتهي ﻏالبا بثورات.  كما يرى أن تحليل أي ﻇاهرة تاريخية أو اجتماعية أو دينية ﻻ يمكن فهمه دون الرجوع إلى الصراع الطبقي . وحركة التاريخ لدية تبدأ بالمشاغبة الاولى والرعي والرق والإقطاع والرأسمالية والاشتراكية وينهي دورة التاريخ بالشيوعية ( المشاعية)، (من كل حسب قدرته إلى كل حسب حاجته)، يشير المبدأ إلى حرية الوصول وتوزيع السلع ورؤوس الاموال والخدمات.

وقد اثبت التاريخ فشل تطبيق كل ذلك مع انهيار الاتحاد السوفيتي والدول الشيوعية الاخرى، ومع التحول الصيني الهائل عن ذلك بعد تخليها عن النظرية الشيوعية وتوجهها إلى عكسها.

اما التفسير العلمي والتقدم التكنلوجي فهو يسير بنا عبر مراحل التطور التاريخي إلى نهاية غير معلومة ، فإما تكون النهاية تصادم واما توافق وعلى هذه النهاية تعتمد فناء ونهاية العالم بسبب تطور قد يكون منفلتا وخارج عن سيطرة البشر.

اما العبقري ابن خلدون فقد قال بان حركة التاريخ هي حركة مغلقة ، تبدأ بالولادة وتنتهي بالفناء ، وهو هنا يقصد الدول والحضارات فهي تبدأ بالاعتماد على العصبية ( القوة ) وتنتهي بدولة او حضارة ، لها عصبية اقوى.

بالعودة إلى عنوان مقالتنا نقول ان حزب البعث العربي الاشتراكي والمفكر احمد ميشيل عفلق يرون ان التغيير الايجابي لحركة التاريخ في الوطن العربي تعتمد اولا على اعتماد الامة على نفسها، وعلى عدم اتكال ابنائها على قوى خارجية او غيبية لتحقيق التقدم ، وانما بالعلم والعمل الدؤوب والاجتهاد على كل الاصعدة. 

كما واستند في كل ذلك على احياء الإرث الحضاري للامة العربية من إنتاج علمي وانساني عبر الحضارة العربية الاسلامية، والتي أثرت الحضارة الانسانية بالكثير.

كما وقد ركز البعث على العلاقة الديالكتيكية بين الصراع الطبقي والنضال القومي وحلل ابعاده وكيفية التعبير عنه وصولا الى التغيير المنشود.  كما يرى الحزب أن تحليل أي ﻇاهرة تاريخية أو اجتماعية أو دينية ﻻ يمكن فهمها دون الرجوع إلى العلاقة بين النضال القومي والصراع الطبقي . 

وإن اي  فهم للماضي، وتطور المجتمع وكيفية تغييره، هي أجزاء لا تنفصل عن النضال. نضال كافة فئات المجتمع من الكادحين  المضطهدين من عمال وفلاحين وطلبة وعسكريين ومثقفين وكافة الفئات الجديدة  التي تظهر بسبب التطورات الاقتصادية والتقنية الجديدة ومتغيراتها.

اعتمد  الحزب  على اجابة أسئلة من نوعيّة كيف هي الحياة بالنسبة للذين عانوا وما زالوا من المرض والجهل والفقر ؟ وماذا عن التجهيل المنظم الذي تعاني منه بعض مجتمعاتنا ، وشيوع الاتكالية على الاماني والحلول الغيبية بدلا من العلم والعمل الدؤوب.

ماذا عن الناس الذين عانوا ومازالوا بسبب الاستعمار واضطهاده القومي للامة العربية وبسبب الإمبريالية واستغلالها البشع للموارد والحقوق؟  كيف يمكن أن نجسد معاناتهم اليومية ونحقق لهم تطلعاتهم بمستقبل افضل ؟ فكان الجواب وما زال هو تحقيق  شعار ( امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة )، واهداف استراتجية هي ( الوحدة والحرية والاشتراكية )، وسمات هي ( الثورية ، الانقلابية ، الشعبية ، الاخلاقية ).

فبدون وحدة العرب وتكامل التعاون بينهم ولو بالحدود الممكنة، فلا امل للامة في مواجهة ناجحة ازاء ما تواجهه من تحديات وجودية. 

السؤال ماهي النهاية هل هي المشاعية الثانية او التصادم او الاتفاق  او دورة الحياة كما يرى ابن خلدون ؟

الجواب ببساطة ترك حزب البعث العربي الاشتراكي  التاريخ مفتوحا وحركته لا تنتهي .

 فكان السؤال ، ماذا بعد تحقيق الامة العربية للوحدة والحرية والاشتراكية ؟ 

فكان الجواب بان الامة والحزب الذي يرى والذي تثبت الأيام والتحديات صحة عقيدته، بان الاهداف الثلاثة هي الحل لواقع الامة في هذه المرحلة من تاريخها، سيجد او يكتشف اهدافا جديدة ، فالبعث يرى ان خلاص وسعادة الامة بتحقيق اهدافها الوحدة والحرية والاشتراكية ، وهي مرحلة على طريق حركة التاريخ التصاعدية المفتوحة.

الجمعة، 18 أبريل 2025

التنظيم والخلية الحزبية / بقلم / أ.د ابو لهيب

 التنظيم والخلية الحزبية 

أ.د ابو لهيب 

ان التنظيم الحزبي ليس حالة شكلية مجردة او مصطلحاً مجرداً نستعمله في حياتنا العامة او حياتنا الحزبية .        

ان للتنظيم اسسه ، ومرتکزاته ، وله قاعدته القوية المتينة التي بدونها يفقد التنظيم ، كمصطلح او كواقع معناه واثره ومبررات وجوده وقبل ان ندخل في تفاصيل الحالة التنظيمية ، يمكن ان نقول عن التنظيم انه المجموع المتفاعل للضوابط التي ترتكز عليها المسيرة النضالية للحزب وترسم مساراتها ، وتحدد اتجاهات عملها ، ولكن علينا ان نعرف ان هذه الضوابط ليست منفصلة عن فكر الحزب ، وانما هي جزء منه ، عبر وحدة متكاملة بين التنظيم والفكر ، ان مرتكز التنظيم هو الخلية الحزبية التي هي اصغر وحدة تنظيمية ، تقوم بمهمة العمل النضالي اليومي ، في اطار خطته العامة لمجمل التنظيم ، وان مجموع نشاط الخلايا التنظيمية يشكل النشاط الكلي للحزب ، وليس بمعنى الجمع الكلي والعددي لمجمل نشاط هذه الوحدات وانما هو نشاط خلايا الجسم الحي الواحد ، فان نشاط كل خلايا الجسم ، حسب تخصصاتها ومواضعها يشكل في النتيجة ، الحياة .  

ان حياة الحزب يشكلها مجموع نشاطات الخلايا التنظيمية وان موت الخلية او مرضها او عدم قدرتها على التلاؤم مع الحركة العامة للجسم معناه انها اصبحت معيقاً لابد من معالجتها واصلاحها، بما يتيسر من وسائل الاصلاح والعلاج ، او ابعاده عن جسم الحزب ، حتى لايؤثر على حركته العامة ، وحتى لاتنتقل الاعراض الى بقية الخلايا الصحيحة المعافاة.

ان نشاط الخلايا الحزبية هو بمثابة الشعيرات الدقيقة التي تحقق تماسك جسم الحزب ، وهي التي تمنح الحياة للهيكل التنظيمي ، وتحقق دور الحزب في الحياة ، كما تحقق الترابط بين الحزب والجماهير ، بصيغة النسغ الصاعد والنسغ النازل ، اي بصيغة التفاعل عبر الاخذ والعطاء .      

اذ تستطيع الخلية الحزبية بانتشارها في جميع الاوساط الجماهيرية ، توصيل افكار الحزب ومواقفه وسياساته ، الى جموع الشعب وهي بدورها تكتشف العناصر الصادقة الامينة الصالحة للعمل الحزبي ، فتعمل على ضمها الى الحزب ليس كرقم عددي ، وانما كطاقة نضالية جديدة ، تضاف الى مجمل طاقات الحزب ، فتجدد الدماء الحارة فيه ، وكما يستوعب الجسم الحي الحجيرات النشيطة الجديدة ، ويبعد الحجيرات الفاسدة الميتة .                      

ان الخلية الحزبية تضم مجموعة من المناضلين ، ويقودها مسؤول من مستوى حزبي اعلى . يكون الحد الادنى لاعضاء الخلية الحزبية ثلاثة اعضاء الى سبعة ويصل الى اثنى عشر عضواً في الاقطار التي يقودها الحزب في ظروف علنية ، وهكذا يزداد العدد الاعلى للخلية حسب ظروف التنظيم وعدده ، لكن يفضل ان لايكون عدد اعضاء الخلية كبيراً ، لكي يستطيع المسؤول الحزبي استيعاب نشاط كل الاعضاء ، واكتشاف قدراتهم وطاقاتهم وتطويرها ، والترکیز على الطاقات المتمیزة ورعایتها ، وتوفیر أسباب ازدهارها وتقدمها .  

أما فی العمل السري ، فيجب الابتعاد بصورة قاطعة عن توسيع الخلية الحزبية ، بحيث ينحصر عدد اعضائها بين ثلاثة الى سبعة اعضاء لاسباب تتعلق بأمن التنظيم وعدم اتاحة الفرصة لاعداء الحزب لاكتشافه ومن ثم ضربه ، ذلك ان التجمعات الكبيرة يكون رصدها او اختراقها من قبل الاعداء اكثر سهولة.                  

ان قلة عدد اعضاء الخلية يتيح للمسؤول الحزبي التركيز على من هم ضمن مسؤوليته التنظيمية ، ليتابع عملية تطويرهم ثقافياً ونضالياً ، وتحصينهم ضد الوسط المضاد ، وتأهيلهم للتأثير في الوسط الذي يعيشون فيه .                                               

ان الساحة ، التي يقودها الحزب يكون الوسط العام فيها متعاطفاً ، ولاتقتصر عوامل التأثير البعثي في هذا الوسط على العمل التنظيمي ، بل تدعمه جميع النشاطات السياسية والثقافية والاعلامية . 

ويقسم التنظيم الحزبي بحسب المناطق تسهيلاً لحركة العمل اليومي وحفاظاً على الوقت ، وزيادة في التأثير ، اذ ان الانسان يكون اقدر على التأثير في الوسط الذي يعرفه ، ويعرف امكانية التحرك فيه و وسائل التأثير الاجدى ، والتركيز على العناصر الجيدة من اجل تحديد الاوساط المعادية ، ومعرفة أسباب ودوافع الاعداء ، من أجل تطويقها ، وعدم السماح لها بالانتشار ، والتأثير في الاوساط الشعبية التي هي وسط الحزب وهدفه ومادته، وكذلك من اجل رصد القوى السياسية والاجتماعية ، ومعرفة اتجاهاتها والتحرك عليها وفق خطة الحزب ، وتوطيد العلاقة مع الاوساط الشعبية القريبة منها ، بغية عزلها عنها ، ومحاصرتها ، وفرض واقع التقوقع والضمور عليها . والتنظيم قد يكون مهنياً ، كالتنظيمات الطلابية والعمالية والفلاحية او تخصيصاً مثل تنظيمات الادباء او الفنانين او الصحفيين .      

ان مبررات بناء بعض التنظيمات المهنية كثيرة ومتشعبة ، منها الاستثمار الجيد لعنصر الزمن ، حيث تتواجد قطاعات مهنية معينة لفترات طويلة في مجال عملها ، ثم تكثيف النشاط بين هذه القطاعات بما يتناسب مع اهميتها وتميزها وخصوصيتها ، وبالتالي فائدته لعموم عمل الحزب، اضافة الى ان بعض القطاعات المهنية بحكم تركيبتها الاجتماعية بحاجة الى نوع خاص من التعامل التنظيمي المتميز.

ان التنظيمات المهنية والمتخصصة تنشأ عادة عندما تتوسع وتتمدد تنظيمات الحزب افقياً ، وهي تكون تنظيمات منفردة ، اي ان علاقة الحزبي بالحزب تأتي من خلالها ، وفي بعض الاحيان تكون له علاقة تنظيمية مزدوجة بالاضافة الى التنظيم في منطقة السكن .                                

ان من اولى مهام الخلیە الحزبیە ايصال التعليمات والخطط والتوجيهات الحزبية الى مناضلي الحزب ، من اجل تطبيقها ، في الوقت الذي يقوم فيه مسؤول الخلية بالاجابة على اسئلة اعضائها ، وايضاح مايجد فيه غموضاً ، كي يكون تنفيذها دقيقاً وفق الخطة المرسومة .                             

ثم تقوم الخلية من خلال اعضائها بايصال مايطلب منها ايصاله الى الجماهير الشعبية ، لتاكيد التواصل بين الحزب والجماهير ، ونقل آراء المواطنين وانطباعاتهم ، ومن ثم تقديم الآراء واقتراح الحلول ، وفي هذا السبيل ، يتم التاكيد على الحالات الايجابية ، التي تنشأ عن العلاقة العميقة بين الحزب والجماهير ، وان ترصد السلبيات ، من اجل تجاوزها .               

اذ ان الحزب مهما كان قوياً ومهما كانت مبادئه صحيحة فان ابتعاده عن الجماهير يعني انه يسير في خط تنازلي يصل به الى الضعف والتدهور والموت .  

ان قوة حزبنا تأتي من قوة الحزام الجماهيري الذي يلتف حوله ، وان صحة مبادئه تتأكد وتترسخ بأيمان الشعب بها .                                       

ان المناضل الحقيقي والجدير بحمل رسالة الامة الخالدة هو الذي يجعل من حياته كتلة من النشاط المستمر والدائم ، من اجل خدمة الحزب واهدافه ، وان لايقتصر عمله الحزبي على حضور الاجتماع فقط ، ولاينحصر عطاؤه للحزب والشعب داخل المنظمة الحزبية فقط ، وانما يجب ان يتجاوز ذلك الى العطاء الواسع ، فالاجتماع هو مجال لتنسيق العمل والنشاط وتلقي التوجيهات ، ورفع المقترحات ، وتكون الفترة الزمنية بين اجتماع وآخر هي حصة الحزب والشعب من نشاط المناضل ، لتنفيذ التعليمات ومتابعتها ، والاضافة اليها ، من روح المناضل المبدعة .       

ان الاجتماع الحزبي ليس عملاً مجرداً يتسم بالالية والثبات والجمود وانما عملية خلق دائمة ومستمرة ، ولذلك نجد ان اهمية الاجتماع الحزبي تتبع من كونه الموعد الذي يتوق اليه المناضلون ، لكي يمارسوا العمل الجماعي من اجل انتصار المبادئ ، التي آمنوا بها ، والتي يرون فيها الخير لشعبهم ، والقوة والمتعة لامتهم ، والمجد والمستقبل السعيد لوطنهم .       

انهم يجدون في الاجتماع الحزبي المجال المناسب ، الذي يضعون فيه حصيلة تجاربهم النضالية ، وزبدة معارفهم في نقاش رفاقي ناضج وعملي ، من اجل المساهمة الجادة في مسيرة حزبهم ، الذي أختاروا الانضمام اليه ، ليعبروا من خلال هذا الانتماء عن تطلعات ضميرهم الوطني والقومي والانساني ، ويتطلعون في الوقت نفسه وبمنتهى المحبة والرغبة الاصيلة الى تعليمات الحزب وتوجيهاته وما يعبر عنه من مواقف .                                                 

ان الاجتماع الحزبی لقاء له قدسیە ، اذ یلتقی فیه المناضل صاحب الرسالة مع رفاقه المناضلين ، الذين يحملون روحاً مثل روحه ، واستعداداً للتضحية مثل استعداده ، والذين يرتبط بهم بالفكر والضمير ووحدة المصير.  

لذلك نجد ان المناضلين الذين وهبوا انفسهم للامة ، ووضعوا كل ما لديهم ومعها الارواح ، في سبيلها ، ومن اجل تقدمها وعزتها ، يتوجهون للاجتماع بشوق غامر ، ورغبته صادقة وتفتح ذهني ونفسي ، واستعداد عقلي للمشاركة من أجل تطوير العمل الحزبي ، وتعميق اثارة الايجابية ، في حياة الشعب ومستقبل الوطن .                                         

ان قدسية الاجتماع الحزبي تتطلب جملة من الالتزامات التي تؤدي الى نجاح عمل الحزب وتسير به الى حيث النصر والسؤدد .          

واذ ينبغي الحفاظ على موعد الاجتماع ، واعتبار ذلك من القضايا التي لايجوز التهاون فيها ، فذلك لان احترام الاجتماع ، والالتزام به هما احترام للحزب ودليل على الايمان بمبادئه ، ومما يراعي في الاجتماع انه يجب احترام الوقت اثناء الاجتماع والالتزام بآداب الحديث ، ومراعات حق الآخرين في اخذ فرصتهم في ابداء الرأي والمناقشة ،وعدم اهدار الوقت في الكلام المطول وطرح القضايا الشخصية التي لاعلاقة لها بالمسيرة النضالية للحزب ، وكذلك يجب الدقة في الحديث وفي الحوار ، كما ينبغي الالتزام بتوجيهات المسؤول الحزبي واحترامها ، لانها ليست توجيهات شخصية .                       

ان توجيهات المسؤول الحزبي واحترامها ، لانها ليست توجيهات شخصية ، ان توجيهات المسؤول الحزبي هي توجيهات الحزب وان المسؤول الحزبي هو حلقة الوصل بين قيادات الحزب وبين المناضلين في الحلقة الحزبية ، وبالتالي فهو حلقة الوصل بين الحزب والجماهير .                         

تقع على كل بعثي مهمة صيانة اسرارالحزب في مجاله والاحتفاظ بالمعلومات واحترامها ، والتزام وعدم الثرثرة خارج الاجتماع الحزبي ، كي لا تتعرض خطط وبرامج التنظيم للكشف ، فتسهل للاعداء مهمة محاربتها وتعويق تنفيذها ،وبالتالي ان معرفة الاعداء بالخطط والنوايا الحزبية تعوق المناضل كما تعوق المنظمة عن اداء الدور النضالي بصورة جيدة .

الثلاثاء، 15 أبريل 2025

العلاقة بين اهداف الحزب وحياته الداخلية / بقلم / أ.د ابو لهيب

 العلاقة بين اهداف الحزب وحياته الداخلية

أ.د ابو لهيب 

ان الافكار تأخذ بعدها الواقعي في سلوك المناضل من خلال التنظيم ، ففكرة الوحدة ، مثلاً ، يعبر عنها ، التنظيم ، ويرفض كل مايتعارض مع هذه الفكرة ، من اقليمية وطائفية ، ويساعد التنظيم ، في تكوينه العام ، على اعطاء صورة الوطن العربي الموحد ، لأنه يضم بين صفوفه مواطنين من مختلف الاقطار العربية ، وولائهم للأمة وارتباطهم بأرضهم عميق .

وفي الهيكل التنظيمي لحزب البعث العربي الاشتراكي نجد على قمة التنظيم الهرمي قيادة قومية تتفرع عنها قيادات رأسية لاقطار الوطن العربي ، كل حسب ظروفه ومدى تطور التنظيم الحزبي فيه . ان الهيكل القومي لتنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي يتعامل مع هدف الوحدة كواقع ليس في النظرية البعثية حسب بل في حياة الحزب الداخلية وطبيعة التنظيم .

ويعبر عن الحرية باحترام الرأي الآخر داخل التنظيم ، واحترام صيغة العمل الجماعي وتقاليده ، والالتزام بمجمل صيغ الانضباط الحزبي ،التي يتعلمها البعثي ،عبر ممارسة الصيغة التنظيمية،وكذلك احترام رأي وسلوك الآخرين بما لا يشكل خطراً على التنظيم والشعب وألوطن

وهكذا فان الحرية لم تعد مجرد كلمة جميلة نستعملها مصطلحاً سياسياً مفرغاً من محتواه العلمي او الاجتماعي ، وانما هي موقف وسلوك يدخلان في أدق تفاصيل حياتنا اليومية ويرسمان صورة المستقبل ، التي حددتها اهدافنا ، وسرنا اليها من خلال نضالنا للوصول .

اما الاشتراكية فيعبر عنها بالابتعاد عن كل اشكال الكسب غير المشروع ونبذ روح الاستغلال ، واقتناص الفرص والتكالب على ماديات الحياة . والاشتراكية مثلما هي قرارات وقوانين فهي سلوك وايمان . وليس اقدر من التنظيم على غرس الايمان في عقل وضمير الانسان ، وعلى تكريس السلوك الاشتراكي لديه . وهذه هي ميزة التنظيم من اجلها ...اي انه لايضعه بعيداً عن الواقع ، ويتركه غارقاً في سيل الكلمات والمصطلحات .

ان الممارسة التنظيمية لحزب البعث العربي الاشتراكي عبر اندماجها بالعملية الفكرية والتثقيف المتعدد الاوجه والاساليب تتحول الى عملية بناء للأنسان ففي الوقت الذي تخلق الحياة الداخلية للحزب الملامح المشتركة للبعثي في الفكر والسلوك والارادة ، ليس من الصعب تلمسها حين ننظر اليها من خلال تجربة تنظيمية ناضجة ومتميزة ، اذ نجد ان الملامح المشتركة بين بعثي وبعثي أخر تتجاوز في قربها وتشابهها الملامح المشتركة في الفكر والسلوك والارادة بين شقيق وشقيقه حين ينشأ ذلك الشقيق خارج اطار هذا التنظيم .

ان هذا الزخم هو الطریق الى التغیر ، وهو المعبر عن ارادە النضال ضد قوى الاستغلال والتخلف والتعسف والدكتاتورية ، وضد قوى القمع والسيطرة والتوسع . فلنتصور ان نظاماً متعسفاً يمتلك كل وسائل القمع وادوات القهر ، هل بالامكان مواجهته بالارادة الفردية ، مهما كانت هذه الارادة مؤمنة وصادقة وشجاعة ؟ .

ولنتصور مجتمعاً متخلفاً غارقاً بالجهل والمرض والتردد والفقر ، هل يمكن ان ننتقل به الى شاطئ التقدم متجاوزين واقع التخلف بالارادة الفردية وحدها ؟ .

نحن نعرف ان كل حالات التغيير الكبير ، التي حققها الانسان في تاريخه جاءت من خلال الزخم العام الذي تصنعه الافكار المقرونة بالأرادة المنظمة .

وهنا يجدر بنا ان نشير الى الخبرة التي يقدمها التنظيم للأنسان وللمناضل ، ولنأخذ مثلاً تجربة حزبنا في العراق ، حيث تم بناء أنضج تجربة ثورية وأكملها في المجالات السياسية والتنموية والثقافية ، من بين كل التجارب التي عرفها العالم الثالث ، فالملفت للنظر ان الذين كانوا وراء بناء هذه التجربة الثورية الفذة مناضلون لم تكن لهم اية خبرة او تجربة في ادارة الدولة وان كل تجربتهم اكتسبوها من خلال تجربة التنظيم الحزبي .

وتبرز في هذا السياق ظاهرة الرفيق القائد صدام حسين عبر مسيرة تجربة الثورة في العراق ، ففي كل المنعطفات التي مرت بها والانجازات الكبيرة التي حققتها كان هو المبادر والمخطط والمتصدي للصعوبات وواضع الحلول .

ان الرفيق القائد صدام حسين قد اكتسب كل خبراته من خلال تجربته التنظيمية في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي . وهو الذي عرفته الحياة الحزبية منذ كان فتى وقاد الحزب في اصعب المراحل واكثرها تعقيداً ، واوصله بالوعي والارادة والتصميم والانضباط الشديد الى حيث الامان.

ان التحاق الفرد بالتنظيم الحزبي يمثل بداية المسؤولية الكبرى اذ ينتقل فيه من مرحلة الانسان الاعتيادي الى مرحلة الانسان المسؤول ، حيث يجد له موقعاً في الهدف الكبير السامي لأمته . وهذا يتطلب منه جهوداً استثنائية في الالتزام والمواصفات الفكرية وفي العطاء المميز والاستعداد للتضحية ، لكي يكون جديراً بصفة البعثي التي تميزه في المسؤوليات والاعباء والوعي والارادة.

لذلك فان التنظيم هو انتقال من حالة الى حالة جديدة وهو وسيلة التغيير ، و وسيلة بناء التجربة وشدها اذ يحقق التجانس الفكري بين المناضلين لا من خلال قراءة الفكر المجرد واستيعابه وانما من خلال الممارسة النضالية ، من جهة ، والحوار والمناقشة من جهة ثانية .

ان التنظيم هو مدرسة المناضل ، ليس في مجال اكتساب المعارف حسب ، بل في امتحانها

وبالاضافة اليها ، والتواصل معها ، والخروج بقناعات فكرية محددة ومنضبطة ، دون ان تتحول الى نصوص جامدة تمنع تطورالمناضل او تحط النظرية وتقطعها عن اسباب الحياة ..فالتنظيم الحزبي ، بما يوفره من اجواء ديمقراطية ، يطور فكر المناضلين بأتجاه الوحدة والتجانس ، ويقرب من الفروق ، ويلغي التناقضات الحادة ، ويفتح افاقاُ لتطور هذا الفكر بالاتجاه نفسه وعلى المرتكزات نفسها .

وهو يسير عملية ايصال المواقف والتعليمات والتوجيهات ، التي يريد الحزب ايصالها الى مناضليه ، وذلك عن طريق الحركة السريعة التي يوفرها التسلسل الحزبي ، اذ يستطيع المسؤول ان يوصل الموقف او التعليمات والتوجيه ،الى عدد كبير من المناضلين ، الذين هم في المنظمة المسؤول هو عنها ، باختصار شديد في الزمن وفي الحركة ، لان الاجتماع يعقد عادةً في مكان وزمان معينين .

ان التنظيم يعلمنا كيف نتعامل مع الوقت ، ويعلمنا معنى الاحترام المواعيد وعدم التفريط بها وعدم التساهل في ضبطها .

ان احترام موعد الاجتماع عامل رئيسي واساسي في النظرية التنظيمية لحزب البعث العربي الاشتراكي ، لان احترام المواعيد ودقتها ، وعدم التفريط بالوقت ، اثناء الاجتماعات ، بطرح امور وقضايا غير اساسية ، يؤكد الموقف الاخلاقي لحزبنا من جهة ويرسم صورة المجتمع الجديد ، الذي يناضل حزبنا من اجل نهضته ، هذا المجتمع الذي يحترم الوقت ويحافظ عليه ، ويلتزم بدقة المواعيد في كل تفاصيل حياته .

ثم ان من مهمات التنظيم وعبر الممارسة اليومية ، ومن خلال التشخيص الدقيق ، والملاحظة المستمرة التي يبديها مسؤول المنظمة وبقية المسؤولين صعوداً في سلم المسؤولية ان يكتشف القدرات الخاصة التي يتميز بها مناضل عن آخر ، تنظيمية كانت ام ثقافية ، ثم العمل على وضعها في مجالات مناسبة ، والعمل على رعايتها ومنحها الفرص التي تجعلها تصل الى مديات واسعة ويتم ذلك عبر نشاطات الحزب ، وقد تخرج الى المجتمع حين تتبلور بالرعاية المستمرة .

وداخل الحزب يظل المناضل حريصاً كل الحرص على صقل نفسه وروحه وتطهيرهما من كل شائبة سواء في الفكر او التصرف او السلوك ، وان تتمثل فيه دوماً الاخلاق الحسنة والنزاهة والعفة والامانة والاخلاص والشجاعة والوفاء والشهامة ونكران الذات ليكسب رضا الجماهير وحبها وتقديرها ، وبالتالي ليعبر بصدق وبأصالة عن وجه الحزب الناصع ، فهو في محيط ومجال عمله قدوة للجماهير ، تتعلم منه ويتعلم منها ، ويؤثر ويتأثر ، وهو ايضاً لايسنطيع ان يشق طريقه.

كمناضل طليعي نموذجي في صفوف الحزب من دون ان يحمل في ضميره ووجدانه كل ماهو خير وصدق وشرف من عادات وتقاليد الشعب .

ان معظم مثقفي حزبنا خلال مراحل نضاله التي سبقت تسلم السلطة في العراق برزوا من خلال النشاط الثقافي داخل الحزب ومن خلال العمل في وسائل الثقافة فيه ، رغم محدوديتها .

ان اكتشاف القدرات الخاصة والمواهب المتميزة لن يقف عند حدود التنظيم الحزبي حسب بل يتجاوز ذلك الى وسع المجالات الشعبية . وان سعة مساحة التنظيم وانتشار الحزبيين بين اوساط الشعب تؤهلهم لمراقبة وملامسة واكتشاف هذه القدرات واصحابها ، وبدلاً من ان تضيع في زحمة الحياة يمكن ان تأخذ طريقها الى النضج والمقدم عن طريق التحاقها بالتنظيم لما فيه مصلحة التقدم.

واخيراً نشير الى دور التنظیم فی تقدیر وصول التعلیمات والمواقف الى المنتظمین وحدهم او الى جماهیر الشعب ایضاً ، والخشية هنا كما نعلم ليست من جماهير الشعب فهي وسط الحزب الذي يعيش فيه وينمو ويتطور ويتجدد فيه ، ولكن الخشية من ان تصل الى اعداء الشعب فتستعمل ضد الحزب ،وضد حركة التقدم . هذا حين يكون الحزب في السلطة او يكون له قدر من حرية العمل.

اما اذا كان الحزب يخوض النضال ضد سلطة قمعية متسلطة ، فان التنظيم السري يحفظ الحزب من ان يتعرض لضربات الاجهزة القمعية ، ويحفظ بعض المواقف والتعليمات والتوجيهات في حدود ترسمها القيادة المعنية خشية من ان تستفيد منها اجهزة القمع واعداء الحزب ، وتيسر لهم مهمة ضرب الحزب ، والحد من نضاله ، والتأثير على نشاط مناضليه .

بين العصبية المنغلقة والمبادئ السليمة / بقلم / د- فالح حسن شمخي

 بين العصبية المنغلقة والمبادئ السليمة

د- فالح حسن شمخي 

هناك أنواع مختلفة من العصبيات من هذه العصبيات القبيلة والمناطقية وغيرها،  والعلاقة القوية لاعضاء المؤسسة العسكرية او غير ذلك .

 ولكن العلاقة التي تستند عليها الرفقة الحزبية في المؤسسة الحزبية هي ليست العصبية اطلاقا وانما الرابطة  وشدة الانتماء للمباديء التي يقوم عليها الحزب.

وهذه  ما اود الخوض فيها  و مشاركة اصدقائي الرأي ، سأعتمد في الموضوع  الذي سأطرحه على مقدمة ابن خلدون ، وماطرحه مالك ابن نبي في شروط التطور مع التنبيه الى ان ابن خلدون تحدث عن قيام الدول والمجتمعات وهذا مختلف تماما عن الحزب الثوري بطبيعة الحال، لذا فالمقاربة ليست متطابقة ، لكنا نتناولها للافادة.

نظرية ابن خلدون وفي جانب من جوابها  تؤكد على ان بناء الدولة يعتمد العصبية التي تطرح  بعد تأكيد قوتها نص وهذا النص عبارة عن خطة استراتيجية تقدما للعصبيات الاخرى لكي تقنعها بان اهدافها عامة وليست خاصة ،  بعد ذلك تاتي مرحلة اختبار التزام هذه العصبية بالنص المقدم ، وعادة مايكتب هذا النص البعض من  المستشارين المحيطين بصاحب السلطة .

الجانب الثاني  من نظرية ابن خلدون هو تشبيه المراحل التي تمر بها الدولة بالمراحل التي يمر بها الانسان ، نشوء ( ولادة )، تطور (شباب )، النضج ( الحكمة )، الأفول ( الموت).

بالمقابل فان مالك بن نبي قد اخذ او اختلف مع ابن خلدون حينما حدد شروط التطور للأمم فهو يعتقد ان الامم تمر بثلاث مراحل اولها الفطرة وثانيها العقل وثالثها الغريزة ، فالفطرة هي في اندفاع الفقراء واصحاب المصلحة الحقيقية في البناء لتحقيق هدف استلام السلطة ، بعد ذلك تاتي مرحلة العقل ( الحكمة ) و( العدالة )، والتنمية بكل أنواعها ، اخيرا المرحلة المدمرة وهي مرحلة الغريزة حينما تبرز الشهوات والصرعات والمناكفات والابتعاد عن اصحاب المصلحة الحقيقية من الفقراء والكادحين اصحاب الفطرة السليمة .

اما بالنسبة للاحزاب ولاسيما الثورية منها،

  فان الحزب يؤسس على اساس رابطة الايمان الراسخ بمباديء وعقيدة وضعتها مجموعة من المفكرين واصحاب الرأي والقادة والذين لديهم موهبة اكتشاف القوانين المحركة للواقع القديم ، والذين يتوصلون إلى  قوانيين جديدة وبديلة تحقق اهداف وتطلعات الامة في المستقبل الافضل ، هنا يبدا فقراء وكادحين الامة وقبلهم نخبها الالتحاق بركب هؤلاء القادة المؤسسين وبهذا المولود الجديد .

 وعندما تتوسع القاعدة الجماهيرية لهذه الاحزاب تنتقل الى مرحلة استلام الحكم في بعض الدول او تواصل نضالها لتحقيق اهدافها بعيدا عن السلطة ، ويمكن ان نماثل هذه المرحلة بمرحلة الشباب والحيوية .

هذه المرحلة تتطلب  كتابة النص ، والنص هنا ليس دستورها ونظامها الداخلي الخاص بأعضاء الحزب ، النص الذي اعنيه هنا التقرير السياسي الذي يقدم للامة حزبيين وغير الحزبين لاقناع الجماهير بان المستقبل مع هذا الحزب وعقيدته هو افضل وهو من سيحقق المصالح المشتركة والتي توضحها اهدافه الاستراتيجية ومنها اطلاق الحريات والتوزيع العادل للثروة والعدالة الاجتماعية وغير ذلك الكثير وحسب مباديء كل حزب.

وفي تطور الدول تكون مرحلة العقل ( النضج ) ، هي مرحلة البناء والتنمية الشاملة ومرحلة العمران التي تحدث عنها ابن خلدون ( بناء المدن )، تعتبر هذه المرحلة من اهم المراحل لانها تفتح الابواب على مصرعيها للحزب الذي يتولى الحكم في دولة ما حتى يضع بصمته على التاريخ وبسفر التاريخ . مع ملاحظة ان هناك أحزاب تضع بنضالها الضروس وبعيدا عن الحكم بصماتها التاريخية.

واذا ما ابتعدت الاحزاب عن عنفوان عقيدتها ومبادئها التي انطلقت من اجلها ، وابتعدت عن النضال الميداني فانها تتعرض الى خطورة الدخول إلى  مرحلة الغريزة (في حياة تطور الدول) و التي تقود إلى الأفول . حيث تنشب الصراعات بين اعضاء الحزب على المصالح والمواقع ، مع بروز عناصر انتهازية ووصولية تؤجج الصراعات والمناكفات ، واخطر مافي هذه المرحلة ايضا هو اقصاء او تنحي او سكوت اصحاب الفطرة السليمة من النخب وجماهير الكادحين على السواء.

تعودت دائما ان اختم ما اكتبه ( بالزبدة)، الثيمة او المعنى الاساسي .

الزبدة هي ان اسقاط ماقاله ابن خلدون وابن نبي  لايكون صحيحا  على الاحزاب كما ذكرت في المقدمة ، ولاني على يقين ان هناك البعض من الاحزاب التي تنتمي إلى امة حية ، تواصل مسيرتها بوتيرة تصاعدية و تواجه كل المصاعب والتحديات الجسيمة والضربات العمودية والظلم والاستهداف المنقطع النظير ، مستندة إلى ارث الامة الحضاري وارث الحزب نفسه ، ومنها وفي مقدمتها حزب البعث العربي الاشتراكي ، الذي لم تنقطع مسيرته النضالية عن خطها التصاعدي منذ الانطلاق وعبر ما يقارب من ثمانية عقود من النضال المجيد والتضحيات الجسيمة 

واليوم اراه متجددا وينبض بالحيوية خاصة وان الاعضاء الذين انتموا إلى الحزب بعد العام ٢٠٠٣ ، عام احتلال العراق يشكلون اليوم  عنصرا أساسيا في ديمومة مسيرة الحزب الصاعدة مسترشدين بمساندة وحكمة الاجيال التي ناضلت  وضحت  وقدمت ولازالت تقدم ، فهؤلاء الشباب يمثلون مرحلة  عنفوان روح الفطرة والنشوء وهم امتداد للشباب الذي اجتمع في ( مقهى الرشيد الصيفي ) في دمشق العام ١٩٤٧ .

اخيرا اقول ايضا ان النص الذي قدمه الحزب للجمهور والتزم فيه لايزال صالحا لتقديمه اليوم فالاحداث تثبت كل يوم ان لا انجح من عقيدة البعث لمعالجة وضع الامة ، فالامة العربية تمر اليوم بما كانت تمر به في الأربعينات فالتجزأة  والفقر  والمرض والجهل والاستعمار المباشر وغير المباشر هي نفس التحديات و الظروف المحركة لواقع الامة العربية اليوم .

الاثنين، 14 أبريل 2025

مواقف البعث المبدئية في القطر العراقي من قضايا الامة العربية ./الاستاذ جابر خضر الغزي

 بسم الله الرحمن الرحيم

مواقف البعث المبدئية في القطر العراقي من قضايا الامة العربية .


( فالمصيبة ليست في ظلم الأشرار بل صمت الأخيار)،  لوثر كبنج.

ان مواقف البعث المبدئية الثابتة لا تنطلق من العواطف والخلافات وطبيعة هذا النظام أو ذاك وإنما تنطلق  من منطلق قومي عربي أنساني حقيقي لا يفكر بمنطق التآمر والثأر والانتقام ولا يقع في فخ تبسيط التناقضات السياسية ويتجاهل أو يجهل الإبعاد الإستراتيجية الدولية والإقليمية ومشاريعها " الأمريكية ، الغربية، الصهي،،،ونية، الخمينية ،التركية العثمانية " والتي تطبخ الآن بجدية وبقوة من اجل سايكس _ بيكو جديدة لتجزئة المجزأ وتقسيم المقسم للأقطار العربية .

لذا يؤكد البعث وحلفاءه في جبهة القيادة العليا للجهاد والتحرير على حماية عروبة المنطقة وخاصة بلدان الخليج العربي من الص،،،فوية الف،،ارسية والصه،،يونية, فكان العراق والبعث هو الضحية من سياسات النظام العربي الرسمي المتقاطع والمنبطح والمتهاوي بل المتآمر على شعب العراق وثورته ومقاومته الوطنية " حاشا القلة القليلة منهم لم يهملوا الواجب القومي والديني اتجاه شعب العراق " . وبالرغم من ذلك فان البعث لم ينطلق من مدى الضرر الذي لحقه به, " فتلك مسالة ثانية في الترتيبات المبدئية" ومع الأسف الشديد ان هناك بعض المثقفين والسياسيين والأحزاب العربية يكيلون بمكيالين واخذ البعض " يضمر خلاف ما يظهر ويبطن نقيض ما يعلن ،ويهمس سرا ،عكس ما يقول جهرا, ويروي في الصالونات السياسية والجلسات المغلقة نقيض ما يصرح " يا لها من معادلة تدمي القلب وتدمع العين , فالا يجوز السكوت إطلاقا عن جرائم والاعتداءات والتدخلات الصه،،يونية والص،،فوية الف،،ارسية في أقطار الأمة ولا مقبول مبدئيا ولا أخلاقيا , فالقضية العربية, قضية ارض وإنسان وتاريخ ومقدسات ومؤسسات , اكبر من الأشخاص والقيادات والأنظمة لان الأشخاص والقيادات والأنظمة تزول والأوطان والأمم باقية.

فمواقف البعث المبدئية ثابتة لا تقبل القسمة على اثنين ولذا فان البعث بكل فروعه استنكر وأدان بشدة الجريمة الوحشية الصه،،،يونية القذرة على  شعبنا العربي الفلسطيني  في غزة والضفة الغربية ونزيد الأمور توضيحا بشان مواقف البعث ونظامه الوطني في العراق الذي استهدفته الامبريالية والصه،،،يونية والص،،،فوية الإيرانية بغزوها واحتلاله من قضايا الأمة العربية, لكي لانترك مجالا للالتباس والتأويل والتفسير على الإطلاق حتى لايعطى فرصة لأعداء الأمة إن يدجلوا أو يزايدوا على البعث, لان العراق لم يطرح مواقفه المبدئية من اجل قضايا الامة العربية العادلة للاستعراضات الكلامية او الشجب والاستنكار انما كان دوما في مواجهة حقيقية وجدية مع اعداء الامة منذ عام 1948 ذهبوا العراقيون لمواجهة العصابات الصهي،،ونية التي احتلت فلسطين , وذهبوا الى سيناء والجولان عام 1973 وقاتلوا بشرف وبشجاعة , وذهبوا مقاتلو البعث والعراق مع المقاومة الفلسطينية الباسلة واللبنانية البطلة عام 1975 لانه ينطلق بان الارض العربية متساوية في القيمة كما إن الدماء التي سالت على ارض لبنان وفلسطين وسوريا والعراق ومصر والاردن والسودان والاحواز والخليج العربي كالانهار لا تستطيع اموال الاقطار العربية النفطية إن تعوضها او تحل محلها حقيقة تؤيدها الحواس قبل إن يقرها العقل .  لذا نضع أمام القارئ العربي بعض المحطات والأمثلة والعناوين البارزة من مواقف البعث الثابتة المبدئية من قضايا الأمة العربية والإنسانية منها :

المثال الأول : 

في بداية السبعينيات من القرن الماضي أعلنت اتفاقية التعاون والصداقة بين العراق والاتحاد السوفيتي وعلى أثرها جرت مقابلة صحفية للوفدين العراقي والسوفيتي , حيث سُئِل رئيس الوفد العراقي الشهيد صدام حسين رحمه الله عندما كان نائبا لمجلس قيادة الثورة بسؤال من احد الصحفيين مفاده : ما هو موقف البعث والعراق لو إن الجيش الأحمر السوفيتي قام بغزو عسكري للمملكة العربية السعودية , ولديكم اتفاقية صداقة معه ؟

فأجاب رحمه الله وبدون تردد قائلا: " سيكون أول جندي عراقي على ارض السعودية لمقاتلة الغزاة إي كان لونهم وجنسيتهم للدفاع عن الأرض والشعب والمقدسات ".

وبهذا الجواب المبدئي الثابت الذي انطلق أصلا من الوجود العربي والهوية العربية, ولن ينطلق من طبيعة النظام وسياساته أو بقاء وزوال هذا النظام أو ذاك.

المثال الثاني : 

حرب تشرين 1973،،حين بدأت الحرب على الجبهتين المصرية والسورية , أمرت القيادة العراقية الجيش العراقي الباسل جيش الأمة العربية , جيش الشعب بالاستعداد للتحرك إلى سوريا لأنه كانت دمشق مهدد بالسقوط, حيث قطعت القطعات العسكرية العراقية أكثر من 1000 كم بالتواجد إلى دمشق حيث بلغ حجم الطلائع الأولى أكثر من فرقتين مدرعتين وثلاثة ألوية مشاة وعدد من أسراب من الطائرات الميك والسوخوي , حيث شارك سرب الطائرات العراقية على الجبهة المصرية التي كانت له الضربة الجوية المركزة على أعشاش الرادارات والاستحكامات الصه،،،يونية , فكانت خسائر السرب العراقي 8 طائرات واستشهاد ثلاثة طيارين واسر ثلاثة طيارين عراقيين .

في حينها سئل المرحوم احمد حسن البكر طيب الذكر باعتباره القائد العام للقوات المسلحة العراقية عن إعداد القوات العراقية المشاركة على الجبهة السورية فأجاب رحمه الله قائلا : " المقدمة في دمشق والمؤخرة بالفاو " الفاو مدينة عراقية في جنوب العراق احتلها الجيش الإيراني في شباط عام 1986 وحررها الجيش العراقي الباسل في 17 نيسان 1988 وهي أول مدينة عربية تتحرر في التاريخ العربي المعاصر.وسميت مدينة الفداء وبوابة النصر العظيم

مع الأسف الشديد إن القيادتين المصرية والسورية أوقفت إطلاق النار مع الكيان الصه،،،يوني علما إن الحرب بدأت ولن تعلم القيادة العراقية, والعراق هو العمق السوقي والإستراتيجي لسوريا العروبة.

مما اضطرت القيادة سحب القوات العراقية من سوريا لأنهم دخلوا معركة قومية ولكن بعقلية قطرية وفي حينها صدر البعث بيانا عنوانه " حرب تشرين حرب تحريك لا حرب تحرير " بالإمكان الاطلاع التفصيلي عن حرب تشرين مذكرات الشاذلي وكتاب حراس البوابة الشرقية للكاتب المصري الحربي جمال الغيطاني .

 المثال الثالث :

بحر الغزال في السودان ،، هناك شهادة تاريخية ’ كيف انقذ الرئيس صدام حسين ولاية بحر الغزال في السودان من المتمردين وكيف رد سيادته على الرئيس السوداني محمد عبد الرحمن سوار الذهب ؟ في عام 1986 كان تمرد جنوب السودان بقيادة جون غرنق على اشده واخذ يتقدم في جنوب السودان حتى استطاعوا ان يتقدموا باتجاه ولاية بحر الغزال واصبحت الولاية مهددة بالسقوط بيد المتمردين الجنوبين ، حيث كان الجيش العراقي يواجه الهجوم الايراني في الفاو وادى هجومهم الى احتلال مدينة الفاو الحبيبة واخذ التقدم باتجاه مدينة البصرة  هدفهم السوقي ،،وفي خضم الاحداث العصيبة ارسل الرئيس السوداني وفودا الى الاقطار العربية طالبا مساعدتهم في صد المتمردين وتزويده بالسلاح والخبرات على عجل , وشملت جولات الرئيس السوداني مصر وليبيا وبعض الاقطار العربية وبعث ممثليين عنه الى القسم الاخر واضطر الرئيس السوداني الى زيارة العراق في منتصف الشهر الرابع من عام 1986 وقال للرئيس الشهيد ما نصه :

 اني جئت الى بغداد حتى احيطكم علما بان ولاية بحر الغزال باتت قاب قوسين او ادنى من السقوط بيد المتمردين واني زرت قسم من الاقطار العربية وبعثت موفدين بالنيابة عني الى القسم الاخر ولم نجد الاستجابة  من اي دولة لمساعدتنا واني اعذركم اذا رفضتم مساعدتنا لاني اعلم جيدا تخوضون معركة الدفاع عن العراق والامة العربية ضد العدو الايراني من البوابة الشرقية للوطن العربي واعرف تماما ان المعركة اليوم على تخوم البصرة وعليه لكم العذر الكامل برفض طلبنا ولا نجد اي حرج او زعل او حزن من رفض الطلبات وان الزيارة هدفها السلام عليكم واحاطكم علما بما جرى علينا وهنا جاء دور الرئيس الشهيد صدام جسين رحمة الله عليه في الكلام والرد غير المتوقع من الرئيس السوداني وقال المرحوم ما نصه وما هو الفرق بين ولاية البصرة وولاية بحر الغزال كلها ارض العرب والعدو مشترك باطماعه بارض الامة العربية والله اني مستعد ان افرط  بارض البصرة وغير مستعد ان افرط بارض بحر الغزال واني اطمئنك باننا ننتصر بالبصرة وبحر الغزال واريد ان تصمدوا  48 ساعة وسوف ترى انت والشعب السوداني بام اعينكم ماذا سنفعل بالعدو وعلى الفور تم الاتصال بالمملكة العربية السعودية لغرض تقديم تسهيلات للطائرات العراقية للهبوط  وتزود بالوقود في القواعد السعودية للعبور الى السودان وتمت الموافقة فورا وصدرت الاوامر الى الاسراب العراقية بالتوجه للسودان فورا وصدرت الاوامر الى اسطول النقل العسكري وبالتحديد طائرات اليوشن m76 وهذه الطائرات مكونة من السرب 33 والسرب طائرات انطنوف 23 بتشكيل جسر جوي بين بغداد والخرطوم وقبل ما تنتهي المدة 48 ساعة بدات الطائرات العراقية تقصف المتمردين في محيط بحر الغزال والمدفعية تدك معاقلهم وتم طرد المتمردين من ولاية بحر الغزل نهائيا . وكان لضباط وهيئات الركن المرسلة مع المعدات دورا كبيرا ومشهودا باستعادة الولاية هذه هي مواقف البعث ونظامه الوطني والقائد الشهيد صدام حسن رحمة الله عليه .

المثال الرابع : 

كيف منع الشهيد صدام حسين احتلال روصو الموريتانيه من الجيش السنغالي عندما حشدت السنغال جيشها على الحدود الموريتانية عام 1989 وعند دراسة الموضوع تاكدت القيادات الموريتانية العسكرية بان الجيش السنغالي يتفوق على الجيش الموريتانية عدة وعدد فخطر ببال ولد الطايع المتخصص في التخطيط العسكري فكرة جديدة خاطب فيها جميع الاقطار العربية عبر الطرق الدبلوماسية طالبا مساعدة عسكرية لرد القوات السنغالية التي تسعى لاحتلال روصو وقد وصلت الرسالة بعد ساعات قليلة الى رؤوساء وملوك العرب ولن يستجيب من الحكام للقيادة الموريتانية , فكان لها الشهيد صدام حسين رحمة الله عليه الذي اتصل هاتفيا بالسيد ولد الطايع وطرح عليه خيارين : 

الاول وصول جميع الاسلحة ومعها ضباط عراقيون لتدريب القوات الموريتانية على استعمالها عبر الميناء البحري.

 والثاني : في حالة الاستعجال اقامة جسر جوي من مطار بغداد الى نواكشوط لارسال ما يمكن من القوات والاسلحة وقد اختار ولد الطايع الاختيار الاول  وفعلا تسلم الجيش الموريتاني الاسلحة العراقية التي تمثلت دبابات روسية متطورة وصواريخ يتحاوز مداها العاصمة السنغال ( دكارا) واحدث المدافع الموجهة للقتال الليلي واجهزة للرؤية المتطورة مصحوبة باكثر من عشرين عسكريا فنيا , حيث قامت القوات الموريتانية باطلاق قذيفة وصاروخ في اراضي السنغال غير مؤهلة من اجل توصيل رسالة للجيش السنغالي فتدخل المستعمر السابق فرنسا من اجل تهدئة الامور حيث انسحب الطرفان بمبادرة فرنسية لذلك قال ولد الطايع عندما لامه بعض المقربين على عدم الوقوف مع دول الخليج العربي والاستفاده من اموالها الضخمة خلال احداث الكويت 1990 " هل وجدناها حين اصبحت السنغال على مشارف حدودنا ؟ لولا صدام لكنا اسرى او قتلى في السنغال . 

 والمثال الخامس: 

قمة بغداد الطارئة للفترة 28_31ايار1990

بعد الانتصار العراقي في 8/8 / 1988على ايران انعقدت القمة العربية الاستثنائية في بغداد فكانت الغاية من عقد القمة الطارئة هو مواجهة التهديدات التي تحاصر الأمن القومي العربي , وانعقدت القمة وسط مجموعة من الملابسات منها الحملة الصه،،،يونية الغربية الأمريكية _ التركية على العراق بحجة العراق امتلاكه أسلحة الدمار الشامل , واستغلال فرصة عقد المؤتمر في دفع جهود المصالحة بين العراق وسوريا وليبيا إلا إن النظام السوري غاب عن الحضور , حيث استقبل الشهيد صدام حسين رحمه الله أخيه المرحوم ألقذافي وكأنه شي لم يحدث بموقف ألقذافي بتزويد نظام الملالي في إيران بصواريخ ارض _ ارض بالتنسيق مع النظام السوري التي دكت بغداد , وكان من المؤمل لذلك المصالحة بين سوريا والعراق أو على الأقل تجميد الخلافات القائمة بينهما , ومن هناك كانت محاولات إقناع بالمشاركة في القمة الطارئة لأعطت نتائج القمة اكبر , حيث تدخلت في محاولات إقناع النظام السوري كل من مصر والجزائر وليبيا إلى آخر لحظة إلا إن القيادة السورية أصرت عدم المشاركة .

المهم هو حسن النية ووضع قضايا الأمة فوق المصالح القطرية والأنانية والثار والانتقام .

المثال  السادس:

مواجهة التهديدات التركية للجمهورية العربية السورية عام 1998 ،،في خريف عام 1998 تمركزت القطعات العسكرية التركية على الحدود السورية في رسالة تهديد واضحة بالقيام بتدخل عسكري , في حينها أمر الشهيد صدام حسين بتحرك فيلقين عسكريين عراقيين باتجاه الحدود السورية التركية لمواجهة إي تهديد تركي لسوريا , انطلاقا للدفاع عن الأرض العربية والشعب العربي في سوريا بغض النظر عن الخلافات بين النظامين , لان تركيا العثمانية الى هذا اليوم ساهمت في تدهور الأمة العربية ولا زالت , ولا يخفي على الشعب العربي بان تركيا جزء من الحلف الأطلسي ولديها علاقة مع الكيان الصه،،،يوني , كما أنها لن تغفر للعرب عندما واجهوا التتريك العثماني .

المثال السابع:

 موقف البعث والمقاومة الوطنية العراقية جبهة الجهاد والتحرير من التدخل الحلف الأطلسي في ليبيا

وجهه الرفيق عزة إبراهيم الأمين العام للحزب رحمه الله  رسالة للشعب العربي الليبي وقيادته الوطنية أدان فيها التدخل الحلف الأطلسي في ليبيا حيث اصطف مع الشعب العربي الليبي وطلب تلبية مطالبيه المشروعة ولم يصطف مع الفضائية العبرية كما يصفها العراقيون ولا الفضائية الحقيرة " وللمزيد الاطلاع على  رسالة الرفيق عزة ابراهيم للشعب العربي الليبي وقيادته الوطنية 

المثال الثامن : 

إشادة الرفيق عزة إبراهيم رحمه الله بمبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز من اليمن الذي حياه" وحيا جميع الإطراف المؤتلفة وكل من ساهم في هذا الاتجاه الكبير الذي أنقذ به اليمن من دمار وتفتيت كان محتملا فجعلها الله في ميزان حسناته " .وما جاء في خطاب الرفيق عزة ابراهيم عن عاصفة الحزم ان الذي يجري اليوم في اليمن والعراق وسوريا وليبيا يشكل عار في جبين الانظمة العربية التي تنصلت عن مسؤولياتها القومية وانكفت على قطريتها وتركت نار الفرس تشتعل وتزحف على ارض العرب تحرق الاخضر واليابس , وان لم يصطفوا مع جبهة العرب القتالية تحت راية التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ستحرقهم نار الف،،،رس عاجلا ام اجلا وسيلعنهم الله والتاريخ ويلعنهم اللاعنون . 

ولا مكان لايران على شبر واحد من ارض العرب وستحرر اليمن وتعود الشرعية الوطنية على كل ارضه ومدنه وقراها ثم يتحول ثقل الجهاد القومي الرسمي والشعبي لتحرير العراق وليبيا والاحواز والجزر العربية الثلاث وتعود ايران الى حجمها خاسئة  قبل ان تدور عليها الدوائر فتذوقوا وبال امرها فتذوقوا السوء والخذلان والهوان بما اجرمت وعبثت وافسدت وقتلت وشردت ودمرت واحرقت في العراق وسوريا واليمن " . 

وعلى ضوء ما تقدم : 

إن المواقف المبدئية الثابتة للبعث ومن خلال بياناته وتصريحات الرفيق الدكتور احمد الشوتري الناطق باسم القيادة القومية للحزب 

- لا للاستعانة بالأجنبي بحجة إزالة حاكم عربي مستبد أو دكتاتوري أو طائفي .

- لا للتقسيم وتجزئة الأقطار العربية على أسس طائفية وعرقية ودينية ومناطقية , نعم للوحدة والتنوع .

- يؤكد البعث على الديمقراطية والتعددية , وتداول السلطة سلميا من خلال صناديق الانتخابات , ويرفض الحكم الشمولي والتوريث والتأبيد والاستئثار بالسلطة والإقصاء , وتحقيق مطاليب الشعب المشروعة في العيش الكريم وحرية الرأي والمعتقد .

- يدين ويستنكر أي اعتداء أجنبي على إي ارض عربية من اي جهة كانت دولية او اقليمية.

خلاصة ما تقدم  :

لقد جسد الشاعرالعربي الكبير أديب ناصر مواقف البعث المبدئية من قضايا الامة العربية  بقصيدته الشعرية عنوانها 

" هدية كنت من نيسان " قائلا:

لا يسألون أخاهم حين يندبهم

في النائباتِ، على ما قال برهانا

وكيف غطّى حديدُ الزحفِ كُثبانا سلوا دمشقَ بِمنْ في خَطبها سَلِمَتْ

تمُدُّ شريانَها للشام شريانا وكيف بغداد قد طارَتْ هلاهُلها

صقراً يحلَقُ أوْ ينقضّ غضبانا؟ سلوا الكِنانَةَ..هل سيناء تنكره

ودقَّ صَدرَ الأسى، كم كان لبنانا سَلوا الفجيعةَ في لبنان حين رَنَتْ

وكان في حَدّه السودانُ سودانا سَلوا النداءاتِ.. كان السيفُ يسبقها

وفي الشموسِ مِن الأشواق تطوانا وكان في يَمَنٍ، من غيرةٍ، يمناً

تُخَندِقُ الفاو أسيافاً وشُّبانا وفي الخليجِ.. بالآفٍ مؤلّفةٍ

وكُنَّ للوطنِ القربان قُربانا سلوا العراقَ.. ثمانٍ كُنَّ مِنْ لَهَبٍ

بأيِّ شوقٍ غدا الاحواز ميْدانا؟ سلوا المُحمرّةَ الكعبيَّ.. خَزْعَلها

يجول في حُزنِه سِراً وكتمانا ياهيْعهةً.. يا هبوبَ الريح.. ياوَجَعاً

يقدّ من كَتف الصّوان صّوانا من ذا يطير اليك غيرُ ذي وَجَعٍ

طوْعاً يجودون لا كُرْهاً وإذعانا هو العراق.. العراقيون نعرفهم

وهو المُجرَّبُ تاريخاً وعنوانا؟

نيسان.. نيسان.. هل صَعبٌ يُجرّبه

بكلِ حيٍّ.. ببلوانا.. بقتلانا 

أُنظر مقاومةَ الاحرار قد عَبرتْ

وَشيمتناَ بما فينا شظايانا تقدّمَتناَ دمانا وهي نازفةٌ

أبٌ يُجندلُ بالشبلين خُذلانا وكان أولَّنا في كلِ موقعةٍ

ال ما كان قطُّ فتىً.. بل كان فتيانا وبالحفيدِ الذي كالألفِ واحدُه

في شاهقِ البرقِ، من جُرحيْه إعلانا وبالملايين.. ما زالت إشارتُه

وكان فجركَ قبل الآن إيذانا فيضرب الفجرُ بالقسّام ضَربَتَه

يا (للحُسيْن) وما قد كُنتَ أو كانا فتحاً سيربض في فتحٍ.. وصيحتُه

وفَزَّ من عتمات الموت موتانا هَدَّ (الحسينُ) سكوناً كاد يقتلنا

أخاً يحُشّد للايام إخوانا وَمَدَّ غاضبكَ (العباس) غضبته

القدسُ نادتْ وجرحُ القدسِ نادانا وقُلْتَ: لَيسْتْ (حَلا) بغداد منْ أَمَرتْ

يَسْتّلَكَ اليوم مثل الشمس برهانا وها فتاها الذي السِجّيل رَميتُهُ

للآن نُضرمُ في النيران نيرانا للآن تَقْدَحُ في كفٍ رصاصَتنا

للآن تحضن عند الله قُرآنا للآن تسكب في النهرينِ مِن عُنُقٍ

يزيدنا الجرحُ إيلاماً وإيمانا والآن فينا بحجم الكون هِمتُّنا


الكاتب والباحث السياسي

الاستاذ جابر خضر الغزي