السبت، 9 فبراير 2019

مؤتمر وارشو ...ماذا يرجى منه... بالنسبة للعراق؟...................أ.د عبد الكاظم العبودي



مؤتمر وارشو ...ماذا يرجى منه... بالنسبة للعراق؟



ا.د. عبد الكاظم العبودي

لعل وارشو العاصمة البولندية العريقة من أكثر العواصم في العالم التي يمكنها تحسس مأساة وآلام الشعب العراقي وضياع دولته الوطنية وتعرض العراق للاحتلال انطلاقا من فهمها للمحن الذي مر بها الشعب البولندي نفسه الذي وضعته الأقدار في كثير من المرات أمام المحن في خيارات صعبة كانت قاسية.


وتذكرة بالأحداث التاريخية،  نود أن يلم القارئ باختصار مركز بمأساة الشعب البولندي التي تتشابه في كثير من مثيلاتها مع المحطات التاريخية الصعبة التي مرت بالعراق. تلك البلاد البولندية التي وضعتها الأقدار الجغرافية والتاريخية بين فكي أطماع قياصرة ألمانيا وروسيا، في القرون الماضية، حيث  عاثت بها الجيوش المتوجهة إلى تلك الحروب بين هاتين الدولتين، فتركت مآسيها على أرض بولندا التي تداولت وتعاقبت عليها الاحتلالات الألمانية والروسية تباعا، فتعرضت أراضيها إلى التقسيم والضم والإلحاق وفرضت عليها التحالفات العسكرية والسياسية إلى يومنا هذا.

واستمر مثل هذا الوضع حتى بعد الحرب العالمية الأولى، فبعد ظهور النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي بعد ثورة اكتوبر 1917 ظهر نظام  " الرايخ الألماني" "ديوتشس رايش" من سنة 1933 حتى 1943 وبعده "غروديوتشس رايش" (الرايخ الألماني الأكبر) من 1943 إلى  العام الذي سقط به رسميا يوم 8 ماي 1945
.
من المفارقات أيضا انه لم تنفع تلك الاتفاقيات المبرمة بين بولندا وهاتين الدولتين الجارتين من إبقاء بولندا خارج أخطار التآمر عليها وشن العدوان على أراضيها وبذلك دفع الشعب البولندي تضحيات كبيرة ظلت راسخة في تفكير وذاكرة الأجيال البولندية.

وعندما تم غزو بولندا في الأول من أيلول/سبتمبر 1939 من قبل القوات الألمانية،  بـما سمي "حملة سبتمبر" ، بالبولندية: Kampania wrześniowa) أو حملة بولندا بالألمانية  Polenfeldzug ولقرب تتالي الأحداث خلال 16 يوم فقط، حيث قامت القوات السوفيتية يوم 17 أيلول/ سبتمبر بغزو آخر من جهة الشرق مكتسحة أراضي بولندا، وكأن الأمر كان مبيتا  بين ستالين وهتلر،  تجلى في  حدوث هجوم مزدوج متقارب، شنته القوات الألمانية من  جهة الغرب والسوفيتية من جهة الشرق على أراضي الجمهورية البولندية في غضون أقل من ثلاثة أسابيع من أيلول/سبتمبر1939 ، انتهى بتقاسم ألمانيا والاتحاد السوفيتي واختفاء بولندا من الخارطة، طبقا لذلك الاتفاق الألماني السوفيتي المبرم بينهما،  قبل أسبوع فقط من بدء الحرب في 23 أغسطس/ آب 1939. .

في 29 سبتمبر تم التوصل إلى اتفاق ألماني سوفيتي لترسيم الحدود الجديدة، وتم تقسيم بولندا (ثلث للروس، وثلثان للألمان) وانتهى اجتياح بولندا في 6 أكتوبر1939، مخلفا خسائر في صفوف الجيش البولندي، بلغت نحو 66 ألف قتيل و 694 ألف أسير وملايين النازحين والمهجرين، فيما انسحبت القوات البحرية البولندية وعدد من القوات البولندية وبعض الطيارين  إلى مواقع دول الحفاء ومنها المملكة المتحدة.

وهكذا اعتبر المؤرخون أن غزو بولندا كان بداية الحرب العالمية الثانية، إذ سرعان ما أعلنت المملكة المتحدة" بريطانيا " الحرب على ألمانيا في 3  سبتمبر1939 ، تبعتها في ذلك فرنسا التي تعرضت بعدها إلى الغزو الألماني وسقوط العاصمة باريس 25/6/1940.  انتهت الحرب وتقاسم الحلفاء غنائم الحرب كان حصة بولندا اقتطاع عدد من أقاليمها الشرقية لتضم إلى دول الاتحاد السوفيتي مقابل إضافات محددة من الأراضي تم إلحاقها خارطتها الغربية باقتطاع أراض من ألمانيا الشرقية، وسياسيا تم ضم بولونيا وألمانيا الشرقية إلى المعسكر الشرقي لتكون ملحقة بالاتحاد السوفيتي ومتحالفة معه ومع الدول الشرقية أو الاشتراكية بما سمي "حلف وارشو" الذي تقوده وتسلحه وتشرف عليه روسيا من خلال قيادة الاتحاد السوفيتي.

في كثير من مثل هذه الأحداث تذكرنا بمأساة العراق وتكرار احتلالاته  ومحاولات تقسيمه ضمن الصراع الدامي الطويل الذي دار بين الدولة العثمانية التركية والدولة الصفوية الفارسية، حتى حلول الاحتلال البريطاني للعراق واحتلال بغداد على يد الجنرال مود في 11 آذار 1914 وبقاء العراق تحت الانتداب والسيطرة البريطانية 1958،  وبعدها عاد الاحتلال الأمريكي إلى العراق في 2003. وباشتداد ضربات المقاومة ضد القوات الأمريكية تمت صفقة أمريكية بتسليم العراق إلى السيطرة والنفوذ الإيراني وبتقاسم سلطة الحكم في المنطقة الخضراء بين التابعين لهما على حكم العراق.

كثير من المتتبعين للأحداث السياسية خلال هذا الأسبوع ينظرون إلى مؤتمر وارشو الذي سينعقد  في 13/14/ من شهر شباط/فيفري 2019 ، عله يكشف عن نتائج عملية وإستراتيجية ذات صلة بوضعية وحال العراق الراهنة، وهو يرزح فعليا، والى درجة كبيرة تحت النفوذ الإيراني، بحكم وجود ادوات النظام الإيراني وأذرعه في  أجهزة السلطة  الحاكمة ببغداد، رغم تواجد قوات أمريكية في العديد من القواعد العسكرية في العراق .

 كثير من العراقيين يأملون من نتائج مؤتمر وارشو، علها أن تكون ايجابية،  تصب في مصلحة شعب العراق،  الذي يكابد من نتائج التدخل الإيراني في العراق، رغم أن الدولتين الراعيتين لهذا المؤتمر، وهما الولايات المتحدة وبولندا. كلاهما كانا ضمن التحالف الدولي الذي غزا واحتل العراق ربيع2003.

 ويسود أمل ما،  في أن  توضع بولندا قضية العراق موضع المناقشة الجادة، وتسهم في تسليط الضوء على ما يعانيه شعب العراق من مظالم بسبب الاحتلال، والتدخل الإيراني في كل شؤون العراق.  وطالما أن بولندا هي إحدى الدولتين الراعيتين لــ  (مؤتمر السلام والأمن في الشرق الأوسط) والمؤتمر مقرر له رسميا انه سيتم (برعاية أميركية – بولندية) في وارشو في 14 شباط/فيفري 2019، حيث سيقدم المبعوث الدولي "بيدرسون"  إيجازا لممثلي 79 دولة، وأربع منظمات دولية، من المشاركين في المؤتمر متحدثا عن موضوع المؤتمر وهو (السلام والأمن في الشرق الأوسط ) ،  والذي سيغيب عنه كما قيل: ملفا ليبيا و"النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي"، حسب ما تسرب عنه في الإعلام.

المعروف أن فكرة عقد مؤتمر وارشو تعود إلى بضعة أشهر عندما اقترحت إدارة الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" الدعوة إلى اجتماع موسع بهدف تشكيل ( تحالف ضد إيران يوازي التحالف الدولي ضد داعش) ، الذي يضم حالياً 79 دولة ، وعقد مؤتمره الأخير لوزراء الخارجية في واشنطن منذ أيام ، وسيعقد مؤتمرا لوزراء الدفاع منتصف الشهر الجاري.

وحسب العديد من المعلومات المتسربة من كواليس الإعلام المتابع،  تكون إدارة الرئيس " دونالد ترامب"،  قد تقصدت تنظيم عقد هذا المؤتمر بالتزامن مع الذكرى الأربعينية لـوصول خميني إلى السلطة بطهران،، وما يسمى " الثورة الإيرانية"، وقد سبق ذلك وعلى مدى العامين 2017 و2018 العديد من التصريحات والمواقف المعلنة أمريكيا منذ حملة الرئيس ترامب الانتخابية والدعوة (لإنهاء وتصفية المشروع النووي الإيراني)، وبعدها ( الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة) ،  ووصل الأمر إلى ( اتهام النظام الإيراني برعاية ونشر الإرهاب في العالم) واعتبر  ( كنظام ومعه اذرعه المليشياوية واتباعه يشكل خطر على الأمن والسلم في المنطقة والعالم )، ولأجل ذلك سيعقد مؤتمر وارشو الأسبوع القادم كما هو واضح من عنوانه.

 سبق أن تحدث "بول بولتون" ،سفير الولايات المتحدة الأسبق في الأمم المتحدة  الموصوف  بأنه (احد صقور إدارة دونالد ترامب) في معرض كلماته وخطبه وتصريحاته السابقة في العديد من المناسبات التي ألقاها  : (... بان الفريق الذي يجمعه مع مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي الحالي يسعى إلى تطبيق إستراتيجية ترامب التي تهدف لـ  (تقويض "المارد الإيراني") ، والتي كشف عنها بولتون تباعا منذ  13 أكتوبر 2017. حيث انتقد  "بول بولتون"  إدارة الرئيس السابق " اوباما" لموافقتها على الاتفاق النووي المعقود مع النظام الإيراني، وكتب " بولتون" في العام الماضي يقول: ( إن نص الاتفاقية "خلق ثغرات كبيرة، وان إيران تطور الآن صواريخها وبرنامجها النووي من خلال تلك الثغرات)،  سبقها وبصراحة اكبر في خطبته في مؤتمر المعارضة الإيرانية بباريس بداية شهر تموز 2017 حين قال: (أن النظام الإيراني سوف لن يرى عامه إل 40، وقبل حلول عام 2019 سيحتفل مع مجاهدي خلق في طهران بإسقاط النظام.) كما شارك " بول بولتون"  في 20 مارس 2017 في تجمع لأنصار مجاهدي خلق في ألبانيا بمناسبة عيد النوروز (رأس السنة الشمسية الإيرانية) مؤكدا نفس الكلام والوعيد لنظام طهران.

 ويرى مراقبون أن وجود شخص أمريكي مثل " بول بولتون" وفى منصب حساس بالولايات المتحدة، وعلى صلة بالمعارضة الإيرانية سيقوى شوكتها لمناهضة النظام. ويتابع بولتون قوله في تصريحات رسمية:، إن ( تصرفات هذا النظام لن تتغير، وإن الطريق الوحيدة هي تغيير هذا النظام. نحن سنحتفل بانتصاركم قريبا في طهران)..

 الجدير بالذكر إن " بول بولتون"  الذي عرف عنه أنه  يؤيد الحروب الاستباقية ، كان أحد مهندسى غزو العراق في 2003، وشغل منصب السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة لمدة 18 شهراً.  في عهد "جورج بوش" الابن. ، ومعروف بولتون أيضا بمناهضته لإيران وكوريا الشمالية، وبالنسبة لإيران يعده البعض انه مهندس الحروب الأمريكية القادمة، ووجوده في هذا المنصب،  بعد سلسلة الإقالات والتعيينات الأخيرة لترامب، كلها مؤشرات  تبعث برسالة شديدة إلى طهران: ركزت أولا على معالجة تركة الصفقة النووية التي تتمسك بها إيران ، منذ عقدها ذلك الاتفاق المبرم مع الرئيس السابق اوباما،  والتي ترفضها إدارة ترامب . وبعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع نظام طهران ، ظلت هناك مؤشرات عن ما سمي  (بمراجعة مستمرة في سياسات أميركا حيال إيران، وإن هذه المراجعة مستمرة) ، وأن ( الكونغرس الأميركي  يدرس مشروع قرار ضد النظام الإيراني لدعمه الإرهاب في عموم العالم)، وحسب بولتون: ( نتيجة هذه المراجعة، فإن الثورة الإيرانية التي سرقت من قبل نظام الخميني هي مصدر المشكلة في الشرق الأوسط، وليس هناك فرق بين خامنئي وروحاني... اليوم لا نستطيع أن نثق بروحاني. كل يوم هذا النظام يخرق تعهداته. إنه وسع نشاطاته مع كوريا الشمالية. النظام الإيراني كثف نشاطاته مع كوريا الشمالية لتوسيع نشاطاته الصاروخية. النظامان الإيراني والكوري الشمالي هما متشابهان من وجهة نظر إدارة ترامب).

 من جهته، قال عمدة نيويورك السابق، والمرشح السابق للرئاسة الأميركية، "رودي جولياني" مخاطبا المعارضة الإيرانية : إن ( الطريق الوحيدة للاستقرار في الشرق الأوسط والعالم تمر عبركم وعبر إيران حرة). وأضاف أن ( العالم يعرف أن النظام الإيراني هو خطر على العالم أجمع، وأنه خطر على العالم أن تتزود إيران بالقنبلة النووية).
وبعد كل هذا التصعيد وتصاعد خطوات المقاطعة الاقتصادية الملموسة مع النظام الإيراني وعلى مدى عام 2018 اخذ السجال الأمريكي الإيراني أبعادا كبيرة في التصعيد، وانتهى اليوم ، ضمن الصيغ التي تريدها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، باقتراح الولايات المتحدة ( عقد مؤتمر دولي للوقوف والتصدي لتصرفات النظام الإيراني) ، والحد من تغوله  وإرهاب امتدادات أذرعه في دول الشرق الأوسط .

ويبدو من خلال تشاور الولايات المتحدة مع حلفائها ارتأت تغيير ما ( في هيكلية المؤتمر وبرنامجه وحتى تغيير في عنوانه المقترح أولا، ليصبح بمثل هذا العنوان الجديد، الذي أعلن عنه : ( مؤتمر السلام والأمن في الشرق الأوسط).

 لا شك أن مثل هذا التغيير في عنوان المؤتمر جاء نتيجة لمحاولة أمريكية وأوربية بعد تشاور بين أطراف الأطلسي، فبدلاً من التركيز المباشر على دور إيران في المؤتمر جرى وضع (الأمن والسلم في الشرق الأوسط)  وباتت هناك مساحة أوسع لهذا المؤتمر، وربطه بقضايا تتعلق بالدور الإيراني في كل محاوره،  ذلك ما بدا واضحا في جميع عناصر النقاش والمحاور الست الأساسية المقترحة على اللجان والتي ستناول سلوك طهران في الشرق الأوسط والعالم.

وحسب مصادر إعلامية مختلفة، تشير  إلى هناك  (توافق أميركي – بولندي على أن يكون البيان الختامي باسم الدولتين وليس جميع المشاركين)؛ لكون  أن هناك دول أوروبية تتخذ مواقف ومقاربات مختلفة من الاتفاق النووي مع إيران ومن دور طهران في الشرق الأوسط، لهذا عملت على إجراء تغييرات معينة في جدول أعمال المؤتمر مع وجود مؤشرات إلى أن أيا من وزراء الخارجية الأوروبيين لن يحضر في المؤتمر في صيغته الأخيرة للإبقاء على ما وصف بقاء (خط مفتوح مع طهران).

وإذ تتضمن الجلسة الافتتاحية مساء الأربعاء القادم 13 من الشهر الجاري، حيث يتم  تقديم (مقاربات من منطقة الشرق الأوسط)، وخطاب افتتاحي من وزير الخارجية الأميركي "مايك بومبيو" ، فإن أعمال المؤتمر ستبدأ بإيجازات عن سوريا يقدمها "بيدرسون"  وعن اليمن يقدمها المبعوث الدولي "مارتن غريفيث" وعن الشرق الأوسط " مايك  بومبيو" نفسه بصورة إجمالية تعكس وجهة النظر الأمريكية  وما تتطلع إليه الولايات المتحدة من مقررات هذا المؤتمر.

الجدير بالذكر بات من المقرر أيضا أن يقدم "بيدرسون" ممثل الأمم المتحدة ومندوبها في متابعة الملف السوري،  أول إيجازاته إلى مجلس الأمن نهاية الشهر الجاري  أي بعد مؤتمر وارشو وبعد استكمال جولاته بزيارات إلى بروكسل ولندن وباريس عقب زياراته إلى الرياض وأنقرة وطهران ودمشق.

وحسب صحيفة الشرق الأوسط  الصادرة  بتاريخ 8/2/2009 : من المقرر أن يسفر المؤتمر أيضا عن تشكيل ست لجان عمل لتنفيذ التوصيات المتعلقة بـــ " محاربة تهديد الأمن السيبراني " و "الصواريخ الباليستية"  و " محاربة الإرهاب"، و "توفير الأمن والطاقة" و "أمان الطرق البحرية "و "حقوق الإنسان" ، في إشارة إلى ملفات تخص في شكل مباشر "سلوك إيران في الشرق الأوسط" ؛ وخاصة قضية تدخلاتها في العراق وسوريا والعراق ولبنان واليمن وغيرها.

ومن المقرر عقد ثلاث جلسات عمل متزامنة في العاصمة البولونية، تتناول الأولى ملف "الصواريخ الباليستية" عبر التركيز على  "موضوع نزع السلاح مثل الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات الموجهة بدون طيار "الدرون"، وكذلك " منصات إطلاق الصواريخ "، بحيث يجري خلال النقاش بين المشاركين البحث في  " خيارات للحد من تطوير الصواريخ والعمل للتعاون لضمان الأمن البحري وحماية حقوق الدول في الأمن والدفاع" .

وتتناول الجلسة الثانية ملف " الأمن السيبراني" والتهديدات المتصاعدة إزاء ذلك من "الدول واللاعبين المستقلين"، فيما ستتناول الجلسة الثالثة موضوع " محاربة الإرهاب" ، بما ذلك " التعاون لمحاربة تمويل التنظيمات الإرهابية" التي " تهدد الأمن والسلام العالمين" واقتراح تبادل المعلومات والتعاون في شكل أكثر تأثيرا.

وحسب مصادر إعلامية وسياسية : كانت واشنطن قد تواصلت مع مجموعة من الدول لترأس مجموعات العمل الست التي ستنبثق من مؤتمر وارشو، في حين تريثت دول أوروبية  في اتخاذ قرار إزاء ذلك.
ومن خلال فترة الإعداد لهذا المؤتمر«مؤتمر وارشو»  من قبل الولايات المتحدة  يبدو أن الآليات  لتنظيمه وما سيتمخض عنه  من آليات العمل واللجان المنبثقة منه تشبه إلى حد ما مراحل إطلاق التحالف الدولي ضد «داعش» في 2014؛ حيث يتزامن أيضا مع قرب إعلان واشنطن القضاء الكامل على التنظيم في آخر جيوبه شرق سوريا وبدء تنفيذ قرار ترامب الذي أعلنه بشكل مفاجئ بما سمي " الانسحاب العسكري من سوريا " وتم التراجع عن مضمونه بكلمات وتعابير أخرى  ومنها نية الولايات المتحدة الاحتفاظ بقاعدة التنف في الزاوية( السورية - العراقية – الأردنية).

والجدير بالذكر أيضا هنا : يتزامن عقد  " مؤتمر وارشو "  أيضا مع قمة للرؤساء الروسي " فلاديمير بوتين" والتركي "رجب طيب إردوغان"  والإيراني "حسن روحاني"  في  " سوتشي  " الذي سيتناول عملية آستانة،  وتشكيل اللجنة الدستورية السورية ، تمهيدا لإطلاق عملية " الإصلاح الدستوري"  بهدف تنفيذ القرار الدولي 2254.

 والخلاصة انه مهما كانت نتائج " مؤتمر وارشو"  فانه سوف لن يخرج خالي الوفاض من القرارات الهامة، لان الملف الإيراني وحده، هو أثقل الملفات وأكثرها جرما وخرابا وعبثا بالأمن والسلم، لا في الشرق الأوسط، كما يبدو من عنوان المؤتمر؛ بل في الأمن والسلم الدولي،  وان حضور 79 دولة وأربعة منظمات هيئات دولية، والأمم المتحدة،  ليست قضية  ومجرد مشاركات شكلية عادية في ظرف سياسي ودولي حرج؟  وإذا ما تطور الأمر في موقف " إدارة دونالد ترامب" لحسم الموقف والخروج من لعبة المساومات والمتاهات والضغوط ، دون الإقدام الجاد على حصد نتائج ملموسة على الأرض،
 وما التحشيد العسكري الواسع في  الخليج العربي والبحار العربي والأبيض والأحمر  وعند المحيطات وقدوم الأساطيل وحاملات الطائرات وتنظيم القواعد الجوية والظهور العلني للقوة الأمريكية الضاربة وحضورها خاصة في القواعد العسكرية الأمريكية في العراق والخليج ومحيط إيران  كلها ليست قضية  استعراض وهو ما يكلف الولايات المتحدة وحلفائها ماليا وسياسيا ودبلوماسيا وتهدد هذه اللعبة الخطرة ، إذا ما استمرت على هذا المنوال،  بمصير الرئيس الأمريكي " دونالد ترامب " كليا، وكذلك دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم.

 إن العراقيين، كشعب ومجتمع  ووطن، من حقهم أن يبنوا أمالا على التفاتة المجتمع الدولي لهم، ويأملون أن لا تتراجع القضية العراقية عن سلم الأولويات التي تستحقها في  "مؤتمر وارشو"  لكون قضيتهم مرتبطة بكل تلك الملفات الموضوعة قيد المناقشة وفي مقدمتها قضية معاناتهم كشعب له حقوق البشر ومطالبه تتركز على الأمن والسلم ومكافحة الإرهاب وإبعاد قوى النفوذ والاحتلال وفي مقدمتها الاستيطان والإرهاب الإيراني في العراق الناتج  بسبب التدخل الإيراني واذرعه الإرهابية منذ 2003 .

 وعلى الراعي الثاني للمؤتمر دولة بولندا أن تتحمل مسؤولية تاريخية  وشجاعة مستذكرة معاناة الشعب البولندي التي عرضناها  موجزة في مقدمة هذه المقالة.












توقف ...stop .... بقلم محمود الجاف




بسم الله الرحمن الرحيم



توقف
(stop )

محمود الجاف
 
توقف الآن
...
واسأل نفسك . من أنا ؟
 
إلى أين امضي في حياتي ؟ وإلى متى سأبقى هكذا ؟
 
ألا يجب أن أتغير وأضع نفسي في المكان الذي يليق بها ؟ أم اخرج من الدنيا وأنا مجرد جثة هامدة لا أحد يهتم لها ... العناوين هي التي تمنح الإنسان الصفة وليست آدميته فقط . فيقال : مات الدكتور أو الوزير أو الأمير . أو الأستاذ أو رجل الدين أو . صفر ... فمن أنت ؟

لو سألوك عن أيٍ من المُحيطين بك . أهلك . أصدقائك . ستكتشف انك تعرف كل شيء عنهم . وقد يكون أكثر مما يعرفوه عن أنفسهم لأنك تهتم بكل من حولك . حتى الحيوانات والنباتات . لكن هل جلست مع نفسك يوماً ؟ وقومتَ وقيمتَ مسيرتك في الحياة . ما الأخطاء التي يجب أن تتجاوزها والإيجابيات التي عليك تطويرها . ماهي الطرق والوسائل التي تعينك على الوصول إلى أهدافك بأسرعً وقت واقل جهد . كيف نُصبح أفضل من الآخرين دينيا وأخلاقيًا وعلميًا واجتماعيًا وسياسيًا . وفي كافة المجالات . مع أنفسنا أولا ثم مع المحيطين بنا . كيف أحب نفسي وأضعها في المكان الذي يليق بها . بدل أن انسب إليها كل هفوة واجهتها في حياتي وأدفع بها إلى مُستنقع الرذيلة .
أولى خطوات النجاح هي مواجهة النفس والتصالح معها . والتعرف على قدراتها ثم اختيار الأهداف وابدأ من الآن بالتحرك والعمل فمازال هنالك المزيد من الوقت ...
قد تجد نفسك في مكان غير ملائم . فقر وصراخ وعويل وإهانة وذُل وألم ومُشاجرات الوالدين وحُزن شبه دائم وألفاظ غريبة عجيبة من الصباح حتى المساء . غبي . حيوان . فاشل . حقير ... الخ . رددوها حتى صار أطفالهم كما وُصفوا بالضبط . وأحيانا الدعاء عليهم بالموت وسوء العاقبة . أو عدم الثقة وإلغاء الآخر والتحول إلى مُجرد جهاز آلي ينفذ الأوامر دون مشاعر . ولأنهم لايستطيعون الإنتقام من مُربيهم تراهم يزدادون عنادًا وانحرافًا بل وينقادون إلى الإجرام بسهولة . وحينها يُصاب الكبار بالحيرة بعد أن عجزوا عن قيادتهم رغم أنهُم استخدموا كل الوسائل ومنها الضرب المُبرح المُؤلم الذي قد يصل إلى الإعاقة الدائمة أو الموت أحيانا .

كل ما في عقولنا من أفكار وثقافات وعادات وتقاليد ونجاح أو فشل مُكتسبة من الأشخاص المُحيطين بنا . قد تكون نابعة من أحقاد ومُعتقدات غير صحيحة تكونت عبر صراع قديم بين المُجتمعات وجدنا أنفسنا مُضطرين لقبولها والتعامل معها مُجبرين . نحن لا نعرف عن المرأة سوى أنها خلقت من أجل الإفراغ الجنسي ؟ لاندري أنها بشر له أحاسيس ومشاعر وهي بحاجة إلى الحب والحنان والإهتمام . ما الرجل ؟ ما الطفل ؟ ولهذا نفشل في علاقاتنا حتى مع بعضنا وشخصياتنا ضعيفة واهية وأصبحنا مُقلدين لكل ما يُعجبنا مما نراه أو نسمعهُ من تفاهات الفنانين أو الفنانات . وحين نتوقف ونحاسب أنفسنا ونصحوا يومًا من غفلتنا سيتملكنا اليأس والحزن ونهوي إلى المزيد من الضياع وتصيبنا الكآبة .

دمرونا بأسلوب مُخطط له ومدروس بعناية وبرمجوا عقل الإنسان في العالمين العربي والإسلامي من خلال شاشات التلفاز وخربوا فيه كل المعتقدات والقيم الإيجابية .

ومن أساليب برمجة العقل الباطن هي :
1 : الخيال : تتخيل البنت أو الولد نفسها أو هو بدل الممثل أو الممثلة حتى تصل أو يصل إلى أن يقلده في كل شيء . فالأفكار يُترجمها السلوك .
2 : التكرار : وصول عدد المُسلسلات إلى المئات ولأجزاء عديدة والإستمرار بعرض أفلام الإثارة والقتل والرومانسية ولهذا ترى شبابنا يتنقلون بين الحب والاغتصاب وسفك الدماء والسرقات وربط هذه الأفعال بالرجولة والبطولة ولهذا يرتكبون الجرائم ويتلذذون بها والقادم أسوأ .

3 : حشد الحواس : تجد البعض عند مشاهدته لفلم أو مُسلسل ينسى الدنيا وما فيها وقد استنفر حواسهُ وانغمس في المادة وكأنهُ جزءًا منها . وهكذا تمكنوا من السيطرة على المجتمعات التي نخرها الجهل وحركوها بالطريقة التي تحقق مصالحهم وتطور بلدانهم وتركوهم يطبقون عروض الوهم التي يمكنك رؤية آثارها بسهولة .

قد يظن البعض أنها النهاية ولا أمل بالنجاة . ولكن ليس عيبًا أن نتعثر بل العيب أن نبقى نيام على الأرض . فإذا أردت وقررت التغيير فابدأ من الآن وافعل الآتي ...

خذ ورقة وارسم عليها جدول واكتب على جانب سلبياتك وفي الآخر الإيجابيات . دوُّن كل شيء سيء فيك وكل ما هو جيد . وما هي قدراتك . وهكذا ستكتشف ذاتك ثم طور الإيجابيات والغي السلبيات وستتحول إلى شخص آخر وعليك أن تفهم أن الإنسان مُنذ ولادته يتكون من ثلاث لبنات أساسية .

أ . العقل : الجهاز الذي ينمو ويتطور بالعلم والمعرفة ولهذا ترى الطفل منذ نعومة أظفاره يسأل عن كل شيء وإجاباتك وما ستسجله عيناه وأذناه وتجاربه من كل ما يحيط به ستكون القاعدة والخزين الأساسي لأفكاره في الحياة .

ب . الروح : التي تستقر وتطمئن بالعبادة الصحيحة السليمة وليس كما نتخيل أو يعجب النفس أو إتباع الهوى أو علماء الفساد وجرب كيف تكون قلقًا عندما تصبح بعيدًا عن ربك .
ج . الجسد : الذي ينمو من خلال الحفاظ عليه من المُؤثرات الخارجية والتغذية السليمة وممارسة الرياضة .

إن كان نموهم وتطورهم بشكل طبيعي ستكون إنسان رائع ولهذا أحيانا ترى أشخاص يملكون ثقافة جيدة لكن أجسامهُم مُخزية أو جسدًا جميلًا بلا ثقافة أو يمتلكون روحا تجعلك تتعلق بهم فورا أو تبغضهم . خطط حتى تصل إلى أهدافك ويمكنك الاطلاع على قصص وأخبار الناس وستجد الكثير . مثال ذلك . العالم ستيف هوبكنز البريطاني المُصاب بالشلل الرباعي الذي أصبح ثالث أعظم فيزيائي بالكون أو غابل برانت التي تخرجت من جامعة أنديانا أندرسون الأمريكية وهي بعمر 87 عام . أحبُوا أنفسهم ولهذا وضعوها بالمكان المناسب .
لو رأيت رجلان ينظران إلى قمة جبل . أحدهم يتخيل نفسه يتسلقه والآخر تحرك وبدأ بالصعود فمن الذي سيصل ؟ أكيد من حاول فلن ينجح إلا إذا حدد أهدافه فافعل ذلك وأنقذ نفسك واخرج من القوقعة التي أنت فيها لتكون مُؤثرًا وتكتب اسمك في سجل الخالدين فنحن عرفنا اديسون من خلال المصباح الذي اخترعه وليس من طوله الفارع أو جمال عينيه فجهاز الهاتف الذي بين يديك لو تعطل سيكون مصيره سلة المُهملات لكنك الآن تحافظ عليه وهذا يعني أن قيمة الشيء في وظيفته فما هي وظيفتنا ؟

وظيفتنا أن نتعلم ونعلم الناس ونصلح ونبدع وكي لا تندم على أي فعل تصرف وفق المُعادلة ( المثير * التفكير * رد الفعل ) والمثير هو كل شيء يجلب انتباهك كالمال أو الجمال أو المناصب . امنح نفسك الوقت للتفكير ومحاولة رؤية المُستقبل من خلال بصيرتك واستشر أهل العلم والفضل والإختصاص لتصل إلى القرار الصحيح وستنجح فكثيرون بدأوا متأخرين ومع ذلك وصلوا أهدافهم . على أولياء الأمور الإصغاء جيدًا إلى أولادهم وبناتهم وحاولوا مُساعدتهم في السيطرة على أنفسهُم والتغلب على المشاكل فهذا الجيل يفتقد القدوة والتشجيع فأجاثا كريستي كاتبة الروايات البوليسية المشهورة قالت في مذكراتها ( أنا صناعة أمي ) وعند سؤالها أجابت : عندما كنت طفلة قرأت والدتي قصة كتبتها فشجعتني وعلمتني أن أكون الأفضل ...
توقفوا الآن ...

وقرروا أن تكون بيوتكُم مصانع لإنتاج القادة والعُلماء والفلاسفة والمُفكرين 
وليس المُجرمين والسُرّاق والقتلة فأنتُم الوسيلة وعليكُم الاختيار
2019 . 02 . 08


الاجتثاث جريمة منظمة تمارسها الدولة د. قيس محمد نوري




الاجتثاث جريمة منظمة تمارسها الدولة

د. قيس محمد نوري


وكالة الحدث الاخبارية

السبت، ٩ / ٢/ ٢٠١٩

حين يكون العنف غير عشوائي (مؤطراً) وموجهاً وله هدف، فأنه يندرج تحت أشكال الجريمة، سواء كانت قد ارتكبته عصابة تحترف الجريمة، أم اقترفته الدولة، الفرق بين مرتكب فعل الجريمة الفردي، أو عصابة (مافيا) وبين جريمة الدولة، هو أن الأخيرة تمارس الجريمة لخلق حالة من القلق والتوتر والاضطراب في المجتمع بصفة واسعة، وهو ما يعرف باستراتيجية التوتر، في حين أن جريمة المافيا تبقى في إطارها المحدود.
الجريمة، وهي اشتقاق من فعل (جرم) تعني التعدي على العلاقات والروابط الإنسانية بمعانيها المختلفة سواء القانونية منها أم الاجتماعية أم الإنسانية، ويعرّف الفقه القانوني الجريمة المنظمة بأنها: (مشروع إجرامي يمارسه مجموعة من الأفراد بتنظيم مؤسس ثابت ومؤطر له بناء هرمي ومستويات للقيادة وقاعدة للتنفيذ ويحكمه نظام داخلي)، من أخطارها وتبعات ممارستها إحداث انهيار اقتصادي وفساد أخلاقي وتصدع مجتمعي شامل من خلال ملاحقة المواطنين في رزقهم، وقد أصلت الأمم المتحدة الآثار المترتبة على الجريمة المنظمة في بيانها الصادر عن المؤتمر السابع للمنظمة الأممية بِشأن الجريمة، الذي عقد في مدينة ميلانو الإيطالية سنة 1985، أن الجريمة المنظمة، خاصة المرتكبة من الدولة بأنها:

(تعيق إلى حد بعيد جهود التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعوب، وتهدد في الوقت نفسه حقوق الإنسان والحريات الأساسية والسلام والاستقرار والأمن).

عند المقارنة بين هذه النصوص والوصف القانوني للجريمة، وبين الحالة، التي سادت العراق بعد احتلاله، نجد أن الحاكم الأميركي (بول بريمر) أسس بتاريخ 16 نيسان/ أبريل 2003 تشكيلاً في أطار هيكلية الدولة ما بعد الاحتلال يسمى (هيئة اجتثاث البعث) طالت أهدافه شريحة كبيرة من المواطنين موظفي الدولة لمجرد انتمائهم إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، بصرف النظر عن عدم ارتكابهم أي جريمة جنائية تستوجب العقاب، ثم لاحقا أصدر برلمان ما بعد الاحتلال قانوناً جديداً سماه (المساءلة والعدالة) رقم 10 لسنة 2008 الذي وسع المشمولين بالاجتثاث، كما فرض عقوبات جديدة منها الاستيلاء على الممتلكات .

منهج الاجتثاث طال جميع مؤسسات الدولة العراقية كالجامعات والمحاكم والإدارات العامة والمدارس والمستشفيات بطرد كوادرها، بالإضافة إلى تفكيك الاف من منتسبي أجهزة الدفاع والداخلية وتسريحهم، مما أدى إلى فتح الباب على مصراعيه لتخريب مؤسسات الدولة وسلب ممتلكاتها وتهشيم البنية التحتية للبلاد وسرقة موروثها التاريخي والثقافي، المتاحف والمكتبات العامة وسرقة الأرشيف التاريخي للعراق وبعثرة المواقع الأثرية وسرقة محتوياتها، وهذه الحالة من شيوع الفوضى العامة أدت إلى زيادة مستوى الجريمة العامة وزيادة ظاهرة القتل العشوائي والاغتصاب والاعتداء على الحرمات .

إجراءات الملاحقة هذه والمؤسسة في أطار حكومي إجرائي، ينطبق عليها توصيف المؤتمر السابع للأمم المتحدة المشار إليه آنفا، إذ أن الهيئة المكلفة، لها تنظيم مؤسس ثابت ومؤطر رسمياً وقراراتها واجبة التنفيذ من دوائر الدولة ومفاصلها، وعمل هذه الهيئة اختص حصراً بالنظر في مسألة الانتماء الفكري والتنظيمي إلى جهة سياسية، وإصدار قرارات ذات أثر عقابي حرمت بموجبها الملايين من المواطنين من مصدر رزقهم وعائلاتهم مما فعّل استراتيجية التوتر لتسود المجتمع العراقي عبر تطبيقها إجراءات عقابية مقصودة تمارسها الدولة بحق مواطنيها، مما يضعها في محل مخالفتها الصريحة للدساتير وشرعة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، واغتصاب حقه الطبيعي في العيش الكريم وتأمين مصدر رزقه، ناهيك عن حجب استحقاقاته جراء خدماته الوظيفية في الدولة كخدمة عامة لا علاقة لها بانتمائه الشخصي لفكر معين، فالانتماء لأي فكر كان ليس جريمة جنائية تستوجب المحاسبة القانونية، كما هو حال الجرائم الجنائية التي ترتب إجراءً عقابياً، هذه الإجراءات عطلت حركة المجتمع والدولة بنحو عام وأوقفتها عن أداء أدوارها وأعمالها الحياتية والوظيفية المعتادة والتي شكلت فراغا معنوياً وقانونياً، وهي معضلة كبيرة هزت أمن المجتمع واستقراره وأصابت بالأذى مفاصل نسيجه وترابطه الاجتماعي .

الدولة، أي دولة كانت، عندما تلجأ إلى إصدار قوانين ترتب أذى مباشراً وجسيماً يطال شريحة واسعة من مواطنيها بجريرة لا ينطبق عليها أي معيار قانوني مسوّغ للعقوبة، تضع الدولة نفسها في مصاف الممارسة الفعلية لفعل الجريمة المنظمة الممارسة من الدولة.

الاثنين، 14 يناير 2019

التأطير...... بقلم محمود الجاف


بسم الله الرحمن الرحيم



التأطير



محمود الجاف

التَّأطير (Framing Theory ) نظرية اكتشفها غوبلز وزير الدعاية الألماني أبان حُكم هتلر واستُخدمت في السيطرة على العقول وأصبحت وسيلة مُهمة في تمرير السياسات فيما بعد ... وللتوضيح إليكم المثال التالي : ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺰﻭﺭ أحدا ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ﻭﻳﺴﺄﻟﻚ : هل ﺗﺸﺮﺏ ﺷﺎﻱ ﺃم ﻗﻬﻮﺓ ؟ من المُستحيل ﺃﻥ ﺗﻄﻠﺐ ﻋﺼﻴﺮ . ﻓقد حاصر ﻋﻘﻠﻚ ﻓﻲ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﻣُﺤﺪﺩﺓ ﻓﺮﺿها ﻋﻠﻴﻚ وخطط لها مُسبقا . ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻳُﻤﺎﺭﺱ ﺫﻟﻚ ﺑﺪﻭﻥ ﺇﺩﺭﺍﻙ وآخر ﺑذكاء ﻭلكن ﺍﻟﻘُﻮﺓ الحقيقية هي ﻋﻨﺪﻣﺎ أنفذها ﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﺸﻌﺮ . مثلا . ﺃﻡٌ تقول ﻟﻄﻔﻠﻬﺎ : ﻣتى تُريد أن ﺗخلد إلى النوم ؟ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﺃﻡ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ؟ ﺳﻮﻑ ﻳﺨﺘﺎﺭ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ . ويشعر بالزهو والانتصار ولكنهُ لايعلم إن هذا ما كانت ﺗُﺮﻳﺪﻩُ ﻣُﺴﺒﻘﺎً ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺸﻌﺮ ﺃﻧﻪُ ﻣُﺠﺒﺮ ﻟﻔﻌﻞ ﺫﻟﻚ وﻳظُنُ ﺃﻧﻪُ صاحب اﻻﺧﺘﻴﺎﺭ . ﻭﻧﻔﺲ الأسلوب ﻳُﺴﺘﺨﺪﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻭﺍﻹﻋﻼﻡ . ومن الأمور التي تدعو إلى السخرية مثلا ما قام به نابليون بونابارت عندما حاول غزو مصر عام 1798 م . فقد ادَّعى أنه قدم لتحريرهم من الظلم وخلع على نفسه لقب حامي الإسلام . ثم قال أنهُ مُسلم ويُحارب النصرانية في روما . ولم يمض وقت طويل حتى كانت خيولهم تدوس الجوامع وتضرب الثوار بكل قسوة وعنف ولاحظوا نص المنشور الذي وجهه إلى الناس حين وطئت قدماهُ مدينة الإسكندرية وهو يُعطينا صورة واضحة عن أساليب الحرب النفسية ...

) بسم الله الرحمن الرحيم . لا إله إلا الله ولا ولد له ولا شريك له في ملكه ... من طرف الفرنساوية المبني على أساس الحرية والتسوية والسر عسكر الكبير أمير الجيوش الفرنساوية بونابرته . يعرف أهالي مصر جميعهم أن من زمان مديد الصناجق الذين يتسلطون في البلاد المصرية يتعاملون بالذل والاحتقار في حق الملة الفرنساوية ويظلمون تجارها بأنواع الإيذاء والتعدي . فحضر الآن ساعة عقوبتهم وآخرنا من مدة عصور طويلة هذه الزمرة المماليك المجلوبين من بلد الأبازة والجراكسة يفسدون في الإقليم الحسن والأحسن الذي لايوجد في كرة الأرض كلها فأما رب العالمين القادر على كل شيء . فإنه قادر على انقضاء دولتهم يا أيها المصريون ...

قد قيل لكم أنني مانزلت بهذا الطرف إلا بقصد إزالة دينكم . فذلك كذب صريح ...فلا تصدقوه وقولوا للمفترين : إنني ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من يد الظالمين وأنني أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالى وأحترم نبيه والقرآن العظيم وقولوا أيضا لهم : أن جميع الناس متساوون عند الله وأن الشيء الذي يميز بعضهم عن بعض هو : العقل , والفضائل , والعلوم فقط , وبين المماليك والعقل والفضائل تضارب ... فماذا يميزهم عن غيرهم حتى يستوجبوا أن يتملكوا مصر وحدهم ويختصوا بكل شيء حسن فيها : من الجواري الحسان والخيل العتاق والمساكن المفرحة فإن كانت الأرض المصرية التزاما للماليك فليرونا الحجة التي كتبها الله لهم . ولكن رب العالمين رؤوف وعادل وحليم . وبعونه تعالى من ألآن فصاعدا لاييأس أحد من أهالي مصر عن الدخول في المناصب السامية وعن اكتساب المراتب العالية . فالعلماء , والفضلاء , والعقلاء بينهم سيدبرون الأمور وبذلك تصلح الأمة كلها وسابقا كان في ألأراضي المصرية : المدن العظيمة والخلجان الواسعة .... ومازال ذلك كله إلا الظلم والطمع من المماليك .
أيها المشايخ والقضاء وأئمة والجربجية وأعيان البلد ... قولوا لأمتكُم أن الفرنساوية هُم أيضا مُسلمون مُخلصون وإثبات ذلك أنهم نزلوا في رومية الكبرى وخربوا فيها كرسي البابا الذي كان دائما يحث النصارى على محاربة الإسلام ثم قصدوا جزيرة مالطا وطردوا منها الكواللرية الذين كانوا يزعمون أن الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين ومع ذلك الفرنساوية في كل وقت من الأوقات صاروا مُحبين مُخلصين لحضرة السلطان العثماني وأعداء أعدائه دام الله ملكه ... ومع ذلك أن المماليك امتنعوا من إطاعة السلطان غير ممتثلين لأمره فما أطاعوا أصلا إلا لطمع أنفسهم ,, طوبى ثم طوبى لأهالي مصر الذين يتفقون معنا بلا تأخير فيصلح حالهم . وتعلى مراتبهم . طوبى أيضا للذين يقعدون في مساكنهم غير مائلين لأحد من الفريقين المتحاربين . فإذا عرفونا بالأكثر تسارعوا إلينا بكل قلب . لكن الويل ثم الويل للذين يعتمدون على المماليك في محاربتنا فلا يجدون بعد ذلك طريقا إلى الخلاص ولا يبقى منهم أثر (
تحريرا بمعسكر إسكندرية 
في 13 شهر سيدور من إقامة الجمهور الفرنساوي
ومما يُؤسف لهُ أن بعض المُرتزقة من العُلماء ساعدوهُ في كتابة هذه الافتراءات بعد أن امتلأت بطونهُم من يد المُستعمر البغيض .

مهما كان غرض المُحتل خبيث شرير . قد يتخذ شكل الحمل الوديع أو حمامة السلام وهو ليس إلا حية تحمل سموم الفتك والدمار . ويسعى دائما قبل المعركة المُسلحة وفي أثنائها إلى أضعاف موقف الطرف الآخر عن طريق شن هجوم عنيف على القوى الروحية والنفسية لديه وفي الوقت نفسه إلى تقوية موقفه والأمريكان وعملائهم خبراء في هذا المجال الذي نفتقر له ولم تجد شعوبنا من يُوجهها الوجهة العلمية الصحيحة حتى الآن فالكثير من القادة يعتقدون أن المُقاومة يجب أن تقتصر على الجانب العسكري فقط . ورغم وجود مواقع إعلامية لكنها لا ترقى للطموح وغفلوا عن الجانب المخابراتي . وهو العمود الفقري الذي يمنحهُم الرؤيا الواضحة لكشف الألاعيب والخطط الآنية والمُستقبلية من أجل اتخاذ القرارات الصائبة لتجنب الوقوع في فخاخ المُحتل وعُملائه .
ﻓﻲ الحرب ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ هي الفاصلة . ولهذا ﻘﺎﻣﺖ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﺑﺘﻌﺒﺌﺔ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺃنها ﺍﻟﺤﺎﺳﻤﺔ . وبدأ الجميع يترقبها ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ تم احتلال ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ ﺷﻌﺮوا ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ انتهى ﻭﻣﺎﺗﺖ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ رغم ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﻘﻂ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ ﻭﺍﻵﻥ ﺗﻠﻌﺐ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻠﻌﺒﺔ ﻓﻲ ﻣُﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ ﺍﻟﻤُﻨﻬﻜﺔ ﺑﺎﻟﺠﻬﻞ وانعدام ﺍﻟﻮﻋﻲ . وهذا الأسلوب هو ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﻋﺪﺩ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ الأساليب ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻠﻚ ﻻ ﺗﺮﻯ ﺇﻻ ﻣﺎ ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻧﺎ ... ﻭﻫﻮ ناجح ﻓﻲ ﻗﻴﺎﺩﺓ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻭﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻭﺿﻊ ﺧﻴﺎﺭﺍﺕ ﻭﻫﻤﻴﺔ ﺗُﻘﻴِّﺪ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻵﺧﺮ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍﻹﻋﻼﻡ . ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻣﺎ ﻳﻀﻊ ﺍﻟﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﻳﺪﻋﻢ ﺑﻪ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ .

فانتبه ﻟﻜﻞ ﺳﺆﺍﻝ . ﺃﻭ ﺧﺒﺮ . ﺃﻭ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﺗﺼﻠك . لأنهم ﻗﺪ ﻳﺴﻠﺒوﻚ ﻋﻘﻠﻚ ﻭﻗﺮﺍﺭﻙ ﻭﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻚ . وﻛُﻠﻤﺎ ﺯﺍﺩ ﻭﻋﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻣﻌﺮﻓﺘﻪُ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻃُﺮ ﻭﺍﻟﻘُﻴﻮﺩ وﻫي ﻟُﻌﺒﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳيين لقيادتك ﺇﻟﻰ ﻣﺎﻳُﺮﻳﺪﻭﻥ . ﻻ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﺗُﺮﻳﺪ ﺃﻧﺖ . .

فتوقف . ﻭﺗﺄﻣﻞ ﻭﺍﺻﻨﻊ ﺍﻹﻃﺎﺭ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻟﻚ ﻻ ﺍﻟﻘﻴﺪ
لأن من ﻳﻀﻊ ﺍﻹﻃﺎﺭ ﻳﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ
14 . 01 . 2019


السبت، 12 يناير 2019

مباراة ودية أمريكية – إيرانية على ملعب (الشعب) العراقي......بقلم الدكتور نزار السامرائي




مباراة ودية أمريكية – إيرانية على ملعب (الشعب) العراقي



نزار السامرائي

على خطين متوازيين تتحرك إيران والولايات المتحدة في الساحة العراقية بحيث يبدو للمراقب أنهما لن يلتقيا مهما امتدا، مع فارق واضح بين تحرك الطرفين، فالولايات المتحدة تتحرك بضجيج أعلى وحركة بلا قيمة ومن دون نتائج تحاول شدّ الانتباه إلى ما تقوم به من قبيل زيارة الرئيس دونالد ترمب إلى قاعدة القادسية في البغدادي غربي العراق، أو وصول وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو بطائرة نقل عسكرية إلى بغداد في زيارة لم يعلن عنها من ذي قبل، أو تحركات لعدد من قادة الجيش الأمريكي في مدن عراقية مثل ما قام به نائب القوات الأمريكي في العراق عندما زار شارع المتنبي في أحد أيام الجمعة حيث يزدحم الشارع الثقافي بوجود كبير للأدباء والمثقفين والفنانين، أو حديث متواتر عن إنزالات جوية هنا وهناك وإقامة قواعد جوية وبرية للقوات الأمريكية في عدد من المدن العراقية، أو عملية استعراض القوة البحرية في منطقة الخليج العربي لتخويف إيران ثم لترد عليها طهران بقرار إرسال قطع من أسطولها إلى غربي المحيط الأطلسي، أي على مقربة من السواحل الأمريكية، وكأن طهران تريد محاكاة دور الاتحاد السوفيتي في ذروة الحرب الباردة عندما كان يرسل بغواصاته وبوارجه إلى المنطقة نفسها.

أما إيران فإنها لا تعلن شيئا عن حركتها التي تتم بقوة دفع متسارعة ولكنها بصورة مباشرة وحتى ما يصدر عن الحرس الثوري من تهديدات فسرعان ما تحاول الخارجية الإيرانية تخفيف آثاره الدولية، وأحيانا نفي تمثيله للموقف الرسمي الإيراني، وداخل العراق فهناك عملاء إيرانيون يحملون الجنسية العراقية ويتفوقون على الإيرانيين أنفسهم في الحماسة لإيران أو لولاية الفقيه، هؤلاء الذين يتولون مهمات قيادة مليشيا الحشد الشيعي الإدلاء بتصريحات نارية حتى ليخيل للسذج من الناس المصابين بضعف الذاكرة أنهم هم الذين قادوا معركة الشرف التي أخرجت الاحتلال الأمريكي من العراق بعد أن كبدوه الخسائر التي اعترف بها في بيانات وزارة الدفاع الأمريكية على الرغم من أن التحالف الشيعي بكل أدواته وما تسمى بقياداته ما كان لهم أن يحلموا بدور ماسحي أحذية لولا القوات الأمريكية التي أخرجتهم من جحورهم وجاءت بهم من مواخيرهم، وما أكثر هؤلاء وما أعلى ضجيجهم في التصدي لخطط الولايات المتحدة بنقل وجودها العسكري من سوريا إلى العراق، في محاولة للإيحاء بأن تلك الخطوات هي جزء من خطة متكاملة الأبعاد لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة، وخاصة في بلاد الشام والعراق، هذا هو الذي رفع نبرة التفاؤل لدى بعض الأطراف التي ما تزال تراهن على الدور الأمريكي في إخراج إيران من العراق، فعقدوا المؤتمرات وأصدروا المناشدات للشعب والقيادات العسكرية في الجيش الوطني للتهيؤ للاضطلاع بدورهم في قيادة المرحلة الانتقالية أو التجربة السياسية التي ستقام على أسسها.

إيران أشرّت لنفسها هدفا بعيد المدى في العراق وغيره من الدول التي أوجدت لنفسها موطئ قدم فيها، يوّمن لها إحكام السيطرة على المجتمع عن طريق التغلغل في بيئات مؤثرة، كالجامعات ومراكز التعليم بمختلف مستوياته، تاركة لغيرها جعجعة فارغة لا تلمس لها نتائج، أو التحرك على المناطق المختلطة والتي تعيش أزمات سياسية أو عرقية أو مذهبية، ليس بهدف إيجاد حلول حقيقية لها وإنما بهدف إيجاد مرتكز لإيران للتحكم في بعض الأوساط المغفلة والمتخلفة التي تظن أن خلاصها لا يأتي إلا من إيران، نستطيع أن نلمس في الآونة الأخيرة عدة خطوات في هذا الصدد  بدأت...

1- بزيارة مسؤولين إيرانيين إلى ما يسمى بمفتي أهل السنة والجماعة في جامع أم الطبول، وكأنها محاولة لترجيح كفته في معادلة صراع محموم على رئاسة ديوان الوقف السني أو كأنها رسالة للسنة أن إيران لا تعترف بمن يمثلهم إلا هذا الشخص، حتى بدا وكأن إيران ومعها التحالف الشيعي قد غضا النظر عن الماضي المفترض لها الشخص في معاداة التشيع ونعته بأقبح الأوصاف.

2- زيارة ممثل عن علي خامنئي إلى جامعة الرمادي مركز محافظة الأنبار التي كانت بحق رأس النفيضة في مواجهة الاحتلال الأمريكي، وهي مدينة بل ومحافظة خالية من أي وجود شيعي، وبدلا من رفض هذه الزيارة نرى أن رئيس الجامعة يرحب بالزائرين على الرغم من أنهم لا يحملون أي مؤهل أكاديمي يسمح لهم بتفتيش الجامعة أو مراقبة عملها، مما يؤكد أن إيران تريد كسب عدد من المنافقين وعبدة الدولار بالانضمام إلى مشروعها كي تعلن أن مشروعها ليس مشروعا طائفي وإنما هو مشروع عابر للطائفية وإلا لما تمكنت من التمدد على الأنبار وكسب وجوه سنية تحت لافتة الإسلام المحمدي وكأن علماء الأنباء الذين خدموا الإسلام على مدى أربعة عشر قرنا كانوا على غير الدين المحمدي، ومع أن إيران تحتقر كل من يمد لها يدا للتعاون وتنظر إليهم كما نظر نابليون إلى الضابط النمساوي الذي أعطى فرنسا معلومات مكنت نابليون من الانتصار على النمسا، وذلك عندما رمى له بصرة ذهب ورفض مدّ يدّه إليه لمصافحته لأن اليد التي تتعاون مع العدو لا تصافح وإنما هي جديرة بالقطع.

3- زيارة وفد إيراني من ممثلي الولي الفقيه إلى كركوك عندما نشبت خلافات بين الاتحاد الوطني الكردستاني والسلطة في بغداد حول رفع علم كردستان فوق أبنية مدينة كركوك، وإذا ما علمنا بأن الاتحاد الوطني الكردستاني يرتبط بعلاقات تخادم مع إيران فعلينا أن نتوقع أن هذه الزيارة جاءت لصب الزيت على النار، ولا أحد يعرف ما هي الصفات التي أهلّت هذه الوفود للقيام بهذه الزيارات إلا أن تكون استخفافا بكرامة بلد آخر، نحن نعرف أن السلطة الحاكمة في حدود المنطقة المحمية في كرادة مريم والمسماة بالخضراء، لا كرامة لها وأجمل ما تطرحه من مزحة سياسية وراء أخرى حديثها عن السيادة الوطنية عندما يتصل الأمر بكل الأطراف باستثناء إيران فإنها فوق كل اعتبار وطني سيادي أو غير سيادي.

4- افتتاح المدرسة الشيرازية في سامراء على نحو لا وجود لمثله لا بالنجف ولا بكربلاء ولا في الكاظمية، مما يطرح آلاف الأسئلة الحائرة عن طبيعة خطط ما تسمى بالعتبة العسكرية في المدينة المغتصبة بشأن ما تبيته لها من مصير مجهول والتي قامت بتقطيع أوصال المدينة والسيطرة على مركزها ومنع أصحاب العقارات من الانتفاع من ممتلكاتهم وأموالهم لأنها تخطط لتجريد المواطنين مما يمتلكون أو التنازل عنها لصالح الوقف الشيعي أو ما تسمى بالعتبة.

هذه المؤسسات تبدأ بطرح نفسها بقفاز من حرير كما أن مؤسساتها تبدأ بتقديم خدمات التعليم الديني والذي يستدرج الفقراء والمعدمين وخاصة من السنة للقبول في المدرسة بل والإنفاق عليهم، ثم تتحول إلى مؤسسة تقلد ما يحصل في مشهد الإيرانية فتنتهي بعقود زواج المتعة لاستدراج الشباب إلى هذه الهاوية السحيقة التي ما لها من قرار.

5- استيلاء الوقف الشيعي على جزء من أراضي النبي شيت في الموصل وتحويلها إلى دكاكين باسم الوقف المذكور وتحويل إيجاراتها لصالح الوقف المذكور، وهذه الدكاكين فضلا عن أنها اعتداء على مدينة الموصل وتاريخ المدينة فإنها أي الدكاكين تخل بواجهة البناء الأصلي الذي حافظ عليه الموصليون آلاف السنين، وكل هذا يتم وسط ذهول المواطن من صمت السطات الإدارية المحلية كأنه صمت أهل القبور، فإننا إذا سلمنا بأن نظام الحكم الذي أقامه الأمريكيون هو نظام شيعي المرتكزات والقوائم، فهل يعني هذا أن السلطات الإدارية وصلت إلى هذا الحد من التخاذل والجبن؟

وغير هذه الخطوات، كثير مما حصل في مدن أخرى، وخاصة المدن التي استولت عليها المليشيات بعد خروج داعش منها، والتي ما تزال مستعمرات مغلفة للمليشيات ولا يسمح لأهلها بالعودة إليها مثل جرف الصخر وغيرها كثير ولا تقدم المليشيات تبريرا منطقيا لمنع السكان من العودة إلى مدنهم مستظلة بمظلة الصمت الدولي والمنظمات الحقوقية والإنسانية.

وإيران تقتفي بذلك خطوات الحركة الصهيونية عندما قامت بزرع المستوطنات والمستعمرات قبيل قيام إسرائيل، والتي تحولت بعد ذلك إلى قاعدة انطلاق لها في التوسع على حساب المناطق المجاورة حتى استكملت احتلال فلسطين، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الديانة اليهودية لا تقبل في صفوفها إلا المنحدرين من سلالة بني إسرائيل، أما التشيع فهو دين توسعي يستقطب إليه الخائفين والمنتفعين وعبدة الذهب والفضة وحتى أولئك الذين يعيشون على فتات موائد المحتلين أيا كانت جنسياتهم، وقد سجل تاريخ العراق أكبر قدر من تداعي جدار العفة والحصانة الوطنية أمام ما يقدمه المحتلون من مغريات زائلة.

 أما الولايات المتحدة فلا تقوم إلا بحركات استعراضية أشبه بأفلام الأكشن أو الغرب الأمريكي "رعاة البقر" هدفها من ذلك كله استقطاب أوسع قدر من الانتباه وشدّ الاعصاب، وكي تحافظ على ثقة أصدقائها أو المراهنين على دورها بإلقاء قارب النجاة لهم في ساعة العسرة سواء كانوا عراقيين أو دولا إقليمية، وفي الوقت نفسه تضمن أنها لن تخسر طرفا ما تزال تنظر إليه على أنه صديق قديم لن يفرط بعقد الزواج الذي سبق وأن تم عقده في عهد شاه إيران، وبالتالي يمكن أن تزال حالة النشوز التي تمر بها دولة الفقيه وتعود لبيت الطاعة بعد أن يتم تدجينها على مقاسات دولية حديثة.

والأمثلة على أن السياسة الأمريكية لا تمتلك الإرادة أو الحد الأدنى من الجدية في مواجهة النفوذ الإيراني في العراق ودول المنطقة، أن هناك أكثر من مطلوب بتهمة الإرهاب الدولي يتحرك في مناطق نفوذ القوات الأمريكية وخاصة في العراق ويتحركون بطول قامتهم وبحماية القوات الأمريكية، ولم يتم إلقاء القبض على أي منهم كما تفعل مع أشخاص تشك أو تزعم بأنهم من تنظيمات "إرهابية" لمجرد أنهم معارضون لها من السنّة، ولا نريد أن نخوض في ذكر الأسماء فهي لا تستحق منا مجرد الإشارة إليها، ولكن هناك قادة الحرس الثوري الإيراني الذين تحركوا غير مرة بحماية الطيران الحربي الأمريكي على الرغم من أنهم مطلوبون على لائحة الإرهاب الأمريكية، وتواصل إدارة ترمب استنساخ "العار" الأمريكي كما وصفه بومبيو في كلمة ألقاها أمام الجامعة الأمريكية في القاهرة، والذي ورثته عن إدارة أوباما، ولا أحد يدري كيف سيغسل بومبيو أو سيد البيت الأبيض ذلك العار؟ هل بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي بشأن إيران والشرق الأوسط في بولندا؟

هل وصلت إيران إلى هذا القدر من القوة بحيث تحتاج إلى تحالفات دولية أو عقد مؤتمرات عالمية لمواجهتها، وهنا لا بد من طرح سؤال ظل يدور في عقول معظم العراقيين، لماذا تضافرت أموال عرب الخليج العربي مع تكالب نوايا الشر الأمريكي والأوربي لقتل العراق وشعبه بحيث لم يتطلب الأمر جزء يسيرا من هذا الصبر والأناة المبذولين مع إيران حاليا، فبادروا لإرسال كل أدوات الموت والدمار إليه، العراقيون يريدون أن يعرفوا أين تختفي الحقيقة، هل لدى نظم خليجية كانت ترى في عراق قوي تهديدا جاثما على صدرها أكبر حتى من تهديد إيران المسلحة بالقوة العسكرية والمدعومة بعقيدة توسعية تريد فرض نفسها على سائر المسلمين؟ ولا تخفي أدوات هذه القوة من تلك المشاعر شيئا بما فيها السيطرة على أرض الحرمين الشريفين؟ إذن أين الإرادة العربية في التصدي المزعوم للتوسع الإيراني؟ هل تنحصر حدود ذلك في الشعارات والقنوات الفضائية والمؤتمرات والأموال المهدورة للعدو والصديق من دون تمييز؟

إذا كانت أمريكا جادة في موقف حاسم من إيران فليس أمامها إلا أن تراقب حركة الأموال من العراق إلى إيران، أما الحديث عن دعم إيراني للمليشيات في العراق فذلك أمر انتهى مع الأزمة الاقتصادية في إيران وباتت طهران هي التي تستجدي الدعم من عملائها، وليس هناك أكثر أموالا ضائعة من العراق كي تتسرب إلى مقاصد شتى في إيران.

الخميس، 10 يناير 2019

استلهام التراث.....بقلم فالح حسن شمخي




استلهام التراث


فالح حسن شمخي

الكثير منا سمع أو اطلع على هذا المفهوم عبر وسائل الاتصال الحديثة أو القديمة المهم أن المعنى البسيط لهذا المفهوم هو الوقوف عند الإيجابي من تراث سلف أمتنا العربية والتفاعل معه كدروس وعبر مستنبطة لتسخيره في خدمة الحاضر والدفع بهذا الحاضر إلى  مستقبل أسمى وأفضل ، والاستلهام هو تفاعل إيجابي وهو بعيد عن السلفية في التعامل مع التراث والتي تريد نقله بكل مافيه وبالتالي وقعت في خطأ جسيم .
ان من أهم ماعلينا التعامل معه في تراثنا المجيد هو اللحظة التاريخية التي أستوقف  فيها سلفنا الصالح الزمن في خطبة أو قصيدة أو قرار أو رسالة  ليغيروا مجرى التاريخ والتي نقف اليوم أمامها باجلال وأكبار وهي:

1- خطبة الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضى الله عنه وارضاه، (من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيا لايموت).

2-خطبة الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب رضى الله عنه وارضاه، (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ).

3- خطبة الخليفة الرابع علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه وعليه السلام ، (أعرفكم معرفة والله جرت ندما وأعقبت سدما قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا وشحنتم صدري غيظا وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا).

4-خطبة الحسين عليه السلام (هيهات منا الذلة).

خطبة طارق أبن زياد زياد رضى رحمة الله عليه، (أيها الناس، أين المفرُّ؟! والبحر من ورائكم والعدوُّ أمامكم، فليس لكم والله! إلاَّ الصدق والصبر، واعلموا أنكم فى هذه الجزيرة أضْيَعُ من الأيتام فى مآدب اللئام، وقد استقبلتُم عدوَّكم بجيشه وأسلحته، وأقواتُه موفورة، وأنتم لا وَزَرَ لكم غير سيوفكم).

5-قصيدة شهيد الحج الأكبر رحمة  الله عليه، (أأطلق لها السيف لا خوف ولا وجل أطلق لها السيف وليشهد لها زحل أطلق لها السيف قد جاش العدو لها فليس يثنيه الا العاقل البطل أسرج لها الخيل ولتطلق أعنتها كما تشاء ففي أعرافها الأمل دع الصواعق تدوي في الدجى حمما حتى يبان الهدى والظلم ينخذل وأشرق بوجه الدياجي كلما عتمت مشاعلا حيث يعشى الخائر الخطل ).

استلهام لماتقدم أعلاه جاءت رسالة  الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي قائد الجهاد والتحرير الرفيق عزة إبراهيم حفظه الله ورعاه رسالته الأخير الموجهة لأعضاء القيادة القطرية والكادر لمتقدم للحزب خارج الوطن.

الرسالة لها هدفين  الأول  هو التخلص من الإدران والعوالق التي أصابت جسد الحزب بعد عام 2003 نتيجة تكالب الأقوى التي اسنهدفت الوجود العربي .

والثانية الدعوة إلى بناء حزبي كالبنيان  المرصوص  استعدادا لمرحلة قادمة ستشهد تغيرات سيكون لحزب البعث العربي الاشتراكي بفكره القومي النير وقيادته الشجاعة الصامدة  الدور الفاعل فيها.