تأميم النفط خطوة جبارة
وثورة التحدي والمقاومة والاستقلال والسيادة
أ . د . أبو لهيب
في ١/ حزيران مِنْ كُلِ سنة يحتفل الشعب العراقي باهم حدث تاريخي ونقطة تحول في تاريخ العراق ، وهو تاميم شركات النفط الاجنبية وجعلها شركات وطنية .
أبدأ مقالتي بنبذة مختصرة حول موضوع النفط في العراق . بعد الحرب العالمية الاولى ، وسقوط الدولة العثمانية ، ودخول الدول الغربية الشرق الاوسط مباشرة وجعلها سوقاً لترويج بضائعهم باسعار التي هم يريدونها وأخذ المواد الاولية باسعار زهيدة . وَمِنْ ثم ظهور النفط كطاقة أساسية لتطوير صناعاتهم المتنوعة في جميع مجالات الحياة ، وكبديل أساسي للفحم الحجري الذي كان مكلفاً عليهم ، مِنْ هنا بدأ الصراع الغربي على الدول التي فيها النفط بالدرجة الاولى , ومنها العراق ودول الخليج العربي .
وَبِمَا أَنَّ النفط كان محور الصراع السياسي فى المنطقة أن الحلفاء أجلوا إبرام معاهدة الصلح ، بعد الحرب العالمية الاولى ، وحتى ينتهوا مِنْ الاتفاق على مصالحهم النفطية عقدوا إجتماعاً فى سان ريمو في نيسان عام ١٩٢٠ ، وتم توقيع اتفاقية ، بمقتضاها تقرر وضع البلاد العربية التي كانت ضمن الممتلكات العثمانية تحت وصاية كل من بريطانيا وفرنسا ، حيث أخذت بريطانيا كل مِنْ العراق وشرق أردن وفلسطين ، واخذت فرنسا سورية ولبنان . وفي شهر تشرين الاول عام ١٩٢٧ تفجر البترول في منطقة كركوك في شمال العراق ، فسارعت الاطراف المتنازعة إلى إبرام إتفاق نهائي تأريخي لحسم الموقف وبناء على ضغوط الحكومة الاميريكية أبرمت الاطراف المتصارعة ( بريطانيا ، هولندة ، فرنسا ، الولايات المتحدة الامريكية ) إتفاقاً نهائياً ، وتم إبرام الاتفاقية التي يقتضي بموجبها أن تعمل المصالح النفطية ألتابعة للدول الاربعة كفريق واحد متضامن في المنطقة وتشمل ( العراق ، السعودية ، الامارات العربية ، فلسطين ، الاردن ، سورية ولبنان ) وبذلك ارست الاتفاقية الخط الاحمر الاساس لِأضخم إمبراطورية نفطية في الاراضي العربية تتحكم في مصيرها الدول الاربع المذكورة ، والتي كانت السبب في تمزيق الامة العربية إلى دويلات صغيرة .
وفي ١٧ / تموز / ١٩٦٨ قام مناضلي حزب البعث بثورة مباركة ، وبذلك استلم الحكم للمرة الثانية فى العراق ، ولكن لا تزال تتواجد في صفوف الحكم شخصيات غير مرغوب فيه ، وبحاجة الى ابعادهم أو تصفيتهم لذلك قام الحزب بتصفية نهائية في ٣٠/تموز/١٩٦٨ ، وبهذا استقرت الثورة وبدأ القادة بوضع الامور المهمة نصب اعينهم وفي مقدمتها الاستقلال الاقتصادي ، وهذا لا يتم الا بتحرير الثروات الوطنية مِنْ ايدي الاستعمار ، لذلك بعد دراسة تفصيلية مِنْ قبل مجلس قيادة الثورة خطى خطوة جريئة وهي اعلان تاميم الشركات النفطية في العراق وجعلها شركات وطنية ، لذلك أعلن مجلس قيادة الثورة في ١/حزيران / ١٩٧٢ ، تاميم النفط في العراق وبهذا وقع على الشركات النفطية الاجنبية ضربة قاضية ، وانهاهم فى وجود الاقتصاد العراقي ، وكانت جميع واردات النفط تعود لخزينة العراق وبهذا حصلت الثورة الانفجارية في العراق حيث العمال العراقين لايكفي تلك الثورة الانفجارية ، حيث فتحت العراق ابوابها للعمالة العربية وبهذا قدموا للعراق مايقارب ثلاثة ملايين عامل عربي وكانت حصة الاسد فيها لمصر العربية .
ودامت تلك الثورة الانفجارية خمسة سنوات ، ولكن الدول الاستعمارية لم تخلى مِنْ مؤامراتها ضد العراق حيث وضعت على طريقها مئات العراقيل كي يفشل التاميم ، لقد كان رد مجموعة شركات النفط سريعاً حيث اعتبرت تاميم منشآت شركات النفط خرقاً لشروط إتفاقية إمتيازها وللقانون الدولي واحتفظت بحقها لاتخاذ كافة الاجراءآت القانونية ضد الحكومة وكل مِنْ يقوم بشراء نفطها المؤمم . ولكن بفضل الحكمة والعقول النيرة لقادة حزب البعث استطاعوا ان يتجاوزوا تلك العراقيل ، وبذلك تم تحرير ثروة العراق النفطية الهائلة بعد فترة الامتيازات التي دامت أكثر مِنْ ٤٢ سنة ليسدل الستار على سيطرة شركات النفط الاجنبية في العراق التي انتهت فيها كافة خبراتها العالمية الملتوية ، واستغلت فيها مساندة حكوماتها الغربية لغرض فرض ارادتها على الحكومات العراقية خلال فترة وقوع العراق تحت الانتداب البريطاني لتتمكن مِنْ انتزاع امتيازاتها بالشروط التي فرضتها ، لقد كانت تلك الفترة عاصفة بالاحداث الجسيمة التي لم تخلوا مِنْ خلافات ونزاعات وصراعات مريرة شبه مستمرة إتسمت بتعنت الشركات وبعدم الاعتراف بحقوق العراق المشروعة كما راينا بتاميمها والتخلص منها نهائياً .
بهذا التحدي ممكن أن نطلق عليها ثورة التحدي ، وثورة السيادة الوطنية الكاملة بكل مفاصلها ومشروعها التحرري ، فكان التاميم ثورة التحديات التاريخية العظمى وقيادتها مِنْ الرعيل الاول مِنْ رفاقنا في الحزب والذين أستطاعوا أن يضعوا المرتكزات الاساسية لبناء المجتمع بشكل سليم ومعافي مِنْ كل الامراض المجتمعية التي كانت تفتك بها ولبناء دولة حديثة قوية لتتقدم مع تقدم الدول بعد الخروج مِنْ الحرب العالمية الثانية وتتقدم بسرعة فائقة في بناء المجتمع وبناء دولة قوية تستطيع حماية المجتمع مِنْ كل مايخطط له واستطاعت الثورة تحطيم كل القيود التي كانت تفرض على المجتمع وعلى العراق بصورة قصرية مِنْ خلال استنزاف كل مقومات العراق الاقتصادية والبشرية .
لذلك استطاعت الثورة مِنْ بناء منظومة سياسية مرتبطة بالمجتمع وتقوم بتطبيق الخطط والبرامج التي وضعت مِنْ قبل قيادة الثورة وكانت الاولويات هي البدء مِنْ الداخل وتصحيح مسيرة المجتمع العراقي والقضاء على كل المشاكل الداخلية التي كانت تعصف بالمجتمع مِنْ خلال المؤامرات المتكررة على العراق منذ نشأت الدولة العراقية الحديثة وكانت اولى الخطط هي بناء المجتمع بشكل سليم والتحرك نحو تاميم الاقتصاد العراقي وبالاخص الموارد الاساسية وهي النفط ، وكان استكمالاً للثورة ليكون العراق مستقلاً سياسياً واقتصادياً بعد أن كان تحركه الاصابع البريطانية وتسيطر عليه وعلى اقتصاده .
فكان التحدي الاكبر هو تاميم النفط العراقي والذي كان متوقعاً إنه سيشكل معركة مستمرة طويلة الامد مع الغرب الاستعماري وبالتحديد أمريكا وبريطانيا واتحاد الشركات النفطية الاحتكارية لمجموعة الدول الاحتكارية . ونجحت الثورة بذلك واستطاعت مِنْ تاميم النفط وواجهت التحديات القادمة ومِنْ هنا بدات المعركة الطويلة معركة الغرب مع العراق وَمَنْ يَدعي اليوم مِنْ قصارى الفهم السياسي إن احتلال العراق جاء على اسباب آنية معينة فهو
ليس لديه بعد سياسي هنالك أسباب أكثر أهمية منها وكان مِنْ بين الاسباب هي اسباب تاريخية أيضاً ، عدا ذلك كانت الخطط التامرية لا تاخذ هذا الجانب فقط وكانت بعض الانظمة العربية كذلك تعمل على جانب اهدار اقتصاد العراق علما العراق كان السد المنيع الذي وقف للدفاع عن الامة العربية وكانت هذه المرة مؤامرة شق الصف العربي مِنْ خلال المتآمرين مِنْ بعض دول الخليج والتي اهدرت النفط العربي بشكل لم يسبق له مثيل ، وكانت حرب اقتصادية مِنْ الاشقاء ضد العراق ، وكانت الغاية منها تحجيم العراق مِنْ الاستفادة مِنْ اقتصاده وبيع نفطه بِأسوأ حصار على الشعب العراقي عرفه التاريخ البشري ، لذلك تكون بعض أنظمة الدول العربية مساهمة في ذبح العراق والعراقيين وستلاحقهم لعنة العراقيين الى يوم الدين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق