لماذا التآمر على عقيدة البعث القومية الثورية وبنيته التنظيمية الآن وفى العراق بالذات؟
الجزء الثاني
محمد عثمان ابو شوك
* لماذا التآمر على وحدة الحزب وعقيدته الفكرية ونظريته التنظيمية الآن؟
السبب الأهم لهذا التآمر هو فشل القرار الصهيوامريكى باجتثاث البعث فى العراق والأمة العربية الذي أصدره بريمر الحاكم الأمريكي للعراق، بعد الغزو الثلاثينى للعراق فى 2003.فلقد انطلق البعث كالعنقاء من رماد الاجتثاث والقتل المنظم والتصفية الجسدية والمعنوية والتضحية بما يزيد على 160 ألف بعثية وبعثي فى العراق وحدها، ليكون البعث رأس الرمح والعمود الفقري لحرب تحرير العراق من الغزاة واستطاع عملياً هزيمة الجيش الأمريكي المحتل وإجباره على الخروج من العراق، في سابقة تاريخية بانطلاق المقاومة المنظمة والواعية مباشرة بعد انتهاء المواجهة العسكرية. لم يحدث ذلك مصادفة، بل لقدرة البعث وحيويته على إعادة تنظيم أطرافه وبناء منظماته الحزبية والجماهيرية بقيادة مباشرة من قيادة الحزب القومية والقطرية لاستيعاب مرحلة نضالية من خارج السلطة ولمواجهة أوسع تحالف استعمارى احتلالى.. وبرغم فقدان الحزب لأمينه العام الشهيد أبو الشهداء صدام حسين، وفقدانه عدداً مقدراً من قيادتيه القطرية والقومية إلا أن البعث فى العراق وعلى امتداد الاقطار العربية بقي وسيبقى عصياً على الاجتثاث بفضل تمسك أعضائه وكادره وقيادته بعقيدة الحزب ونظريته التنظيمية والاستعداد الدائم للنضال ومواجهة المستجدات (ببرود العقل ولهيب الايمان).
• ثم أن احتلال العراق ومحاولة اجتثاث البعث فيه وعلى مستوى الوطن العربى، لم توقف نمو الحزب فى العراق والوطن العربى.. فلقد توسع وانتشر البعث فى أقطار كان فيها محدود الأثر والتأثير و ليصبح بعد 2003 قوة مؤثرة وفاعلة سياسياً واجتماعياً تجلت فى تفاعل تنظيماته مع الحراك الشعبى فى الانتفاضة الشعبية التى شهدتها العديد من الاقطار . شمل ذلك اقطاراً فى مغرب الوطن العربى ومشرقه برغم التضييق والعسف والاعتقالات والقتل المنظم لأعضائه وقياداته، وبرغم الوجود والنفوذ القوى لتحالف إيران ومليشياتها والنظام السوري فى بعض اقطاره..
• لقد تغيرت موازين القوى شعبياً فى اقطار الوطن العربى كلها، على وجه التقريب وشهد بعضها نهوضاً جماهيريا واسعا تمثل فى الانتفاضات الشعبية.. وبرغم انتكاس معظم هذه الانتفاضات بتدخل القوى الرجعية العربية والقوى الدولية، إلا أنها أفرزت وعياً متقدماً فى قطاعات واسعة من الجماهير العربية بشيوع شعارات الديموقراطية ودولة الرعاية الاجتماعية، وببروز الوعي بأخطار الأحزاب والتنظيمات الاسلاموية بشقيها وارتباطاتها بأطماع إيران وتركيا وحلفها المعلن والخفي مع العدو الصهيوني والامبريالية العالمية. هذا الوعي المتطابق مع رؤية البعث وتحليله للأوضاع السياسية والاجتماعية فى الوطن العربى، جعل القوى المعادية للبعث والأمة العربية تعود إلى تجريب المجرب فى محاولاتها للقضاء على البعث لاقتلاع هذا الوعي القومي الثوري من جذوره دفاعاً عن مصالحها ومطامعها وحلفائها من قوى الانحطاط..
محاولات اجتثاث البعث بالاستناد على العناصر الرخوة بين منتسبيه والمتساقطين عن مسيرته ليست جديدة، كما اسلفنا، غير أن رد البعثيات والبعثيين عليها كان واحداً فى مراحل تاريخه كلها وهو التمسك بالأسس الفكرية والتنظيمية للبعث وفى مقدمتها وحدة الحزب قومياً وقطرياً تحت قيادة قومية واحدة تمثل البعث الذى يحقق وحدة الامة فى نفسه، قبل أن يحقق وحدة الأمة على صعيد الوطن العربى.. وفي تاريخ البعث نماذج عديدة لهذا التمسك والصلابة فى الموقف النظري والعملي، نستل منها تجربة سردها الرفيق الشهيد أبو الشهداء، عرضاً، فى لقاء له العام 1993 مع قيادة أحد تنظيمات الأقطار، توضح، بنحو لا يقبل اللبس، تمسك البعثيين المناضلين المنقلبين على الواقع الفاسد بالأسس الفكرية والتنظيمية للبعث.. يقول الرفيق الشهيد أبو الشهداء متحدثاً عن الرفيق المرحوم عبد الكريم الشيخلي، فى أعقاب ردة شباط (فبراير) 1963 فى العراق وعملهما معا بالتنظيم البعثي فى مصر وكيف أن المرحوم الشيخلي كان كسولاً ولا يمتلك روح المبادرة: "ومع ذلك فقد اختارته القيادة القومية أميناً لسر القطر، وكان السبب هو أنا.. فقد كنت أقود الحزب فى العراق من دون تكليف، وأعدت بناءه ثم غادرت العراق إلى سوريا متسللا والتقيت هناك الرفيق ميشيل عفلق رحمه الله وطلبت منه اختيار القيادة بصورة رسمية بسرعة لتمارس دورها على ألا أكون أنا من بين أعضائها، فاستغرب رحمه الله أن استثني نفسي، فأوضحت له أن هناك الجهة المضادة لنا وهي جهة منشقة عن الحزب تنظيمياً و فكرياً وكانت قد أطلقت على نفسها اسم لجنة تنظيم القطر. ولكن من الناحية العملية فقد كلفنا أنفسنا نحن من دون تكليف من القيادة القومية أن نعمل من خارج تنظيم هذه اللجنة وأن نجمع الحزب على خط القيادة القومية بعيداً عن هذه اللجنة"، والشاهد فى هذا الحديث هو نهوض الحزب من كبوته، بعد خمسة أعوام وقيامه بثورة 30-17 تموز (يوليو) 1968، والشاهد الأعمق من ذلك، هو أن البعث فى العراق ما كان له تجاوز الانشقاق والتآمر والنهوض من جديد، إلا بتمسك البعثيين بفكر البعث وأسسه التنظيمية، ممثلة فى وحدة الحزب قوميا وقيادة الحزب القومية المجسدة لهذه الوحدة..
لذلك كله، حرص البعث على وحدته التنظيمية بقيادة قومية واحدة، معبرا عن ذلك فى نظامه الداخلي، بتعديلاته المختلفة التي أقرتها مؤتمراته القومية.. فمن أصل 81 مادة يتكون منها النظام الداخلي للبعث، خالفت زمرة المرتدين الجدد أربعة عشر مادة (نحو 17% من مواد النظام الداخلي للحزب)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق