ثورة أَلْتشرين إِمْتِداد لثورة
أَلعشرين
أُ . د . أبولهيب
عندما نقرأ ألتاريخ نرى بأنه يعيد نفسه فى أوقات مختلفة ، لذلك عندما
نحلل و ندقق بثورة تشرين نرى نفس الظروف الموضوعية التي أدت إلى ثورة ألعشرين
كالاتي ، شهد العراق فى سنوات ما قبل
الحرب العالمية الاولى اتجاهاً سياسياً رئيسياً وأساسياً في أوساط المثقفين
المتعلمين والعاملين في الحقول السياسية والاقتصادية والاجتماعية كان يطمح إلى
الخلاص من الهيمنة العثمانية، وأن
اختلفت مواقف القوى فيه وتوزعت على مجموعتين: إحداها كانت تسعى إلى الخلاص التام
من الدولة العثمانية باعتبارها استعماراً تركيا مفروضاً على العراق وباقي الدول
العربية الخاضعة بالقوة للهيمنة العثمانية، تلك الهيمنة التي بذلت أقصى الجهود من
أجل تتريك المنطقة بأسرها وبضمنها العراق من جهة، وجماعة أخرى كانت تريد الحفاظ
على العراق ضمن الدولة العثمانية "المسلمة"، خوفاً على فقدان الوحدة
الإسلامية حتى من حيث الشكل والخشية من الوقوع تحت سيطرة "الكفار!"
المسيحيين الإنگليز( حسب وجهة نظرهم )، مع ضرورة تمتع العراق بالحكم المستقل
نسبياً أو الإدارة الذاتية من جهة أخرى. وإذا كان الاتجاه الأول قومياً عربياً إلى
حدود ملموسة إذ لم يكن الوعي القومي، سواء العربي قد
تبلور حينذاك، فإن الاتجاه الثاني كان في الغالب الأعم دينياً إسلامياً متزمتاً،
وكان قد تأثر بشكل واضح بالاتجاهات الوطنية والقومية العربية والتأثيرات الدينية
والسياسية المباشرة وغير المباشرة لحركات المعارضة السياسية في كل منهما أما فى
فترة الحرب العالمية الاولى فكانت الجماعات السياسية في العراق
قد انقسمت إلى اتجاهين ملموسين أحدها يرفض التعاون مع بريطانيا باعتبارها دولة
أجنبية غير إسلامية أو استعمارية مسيحية "كافرة!"،( يطلقون عليها) وكانت
تمثله في الغالب الأعم المؤسسات والقوى الدينية ومجموعات من شيوخ العشائر التي
تأثرت كثيرا بمواقف وفتاوى شيوخ الدين. أما الاتجاه الثاني فكان يرى ضرورة التعاون
مع بريطانيا وفرنسا ضد الدولة العثمانية المتحالفة من أجل
الخلاص من الهيمنة العثمانية المتخلفة والقاسية على العراق وسكانه . وكانت القوى
القومية الحديثة التكوين ومجموعات من المثقفين والمتعلمين والتجار هي المعبرة عن
هذا الاتجاه. ومن حيث المبدأ كان التياران لا يتطلعان إلى أي شكل من أشكال الخضوع
لهذه السيادة أو تلك بل من أجل حصول العراق على استقلاله الناجز. وقبل انتهاء
الحرب العالمية الأولى وفي أعقابها تحول الموقف المتباين في الاتجاهات السياسية
لتلك الجماعات في العراق إلى مجموعة أولى كانت ترفض بأي حال الهيمنة البريطانية
وتريد الاستقلال التام والناجز، والمجموعة الثانية كانت تجد أن لا مناص من التعاون
مع بريطانيا وتأمين استمرار وجودها في العراق لحماية العراق من التفكك ومساعدته
على التقدم , وبمعنى آخر: كانت إحدى المجموعتين تقف بحزم وبلا مساومة ضد الانتداب
وترى فيه نكثاً للعهد البريطاني الانتداب فرصة لحصول العراق على الوحدة
والاستقلال
كان العراقيون عموماً , سواء أكانوا مِنْ العرب أم مِنْ ألكُرد أم
مِنْ إتباع ألقوميات الاخرى ، قد وقفوا ضد الهيمنة العثمانية وإنتفضوا فى 25
حزيران 1920 ، اي قبل 99 سنة من الان ، وسعوا للخلاص مِنْ صيغة الحكم المركزي المباشر المفروضة على البلاد. مع
أن عدداً غفيراً من العراقيين ، لم يكن يرفض بالضرورة استمرار العلاقات الروحية-
الدينية مع السلطنة العثمانية. على الرغم من أنه كان يعلم بأنها قد فقدت مضمونها
الديني، وتراجعت علاقتها الروحية مع الناس؛ بسبب سياسات الاضطهاد والقهر والحرمان
التي مارستها والتي تعرض العراقيون من جرائها إلى أشد المحن، وأقسى ألوان العذاب -
سواء أكانوا من أبناء المدن أم من سكان الريف والبادية .
وقد حصلت الكثير من الحركات والهبّات والتمردات التي قام بها سكان
الريف والبدو المستقرين إلى حدّ ما لمواجهة ظلم الولاة الأتراك وقسوة الجندرمة
وجباة الضرائب والأتاوات بشكل خاص، - ومعها المدن الأخرى -
الكثير من الحركات السياسية المناهضة لإجراءات السلطنة العثمانية التعسفية. كانت الاستفزازات
العثمانية، تثير الناس في المدينة وفي الريف، وتدفع بهم لمقاومة الاحتلال
العثماني.
والان بعد أن قدمت هذه النبذة المختصرة على ثورة العشرين نأتي إلى دراسة
وقائع ثورة تشرين وإخضاعها لمنهج التحليل الموضوعي، ستساعدنا على اكتشاف مجموعات
من العوامل، التي كانت وراء إنتفاضتها ، والتي يمكن توزيعها في مجموعتين منفردتين
على حدا، تليهما أربع مجموعات أخرى متتالية. ويمكن تسميتها بالعوامل الداخلية
والخارجية حيناً، وبالعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والنفسية
حيناً آخر.
منذ بداية سقوط العراق عام ٢٠٠٣، وجدت بعض القوى العربية والكُردية
وغيرها نفسها أمام أحد أمرين : إما أن تكون مع الدولة العراقية المنتهية
ولايتها ، ومما يرتبط بذلك من معاناة وعذاب وشدة، وإما أن تكون مع ألحكومة الجديدة
وبقية الحلفاء؛ لتحصل على الحرية
والاستقلال والتقدم والوحدة، في ضوء الوعود التي أعطتها المحتلين لقادة العرب
والكُرد في آن واحد. وقد أدى ذلك إلى انقسام الناس في العراق إلى جبهتين:
الجبهة الأولى: أيدت الوقوف إلى جانب ألحكومة العراقية منتهي ولايتها ،
ودعم قواتها في العراق ضد القوات ألمحتلة، وأيدت مقاومة لاحتلال الامريكي والفارسي
للعراق على اعتبار أنه احتلال أجنبي، مستعمر، كافر في آن واحد؛ تجب محاربته لدواع
وطنية ودينية. لذلك خاضت جماعات غفيرة في المعارك جنباً إلى جنب مع الجماهير في
البصرة ضد القوات المحتلة. وقد أسفرت الدعوة للجهاد عن تجمع عدد من أهالي المدن
والعشائرفى جميع أرجاء العراق-. كما لعبت بغداد دوراً ملموساً، في التعبئة إلى
جانب ألحكومة المنتهية ولايتها من منطلق وطني واضح .
ألجبهة ألثانية :
وهي الأكبر - ساندت القوات المحتلة بعد الوعود التي أعطيت للعراقيين
في الحصول على الحرية والاستقلال. وكانت البهجة عظيمة لدى جماهير غفيرة من العراقيين؛
بانتصارالمحتلين ولكن الصورة ستتغير بعد فترة وجيزة من احتلال المحتلين للعراق،
ولن يتبقى للجماهير من خيار سوى خيار المواجهة مع المحتلين، التي حلّت محل الحكومة
العراقية في استعمار البلاد. وقد أيقظ الموقف المعادي المحتلة ، ووعودها الباطلة
وعياً وإن لم يكن ناضجاً - بطبيعة
الاستعمار الحديث وأهدافه، وبالنتائج التي ستترتب من جراء ذلك الاحتلال. كان هذا
الوعي مزيجاً متشابكاً يصعب تفكيكه، أو التركيز على جانب منه دون الجوانب الأخرى.
كان مزيجاً من الوعي القومي، والوطني، والديني، والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي،
والنفسي. وكان يحمل في طياته أصداء تجارب العراق المريرة تحت السيطرة والاحتلال،
وذكرى الاجتياحات الكثيرة التي تعرض لها في فترات مختلفة من تاريخه القديم والحديث
إن دراسة وقائع تلك الفترة، وإخضاعها لمنهج التحليل الموضوعي، ستساعد على اكتشاف
مجموعات من العوامل، التي كانت وراء الانتفاضة التشرينية ، والتي يمكن توزيعها في
مجموعتين منفردتين على حدا، تليهما مجموعات أخرى متتالية. ويمكن تسميتها بالعوامل
الداخلية والخارجية حيناً، وبالعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية
والنفسية حيناً آخر.
أ – ألعوامل الداخلية:
ألعوامل الداخلية تتظمن ( ألعوامل السياسية و ألعوامل الاقتصادية و
ألعوامل الاجتماعية و العوامل الدينة والعومل النفسية :
ألعوامل ألسياسي : إِنَّ ألهدف ألمركزي لثورة تشرين تمثل فى تطلع
العراقيين إلى الاستقلال والحرية وتطبيق الديمقراطية ، والتخلص مِنْ السيطرة
الاجنبية ( الامريكية الصفوية ) أي فى ألنضال مِنْ أجل إقامة الدولة العراقية
المستقلة ، فَجَلَّ ما كان يطرحه العاملون فى المجال السياسي ، ومن الملفت للنظر
فى هذا النضال مساهمة مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية والدينية ، حيث المعانات
اليومية مِنْ الضغوط والاستبداد والجهل والمرض والفقر ، وهي معاناة كانت منتشرة
بين سكان كثيرة مِنْ المدن العراقية ، وقد برز لِأَول مرة فى تاريخ العراق دور
الشباب المتميزة فى النشاط الجهادي ضد المحتل و التعبئة لثورة تشرين وتجلت أهمية
الشباب فى قدرتهم على التاثير على الحوزات الدينية ورجال الدولة وأذنابهم ، وفى
تمكنهم مِنْ توحيد كلمتهم وجمع شملهم حول مطالب معينة يتوجهون بها الى سلطات
الاحتلال الصفوي المجوسي ولو فى حدود نسبية ، إن بعض الشخصيات الاجتماعية والمثقفة
مِنْ أبناء الطبقة المسحوقة قد لعبت دوراً متميزاً وقيادياً فيها ، كل منها بحسب
طبيعة منطقتها ألتي دارت فيها رَحِي ألثورة ، فإنَّ جموع الشباب الواسعة وأبناء
العشائر وكادحي المدن المشاركة فى الثورة شكلت قوتها الاساس ، و وقودها المحرك ،
إِنَّ شباب ثورة تشرين وقادتها الميامين إشترطوا على الحكام الفاسدين فى العراق
مجموعة مِنْ الشروط ومِنْ أبرزها حل جميع الميلشيات الصفوية المجوسية وإغلاق
مقراتهم ، وإبقاء السلاح بيد الدولة فقط وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين
قديماً وحديثاً ، ومطالب كثيرة أخرى لصالح الشعب العراقي ، وابلغوا الحكومة
العراقية الصفوية الفاسدة بان الثورة لن تتوقف حتى ينتصر الحق على الباطل .
أَلْعَوامِلْ أَلْإِقْتِصَادِيَة :
لم تكن العوامل السياسية سوى الوجه الثاني للعملة . أما وجهها الاول
فتمثل بالعوامل الاقتصادية ، ألتي كانت تقف وراء تطور النشاط السياسي ، والعمليات
المناهضة لقوات الاحتلال الايراني المجوسي التي بادرت إلى استخدام السلاح لاخماد
ثورة التحرير ، بداء التحرك السياسي ضد مؤسسات الدولة العراقية والحوزات الدينية
المساندة للدولة العراقية فى مدن الجنوب والوسط بما فيه عاصمة العراق بغداد ، فى
١/ تشرين الاول / ٢٠١٩ إشتعلت الانتفاضة وتجلى فى ثورة شباب التحرير التي اتسعت
نطاقها لتشمل مناطق واسعة مِنْ العراق ولاسيما وسط وجنوب العراق . كما سيتسع فى كل
المدن التي كانت المؤسسة الدينية فيها ذات تاثير كبير على السكان مثل ، بغداد ،
الكاظمية ، كربلاء ، النجف . مما يمكننا مِنْ تلمس العلاقة الجدلية بين المصالح
الاقتصادية للمؤسسة الدينية وشيوخ الدين مِنْ جهة ، ومصالح الفئات الاجتماعية التي
قادت العمليات العسكرية مِنْ شيوخ العشائر والفلاحين الذين انغمسوا فى الثورة
فكانوا وقودها المحرك مِنْ جهة أُخرى .
ألعوامل أَلْإِجتماعية والدينية
فى بداية أَلعقد الثاني مِنْ القرن العشرين ، برزت بعض مظاهر التفكك
البطيئ جداً فى العلاقات الابوية فى الريف العراقي ، لِأسباب ارتبطت بدور العلاقات
السلعية الجديدة التي كانت كانت قد نمت بفعل حركة الرأسمال التجاري الغربي فى
العراق ، وسعي جمهرة الاقطاعيين الصغيرة ، وكبار الملاكين فى تشديد الاستغلال على
الفلاحين ، ونزوح مزيد من العائلات الفلاحية إلى المدن ، رغم بؤس المدن ذاتها
حينذاك ، وانتزاع مزيد من الاراضي الزراعية العائدة للفلاحين ، مِنْ جانب
الاقطاعيين و كبار الملاكين بدعم مِنْ سلطات الاحتلال الامريكية الصفوية التي قامت
بتوزيع الكثير مِنْ الاراضي الزراعية على مؤيديها مِنْ شيوخ العشائر وكان الفلاحون
فى ريف الوسط والجنوب ، رغم تشابك العلاقات العشائرية والابوية بينهم وبين رؤساء
عشائرهم يعانون مِنْ مصاعب جمة ، وعلى الرغم مِنْ هذه المصاعب ، ورغم ضعف الوعي
السياسي والاجتماعي لدى الجمهرة الواسعة والاساسية مِنْ الفلاحين ، وأبناء العشائر
فى ريف المناطق العربية إستطاعت هذه الفئة أن تحافظ على علاقتها العشائرية ، وعلى
خصائصها وطبيعتها الاساسية فى العراق لفترة طويلة لاحقة ، استمرت إلى ما بعد تشكيل
الحكم العراق الحديث وكانت العلاقات العشائرية مِنْ جانب ، والعلاقات الدينية مِنْ
جانب آخر ، تتحكمان بقوة بسلوك الطبقة الكادحة ، بالرغم مِنْ أن نسبة عالية مِنْ
هؤلاء لم يلتزموا ، بسبب طبيعة عيشهم .
ألعوامل النفسية
مع أن علاقات واسعة وطويلة نشأت بين مجموعات مِنْ الايرانيين العاملين
فى الشركات التجارية ، او فى الحوزات الدينية او فى القنصليات الايرانية ذات
النفوذ الواسع والعلاقات المتينة مع العراقيين داخل العراق ، فإن الايرانيين لم
يدركوا تماماً طبيعة المجتمع العراقي العشائري ، ولم يفهموا أهمية وضرورة إحترام
كرامة الانسان والعشيرة ، والابتعاد عن توجيه الاهانات شتماً أو ضرباً أو تمادياً
باللفظ الجارح ، وتجنب الاعتقالات دون مبررات و مسوغات توجيه، إضافة إلى الاساليب
المرهقة فى أخذ الاتاوات وما شاكلها ، كما انهم عمدوا إلى تغير اساليب التعامل مع
العراقيين ، خلافاً لِأَساليب تعامل الدولة العراقية مع العراقيين ، سواء مِنْ حيث
فرض الانضباط والالتزام بالنظام ، ام مِنْ حيث مضمون المساواة فى المجتمع ، وكانت
أحد العوامل البارزة فى كراهية الناس للحكم الصفوي ، يمكن فى التعامل غير الانساني
، وفى الاساءات المتكررة مِنْ جانب السلطات الحشد الشعبي الصفوي واجهزة القمعية
للعراقيين وهم فى بلادهم ، ومنه حملات الحشد الصفوي المجوسي العسكرية والاهانات
والضرب وما إلى ذلك ، والمعلومات المتوفرة عن الاساليب التي استخدمها الحكام
السياسيون والعسكريون .
ب ـ ألعوامل ألخارجية
لم يكن الانقسام فى المجتمع العراقي ، وهو انقسام بدأ مع الحرب الذي
قام به أمريكا واعوانه واذياله عام ٢٠٠٣ م ، لاجل إسقاط العراق وقيادته الحكيمة ،
واحتلال العراق مِنْ قبل أمريكا ، إن هذا الاحتلال اتخذ ابعاداً جديدة ، واضيفت
إليه عوامل وقوى جديدة أيضاً ، واتخذ له وجهة أخرى فأصبح الامر يطرح نفسه فى سؤال
على النحو الاتي : مَنْ الذي يقف إلى جانب الوجود الامريكي فى العراق ، ويعتبره
ضرورياً لتطور العراق ؟ ومَنْ يقف ضد
الوجود الامريكي فى العراق ، ويدعوا الى نيل الاستقلال والسيادة الوطنية ؟ إن
الفترة بين عامي ٢٠٠٣ ، ٢٠١٩ كانت فترة تبلورت فيها المواقف بوضوح بين الامريكا
التي تريد البقاء ، وخاصة بعد تسلم ( أذياله مِنْ العملاء ) المسؤلية فى العراق
خلفاً لـ ( بول برايمر ) ، وهو الذي كان راغباً فى ربط العراق بأمريكا ربطاً
محكماً لتبقى مستعمرة دائمة لامريكا ، وبين غالبية العراقيين فى موقفهم الداعي الى
الاستقلال ، وإن الاختلاف فى المواقف بين العراقيين تركز بالاساس بين أوساط معينة
مِنْ الشعب العراقي ، لم يكن مستوى الوعي آنذاك يسمح حقاً بالتعرف على نوايا
الاستعمار الامريكي ، أو أغراضه فى العراق ، ولعب العامل الخارجي العربي والاقليمي
والدولي ، دوراً مهماً فى تنشيط الكفاح الداخلي ، وفى تفجير الثورة العراقية ،
فثورة تشرين مثلاً التي جاءت استكمالاً لِإنتفاضة البصرة فى نهاية عام ٢٠١٨م ، قد
تأثرت بالعوامل الخارجية التالية :
إِنَّ إطلاع الاوساط العراقية ، تلك الاكثر احتكاكاً بالمعلومات
القادمة مِنْ الخارج عبر الصحافة العربية وغيرها ، على ما تنشره الصحف العراقية
والعربية والاجنبية ، وعلى ما يدور مِنْ نقاشات فى مجلس النواب العراقي حول مطالبة
العراقيين بالاستقلال ، أو حول التحركات السياسية والنضالات المسلحة أو السلمية ،
التي كانت تؤرق الاوساط الايرانية وسلطات الاحتلال ، باعتبار الاستقلال مطلباً
عراقياً ملحاً وكان هذا النقاش يشجع العراقيين ، عندما كان يبث فى المضايف
والمجالس الد\ينية والشعبية . وكان يحفز الناس ويدفعهم إلى التفكير بالمشاركة فى
الثورة ، مِنْ أجل هذا الهدف كما كانت الاوساط العراقية الواعية على اطلاع على
المبادئ ، التي طرحها الرئيس الامريكي ( دونالد جون ترامب ) حول حرية واستقلال
الشعوب ، والتي روجت لها الدعاية الامريكية فى صراع الولايات المتحدة مع العراق ،
لغاية فى نفسها وهي : أن تحتل الولايات المتحدة الامريكية موقعاً لها تحت الشمس ،
و موقعاً لها فى المياه الدافئة ، ولاشك فى أن الحركات المناهضة للولايات المتحدة
الامريكية ، والصراعات الدولية ، والخوف مِنْ تطور الاوضاع فى غير صالحه ورغم كل
مصاعب الارتباط بين العراق وبقية الاقطار العربية والبلدان المجاورة ، فإن نضال
العراقيين بمختلف فئاتهم الاجتماعية ، لم يكن معزولاً تماماً أو منفصلاً عن
النضالات السياسية القائمة فى تلك الاقطار أو بلدان الجوار كانت لِأحداث تلك
البلدان تاثيرات مباشرة أو غير مباشرة على الوضع فى العراق .
وكان للعلاقات بين العراق وايران ، ومجيئ الزوار الايرانيين إلى مدن
الوسط مثل كربلاء و النجف ، والكاظمية وغيرها مِنْ مدن والعتبات المقدسة ، ومدن
جنوب العراق ، واحتكاكهم المتواصل بالناس ، تاثير خاص سلك اتجاهين هما ، تبادل
وجهات النظر حول تطور الحياة السياسية فى كلا البلدين ، واستفادوا مِنْ دور شيوخ
العشيرة والدين وتجربتهم فى النضال مِنْ أجل الدستور فى العراق .
ولَمْ تكن كل اخبار الثورة ، ولا كل المعلومات التي تصل عنها واضحة
المعالم بالضرورة أو مفهومة الاهداف ، إذ أن بعض الصحف كانت تشك بأهداف الثورة
ومواقفها مِنْ العراق ، ولكن بعضها الآخر كان يشير إلى الدور ، الذي لعبته الثورة
التشرينية فى نشر المعلومات والوثائق والمؤامرات التي حاكتها إيران ، والاتفاقات
التي عقدتها قبل ذلك الدول الاستعمارية لتقسيم مناطق النفوذ بينهما .
لقد كان لهذه العوامل وغيرها ، تاثير مباشر وغير مباشر ، على الشعب
العراقي ، والمثقفين ، والموظفين ، وشيوخ العشائر فى بادئ الامر ، ثم تنتقل مِنْ
خلالهم إلى جمهرة أُخرى مِنْ الناس ، حتى تصل إلى عموم الشارع العراقي ، أضف إلى
ذلك المعانات المباشرة للشعب مِنْ ظلم الميليشيات الايرانية فى العراق تحت مسميات
عديدة ، انها ساهمت فى تحفيز همم العراقيين ، ودفعت الكثيرين منهم إلى تغير موقفه
تغيراً إيجابياً مِنْ إنتصار شباب الاحرار على الدولة العراقية في بدايته ، إلى
المطالبة بتنفيذ التعهد التي التزمت به الدولة العراقية .
إِذ نقارن ثورة شباب الاحرار بثورة العشرين نرى نفس الظروف الموضوعية
التي ادت الى ثورة العشرين ، وفى نهية المطاف ورغم طول الدهر استطاع الشعب العراقي
الابي أن ينتصر ويطرد المحتلين واذيالهم الدنيئة فى العراق ، ولكن اعداء العراق لم
يترك هذا الشعب الثائر الذي دوما يعطش لماء الحرية ، بل مرة اخرى فى عام ٢٠٠٣م
جمعوا جيش العالم بتهم مختلفة لم يقوم به العراق لاجل اسقاطه وانهاء حكمه الوطني ،
وبعد ستة عشرة سنة مرة اخرى ناهض الشعب العراقي مرة اخرى بوجه الغدر والخيانة
وشبابها الثائر قرروا أما الاستشهاد أو تحرير العراق من رجس الصفوي المجوسي ،
والثورة مستمرة الى تحقيق النصر ، الف الف رحمة على شهدائنا الابطال وشفاء العاجل
لجرى ثورة الشرف والكرامة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق