الأحد، 22 مايو 2016

حنين إلى (ألف باء) في ذكراها (اليوم عيد ميلادها).......الاستاذ سلام الشماع













حنين إلى (ألف باء) في ذكراها
(اليوم عيد ميلادها
)

سلام الشماع
متهيباً دلفت إلى مبنى دار الجماهير للصحافة أواخر آب 1974 حاملاً بيدي ورقة توصية كتبها إلى الأستاذ سامي مهدي ابن عمتي الصحفي الراحل عيسى العيسى، بعد أن حاول ثنيي عن العمل الصحفي وعدم ترك العمل في تجارة الأقمشة مع والدي في محله، ولكن إصراري كان أكبر من محاولاته، فلم يجد بداً غير أن يكتب إلي رسالة التوصية بعد أيام من تدريبي في بيتهم في راغبة خاتون.
كانت دار الجماهير، يومها، تشغل الطابق الثاني من مبنى دار الحرية، قبل أن تنتقل إلى مبنى أنشيء بجوار المبنى المذكور، بينما كان عمري، أيامها، 19 سنة، وكنت أستيقظ من نومي فأجد الراحل العيسى قد هيأ مائدة الفطور الصباحي ليقول لي ممازحاً آمراً: كُلْ، سيأتي يوم تقول فيه إن كبار الصحفيين كانوا يخدمونني وأنا صحفي مبتدئ.
رحب بي الأستاذ سامي مهدي وفضّ الرسالة وبعد أن قرأها، كتب ورقة وسلمنيها وقال لي: في الغرفة التي بجانبي يجلس سكرتير التحرير الشاعر فاضل العزاوي أعطه هذه الورقة لطفاً..
وعندما سلمت العزاوي الورقة رحب بي أيضاً وعاملني بصفتي صحفياً، زارعاً الثقة في نفسي، وطلب مني أن أصطحب معي أحد المصورين وأن أجلب له تحقيقاً صحفياً بعد أيام، وطرأ في ذهني أن أكتب عن النجارين فاخترت شيوخهم، وجئته فعلا بتحقيق أثنى عليه ودفعه إلى عدد المجلة الذي سيصدر في الأسبوع التالي.. وكانت فرحتي كبيرة وأنا أرى اسمي لأول مرة في مجلة العراق الأولى، بعد أن كنت أكتب، منذ صباي الأول إسهامات صغيرة في صحف الثورة والجمهورية والتآخي، ثم إسهامات أدبية بسيطة في مجلة (مجلتي) ، وجريدة (المزمار) الخاصتين بالأطفال.
كانت لغتي في التحقيق غير متكلفة وبسيطة نقلت فيها قصصا أوردها النجارون الشيوخ في أحاديثهم تعود إلى العهدين العثماني والملكي، ومن هذا التحقيق عرفت لعبة مخاطبة القارئ وكيف أختار ما يجذبه، وكتبت فعلاً تحقيقات عن ظواهر حياتية، وكتبت عن مقهى في باب المعظم كان يجتمع فيه البعثيون وينطلقون منه في تظاهراتهم، وأجريت مقابلات مع كبار مسؤولي الدولة اثارت اهتمام القراء وحسد الشيوخ من الصحفيين في المجلة، فاحتجوا: كيف أن (زعطوطاً) قدم إلى الصحافة قبل أيام يحقق مقابلات مع كبار وزراء الدولة.
كنت قبل أن أذهب إلى مقابلة مسؤول ما أعد أسئلة كثيرة تخص وزارته وأقدمها إلى سكرتير التحرير للاطلاع عليها، وفي مرة قدمت الأسئلة إليه، فقال لي: اتركها عندي، فإن (فلاناً) و(فلاناً) و(فلاناً) احتجوا على احتكارك إجراء المقابلات لذلك سنعمد أن يشترك جميع أعضاء قسم التحقيقات في إجراء هذه المقابلات..
شعرت بالظلم وقتها.. فأحدهم أخذ أسئلتي وتوجه إلى الوزارة التي كنت عازماً على مقابلة وزيرها، ولكن سرعان ما فرحت أن الوزير رفض إجراء المقابلة، وجرب آخر وآخر فلم يفلحوا جميعاً، فأدرك سكرتير التحرير أن في الأمر سراً، وحاول أن يغريني للبوح به فلم أفعل، فطلبوا مني العودة لإجراء تلك المقابلات، بالإضافة إلى التحقيقات التي كنت أكتبها.
وانتقل الأستاذ سامي مهدي إلى دائرة أخرى وحل محله الأديب الراحل عبد الأمير معلة الذي أخذني إلى عائلة بغدادية في الصالحية خلف السفارة الإيرانية وطلب مني إجراء تحقيق مع امرأة كبيرة في السن كان ابنها بعثياً وكانت تسانده وعملت في بيتها مخبأ تخفي فيه المنشورات الحزبية وأجهزة طبعها، وكان حوارا مثيرا معها نشر في المجلة وحقق صدى واسعا.
لكن الشاعر خالد علي مصطفى الذي أعقب معلة لم يستمر طويلا وجاء بعده حسن العلوي، الذي حقق نقلة نوعية للمجلة، وكان، حقاً، وعلى الرغم من تقاطعي معه الآن لأسباب وطنية، قد اهتم بي وأخذ يضرب المثل بي ويرافقني إلى رؤساء الدوائر التي أروم الكتابة عنها ليوصيهم بالاهتمام بي..
لم أترك مجلة (ألف باء) إلا بعد التحاقي بالخدمة العسكرية وتنسيبي إلى دائرة التوجيه السياسي في مجلة (الجندي) الشهرية، التي أصبح اسمها (حراس الوطن)، وجريدة (اليرموك) التي أصبح اسمها (القادسية)، فيما بعد، ثم عملت لمدة من الزمن في جريدة (الجمهورية)، لأعود أدراجي إلى مجلة (ألف باء) وحتى اليوم المشؤوم 9 نيسان 2003.
إن مجلة (ألف باء) ظلت أسرة صحفية متماسكة على الرغم من تبدل الوجوه فيها، فقد جاء بعد العلوي الراحل عبد القادر العاني لمدة بسيطة ولم يكن رئيس تحرير أصيلاً ثم صاحب حسين رئيس مجلس إدارة دار الجماهير للصحافة فعكاب سالم الطاهر وكامل الشرقي وأمير الحلو وأخيرا رافع الفلاحي الذي لم يثبت بعد بسبب الاحتلال.
إني إذ أستذكر مجلة (ألف باء) وأيامها أحن إليها وإلى وجوه الزملاء الذي عملت معهم فيها، وأشعر بأمل كبير بأننا سنعيدها ونبنيها من جديد فقد حفرت اسمها في تاريخ العراق الحديث بجهود أبنائها الذين لا أشك أنهم يملكون حنيني إليها نفسه.. أما محاولات إصدارها، الآن، فأعدها فاشلة وأن هذه المطبوعات لا تمتلك روح المجلة، بل اسمها فقط.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق