الخميس، 19 مايو 2016

لماذا رفض الوطنيون حضور مؤتمر باريس؟....الاستاذ سلام الشماع




لماذا رفض الوطنيون حضور مؤتمر باريس؟

الاستاذ سلام الشماع

كان المأمول أن ينجح مؤتمر باريس المزمع عقده في العاصمة الفرنسية باريس نهاية الشهر الشهري في توحيد قوى المعارضة العراقية وتشكيل جبهة وطنية عريضة لها لرسم مستقبل عراق ما بعد حكومات الإسلام السياسي التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه الآن.
لكن الشطر الأعظم من القوى الوطنية العراقية المعارضة أعلن اعتذاره عن حضور المؤتمر بينما أعلن شطر آخر رفضه الحضور ومقاطعته المؤتمر مما عصف بفكرة عقده، التي تبين أنها توريطية تهدف إلى جمع رأس المعارضة العراقية برأس العملية السياسية الاحتلالية بالحرام، في حين كان المعلن أن المؤتمر يسعى إلى إبراز حجم المعارضة العراقية وتمكينها لأخذ دورها في أي تغيير محتمل وبرعاية أممية وباحتضان من فرنسا والدول الأوربية.
وتناقلت الأنباء أن حزب البعث في العراق وحلفاءه من القوى الوطنية والقومية والإسلامية سيشارك في المؤتمر وقالت تسريبات إن الحزب يحشد طاقاته كلها لإنجاح مؤتمر باريس، إلا أن المتحدث الرسمي لحزب البعث في العراق الدكتور خضير المرشدي أعلن أن الحزب يبارك أي عمل ونشاط وطني، ولكنه غير معني أبداً بمؤتمر باريس.
وتبين أن الهدف من تلك التسريبات كان للإيحاء بأن هناك انشقاقاً كبيراً في صفوف المعارضة الوطنية العراقية وزرع اليأس والإحباط في نفوس العراقيين من إمكانية أن تتوحد المعارضة العراقية، الموحدة أصلاً، والعمل على إنقاذهم من محنتهم، كما هدفت تلك التسريبات إلى إسقاط القوى الوطنية العراقية المقاومة من نظر العراقيين، ليسير قطار المؤتمر في ظل ذلك إلى هدفه المرسوم.
والهدف المرسوم، كما أوضحته تقارير صحفية استندت معلوماتها إلى مصادر برلمانية عراقية، هو إنشاء كتلة برلمانية تمهّد الطريق لتأسيس موضع قدم في العملية السياسية بالعراق، لشخصية غير معروفة مسبقاً، وهذه الشخصية هي جمال الضاري الذي خصص 25 مليون دولار لهذه العملية.
ظهر اسم جمال الضاري إلى السطح لأول مرة بعد تسريب مصادر هيئة العلماء المسلمين أنباء، عقب رحيل زعيمها الشيخ حارث الضاري عن قطع صلات جمال الضاري بالهيئة، لأسباب يعتقد أنها (مالية) رغم أنه لم يكن من ضمن قيادات الهيئة السياسية والدينية المعروفة.
وجهد الضاري نفسه، في السنوات القليلة الأخيرة، بالمال السياسي، مستغلاً أموالاً واستثمارات آلت إليه عقب رحيل عميد أسرة آل الضاري وزعيم هيئة العلماء المسلمين الشيخ حارث الضاري، لإنشاء واجهات سياسية تخضع لإشرافه وتمويله، منها منظمة (سفراء من أجل السلام) المثيرة للشبهات في اسمها ومهامها وطبيعة توجهاتها ومجهولية أعضائها، و(منتدى النخب والكفاءات العراقية) وهو تجمع أكاديمي وإعلامي يعقد اجتماعاته في المناسبات ودائماً في تركيا وتشارك فيه قوى معارضة عراقية، نظراً لافتقار جمال إلى حضور سياسي وقاعدة شعبية، بالإضافة إلى أن أغلب الأطراف والشخصيات الوطنية لا تحبذ التعاون معه بسبب علاقاته الغامضة مع دول وجهات قطرية وروسية وفرنسية، وافتعاله خلافات مع الأمين العام الحالي لهيئة العلماء المسلمين الدكتور مثنى حارث الضاري.
إن الواجهات التي أنشأها جمال الضاري ونشاطاتها أوحت بأنها تمهيد لظهور دور المعارضة العراقية بنحو مرضي عنه عالمياً، ثم ثبت لقوى المعارضة أن هذه النشاطات (الوطنية) هدفها اجتذاب عدد من أعضاء مجلس النواب الحالي، ليشكل منهم الضاري كتلة برلمانية جديدة خاصة به تتيح له المشاركة في العملية السياسية الجارية في العراق وخوض انتخابات 2018 في حال عقدها، كما تبين أن (منظمة سفراء من اجل السلام) هي دكان سياسي جديد يبيع للعراقيين البضاعة الفاسدة والمغشوشة.
وتقول تقارير صحفية أنه لم يعرف عن جمال الضاري أي نشاط سياسي سواء ضمن هيئة العلماء المسلمين أو غيرها طيلة السنوات السابقة، الى أن ظهر اسمه في اجتماع (الدوحة) الذي نظمته السلطات القطرية في أيلول من العام الماضي وشارك فيه عدد من الأطراف السياسية المعارضة ومجموعة من البرلمانيين العراقيين، عرف منهم رئيس مجلس النواب سليم الجبوري والنواب أحمد المساري ومحمد الكربولي وعزالدين الدولة ومحمود المشهداني، على الرغم من أن أغلب القوى العراقية المعارضة التي شاركت في الاجتماع رفضت التعاطي مع الوفد النيابي الحكومي باستثناء منظمة (سفراء من أجل السلام) التي قاد جمال الضاري وفدها بنفسه.
ووفقاً للمصادر البرلمانية التي استندت إليها التقارير الصحفية، فإن جمال الضاري، وهو في الاربعينات من عمره، عقد سلسلة اجتماعات خلال الشهرين الماضيين في اربيل واستانبول وجنيف مع عدد من النواب ينتمون إلى كتلة (متحدون) وآخرين مقربين من الحزب الإسلامي وبحث معهم مستلزمات تشكيل كتلة نيابية في البرلمان الحالي ترتبط سياسياً ومالياً بمنظمة (سفراء من أجل السلام) التي يرأسها، لتهيئة الأجواء وتمهيد الطريق لمشاركته في العملية السياسية والعمل وفق سياقاتها القائمة في العراق منذ الاحتلال الأمريكي في نيسان 2003.
واستنادا إلى تلك المصادر ذاتها، فإن جمال الضاري لوّح بدفع مبلغ يتراوح بين مليوني إلى ثلاثة ملايين دولار إلى كل نائب (حسب شهرته ومكانته) يلتحق بكتلته التي يتوقع أن يرأسها نائب من تحالف القوى العراقية يستعد لمغادرة هذا التحالف قريباً بعد خلافات مع قادته بسبب رفضهم ترشيحه إلى رئاسة البرلمان بدلاً من سليم الجبوري الذي يواجه متاعب سياسية للاستمرار في منصبه.
وحسب تلك المصادر، أيضاً، فان عدداً من النواب منهم أحمد المساري ورعد الدهلكي وناهدة الدايني الذين استضافهم جمال في جنيف قبل أسابيع سيكونون في مقدمة المنضمين إلى كتلته البرلمانية الجديدة التي ستحمل اسم (كتلة السلام) في الوقت الذي ما زالت المفاوضات جارية مع النائب طلال الزوبعي رئيس لجنة النزاهة البرلمانية لإقناعه بالانضمام إلى الكتلة التي يتطلع الضاري أن تضم عشرة نواب على الأقل في المرحلة الراهنة.
وبعد إعلان حزب البعث موقفه الصريح من مؤتمر باريس صرح عضو ما يسمى المعارضة العراقية، غانم العابد، لشبكة رووداو الإعلامية الكردية في أربيل أن إيران تضغط على فرنسا لمنع المشاركين في مؤتمر المعارضة العراقية من الدخول إلى أراضيها، وأن "اللجنة المنظمة للمؤتمر لن تستبعد أي جهة عراقية من الحضور، وسيتم عقده في الموعد المحدد."
ويفهم من تصريح العابد هذا أن أي جهة ترفض حضور مؤتمر باريس هي إيرانية تساند أجندة إيران، أو أنها تسير في خط إيران نفسه، في أحسن الأحوال.
ولا يخجل غانم العابد، حين حديثه عن أهداف المؤتمر، من الاستمرار في الأكاذيب، بعد انكشاف المستور عن حقيقة هذا المؤتمر المشبوه، فهو يقول إن "المؤتمر يهدف إلى إيجاد حل سياسي، وإصلاح العملية السياسية، ونبذ الطائفية في العراق، بالإضافة إلى تشكيل حكومة مدنية، كون الأحزاب الإسلامية الشيعية، والسنية فشلت في إدارة البلد."
والعابد لم يفسر لنا كيف أن المؤتمر ينبذ الطائفية في العراق وأن الأحزاب الإسلامية الشيعية، والسنية فشلت في إدارة البلد، وهو قد تحرك على اتحاد القوى والحزب الإسلامي.
ولكي يصنع من الحبة قبة يقول للشبكة الإعلامية نفسها إن المؤتمر ستحضره شخصيات من الجيش العراقي السابق، والفصائل المسلحة التي قاتلت الاحتلال الأمريكي فيما لن يكون هناك حضور رسمي لحزب البعث."
إن هذه المعلومات تفسر لنا لماذا أعلن حزب البعث وحلفاؤه من القوى الوطنية والقومية والإسلامية أنه غير معني بالمؤتمر ليكشف لنا دكاناً آخر من الدكاكين المخادعة لشعبنا، والذي لا يختلف عن دكان (مبادرة موطني) لصاحبه الدكتور غسان العطية.
كما تكشف لنا هذه المعلومات حجم التآمر على القوى الوطنية العراقية المعارضة والمقاومة للاحتلال وحكوماته المتعاقبة، لتبقي الخيار أمام هذه القوى لتوحيد جهودها ومواقفها وقيادة العراقيين المتطلعين إلى خلاص حقيقي نحو تحرير العراق وإنقاذه من الوهدة التاريخية التي تسهم هذه الدكاكين المشبوهة في إركاسه فيها وقتل أي أمل للعراقيين في الخلاص من واقعهم المر الذي زرعه الاحتلال ووكلاؤه.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق