هل ستكون اتفاقية خور عبد الله القشة التي تقصم ظهر الاحتلال الإيراني للعراق
بقلم عبد الواحد الجصاني
3 مايس 2025
الحملة الإعلامية والسياسية التي يشهدها العراق اليوم رفضا لاتفاقية خور عبد الله كانت في الأصل عملية محدودة ومحسوبة بتدبير ايراني للضغط على الكويت، لكن الشارع العراقي المتعطش للخلاص من عملاء ولاية الفقيه واستعادة حقوق العراق المغتصبة من الكويت وغير الكويت تفاعل بقوة مع الحملة. والسؤال هو كيف يمكن تحويل الغضب الشعبي على اتفاقية خور عبد الله ليكون نقطة انطلاق لانتفاضة شعبية تحرر العراق من الاحتلال الإيراني؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من إقرار الحقائق التالية والبناء عليها:
أولا: إن اتفاقية خور عبد الله بين العراق والكويت لعام 2012 باطلة وهي ودستور 2005 وكل ما نتج عن احتلال العراق الباطل من تشريعات وقوانين. القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف لعام 1949 لا تعطي السيادة للمحتل على الأراضي المحتلة ولا تعطيه الحق في تغيير القوانين السارية في الأراضي المحتلة قبل الاحتلال. والعراق لا يزال بلداً محتلا منذ 2003، وايران تتحكم اليوم في كل مفاصل الدولة، فالاحزاب الممسكة بالحكم إيرانية الولاء والحشد الشعبي إيراني، وايران تتفاخر بأنها تحكم العراق، ومستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات علي يونسي اعتبر العراق "عاصمة إمبراطورية إيران الجديدة" .
ثانيا: قرار ترسيم الحدود البرية بين العراق والكويت بموجب قرار مجلس الأمن 687 (1991) هو الآخر غير شرعي وباطل بموجب القانون الدولي، فهذا القرار تجاوز قاعدة آمرة في القانون الدولي تقول إن تخطيط الحدود بين دولتين لا يمكن الاضطلاع به بموجب القانون الدولي إلا باتفاق بين الطرفين، وفي حالة الخلاف بين الدولتين على ترسيم الحدود فإن الجهة القضائية المعنية به بموجب القانون الدولي هي محكمة العدل الدولية. والعراق وصف قيام مجلس الأمن بتشكيل لجنة لترسيم الحدود بأنه "يكاد يرقى لكونه عقد إذعان ليس للعراق أي حرية إرادة في الاتفاق الرضائي على مضامينه" وإن تشكيل لجنة ترسيم الحدود "لا يمكن أن يحقق العدالة والإنصاف" . ( أنظر رسالة السيد أحمد حسين السامرائي وزير خارجية العراق الى الأمين العام للأمم المتحدة في 23 نيسان 1991).
ثالثا: دولة الكويت شريكة أساسية في جريمة غزو واحتلال العراق عام 2003، ومنها انطلقت قوات الاحتلال الأمريكي، وهي بالنتيجة المسؤول الثاني بعد الولايات المتحدة عن جميع الاضرار الناتجة عن الغزو والاحتلال الأمريكي غير المشروع للعراق، الذي هو جريمة حرب وجريمة إبادة وجريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم. ومثلما فرض مجلس الأمن على العراق عقوبات عديدة وتعويضات لإحتلاله الكويت فإن على الكويت ان تتوقع من العراق المحرر مطالبتها بالتعويضات عن اشتراكها في جريمة احتلال العراق. وعلى القوى الوطنية العراقية أن تجعل حقوق العراق هذه ضمن أولوياتها، وترسخها في ضمير أجيالنا القادمة.
رابعا: منذ ان ورثت ايران أمريكا كقوة احتلال للعراق عن طريق عملائها الذين كان أغلبهم مرتزقة في القوات الإيرانية التي قاتلت العراق ثماني سنوات، استخدمت ايران العراق بوابة لمشروعها الإقليمي للهيمنة على المشرق العربي، ومستعمرة تنهب خيراتها وتغرقها في الجهل والمخدرات وتمنع نهوضها الاقتصادي، كما استخدمت العراق رهينة تتفاوض عليه في مساوماتها الدولية واكتساب المغانم، فإن ارادت تحسين علاقات مع دولة ما أغرتها بامتيازات في العراق، وإن ارادت معاقبتها تحرمها من امتيازاتها في العراق. واتفاقية خور عبد الله هي نموذج لهذا الارتهان، فعندما أرادت اغراء الكويت بالتفاوض معها على تقاسم حقل الدرة الغازي في الخليج العربي سمحت لها بعقداتفاقية خور عبد الله التي تحرم العراق من حقوقه في البحر الإقليمي ، بضمن ذلك حقه في المنطقة البحرية التي فيها حقل الدرة، كما حصلت ايران أيضا على الرشوة التي قدمت لهادي العامري (لا تقل عن مليار دولار كما تقول التسريبات) .
وعندما توقفت مفاوضات الكويت مع ايران حول تحديد الحدود البحرية بسبب ابتزاز ايران وطلبها حصة في حقل الدرة خلافا لقواعد الترسيم المعتمدة في معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار، أطلقت إيران حملة رفض اتفاقية خور عبد الله لكي توجه رسالة الى الكويت مفادها اذا حرمتمونا من حقل الدرة فإن تابعنا العراق له حقوق في الحقل وسنجعله خنجرا في خاصرتكم الى ان تستجيبوا لمطالبنا.
إن ما يؤكد إن موضوع اتفاقية خور عبد الله كان ورقة ابتزاز بيد ايران هو أن الاتفاقية وقعها الجندي السابق في القوات الإيرانية هادي العامري عام 2012 بصفته وزيراً للنقل، وأحالها رئيس حزب الدعوة نوري المالكي الى البرلمان للتصديق عليها، وصادق عليها برلمان العراق المحتل عام 2013 ، ثم في 2023 ، أي بعد عشر سنوات اكتشفت المحكمة الاتحادية العراقية، بقدرة قادر، إن تصديق البرلمان على الاتفاقية غير قانوني كونها اتفاقية دولية كان يجب إقرارها بثلثي أعضاء البرلمان وليس بالأغلبية البسيطة !! ثم في عام 2025 يجري تحريك الرأي العام العراقي لرفض اتفاقية خور عبد الله.
وحتى في اوج هذه الحملة، لو قبلت الكويت إعادة التفاوض مع ايران حول الحدود البحرية مع تلميح باعطاء إيران جزءاَ من حقل الدرة ، فلا نستغرب إذا طلبت ايران من المحكمة الاتحادية العراقية سحب اعتراضها، أو أن تطلب من البرلمان العراقي عقد اجتماع عاجل لإقرار الاتفاقية بأغلبية الثلثين.
خامسا: ما العمل:
ما لم يكن في حسبان ايران وعملائها أن الحملة ضد اتفاقية خور عبد الله تصاعدت شعبيا وتحمست شخصيات وطنية عراقية، بضمنهم شباب تشرين، تدفعهم الغيرة الوطنية على حقوق العراق ، والآن مطلوب تطوير هذه الحملة ضمن تصور شامل لإنهاء الاحتلال الإيراني للعراق واسترداد حقوق العراق المغتصبة، وان تتضمن الحملة توعية الرأي العام الوطني العراقي والتحرك على عدة جبهات لوضع حقوق العراق على الأجندة الوطنية والدولية.
وادناه خطوات على الطريق:
1-الدعوة لمحاسبة من مرر اتفاقية خور عبد الله التي ترقى الى مستوى الخيانة العظمى، وهم هادي العامري ووفده الذي قبل رشاوى الكويت، ونوري المالكي وأعضاء البرلمان الذين صوتوا على إقرار الاتفاقية.
2-تأكيد ان ترسيم الحدود بموجب قراري مجلس الأمن 687 و 833 باطل وغير شرعي وأن البديل هو قيام العراق والكويت بالتفاوض الثنائي لترسيم الحدود بشكل منصف ودائم ينزع اللغم الذي زرعه مجلس الأمن بقراريه 687 و 833.
2-فتح ملف الحدود العراقية – الإيرانية وتمدد ايران في الأراضي العراقية وتغييرها مواقع الدعامات الحدودية على طول الحدود الممتدة حوالي 1600 كيلومتر، وخاصة في مناطق الحقول النفطية في محافظات ديالى والكوت وميسان والبصرة، والتي وافق وزير النفط حسين الشهرستاني، بناء على أوامر اسياده، على اعتبارها حقول نفطية مشتركة مع ايران، وبدأت ايران باستخراج النفط والغاز منها. والمطالبة بتشكيل لجنة من الأمم المتحدة لتدقيق الحدود البرية ومدى مطابقتها للخرائط المودعة لدى الأمم المتحدة، وانهاء كل التجاوزات الإيرانية على حدود العراق.
3-توجيه رسائل الى المنظمات الدولية المختصة حول قيام ايران بقطع مياه اكثر من (40) نهر دولي كانت تصب في العراق وتحويل مجاريها الى الداخل الإيراني ، وقيام تركيا بتشييد سدود على نهري الفرات ودجلة بدون التشاور والاتفاق مع دولتي المصب سوريا والعراق وبما يخالف مبدأ الاستخدام العادل والمنصف للمصادر المائية الدولية والقاعدة العرفية الدولية الخاصة بالمسؤولية الدولية عن الإضرار بالغير، إضافة الى معارضتها مباديء حسن الجوار.
4- توعية الجمهور بأن حق العراق في التعويض عن الغزو والاحتلال الأمريكي له هو حق اصيل يكفله القانون الدولي ولا يسقط بالتقادم طبقا لاتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتبكة ضد الإنسانية لعام 1968، وهو غير قابل للمساومة أو التفريط به، وعندما تقام سلطة الشعب في العراق المحرر سيكون لممثلي الشعب تقرير آلية المطالبة بالتعويضات من الدول التي شاركت في غزوه واحتلاله، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والكويت وايران التي اعترفت بانه لولا دعمها لما استطاع الامريكان احتلال العراق (تصريح أبطحي)، واستخدمت عملائها لإقامة عملية سياسية تحت الاحتلال ولا زالت تحتل العراق من خلال هؤلاء العملاء.
سادسا: خاتمة
مع أفول مشروع ولاية الفقيه الطائفي في المشرق العربي دخل هذا النظام مأزقه التاريخي، فهو يواجه خيارات كلها مرّة: فالاوربيون يطالبونه بتفكيك برنامجه النووي والصاروخي ووقف التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى أو إعادة العقوبات الدولية الشاملة عليه، والامريكان يهددونه باسقاط النظام برمته إذا لم يقبل أن يدور في فلك "ترامب"، وفي داخل ايران تتصاعد حالة الاختناق الاقتصادي والاجتماعي، وثمة إمكانية كبيرة لاندلاع اضطرابات اجتماعية ، وتتزايد القناعة لدى شعوب ايران بأن الحل الوحيد يكمن في التغيير الجذري للنظام القائم بكل أركانه. وهذه كلها تعطي للانتفاضة العراقية دوافع إضافية لتحويل اتفاقية خور عبد الله الى القشة التي تقصم ظهر ولاية الفقيه في العراق.
والله المستعان
بغداد في الثالث من مايس 2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق