السبت، 23 ديسمبر 2023

جيش العراق في ذكرى تأسيسه / بقلم المحامي حسن بيان

جيش العراق في ذكرى تأسيسه

بقلم المحامي حسن بيان  

22 كانون الأول 2023

يعود تاريخ تأسيس الجيش العراقي الى السادس من كانون الثاني عام١٩٢١ ، وبذلك يكون قد مر على اعلان تأسيسه مئة وثلاثة اعوام . وقددأبت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ اعلان التأسيس الى احياء هذهالذكرى  باعتبارها  مناسبة وطنية ،ترتقي حد المناسبات الوطنية التيتؤرخ لتأسيس الدول او نيلها استقلالها.

وما ميز الجيش العراقي عن غيره من الجيوش العربية  - وحبذا لو كانهناك جيش عربي واحد - هو حِرَفِيته  وعقيدته القتالية  .

بالنسبة للميزة الاولى ، فإن هذا الجيش تميّز بحرفيته ومهنيته وانضباطيتهرغم تبدل التبدلات والمتغيرات  السياسية التي كان يشهدها العراق علىتعاقب المراحل السياسية التي عبرها منذ تأسيس دولته في مطلعالعشرينيات من القرن الماضي  وحتى اتخاذ قرار بحله من قبل المحتلالاميركي عام ٢٠٠٣. وهذه الحرفية والمهنية والانضباطية كان لها الدورالبارز في تمكين هذه المؤسسة من أن تكون المؤسسة الارتكازية الاهم فيبنيان الدولة الوطنية وفي حماية امن المواطن من مخططات التخريبالداخلي  وامن العراق  من مخططات الاختراق المعادي للسيادة الوطنيةوالامن القومي العربي من مشاريع العدوان اياً كانت مصادره .

اما بالنسبة للميزة الثانية ، فأن هذا الجيش تميز بدوره استناداً الىعقيدته القتالية انطلاقاً من وعي مختزن لديه ، بأنه ليس مؤسسة ذاتوظيفة فنية تحكمها تراتبية محددة وحسب  ، وانما هو مؤسسة ذات وظيفةوطنية وقومية .

فالوظيفة  الوطنية تفرضها ضرورات حماية الوحدة الوطنية من محاولاتالتخريب التي تستهدف البنية الوطنية ، وحماية السيادة الوطنية منالتطاول عليها ممن يتربصون شراً بالعراق للنيل من وحدته الوطنية.  

والوظيفة القومية ، تفرضها ضرورات حماية الامن القومي العربي ممنيسعون الى اختراقه بالعدوان والاحتلال والتخريب عبر التغول في العمقالمجتمعي .

هذه العقيدة القتالية لجيش العراق ، وان كانت ادرجت في مواد قانونهالاساسي الوطني ، الا انه ما كان ليصل الى المستوى الذي بلغه منحضور فاعل في تأدية دوره في البعد الوطني والمدى القومي ، لو لم تكنشخصيته تشكل انعكاساً للشخصية الوطنية العراقية. فالجيش هو ابنبيئته الشعبية  ، وعندما تكون هذه البيئة مشبعة بالروح الوطنية ولا تجدنفسها الا في رحاب الهوية القومية الجامعة ، فمن الطبيعي جداً ان يكونهذا الجيش الذي ينضوي في صفوفه كل الطيف الاجتماعي في العراق ،ان يكون صورة مصغرة لشعب العراق الذي تميز بوطنيته وعمق التزامهالقومي .

هذا الجيش الذي اختبرته  المواجهات مع اعداء الشعب والامة ، علىساحة العراق ومساحة الوطن العربي الكبير ، بقدر ما استمد من مخزونالوطنية العراقية شحناً تعبوياً لازَمَهُ  في كل مسيرته منذ التأسيس ، فإنهمنح هذه الوطنية العراقية مناعة ، جعلت الجسم الوطني العراقي عصياًعلى الاختراق من قوى العدوان الخارجي والتخريب الداخلي. وهذا الامرنفسه ترجم بمفردات عملية في دوره على مستوى الانخراط في كل معاركالامة التي خاضتها  ضد اعدائها المتعددي المشارب والمواقع.

واذا كان العراق ، وُضِعَ  في رأس لائحة الاستهداف من القوى المعادية ،فلكونه شكل   احد مواقع القوة والاقتدار في البنية القومية والتي تجلتمعطياتها بشكل خاص ابان  الحكم الوطني الذي قاده حزب البعثالعربي الاشتراكي ،حيث استطاع ان يقيم تجربة رائدة في التحولالسياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنمية الشاملة للبنية العراقية بكلمجالاتها ، كما لعب دور الحاضن لقضايا الامة العربية وخاصة قضيةفلسطين.

من يستعرض تاريخ العراق منذ تأسيس دولته ، لايسعه الا ان يواكبهاتاريخية جيشه الذي لعب دوراً بارزاً في ابرز المحطات السياسية التي مربها العراق على مدى ثمانية عقود.

من دوره في مقاومة الاستعمار البريطاني وثورة رشيد  الكيلاني فيباكورة الاربعينيات ودوره في ثورة  ١٤ تموز ١٩٥٨ وثورة ١٤ رمضان١٩٦٣ وثورة ١٧-٣٠ تموز ١٩٦٨، الى دوره في معركة فلسطين ضدالعصابات الصهيونية (ومقبرة شهدائه في جنين هي الشاهد على ذلك) ،كما دوره  الفاعل  في حرب تشرين ١٩٧٣على الجبهتين المصريةوالسورية وهو الذي  حمى دمشق وحال دون سقوطها. واذا كان يسجللهذا الجيش دوره في تقديم الدعم بالمشاركة والخبرة الفنية والعتاد فيكثير من الاقطار العربية التي كانت تتهددها مخاطر خارجية ، منموريتانيا الى السودان واليمن ، ولبنان بعد الاجتياح الصهيوني لجنوبلبنان ١٩٧٨ ، فإن المحطة الابرز في تاريخيته ومسيرته هو تصديه للحربالتي فرضها النظام الايراني بعد استلام المؤسسة الدينية لمقاليد السلطةفي ايران واطلاق حملتها العدائية المجبولة بالحقد الشعوبي الدفين ضدالعروبة.

لقد خاض جيش العراق حرباً امتدت ثماني سنوات ، وخرج منها اكثر قوةواقتداراً على مستوى قدراته العسكرية وخبرته القتالية وتصنيعه العسكري،رغم الدعم القوى الذي قدمه التحالف الصهيو -  اميركي للنظام الايرانيوامداده بالسلاح والخبرات الاستخبارية والعسكرية وما "ايران غيت " ،الا المكشوف من مستور العلاقات التسليحية بين الكيان الصهيوني ونظامالملالي في طهران.

هذا الجيش الذي خاض حرباً في مواجهة تحالف دولي قادته اميركاوشاركت فيه انظمة عربية ، رمى الكيان الصهيوني ب ٣٩ صاروخاً ،ادراكاً من القيادة السياسية في العراق بان الحرب التي شنت عليه في١٩٩١ والحقت بحصار ظالم لم يشهد التاريخ مثيلاً له انتهاء بالغزو عام٢٠٠٣ ، انما كل ذلك كان تنفيذاً لقرار صهيوني اتخذ في كواليس دوائرالحكم الاميركي ، لاسقاط العراق وبما يمثل من ثقل في البنيان القوميواستتباعاً بتقويض كل مؤسسات الارتكاز الوطني للعراق والجيش هوالمؤسسة الاهم.

وعندما وقع العراق تحت الاحتلال ، فإن اول قرار اتخذه المحتل الاميركيهو حل الجيش العراقي والقرار الثاني هو اجتثاث البعث.

لقد اتخذ قرار حل الجيش ، لانه بدون ذلك ما كان يمكن تقويض بنيةالدولة العراقية وصولاً الى تقويض البنية الوطنية . والامر لم يقف عند حدحل الجيش ، بل اعقب ذلك ، تنفيذ حملة ممنهجة لتصفية ضباطه وكفاءاتهالعسكرية خاصة الذين عملوا في حقل التصنيع العسكري . وقد تشاركالنظام الايراني والكيان الصهيوني في تنفيذ هذا المخطط ، اذ توزعالطرفان المهمات ، حيث تولى الاول ، تصفية ضباط سلاح الجو والقوةالصاروخية، وتولى الثاني تصفية العلماء والخبراء خاصة خبراء الطاقةالذرية.

لقد ادى حل الجيش العراق الى تفكك بنية الدولة ، واقيم نظام للمحاصصةالسياسية والاقتصادية والمالية ، وبحل الجيش وتفكيك مؤسسته ، تشكلتالمليشيات التي ترتبط بمركز التحكم والتوجيه المخابراتي الايراني ، واصبحالعراق مرتعاً تسرح وتمرح فيه هذه الميلشيات بما يخدم مصالح المصالحالايرانية على حساب مصالح الشعب الذي نهبت ثروته الوطنية وطيّفتحياته السياسية وعم الفساد كل نواحي الحياة.

لقد ادى حل الجيش  العراقي الى تحلل بنية الدولة ، وبهذا التحلل انكشفالعراق امام كل اشكال الاستباحة لامنه الوطني ، وبانكشاف امنه الوطنيانكشف الامن القومي العربي ، وبات ظهر الامة العربية مكشوفاً ، وبانهذا الانكشاف بشكل واضح في الانعكاسات على الساحات التي تخوضمواجهات مع الاعداء القوميين للامة من العدو الصهيوني الى النظامالشعوبي في ايران وانتهاء بالنظام التركي . ويكفي الوقوف على ماتتعرض له غزة من حرب ابادة  واستباحة سوريا وليبيا واليمن من قبل قوىدولية واقليمية  ليتبين ، كما كان لتدمير العراق واسقاط نظامه الوطنيودولته وحل الجيش العراق من تداعيات سلبية على الامن الوطني للاقطارالتي تتعرض للعدوان الصهيوني او تلك التي يتفاقم فيها التغول الايرانيوبما يثبت بان الامن القومي العربي هو وحدة عضوية تضعف مناعتهاعندما تضعف المناعة الوطنية لمكوناتها.  

ان قرار حل الجيش العراقي ، كان قراراً مدروساً ومخططاً له ، ونجاحاختباره في العراق وتأثير ذلك على بنية الدولة وابراز دور الميلشياتوتشريع تمويلها ودورها على حساب دور الجيش الوطني ، دفع كل منيضمر شراً بالامة الى اعتماد هذا الاسلوب في تقويض بنى الدول الوطنية، وما جرى في سوريا واليمن وليبيا ولبنان واخيراً السودان ، انما يندرجفي سياق ضرب بنية الدولة الوطنية  عبر اسقاط دور مؤسساتها الارتكازيةواهمها مؤسسة الجيش.

من هنا ،فأن مخطط حل الجيش العراق لاتستقيم النظرة اليه الا اذا وضع في سياق المؤامرة على الامن القومي العربي عبر اضعاف عناصر مناعته، وجعل ساحات الاقطار مكشوفة امام كل اشكال التدخل الخارجي مناقليمي ودولي.وان ابراز دور الميلشيات تحت مسميات مختلفة كي تكونبديلاً للجيش الوطني ، وتشريع دورها الامني هو اسفين يضرب في بنيةالدولة الوطنية   لخلق واقع يدفع البلاد نحو التشظي في ظل اسقاط دورالمؤسسة الوطنية الارتكازية.  

في ذكرى تأسيس الجيش العراقي ، لابد من التأكيد بان البناء الوطني لايستقيم دون قيام المؤسسات الوطنية الارتكازية واهمها مؤسسة الجيش التي يحكم عملها قانون وطني سواء لجهة تركيبة هياكلها التنظيمية  اولجهة مبررات وجودها ودورها وعقيدتها القتالية المتمحورة حول مهمتهاالاساسية في  حماية الامن الوطني كما الامن القومي.

فتحية الى هذا الجيش في ذكرى تأسيسه ، وتحية الى شهدائه الذينسقطوا على مساحة الوطن العربي الكبير ،وهو الذي قدم نفسه قولاً وفعلاً كجيش عربي  معني بالدفاع عن حياض الامة العربية  بقدر ماهو كانمعنياً بحماية البوابة الشرقية للوطن العربي.  

الوسوم

الجيش العراقي

https://alshiraa.com/posts/gysh-alaarak-fy-thkr-tasysh-bklm-almhamy-hsn-byan-627

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق