السبت، 6 يناير 2018



نبذة تأريخية مفيدة عن جيشنا العراقي الباسل في ذكراه 97


   د ـ  فالح حسن شمخي


 بعد أن تخلص العراق من الحكم العثماني ، وشكلت الحكومة المؤقتة في 25 تشرين الأول 1920 طرحت فكرة تأسيس الجيش العراقي ، وتشكلت لجنة من الجانب العراقي والجانب البريطاني لهذا الغرض ، وكان الجانب العراقي يرى انه لابد من إقامة كيان مستقل يبدأ بتشكيل جيش وطني يعزز الوحدة الوطنية ويدفع الأخطار الخارجية عن الوطن وهنا نقف عند الفارق بين أبناء العراق في ذلك الزمان وبين من جاء على الدبابات الأمريكان هذه الأيام والذين أسسوا لجيش طائفي أو عرقي تكون نواته مليشيات ، جيش يقتل الإنسان العراقي بدم بارد  ويقتحم دور الموطنين الآمنين بلا أخلاق وفتح الحدود للمخابرات الأجنبية لتعيث بالأرض فساد بامتياز.
تشكلت النواة الأولى للجيش العراقي في 6 كانون الثاني 1921 ، وبعد أن شكلت الدوائر الأساسية الرئيسة للمقر العام للجيش ، شكل فوج المشاة الأول في 28 تموز 1921 الذي سمي فوج موسى الكاظم في 9 آذار  1922  ثم توسعت تشكيلات الجيش على الرغم من المحاولات البريطانية وجهودها لمنع توسيع حجم الجيش وتطويره .
وحدث أول صراع مسلح بين الجيش العراقي والقوات البريطانية الغازية في أحداث ثورة مايس 1941، ولعدم توازن القوى تمكن البريطانيون من تصفية ثورة مايس ، والسؤال هل يجرأ الجيش الحالي في العراق على مواجهة الأمريكان ؟ لا اعتقد ذلك ، والسبب أن الجيش الذي تم بناءه على أساس طائفي وعنصري ، عاجز عن الدفاع عن نفسه أمام شعبه بدون حماية الأجنبي وبالتالي فأن ارتباطه سيكون ارتباط مصيري مع الأجنبي المحتل .
ولابد أن نذكر بأن القوانين والأنظمة التي وضعها أبناء العراق لجيشهم في العشرينيات كانت موضع احترام وتقدير، فالعسكري العراقي كان مثار إعجاب وحب أبناء الشعب العراقي ، وجاءت مشاركة الجيش العراقي في الحرب العربية الأولى مع الكيان الصهيوني عام 1948 لتكون مضرب المثل في شجاعة ووطنية الجيش العراقي الباسل ونزوعه القومي ، لقد  تزايد إعجاب المواطنين العراقيين والعرب بجيشهم خصوصا بعد أن عرفوا بما قام به من دور متميز في دفاعه عن الأرض العربية في فلسطين ، برزت في تلك الحرب أسماء يذكرها التاريخ بكل فخر ، كعمر علي آمر اللواء المشارك في حرب 1948 ، والمقدم شليمو ميخائيل والمقدم عبد الكريم قاسم وغيرهم ، وتناقل أبناء العراق الكثير من الحكايات عن شجاعة هؤلاء الرجال والجيش العراقي الباسل وخاصة في المعارك التي خاضوها في مدينة جنين في فلسطين ،  أن بناء الجيش العراقي الباسل  لم يكون على أسس طائفية وعرقية كما هو الحال مع الجيش الوثني و أسماء الضباط تدلل على ذلك.
وبعد أن نجح الجيش العراقي في إسقاط الحكم الملكي في ثورة 14 تموز 1958 شكلت الفرقة الخامسة وشهد الجيش تطورا ملموسا وبخاصة في التسليح فمن المعروف أن الجيش العراقي تأسس وفق العقيدة البريطانية تسليحا وتنظيما ولم يجري عليه أي تغيير إلا بعد ثورة تموز  1958 ، حيث تم الإبقاء على  شكله التنظيمي السابق ولكن التغيير شمل التسليح ، فالتسليح تحول باتجاه الاتحاد السوفيتي السابق والمنظومة الشرقية ، الآمر الذي جعل الدولة العراقية تقوم بإرسال الكثير من الضباط والمراتب بدورات تدريبية عديدة في الخارج ودعوة الكثير من الخبراء العسكريين بهدف توفير الكادر العسكري القادر على استخدام السلاح الجديد ، ومع ذلك ظلت بنية الجيش بلا تغير جذري بسبب طبيعة النظام الذي يمثله عبد الكريم قاسم.
وعند قيام عروس الثورات التي قادها حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1963 أسهمت بعض من تشكيلات القوات المسلحة إسهاما  فاعلا في الثورة ، غير أن ارتباك الأوضاع وحدوث ردة تشرين عام 1963 أديا إلى ضعف الجيش وتفشي ظاهرة الكتل والولاءات والصراعات داخله ، ومع ذلك شارك الجيش العراقي الباسل في حرب حزيران 1967استكمالا لدوره القومي والوطني  المشرف رغم أن ذلك العام كان عام الهزيمة العربية ، شاركت القوات العراقية المسلحة في الحرب ضد الكيان الصهيوني بحدود فرقة مع القطعات الساندة على الجبهة الشرقية وفوج على الجبهة المصرية فضلا عن مشاركة القوة الجوية من خلال استخدام القاصفات في ضرب العمق الصهيوني والطائرات المقاتلة التي تمكنت من إسقاط بعض الطائرات الصهيونية، أن أصداء مشاركة جيشنا الباسل ومآثره يعرفها الأصدقاء والأعداء ويعرف أبناء العروبة في فلسطين والأردن وسوريا شهداء هذا الجيش التي لازالت شواهد قبورهم في تلك الأقطار تحاكي شجاعتهم واستبسالهم .
نتقدم في مثل هذا اليوم بالسؤال إلى حكام وانظمة هذه الأقطار  ، هل من الحكمة و الأخلاق أن تقفوا مع الاحتلال وعملاءه هذه الأيام بالعمل على حل الجيش العراقي الباسل؟
إن مشاركة الجيش العراقي الباسل في الحروب العربية كانت من الأسباب التي جعلت الجندي العراقي يحظى باعتزاز أبناء الشعب العربي والعراقي وهناك سبب أخر لهذا الاعتزاز لابد من الإشارة إليه وهو كون الجيش العراقي الباسل لم يكن أداة للقمع تستخدمه السلطة ضد الشعب ، فالجيش كان جيش الشعب ، والروايات التي نقلت عن هذا الجيش كثيرة ومنها ، إن الأوامر صدرت للجيش في العهد الملكي بضرورة النزول إلى الشوارع للتصدي للجماهير الثائرة بعد أن  عجزت قوات الآمن والشرطة عن إيقافهم ، فنزل الجيش فعلا لكنه لم يتصدى للجماهير بالقمع كما كان مطلوب ، الأمر الذي جعل الجماهير تقابل الجيش بالهتاف والتصفيق.
استمرت القوات المسلحة على ما كانت عليه حتى قيام ثورة 17 ـ 30 تموز المجيدة " الثورة البيضاء"  إذ بدأت صفحة جديدة في بناء القوات المسلحة على أفضل وجه ، وجاء المؤتمر القطري الثامن لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق معبرا عن الطموح والآمال في إعطاء أهمية خاصة لتطوير المؤسسة العسكرية بما يتناسب ودور العراق في المنطقة ، ومن هنا فقد ازداد عدد الفرق العسكرية حتى وصل إلى اثنتي عشرة فرقة ، وان هذه الزيادة في الكم صاحبها زيادة في النوع حيث الخبرات والمعدات فصنوف الجيش تطورت كما ونوعا،وتنوعت مصادر التسليح واستحدثت صنوف جديدة لم يعرفها الجيش من قبل ، وهنا لابد أن نذكر حكاية تقول إن الجيش العراقي استورد قبل عام 1968 نواظير ليلة للدبابات لم تستخدم في حرب 5 حزيران 1967 بسبب نقص الخبرة آنذاك ، استطاع الجيش العراقي وبأشراف مباشر من الحزب والقيادة السياسية للعراق وبفترة وجيزة من الاتساع عاموديها وأفقيا ، ففي حرب تشرين 1973 تحركت الدبابات العراقية على السرفات للدفاع عن شرف دمشق بسبب عدم توفر سرايا ناقلات الدبابات ، لكن الآمر تغير بعد ذلك بعد فترة وجيزة فاستطاع الجيش العراقي من تغطية النقص وكانت هذه التغطية تتناسب مع التطور في الدروع والمدفعية والطيران والتموين والنقل والدفاعات الجوية.
حدد المؤتمر القطري الثامن لحزب البعث العربي الاشتراكي مهمتين أساسيتين للقوات المسلحة ، الأولى تعزيز قيادة الحزب للجيش ووضع الأسس والضوابط المبدئية والعسكرية التي تمكنه من أداء مهامه  الوطنية والقومية وتطهيره من العناصر المشبوهة والمغامرة وتحصينه من الانحرافات والمنزلقات. والثانية تنظيم الجيش على أسس علمية حديثة وتطوير أساليب تدريبه وتعبئته وقدراته القتالية والفنية ، وإمداده بأقوى الأسلحة والمعدات والتجهيزات وأحدثها لكي يتمكن من تأدية واجباته المقدسة في الحفاظ على وحدة البلاد ودرء العدوان  والأطماع الخارجية ومن المهام الأخرى التي عهدت إلى القوات المسلحة هي الدفاع عن مبادئ الحزب والثورة للنهوض بالأمة العربية على طريق جديد لكي يكون فعلها ذا جدوى تاريخية.
ومع استلام الشهيد صدام حسين  للموقع الأول في الحزب والدولة عام 1979 ، عمل على تحقيق التوسع المطلوب في القوات المسلحة لتكون قادرة على تنفيذ المهام الوطنية والقومية ، وابتدأت قادسية صدام المجيدة  وبدأ العمل على زيادة حجم القوات المسلحة منذ الشهر الأشهر الأولى للحرب ، فشكلت قيادات جديدة بمستوى الفيالق والفرق إضافة إلى التشكيلات المستقلة من الألوية والوحدات  و الوحدات الفرعية المختلفة ، وحين انتهت الحرب بوقف إطلاق النار في يوم النصر العظيم وتجرع الخميني السم في 8 آب 1988 كان حجم الجيش العراقي يبلغ ثمانية فيالق تضم أكثر من خمسين فرقة مختلفة وعددا من كبيرا من الألوية المستقلة والوحدات المختلفة ، فضلا عن فيلق ضخم من رجال الحرس الجمهوري ، رجال المهمات الصعبة .
خاض الجيش العراق الباسل بكل صنوفه ، أشرف المعارك  في الدفاع عن العراق العظيم والأمة العربية المجيدة في معارك القادسية الثانية وأم المعارك الخالدة ومعركة ألحواسم المتسمرة وبالشكل النضالي  الذي نراه اليوم ، وعبر سنوات عمره المديد استطاع الجيش العراقي الباسل  أن يسطر  اشرف ملاحم البطولة والفداء والتي سوف يكللها إن شاء الله بالنصر المبين المحتل الأمريكي والفارسي  وتابعيهم و إعادة شمس الحرية  إلى ربوع العراق ، الشمس التي حجبتها الغربان والجراد الأصفر.
عاش الجيش العراقي الباسل  في ذكراه 97
وكل عام وتحية إلى شهداء قواتنا المسلحة الباسلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق