العراق الذي سينظم قمة الجامعة العربية في أيار/مايو المقبل ، ما الذي تغير ؟
يراقب العراقيون الإستعدادات الحكومية الحثيثة لإستكمال متطلبات استضافة القمة العربية الدورية في العاصمة بغداد مايو 2025، في الوقت الذي لا يكترث العراقيين بالقمة لأسباب عدة، منها التشكيك في انعقادها ببغداد أصلا ومخرجاتها التي يمكن أن تخدم الواقع المتردي في البلاد ، والإعتقاد بأن مستوى التمثيل الرسمي العربي سيكون بأدنى درجاته التي مرت على القمم العربية السابقة،بسبب المتغيرات التي عصفت بالمنطقة من أحداث السابع من إكتوبر 2023 في غزة التي أُطلق عليها طوفان الأقصى ، الذي عصف بالمنطقة بعد تدمير معظم غزة وتهجير أهلها ، وإغتيال معظم قيادات حركة حماس وجناحها العسكري ، ثم انتقل الطوفان الى لبنان بإغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني ، وإجتياح الجيش اللإسرائيلي لمعظم مناطق جنوب لبنان ، وتعرض مناطق عدة منه الى القصف المدمر ، ثم جاء العصف الأكبر بسقوط نظام بشار الأسد في سوريا خلال أحد عشر يوماً وهروبه المذل الى روسيا ، وسيطرة ثوار إدلب على المشهد السياسي والعسكري في سوريا ، إنتهت بتسمية السيد أحمد الشرع رئيساً إنتقالياً لسوريا ، وتلقي الحوثي ضربات عسكرية أمريكية بريطانية إسرائيلية الحقت بالبنى التحتية التي تسيطر عليها الى دمار كبير منها ميناء الحُديدة ، وتوالت الأحداث العاصفة في المنطقة والعالم بفوز دونالد ترامب بالرئاسة رقم 47 للولايات المتحدة الأمريكية ، وفوز الحزب الجمهوري بالأغلبية في مجلسي الشيوخ والكونغرس ، هذه الأحداث كلها تلقي بظلالها على العالم والمنطقة والعراق ، فضلاً عن أن الشعب العراقي فقد الثقة بالسلطة القائمة التي ستمثل البلاد في هذه القمة ، كما أن هناك شعور سائد لدى أغلبية الشعب بأن هذه القمة ستكون باباً آخر من أبواب الفساد الإداري والمالي ، وستكون ارقام الصرف عليها بترليونات الدنانير ، في وقت الذي تعاني الموازنة من الكساد المالي على وفق تصريحات نُسبت الى طيف سامي وزيرة المالية ، كما أن أسعار النفط هوى بمجرد عقد اللقاء الأمريكي الروسي في العاصمة السعودية الرياض للتمهيد لعقد القمة بين ترامب وبوتين لإنهاء الحرب الدائرة في أُكرانيا التي إندلعت في 24 فبراير 2022 ، وتعهد ترامب بإنهائها عند عودته للسلطة ، وفور إعلان إنتهاء الحرب في أوكرانيا فإن خبراء إقتصاديون يتوقعون أن تهوي أسعار النفط الى(60) دولار للبرميل الواحد أو دون ذلك ، إذا علمنا أن الموازنة الثلاثية العراقية مُنظمة على أساس (80) دولار للبرميل الواحد ، فكيف ستواجه السلطة هذه التطورات الخطيرة الإقتصادية والسياسية ، فضلاً عن طبول الحرب التي تقرع في المنطقة ومئات الأطنان من الأسلحة تنهال على إسرائيل فضلاً عن التواجد العسكري الأمريكي الهائل في المنطقة براً وبحراً وجواً ، وأية حرب ستندلع مع إيران سينال العراق من لهيبها جزءاً كبيراً ، فما الذي سيجنيه العراق من هذه القمة ؟ سياسيا وإقتصادياً وأمنياً ، وكلنا نعلم أن القمم العربية منذ تأسيس جامعة الدول العربية الى يومنا هذا لم تستطع حل أية قضية إلا على وفق الإملاءات الأمريكية ، والأمثلة كثيرة بل أن بعضها ساهمت مع القوات الأجنبية لتدمير دول عربية ، وما الذي يمكن للعراق أن يقدم من حلول للقمة ، إذا كان هو طرفاً في الأزمة بسبب الإنحياز الكامل لإيران ، في الوقت الذي فرضت فيه الولايات المتحدة الأمريكية في 6 فبراير الجاري عقوبات على شبكة دولية تسهل نقل مئات الملايين من النفط الإيراني الى الصين تقدر بمئات الملايين من الدولارات ، إذ أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية (OFAC) في بيان له أن الحكومة الإيرانية تستخدم عائدات النفط السنوية بمئات مليارات الدولارات لتمويل أنشطتها الإقليمية (المزعزعة للإستقرار) ، فضلاً عن الجماعات المصنفة إرهابية مثل حماس ، حزب الله ، الحوثيين . وأفاد وزير الخزانة الأمريكي سكوت بسنت أن (طهران لا تزال تركز على إستخدام عائدات النفط الإيراني لتمويل برنامجها النووي ، وإنتاج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة القاتلة) مضيفاً أن (طهران تدعم وكلائها الإرهابيين في المنطقة) مؤكداً (أن الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بإستهداف أي محاولات من قبل إيران لتمويل هذه الأنشطة العدائية) ، فهل السلطة في بغداد تستطيع أن تُبلًغ من يحضر القمة بأنها ستنأى بنفسها عن الصراع بين إيران والولايات المتحدة ، وهل تستطيع إلزام وكلاء إيران في العراق بذلك ؟ وهل يتوقع القادة العرب الذين سيحضرون القمة في بغداد ، أن بإمكانهم إقناع السلطة في العراق بالإبتعاد عن محور إيران وتفكيك وكلائها في العراق ، لإبعاده عن شبح حرب قادمة تلوح في الأفق؟ لصياغة شرق أوسط جديد برؤية أمريكية إسرائيلية ، كما أصدر الرئيس الأمريكي ترامب مرسوماً تنفيذياً يهدف الى تصفير صادرات النفط الإيرانية بما في ذلك الى الصين بإعادة (الضغط الأقصى) ، أم ان الجميع يلعب على مسألة الوقت في إنتظار إنضاج الوساطة السعودية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وعلى وفق نتائج هذه الوساطة ترسم ملامح المنطقة ، خبر هذه الوساطة نشرته قناة (CNN) الأمريكية إذ تناولت صحيفة (سازندكي) الإصلاحية الإيرانية بالخط العريض فوق صورة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان !! تحت عنوان(جهود من أجل الوساطة) ، بينما إحتفت صحيفة (أمران أمروز) بالخبر وعنونته في صفحتها الأولى بعنوان (السعودية ... الوسيط الجديد بين إيران وأمريكا) ، فيما وصفت صحيفة (ستارة صبح) زيارة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الى المنطقة بأن (هناك تحركات خطيرة يتم القيام بها ضد إيران ) وتحدثت عن أهداف سرية وأخرى معلنة تكشف كلها عن مدى الخطورة التي باتت تواجهها إيران ، وفي الخامس من فبراير الجاري ألغى الرئيس الأمريكي ترامب (الإعفاء المسموح) للعراق لإستيراد كهرباء وغاز من إيران وتضمنت المذكرة (إتخاذ خطوات فورية ، بالتنسيق مع وزير الخزانة والوكالات الأخرى ذات الصلة ، لضمان عدم إستخدام النظام المالي العراقي من قبل إيران للتهرب من العقوبات أو التحايل عليها ، وعدم إستخدام دول الخليج نقاط شحن للتهرب من العقوبات ) ، فهل تستطيع السلطة في بغداد الطلب من السعودية وقطر والإمارات تعويض ما كان يستورد من إيران ؟ ثم كيف ستبرر إذا ما إستطاعت أن تفعل ذلك (نشك في قدرتها أن تفعل ذلك لانها لا تستطيع الخروج عن ولائها المطلق لإيران) ، فرق السعر بين تلك الدول وما كانت إيران تفرضه ، هذا الفرق كان يكفي لبناء مئات المستشفيات والمدارس وإعادة تأهيل قطاعي الصناعة والزراعة المهملتين ، ليستمر العراق في الإعتماد على ما يستورد من إيران ، في قمة بغداد 2012 بينت دول مجلس التعاون الخليجي هواجسها في أربعة محاور : ، أولها تبديد حالة الاستياء من مواقف أطراف قريبة من الحكومة العراقية تقوم بالتدخل في شؤون مملكة البحرين ودولة الكويت، ثم انفتاح حكومة بغداد على بحث القمة للأساليب التي تمنع تدخل إيران في الشؤون الداخلية لدول الخليج، ثم الموقف من سوريا كحضور للقمة أو كموافقة على تطبيق قرارات الجامعة العربية بحقها، وأخيرا إتمام مشروع المصالحة الوطنية في العراق قبل موعد القمة والتوصل إلى نتائج ملموسة في هذا الشأن ، فماذا تحققت من هذه المحاور خلال الفترة بين القمتين 2012 و2025 إذا ما توفرت ظروف لإنعقادها في بغداد ، على وفق المعطيات الجيوسياسية في المنطقة ، ومدى إستعداد إيران للتخلي أولا عن فكرة تصدير الثورة الذي يعني توقف تدخلها في شؤون الدول الأخرى ، ومن ثم تفكيك شبكات وكلائها في دول العالم ، ثم التخلي عن برنامجها النووي والأسلحة البالستية بعيدة المدى والطائرات المسيرة ، ووقف تدخلها في الشأن الداخلي العربي تحت أية ذريعة أو مسمى ، إذاً يترتب على القادة العرب عدم السماح لإيران بإستغلال العراق لتجيير القمة لصالحها ، وعدم السماح لحضور أي ممثل عنها مهما كانت المبررات ، فإيران اليوم ليست ىإيران 2012 ، وأن يفهم القادة العرب أن التعامل مع النظام الإيراني بثقة خطأ إستراتيجي كبير ، يجب أن يكون الشك دائماً هو المقدم على الثقة في التعامل مع هذا النظام الذي ليس له ذمة ولا مصداقية ويعمل من أجل تحقيق الحلم الفارسي بإعادة إمبراطوريتها التي تهاوت في العراق ، كما أن على الجامعة العربية نيابة عن القادة العرب توجيه رسالة صارمة ،بأن القمة لن تُعقد في بغداد على حساب حرية الالاف من العراقيين بدعوى أمن القمة والمطالبة بمصير من أُعتقل بسبب القمة السابقة في 2012 الذين لا يعرف مصيرهم الى الآن ، وهذا الطلب ليس تدخلا في الشأن الداخلي ، وإنما إلتزاما بالعهود والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وحقه في الحياة والحرية والكرامة ، إذ بدأت الأصوات تتعالى من الآن ، من مسؤولين وحزبيين ونواب وصحافة موالية لإيران ، تدعي أن هناك تحركات بعثية للوصول الى السلطة أو القيام بأعمال تُخلُّ بالأمن ، وأن له مقراً في أربيل إذ سارع مكتب البارزاني الى نفي ذلك ، ومطالبة أربيل تسليمهم الى بغداد ، كلها لتهيئة الجو لشن حملات إعتقالات جديدة لتأمين القمة من أعمال إرهابية مزعومة ، في ظل سلطة عراقية ومليشيات وقوى سياسية وتنظيمات طائفية تتعامل جميعها مع إيران كحليف إستراتيجي ووحيد في المنطقة، وهنا نقع في دائرة الخطر والتوجس من نوايا هذه السلطة ، ونؤكد للقادة العرب عامة والخليج خاصة أن لا يتوهموا للحظة واحدة أنهم يمكن أن يغيروا ولاءات سلطة العراق الحالية والكثير من القوى العاملة في العملية السياسية تجاه إيران، مما يتطلب دقة الموقف الخليجي والعربي حيال شعب العراق بكل طوائفه وقومياته وأديانه من جهة، وبين ولاء النظام القائم المطلق ( لإيران) ، وأن الوقت بات ملائماً جداً للقادة العرب الوقوف في صف الشعب العراقي ، والعمل على تخليصه من الإحتلال الإيراني ووكالائه الذين يشكلون خطراً على الأمن القومي العربي والدول العربية إذ تسعى إيران بسط نفوذها عليها .
الدكتور نهاد عبد الله اللواء الركن أبو الحسن العراقي
19/2/2025
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق