الجمعة، 20 مايو 2022

التجديد كلمة حق يراد بها باطل / بقلم د- فالح حسن شمخي

التجديد كلمة حق يراد بها باطل 

د- فالح حسن شمخي 

ان الحديث عن التطوير (التجديد) في بنية الفكر العربي يعتبر من المواضيع الخطيرة ، لذا فهو يستدعي المزيد من الحرص والدقة والحذر والمسؤولية ، والابتعاد عن الحماقة.

ان اي تصدي لدراسة الفكر العربي ونقده يمر بالضرورة بمنابعه ومصادره التأريخية والتراثية ، ومن دون معرفة تلك المصادر لايمكن الحكم على صحة وخطأ الفكر العربي .

اننا نسمع بين الفينةوالأخرى  من يطالب بالتجديد وبإعادة كتابة التاريخ العربي ، ومع ان هذه المطالبات مشروعة ، لكنها عملية شاقة ومعقدة ولانها تستدعي مراعاة ضوابط الحياد والعلمية.

لقد تعرضت فكرت التجديد على الصعيد المعرفي الى موجات من الجدل منذ الشيخ محمد عبده في مصر مرورا بالدكتور محمد عابد الجابري الى يومنا ، الامر الذي ادى الى بروز اجيال تؤمن بالتغيير والتجديد من أجل تحديث الوسائل والاستفادة من كل حالة ايجابية في تاريخنا العربي الحضاري .

التجديد هو أحد المفاهيم التي تتردد بكثرة في الفكر العربي المعاصر وتحديداً بعد بروز العديد من المفاهيم كمفهوم الإصلاح والنهضة والثورة والتغيير ..الخ، علما بأن  تلك المفاهيم تظهر وتختفي وفقاً للظروف الاجتماعيّة والتيارات الفكريّة السائدة، إضافةً إلى أنظمة الحكم السياسي في المجتمعات والصراعات الدائرة.

ان القول بان الفكر العربي يعيش ازمة ، تعبير غير صحيح ، فالشيء الذي يعاني ازمة ما يعود الى ما كان عليه من قبل ، بينما لا يمكن حدوث ذلك بالنسبة لحالة الفكر العربي ، مايعانية الفكر العربي هو عدم تكيفه مع امكانات العصر الذي يتغير فيه كل شيء بسرعة خارقة ، البعض من الذين يتحدثون عن الفكر العربي ،  لم يغادروا انشدادهم الى الماضي وبصورة غريبة ، لاسيما مفكري الاسلام السياسي الدين يطلق عليهم ، (العقل الغارق )، الغارق في التراث والمحكوم بكلام من سبق" الذي يرتد تفكيره نحو أحداث ماضويّة بمآسيها ومنجزاتها، فالماضي هو "البوصلة" التي تحدد تصوره وحكمه على الحاضر والمستقبل، فهو عقلٌ راحلٌ في غياهب الماضي مرتهنٌ به ليجد فيه تفسيراتٍ وحلولٍ لحاضره ومستقبله ، والبعض الاخر ومنهم الدكتور الجابري الذي يتعامل مع بنية العقل العربي ، عبر مستوياته الثلاثة التي حددها وهي البيان والعرفان والبرهان ، تناول هذه البنية بالتحليل والنقد وتحديد ماهو ايجابي وماهو سلبي ، والذي يتفق على مايطلق عليه ، (العقل الفائق)،

وهو العقل  "المتعاطي مع التراث بطريقة براغماتية وواقعية، الذي يتناول المواضيع بنوع من عدم القطع أو الغرق في التراث من خلال التمسك بما يُعدُّ مفيدا لنا زمنا ومكانا." فهو قد اتخذ من الماضي مُسْتَأْنَسًا لفهم الحاضر وهندسة المستقبل، وهو يحسن الموازنة المنطقية بين موضوعية التاريخ ونسبيّته وواقعية الحاضر وحتميّاته وآفاق المستقبل ومستجداته ومتطلباته.

وهنا نؤشر الى ان التصدي لاي موضوع شائك لا يجعلنا نهرب الى الطعن والتشكيل وانكار وجوده على سبيل المثال  الفكر العربي واسهاماته الحضارية في المجتمعات الانسانية  ، كما تفعل الفئة الثالثة التي تنتمي الى معهد التجديد العربي ، والذي تنكر للتاريخ والتراث  عبر طروحات اعضاء المعهد والذين يطلق عليهم مصطلح ،(العقل المارق)،

العقل "الرافض للتراث الذي ينفي الارتباط بالماضي والتقاليد إيمانا منه بأن القادم هو الأفضل دوما" وهو العقل المنقطع عن أصوله فلا يَصْدُرُ عن مرجعيته الوطنية، وإنما هو تائه بين مرجعيات متباينة ومتناقضة يقلد دون تبصّر أو دراية، أو مَشْدُوهٌ بما عند الآخر من فكر ومنجز حضاري جعل منه محل اسْتِلْهَامِهِ ومورد اسْتِمْدَادِهِ، وكلاهما يمثلان عقلا استهلاكيا للفكرة والمادة ولا يعبأ بإنتاجها أو بمصدرها..

ماهو التجديد ؟

التجديد  من أصل الفعل “تجدد” أي صار جديدًا، جدده أي صيّره جديدًا وكذلك أجدّه واستجده، وكذلك سُمِّي كل شيء لم تأت عليه الأيام جديدًا، ومن خلال هذه المعاني اللغوية يمكن القول: إن التجديد في الأصل معناه اللغوي يبعث في الذهن تصورًا تجتمع فيه ثلاثة معانٍ متصلة:

أ- أن الشيء المجدد قد كان في أول الأمر موجودًا وقائمًا وللناس به عهد.

ب- أن هذا الشيء أتت عليه الأيام فأصابه البلى وصار قديمًا.

جـ- أن ذلك الشيء قد أعيد إلى مثل الحالة التي كان عليها قبل أن يبلى ويخلق.

التجديد هو الوحدة الأساسيّة لكلِّ نظامٍ معرفي ومنظومةٍ فكريّة، والتي من شأنها التعبير عن نظريّةٍ أو موقف أو أحد جوانب الفكر المستقيم. ينشأ هذا المفهوم نتيجةً للدوافع النفسيّة وآليّات التفكير والتوجّه العقلي، إضافةً لمقتضيات وحاجيّات وظروف البيئةِ الخارجيّة.

التجديد لايعني انكار ماهو موجود والتشكيك به وبدوره الحضاري والانساني ، فلايمكن ان نحاسب ونجلد الفكر العربي الذي قدم الكثير من منظور زماننا وواقعنا الحالي ، لان الفكر والحضارة العربية كانت لها اسهاماتها عندما توفرت لها الظروف الموضوعية والذاتية، اليو وفي ظل الازمة التي يعيشها العرب لايمكن ان تكون معيار لتوجيه النقد والالغاء ، فالازمة تمر كما قلنا وسيعود الحال الى ماهو عليه ، وبما ان الامة العربية من الامم الحية ، فحتمية التاريخ تقول بانها ستنهض من جديد ، والواقع العربي الحالي الذي نراقب حرمته من خلال الحركات الشبابية الواعية على امتداد الارض العربية وفي قلب الامة فلسطين يقول بذلك يقول ان الامة ستنهض من كبوتها ، فلا داعي للتشكيك والانكار .

الحدث هو تأسيس المعهد والزمان هو الان والمكان هو اسبانيا ، من حقنا ان نتسائل ، لماذا الان وفي هذا المكان بالذات ؟ نتسائل لاننا نعتقد ان اختيار  المكان والزمان والحدث جاء  يتماهيا  مع اهداف وتصورات الغرب الامبريالي ، فاالتاريخ والواقائع  التاريخية تشير ان الغربين يختارون اسماء معاركهم وصولاتهم وجولاتهم استنادا الى وقائع تاريخية توراتية ، المثل القريب هو الحرب الاوكرانية ، حرف (z )الذي اختاره الروس يرمز الى (77)  الذكرى السنوية لانتصار الروس على النازية ، وان النازيين الجدد الاوكران يضعون على اجسادهم رموز النازية .

ماهي  الاسباب الموجبة للتأسيس ، وماهي علاقة المؤسس بالفكر والثقافة ، الرجل طبيب ، كان منتميا الى حزب ، لم نعرف ان له باع طويل بالدراسات الفكرية كالدكتور محمد عابد الجابري ، والشعرية كالدكتور ادونيس ، والفلسفية كالدكتور عادل الضاهر ، والتاريخية كالدكتور عبد العزيز الدوري ، والاجتماعية كالدكتور المرحوم علي الوردي ، واللغوية كالدكتور مصطفى جواد …الخ ، لماذا وقع الاختيار ليترأس المعهد ؟

ولماذا اسبانيا التي ظلت الذاكرة فيها والمواقف عدائية تجاه العرب والمسلمين ، وخصوصا من طرف النخبة السياسية ورجال الدين؛ إذ جاء في خطبة يعود تاريخها إلى 1849 ألقيت عن الإسلام في كاتدرائية غرناطة بمناسبة ذكرى طرد المسلمين من الأندلس: “إنها ديانة تكرس الطغيان، وتبيع الملذات وتشجع الخمول الطبيعي وتحضر استعمال العقل”

لقد أجمع الإسبان وكثير من الأدباء على موقفهم الرافض لوجود “المورو” في القرن السادس عشر، وهكذا كتب كانثالو أريندو يصف الموروس بأنهم “أناس همجيون لا يعترفون بقانون ولا بملك ولا بسلم ولا بدين، أناس لا يمكثون في مكان، اليوم تجدهم هنا وغدا هناك، أناس خونة ولصوص… شأنهم شأن كل موروس إفريقيا” (عبد الواحد أكمير، “الهجرة إلى الموت، إسبانيا وأحداث إليخيدو”، منشورات الزمن، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء-1999. ص:103).

وقال عنهم مارمول دي كربخال خلال القرن نفسه: “أناس أدنياء يسعون إلى الحرب، لا يعرفون أي نظام في نمط عيشهم” (المرجع نفسه. ص 103)؛ إذ كانت هذه الشهادات في حق الموريسكيين المتخلفين عن عملية هجرة العودة من الأندلس.

فبعد إجلاء وتهجير جميع من تبقى منهم بالأندلس في مطلع القرن السابع عشر (1609)، ظلت الذاكرة الإسبانية والمواقف عدائية تجاه الموروس، وخصوصا من طرف النخبة السياسية ورجال الدين؛ إذ جاء في خطبة يعود تاريخها إلى 1849 ألقيت عن الإسلام في كاتدرائية غرناطة بمناسبة ذكرى طرد المسلمين من الأندلس: “إنها ديانة تكرس الطغيان، وتبيع الملذات وتشجع الخمول الطبيعي وتحضر استعمال العقل” (نفسه. ص 108-109).

فلماذا تستقبل وترحب اسبانيا بمعهد يرفع شعار التجديد العربي ؟ ان رفع شعار التجديد العربي في الظاهر لكن الباطن يتماهى وينسجم مع طروحات الغرب والاسبان الناقدة للعرب والمسلمين ، اسبانيا التي حولت المساجد الى خمارات واسطبلات للخيول ، تحتضن معهد يريد ان يجدد في بنية الفكر العربي .

لماذ تم تأسيس المعهد الان وفي هذاالوقت  ؟

إن أية نظرة موضوعية للواقع العربي الراهن تؤكد بما لايدع مجالاً للشك أن الأمة العربية الواحدة ذات الثقافة واللغة والهوية والجغرافيا الواحدة وذات المصير المشترك، تتصارع الآن في داخلها قوى وجماعات وكيانات، وتتمزق وحدة هذه الأمة على المستوى القومي وعلى الصعيد الوطني، ويتم تهجير ملايين من المواطنين ومنهم الكثير من الكفاءات والعقول الخبيرة، وتتعمق في المحتمع الواحد الإنقسامات الأثنية والطائفية أو حتى المناطقية في الاقطار العربية .  السؤال في ظل هذا التردي الذي اوصل الامة العربية الى هذا المستوى من التدني والاختلاف والتجزئة، مالذي علينا فعله ؟ هل نعيش الماضي بكل مافيه ، او نؤسس معاهد للتخلص من الماضي وانكاره والدعوة الى التجديد المطلوب امريكيا وصهيونيا ؟ لماذا لم تقم جبهة عربية واحدة إزاء ذلك الكم الهائل من التحديات التي أصبحت تهدد الهوية العربية  بل الوجود العربي من أساسه، الإنسان العربي يتعرض اليوم أكثر من أي وقت مضى للتجريف والتشريد بهدف إنهاء وجوده كإنسان.

أخيراً، إن معرفة الأهداف الكبرى والإيمان بها من غير معرفة منهجية وأدوات تحقيق هذه الأهداف، هو استمرار لدوران الأمة في الحلقة المفرغة، ومعالجة عجز الفكر العربي عن تقديم أجوبة على أسئلة الواقع الراهن .

علينا الدعوة لتاسيس معاهد تحترم التاريخ والتراث العربي والاسهام الحضاري للامة ، معاهد بلادهم او يتم تمويلها لتنفيذ اجندة خارجية ، معاهد تحلل الواقع العربي تحليلا علميا وتجد قوانين بديلة ، كما فعل حزب البعث العربي الاشتراكي الذي خرج على العرب بالاهداف الاستراتيجية ، الوحدة والحرية والاشتراكية.

أن التجديد الفكري ينبغي أن ينبثق من فكرة العروبة نفسها، شرط أن يكون هذا الانبثاق نتيجة لاستعراض واستيعاب الفكر العربي في كل ميادينه الأربعة، فسلامة النظم الفكرية تقاس بمقدار وفائها بالأغراض الجوهرية للحياة الإنسانية، وأخص خصائص هذه الحياة هي معرفة الإنسان لمكانة وجوده، ومركزه من العالم، والهدف الذي وجد لأجله، والرسالة التي ينتظر منه أداؤها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق