الأربعاء، 10 أبريل 2024

يَحيا العِراق تَحيا فلسطين الدكتور حسن العالي

 يَحيا العِراق تَحيا فلسطين

الدكتور حسن العالي

في رحاب ذكرى تأسيس البعث العظيم، وفي ذكرى احتلال مغول العصر لعراق الحضارة، وفي خضم تضحيات وصمود بطوليَّين لغزة وشعبنا الصابر في فلسطين، نستحضر الحقائق اليقينية التي تربط بين هذه المناسبات الثلاث، ولكأنها تتمخض عن بعضها البعض، وتتعانق في مسار الماضي والحاضر والمستقبل.

في البدء كان العراق

والبدء كان حزب عانق ماضي وحاضر العراق، فاستعاد امجاد ماضيه، واستنهض حاضره، وأنار مستقبله، مستقبل العزة والكرامة.. مستقبل يحث الخطى نحو الوحدة والحرية والاشتراكية.

وبات لا يمكن لأي بشر ذي بصر وبصيرة ان يخطأ ما كانت تنطوي عليه تجربة العراق في ظل قيادة البعث من امكانات وتطلعات واسعة لا حدود لها ليس للعراق فحسب، وليس فقط للامة العربية، بل للإنسانية جمعاء.

لقد وجد البعث في العراق أمانيه وتطلعاته، فتحولت أطروحاته الفكرية إلى نظرية ثورية وإلى برنامج عمل ثوري طال الانسان والمجتمع والاقتصاد والثقافة والعلوم والتعليم والمرأة والشباب والطفل، ووجدت الأمة في العراق حادي ركبها في ارتقاء المركب الصعب الذي تتلاطمه امواج قوى الشر والتآمر. 


كما وجد العراق في البعث ضالته التاريخية التي فجرت فيه كل شموخ الماضي وعنفوان الحاضر ووثبة المستقبل.

لقد كان البعث والعراق على موعد لقاء تاريخي عبر عنه القائد المؤسس بالقول عام ١٩٨١ في ظل استمرار الحرب مع ايران:

(إن هذه التجربة الصحية "أي تجربة العراق"، والمعركة الظافرة، والحالة النادرة، انما هي تعبير عن تكامل شروط تاريخية للدخول في مرحلة جديدة لكي يندفع البعث بكل قوة وعمق على طريق الانبعاث القومي، لكي تسترجع الأمة كل قواها، وتصب كل طاقاتها في الطريق الصحيح لتحرير فلسطين، وتحقيق الوحدة العربية، لان هذا هو معيار ثوريتها ومبدئيتها وقدرتها على تجديد النضال، والوعي، والارتفاع الى موقع اكثر تقدما في مسيرة النهضة العربية. فكيف لا اشعر بالسعادة لرؤية تجربة ثورية عربية، تحمل الافكار الاساسية للحزب، وتجمع الى الامانة للفكر البعثي، العبقرية والابداع في فهمه واخصابه وتطبيقه).

وعلى مدى عشر سنوات أو أكثر بقليل ما بين 1968 و1979، تواصلت وتراكمت إنجازات العراق الوطنية والقومية في كافة الميادين. لكن أهم ما ميز هذه الانجازات هو حرصها على الاستقلالية الوطنية وبناء القدرات الذاتية وتحرير الثروات والاقتصاد، كذلك تحرير الخيارات الوطنية والقومية من التبعية للخارج بكافة أشكالها الاقتصادية والسياسية والعسكرية. ولم يعد الأمر قاصرا على العمل على استقلالية العراق الوطنية، بل أيضا على استقلالية أقطار الأمة من خلال تقديم كافة أشكال الدعم والمساندة الفعلية والحقيقية لكفاح تحرير فلسطين، ولجهود هذه الأقطار في التحرر من التبعية للخارج ومقاومة مؤامرات فرض الهيمنة من القوى الاستعمارية سواء في جنوب الوطن العربي أو مشرقه أو مغربه.

لقد بات العراق في ظل قيادة البعث رافعة النضال الوطني التحرري ونموذج لكافة الشعوب المتطلعة نحو حريتها وكرامتها، وعلى الصعيد القومي، أحيا العراق وحدة نضال الأمة وآمال الوحدة العربية بعد سلسلة الاحباطات 


والانكسارات أثر هزيمة حزيران وما أفرزته حرب تشرين المجيدة من نتائج تم تجييرها لصالح اتفاقيات الصلح مع الكيان الصهيوني. 

في ظل إنجازات العراق الوطنية والقومية، استنهض العمل القومي وعاد الدم ينبض في عروق نضالات الجماهير العربية، وحركات المقاومة والانتفاضات الفلسطينية، وبات العراق هو قلعة الأمة المحررة التي تشع بنور الحرية والكرامة على أقطار الأمة، وبصورة خاصة تركيز مواقف الأمة تجاه القضية الفلسطينية وتحرير الأراض المحتلة بعد زيارة السادات للقدس الشريف.  

في البدء كان العراق

في العام ١٩٧٨ بدأت تحركات الشارع الإيراني بمختلف قواه السياسية ضد نظام الشاه الذي كان يمارس شتى صنوف القهر والاضطهاد ضد الشعب الإيراني، وواجه النظام هذه التحركات بالقمع والسجن والقتل، اعتقادا منه بحماية الولايات المتحدة والقوى الغربية له بوصفه كان شرطي الخليج يمارس التهديد والوعيد ضد دول الخليج العربي ليدفعها للمزيد من الارتهان للقوى الغربية.

لا يمكن لأحد ان ينكر ان شروط الثورة ضد نظام الشاه كانت قد توفرت، بل ووصلت إلى حالة من النضج، وكان الرهان ان يقود الثورة مختلف القوى الليبرالية والديمقراطية والإسلامية، لكن ما إن شعرت الولايات المتحدة وانظمة الغرب بانهيار نظام الشاه لامحالة عملت على إبراز وتشجيع وتمهيد الطريق أمام القوى الاسلامية التي يقودها الملالي على تصدر واجهة الثورة، وقد نجحوا في ذلك، حيث برزوا في الوجهة وتصدروا الثورة، وسرعان ما انقلبوا على حلفائهم بعد نجاح الثورة وعملوا على ملاحقتهم وتصفيتهم الواحد تلو الاخر.

لم يخطأ الغرب حساباته القريبة والبعيدة المدى بان عمله من أجل تصدر مجموعة من الملالي الثورة، حاملين معهم شعارات تصدير الثورة الإسلامية إلى بقية دول المنطقة، وفي مقدمتها العراق، سوف يعود عليهم بالنفع الكبير، وخاصة في مواجهة المد الوطني والقومي الذي يقوده العراق. ولم يكن الهدف هو اسقاط النظام الوطني في العراق فحسب، بل ضرب موجة


 النهوض القومي التي بعث روحها العراق وذلك بإشعال مد طائفي وشعوبي حركته الشعارات الطائفية. وهذا كان بالفعل اكبر انجاز لمجيء نظام الملالي حيث غزى المد الطائفي دول الخليج العربي خاصة، وأحدث موجة من الردة على النسيج المجتمعي الموحد والآمن الذي كانت تعيشه. كما تحول النظام تحت شعارات تصدير الثورة إلى بعبع آخر دفع  أنظمة هذه الدول للارتهان اكثر للقوى الغربية.

ووفقا لتعبير القائد المؤسس، فأن هذه الثورة المزعومة إنما أريد منها وضع  الاسلام في مقابل العروبة بما يخدم إطالة أجل الاغتصاب الصهيوني رابطا بذلك ربطا محكما بين التآمر على العراق وبين مواصلة اغتصاب فلسطين، حيث قال في كلمته بمناسبة السابع من نيسان 1987:

(ومعركة العراق، لها في المنظور التاريخي، هذا المعنى الكبير، بانها لخصت مراحل تلمس النهضة العربية لطريقها السوي، وانقذت المصير العربي من محاولات خبيثة ومشبوهة لوضع الاسلام ضد العروبة، والتذرع بالإسلام للانقضاض على الأمة العربية بقصد التوسع على حسابها، والتواطؤ مع اعدائها لتمزيق كيانها وتفتيته، واطالة اجل الاغتصاب الصهيوني والاستغلال والنهب الاستعماري، وتعويق نهوض العرب وقيامهم بدورهم الانساني.)

لقد تعمدت القوى الاستعمارية إطالة  امد الحرب لإنهاك العراق وايران معا واستنزاف قواهما، وتدميرهما، وبنفس الوقت إشغال العراق عن دوره الوطني والقومي التحرري وخاصة تجاه فلسطين وفي الوقت نفسه تغذية الأحلام المريضة للنظام الإيراني.

وبغض النظر عن ما آلت اليه الأمور بعد الحرب وصولا إلى احتلال العراق في العام ٢٠٠٣، فأن القناعات الراسخة إن العراق لم يعد مسموح له من قبل القوى الاستعمارية آنذاك تجاوز الخطوط الحمر في استقلالية القرار الوطني والنهج القومي والتحرري الذي مثل تهديدا مباشرا للكيان الصهيوني، والذي استغل ظروف الحرب لكي يقوم بضرب المفاعل النووي العراقي عام ١٩٨١. 

وكان تقدير القوى الاستعمارية ان العراق سوف يخرج مهزوما او بأقل تقدير منهكا ويتفرغ لشئونه الداخلية، منكفأ عن دوره القومي. لكن ما حدث هو


 العكس، حيث لم يتوقف العراق حتى في ظل ظروف الحصار الاقتصادي عن حماية الامن القومي ودعم انتفاضات الشعب الفلسطينية.

بل إن العراق خرج منتصرا من الحرب وبجيش يمتلك أعلى الخبرات القتالية مما جعل خطر العراق مضاعفا بالنسبة لتلك القوى، وخاصة على الكيان الصهيوني. ونجزم ان قوى الاستعمار والكيان الصهيوني خططوا لتدمير هذا الجيش، والعراق، سواء دخل الكويت او لم يدخل. وقد عبرت عن ذلك التصريحات الشهيرة لوزير خارجية أمريكا جيمس بيكر في لقاءه الشهير مع المرحوم المناضل طارق عزيز. بالطبع كانت السيناريوهات ستختلف بين حالة وأخرى.

في البدء كان العراق

تقع كل من فلسطين والعراق ضمن منطقة تاريخية واحدة، أطلق عليها الباحثون والمؤرخون اسم الهلال الخصيب، والتي بقت منطقة متحدة الحكم معظم الفترة القديمة بعد هجرة القبائل من الجزيرة العربية إلى هاتين المنطقتين وتأسيسها لحضارات كبيرة. 

تاريخ العلاقة بين العراق وفلسطين ودور العراق في تحرير فلسطين عبر التاريخ تواصل منذ نبوخدنصر، ويمكن القول إن مدن وادي الرافدين بقيت تشكل العمق الاستراتيجي للمدن الساحلية لشرق المتوسط منذ فجر الإسلام مرورا بحكم الأمويين ثم العباسيين - رغم سقوط الخلافة في بغداد على أيدي المغول واستعصاء فلسطين عليهم بعد معركة عين جالوت - حتى انتهاء حكم العثمانيين بعد الحرب العالمية الأولى، والذين حكموا المنطقة منذ بداية القرن السادس عشر.

هذه المكانة التاريخية والاستراتيجية للعراق في حماية فلسطين ترجمت عبر الكثير من المحطات في العصر الحديث في حروب 1948 و 1973 ودعم انتفاضات الاقصى وتأسيس جبهة التحرير العربية وقصف الكيان الصهيوني بالصواريخ العراقية عام 1991 وربط الشهيد صدام حسين الانسحاب من الكويت بحل القضية الفلسطينية حلا عادلا وغيرها الكثير.


لذلك، عندما حشد بوش مغول العصر لغزو العراق كان من الواضح إن الهدف الاستراتيجي لأميركا لم يكن يتعلق بحرية العراق أو إزالة النظام كنظام وطني فحسب، بل كنظام يحمي الأمن القومي العربي، وكان لا بد من إزالته كتمهيد إلى تغيير خرائط المنطقة وتأكيد حقائق الهيمنة الأميركية، وهذا ما أعلنته الوثائق الاستراتيجية والتصريحات الرسمية الأميركية.

كان الهدف لما وراء احتلال العراق هو ضرب المقاومة الفلسطينية وفرض شروط تسوية مذلة تستهدف بالأساس حقوق الشعب الفلسطيني استكمالا لاتفاقيات اوسلو بعد حرب الكويت، في مقابل تفتيت الخارطة العربية وإضعافها لفرض هيمنة الكيان الصهيوني على المنطقة، يعقبها البدء بتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير عبر ما بات يعرف اليوم بالاتفاقيات الإبراهيمية.

الأمريكان اعتبروا إن غزو العراق هو ممر لا بد من عبوره لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية وترجمة لهيمنتهم الساحقة، بينما رأى الكيان الصهيوني في احتلال العراق تقرير لمصير بقاءه.

وبنظرة ثاقبة شخص القائد المؤسس هذه الحالة وهذا الترابط تشخيصا دقيقا منذ وقت مبكر وفي أثناء تواصل العراق رد العدوان الإيراني، عندما قال في نيسان 1981:

(لا جدال بان معركة تحرير فلسطين هي المعركة الحاسمة في مسيرة النهضة العربية الحديثة، وأن هذه المعركة ليست مواجهة للكيان الصهيوني فحسب، وإنما للإمبريالية الداعمة له أيضا. الانتصار فيها متوقف على مدى ما يستطيع العرب تحقيقه من وحدة وتضامن فعليين حقيقيين بين أقطارهم، وعلى مدى ما يستطيع كل قطر أن يحققه من إعداد جدي لهذه المواجهة، يقوم على مشاركة مجموع الشعب، وعلى علاقة الثقة القائمة بين الشعب وقيادته. ولقد أعطى العراق في معركته الراهنة، الصيغة الجدية للإعداد العقلاني الطويل، والصورة المشرقة للثقة العميقة المتبادلة بين الشعب والقائد وان الانتصارات البطولية التي يحققها جيش العراق على جبهات القتال ضد الفرس العنصريين، وتتلقف الجماهير العربية في الوطن الكبير 


أخبارها بلهفة واعتزاز، ستحرك في نفوس هذه الجماهير، بالإضافة الى شعور الثقة بالنفس والقوة والاقتدار، وعيا جديدا للأسباب والعوامل الفكرية والنفسية والمادية ولطريقة الحياة الجديدة التي أوصلت الى هذه الانتصارات، والتي بدأتها على أرض العراق ثورة السابع عشر من تموز المجيدة. (

ثم أكد على هذا الربط في نيسان 1983 مع اتضاح صورة المؤامرة على العراق في بعدها القومي بصورة أكبر وأوضح:

) ان اول مساهمة للعراق الجديد في النضال العربي التحرري، هي انه حمى نفسه من الغزو الايراني التوسعي، ومن اغراضه الخبيثة المبيتة، والتي تلتقي مع اغراض الصهيونية واسرائيل. فعندما يبرهن العراق على مناعته ضد الردة، وعلى انه يملك بنية صحية قوية، فهذه اول خدمة يقدمها للامة العربية ونضالها في سبيل تحررها ووحدتها. لان العراق جزء مهم وخطير وقيادي في جسم الامة، فبقاؤه صامدا، سالما  ومعافى، هو في حد ذاته تعزيز لثقة الامة بنفسها وبقدراتها، كما انه تعزيز لأملها  في الانتصار على اعدائها، ولا احد يستطيع ان يتصور ان معركة تحرير فسلطين ممكنة دون العراق العربي القوي، ودون ان يكون العراق في الطليعة والمقدمة ).

في البدء كان العراق

مؤلفا كتاب "تحولات العلاقات السياسية الدولية وتداعياتها على الصعيد العالمي" هما أستاذان أمريكيان مشهوران الأول هو ستيفن وولت أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد، والثاني هو جون مير شايمر أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، وفيه يكشفان عن سر العلاقة الاستثنائية بين الولايات المتحدة واسرائيل ، ودور اللوبي الاسرائيلي" في السياسات الأمريكية.

ويتحدث الكتاب بتفاصيل موثقة عن دور اللوبي الصهيوني في الحرب على العراق ويتضمن الكثير من الحقائق الهامة التي يجدر تسليط الضوء عليها. يعترف المؤلفان صراحة في الفصل الرابع عشر أن الحرب على العراق كانت لأجل "إسرائيل".. ويوضحان الأساليب والضغوط التي مارسها اللوبي الصهيوني في أمريكا وداخل الإدارة الأمريكية من أجل شن الحرب على 


العراق وغزوه لإسقاط النظام الوطني. ونظرا لضيق المساحة نتناول فقرتين من الكتاب حول ما يتعلق بمقالنا هذا.

تقول إحدى فقرات الكتاب ( كانت القوة الدافعة الكبرى داخل الولايات المتحدة وراء إيقاد الحرب على العراق زمرة ضئيلة من المحافظين الجدد، وأكثرهم تربطه صلات حميمة بحزب الليكود الاسرائيلي. وإضافة إلى ذلك فإن كبار قادة المنظمات الرئيسية التابعة للوبي الاسرائيلي صوتوا لمصلحة شن الحرب. وحسب مجلة فوروارد : فحين سعى الرئيس بوش لتسويق الحرب على العراق والترويج لها هبت لنصرته أهم المنظمات اليهودية الأمريكية واصطفوا جميعا كالبنيان المرصوص للدفاع عنه. وفي بيان إثر بيان أكد زعماء اليهود في أمريكا ضرورة تخليص العالم من صدام حسين ومن أسلحته للتدمير الشامل. وتمضي الافتتاحية لتقول إن هاجس سلامة "اسرائيل" والحفاظ على أمنها كان بحق العامل الفاعل الأكبر الذي طغى على مداولات ومشاورات الجماعات اليهودية الرئيسية، وكان جديرا بأن يستحوذ على اهتمامها ).

ويضيف ( يعتقد بعض الأمريكيين أن هذه كانت حربا من أجل النفط لكن في الحقيقة لا يكاد يوجد أي دليل مباشر يدعم مثل هذا الزعم والقرائن كلها توحي بعكس هذا. وعوضاً عن ذلك، فإن الحرب إنما كان الدافع الأكبر وراء شنها الرغبة الجامحة في جعل "اسرائيل" أكثر أمناً ) . ووفقاً لفيليب زيليكاو، وهو عضو في المجلس الاستشاري للاستخبارات الخارجية الرئاسية، والمدير التنفيذي للجنة تقصي الحقائق وشغل منصب مستشار وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، فإن التهديد الحقيقي الذي كان يمثله العراق لم يكن خطراً يحدق بالولايات المتحدة أو يهددها بأي صورة من الصور. ف ( التهديد غير المعلن كان خطرا يتهدد اسرائيل).

بعد احتلال العراق، وحتى ما قبله، تكشفت كل أوراق المؤامرة الأمريكية الصهيونية الفارسية على الأمة العربية من خلال هذا الاحتلال، وكرة سبحة الأهداف المخطط لتنفيذها، حيث سارعت أطراف هذه المؤامرة في ذلك، ونكرر مرة أخرى، لم يكن الهدف العراق كنموذج وطني تقدمي تحرري


 فحسب، بل وفوق ذلك، كنموذج لقاعدة الأمة المحررة بوجه أطماع الشعوبية والصهيونية والاستعمارية.

وعمل الاستعمار الأمريكي بتنسيق وتعاون وثيق مع الصهيونية ومع نظام الملالي وبشكل متزامن على تحقيق هذه الأهداف وفي مقدمتها إنهاء دور العراق في حماية الأمن القومي العربي، وبانتهاء هذا الدور سقط بالفعل الأمن القومي العربي واستبيحت الأمة سواء من خلال التوسع الفارسي في عدد من أقطار الأمة، أو من خلال التوسع الاستسلامي مع الكيان الصهيوني، كما ركبت بعض الأنظمة العربية المتآمرة بالتعاون مع الغرب موجة التحركات الجماهيرية ضد أنظمتها لتستبيح العديد من أقطار الأمة وتجرها إلى حروب أهلية وتدخلات إقليمية ودولية سافرة تأخذ طابع الاستعمار للأراضي العربية. لقد كشف احتلال العراق عن هشاشة الأمن القومي العربي، وضعف استعداد الأنظمة العربية  للدفاع عن مصالح الأمة القومية، بل حتى مصالحها القطرية، وميلها للاعتماد على القوى الكبرى في الحفاظ على هذه المصالح، بدلا من الاعتماد على شعبها مفضلا الارتهان للخارج بدلا من نشر العدل والمساواة والحرية والديمقراطية في بلدانها. 

 وبعد الاحتلال تكالبت أحقاد مغول العصر من أمريكان وصهاينة وفرس وبتنسيق وتعاون بينها على نهب وتفتيت وتقسيم وأضعاف العراق واغتيال كافة الوطنيين الشرفاء والعلماء والضباط والمفكرين وتغيير هويته الوطنية والعروبية واجتثاث المناضلين من أبنائه. ولم يكن بث كافة هذه الأحقاد إلا تمهيدا لبدء تنفيذ المؤامرة الكبيرة على الأمة، وفي مقدمتها تصفية القضية الفلسطينية.

وبعيدا عن استعراض ما جرى ويجري على اقطار الأمة من مؤامرات تستهدف تمزيقها، فأن ما جرى على القضية الفلسطينية منذ احتلال العراق هو المسار المشترك لكافة هذه المؤامرات وخاصة بعد وفاة الزعيم ياسر عرفات عام 2004، حيث تكررت وتصاعدات العمليات العسكرية لاجتياح الضفة والقطاع وتصفية المناضلين ونشوب النزاع المسلح بين فتح وحماس، وتسارع عمليات تهويد القدس والتوسع في المستوطنات بشكل خطير وعلى نطاق واسع، ثم اعتراف ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ثم إطلاق الشق


 الاقتصادي لمشروع الشرق الأوسط الكبير، تلاها إطلاق اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني أو ما سمي بالاتفاقيات الإبراهيمية، وهي جميعها إجراءات مبرمجة تحث الخطى نحو تصفية هوية القدس الشريف والهوية الفلسطينية والحق التاريخي الفلسطينية وتصفية قضية اللاجئين والتصفية السياسية والاقتصادية والعسكرية للحقوق الفلسطينية المشروعة.

عشية انطلاق عمليات طوفان الأقصى كانت خطوات تصفية القضية الفلسطينية على كافة الأصعدة قد بلغت مراحل متقدمة وعلى كافة مستويات السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية والغرب الاستعماري، قد اجتمعوا على وأدها كما فعل أخوة يوسف. لذلك، كان لا بد من عملية تخترق السحب، وتقلب الطاولة على المتخاذلين والمطبعين، وتعيد الحق الفلسطيني للصدارة وتبدد أوهام القوة والغطرسة الصهيونية. لقد كشف طوفان الاقصى عورات النظام العربي الهش والمتهالك، وكذلك البطولات الاستعراضية لما يسمى بمحور المقاومة، وحقيقة الطبيعة الاستعمارية العنصرية للولايات المتحدة والغرب. 

لقد أعاد طوفان الأقصى للواجهة الهدف التاريخي لزرع الكيان الصهيوني في خاصرة الأمة بدعم من القوى الغربية، وها هي هذه القوى تقدم اليوم بكل سخاء كل ما تمتلك من دعم عسكري وسياسي لإبقاء هذا الخنجر المسموم يستنزف دماء فلسطين والأمة، بينما المناضلون والشرفاء والعوائل العزل التي يسفك دمها الطاهر تدافع وحيدة عن شرف فلسطين وشرف الأمة.

كيف تركت فلسطين وحيدة تدافع عن شرف الأمة؟

لم يكن كل هذا ليحدث، ولم يكن الاعداء ليستفردوا بأهلنا وشعبنا في فلسطين لو لا احتلال العراق وسقوط الحصن القومي المنيع للأمة.

يحيا العراق ..تحيا فلسطين












الاثنين، 8 أبريل 2024

الذكرى ٧٧ لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي

 



الذكرى ٧٧ لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي

 







لا يُسقِط مشروع الصهيونية سوى مشروع البعث/ بقلم سليمان ابو يعرب – الجزائر

 لا يُسقِط مشروع الصهيونية

 سوى مشروع البعث

سليمان ابو يعرب – الجزائر

تشهد المرحلة التي تمر بها امتنا العربية اشتداد الهجمة الشرسة التي تتعرض لها ، وازدياد وتيرتها وتنوع وجوهها واساليبها . ورغم ذلك التنوع الا انها تنبع من مشروع واحد هو المشروع الصهيوني في الوطن العربي حيث تصب كل نتائجها في مصلحته. فلا يكاد يخفى على عاقل مدى الخراب والتردي الذي حاق بالأمة العربية، بعد جريمة الصهيونية والإمبريالية، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بغزوها جمهورية العراق وإسقاط نظامها الوطني وإجهاض تجربة رائدة شملت جميع الميادين ومست شتى مناحي الحياة، تجربة يشهد لها العدو قبل الصديق.

في المقابل، شكل غزو العراق أيضا، محطة لاستفاقة الشعب العربي من غيبوبة زيف الشعارات الغربية البراقة، من ديموقراطية مزعومة وحقوق إنسان مُسَيّسة وغيرها، وكشف أيضا حقيقة الحكام العرب ففضح عمالتهم وانبطاحهم للسيد الأمريكي الذي أدخل بلاده من مغامرته غير المحسوبة في العراق، وفي دوامات من المشاكل السياسية والاقتصادية، ناهيك عن الرفض الشعبي العالمي لها.

ومع انطلاق شرارة ثورات الربيع العربي من جسد البوعزيزي في تونس الأبية، عمّت تلك الشرارة أقطاراً عربية أخرى طالبت فيها الجماهير باسترجاع حقوقها المسلوبة والمنهوبة، لكن المخابر الغربية وبأدوات داخلية عملت على شيطنة ربيع الشعوب فتم إجهاضه في المهد أو بعد ذلك، مع أن منطلقات الربيع العربي كانت كلها عادلة وشرعية، ثورات ضد احتكار السلطة واحتكار الثروة.

إن تغول الغرب بقيادة الصهيونية على الوطن العربي في تنامٍ مستمر ومخيف، وإن ما يجري في فلسطين العربية، وفي غزة المكلومة على وجه الخصوص من مجازر وحشية فاقت كل التصورات، لخير دليل على أن المشروع الصهيوني لن يتوقف عند فلسطين أو غزة، فلن يستكين الغرب أو يتراجع ما لم يحقق كل مشاريع الصهيونية في العالم عموماً وفي الوطن العربي تحديداً.

لقد بلغ الهوان بهذه الأمة حداً لا يطاق، ولا يليق بمقام الانسان العربي ولا بنخوته ورجولته، فبينما ينكل العدو الصهيوني بإخوة لنا في أرض الرباط والجهاد، يقف هؤلاء وقفة رجل واحد بينت للعالم بأسره من خلال الأبطال الفلسطينيين مدى صمودهم وإيمانهم بقضية يؤمن بها كل المسلمين وأحرار العالم، لكن العرب أولى بهذه القضية، فهي قضية الشرف العربي والكرامة العربية، وكما يقول الشاعر (لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم). 

ان تصاعد واستشراس المشروع الصهيوني بما يملكه من دعم غربي وامكانيات ، وفقدانه لأية معايير قيمية  او انسانية ، وما ينطوي عليه بالتالي من نزوع غير مسبوق للشر، والمتمثل بشتى مراحل التامر والهجوم على الامة العربية ليس اخرها احتلال العراق وإسقاط النظام الوطني فيه بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي ، والذي فتح الباب على مصراعيه لمآسي مريرة كما قلنا.

 لكنه في نفس الوقت أسس لهذه المرحلة الجديدة التي تشهد إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للعالم، وإن كانت هجمة الغرب على العراق لإرجاعه إلى ما دون نقطة الصفر، فإن هذه الهجمة مستمرة لكن بطرق مختلفة ومتفاوتة التأثير في كل الأقطار العربية. 

ولذلك فالوقت الآن مناسب في ظل متغيرات ومعطيات عدة، لبلورة مشروع قومي نهضوي جديد يأتي في مقدمته إحياء التجربة النهضوية للبعث في العراق، فهي تجربة ستؤتي ثمارها بكل تأكيد، شريطة أن تكون تحت مظلة حزب البعث العربي الاشتراكي.

لا يناطح مشروع قوي إلا مشروع اقوى منه ، وعليه فإنه لا يُسقِط مشروع الصهيونية في الوطن العربي سوى مشروع حزب البعث العربي الاشتراكي، يقينا، وبكل تواضع، فهو مشروع نهضة الأمة برمتها التي لا تكون الا بوحدتها وتحررها .





البَعث وعَهد البُطولة مِن جَديد / بقلم د. حسن طوالبة

 البَعث وعَهد البُطولة مِن جَديد

د. حسن طوالبة

كثيرون، قديماً وحديثاً، هم الذين راهنوا على زوال البعث. كانت تلك المراهنات قد بدأت عندما كان البعث وليدا، يحاول شق طريقه وسط الأعاصير السياسية، وقال اصحاب تلك المراهنات في حينها ان هذا الحزب خيالي في طموحاتِه، و من الصعب تحقيق افكاره. 

أما أشد المخاطر التي أحاطت بشعب العراق الابيّ ومنهم مناضلي البعث، فكانت بعد الإحتلال الأمريكي للعراق، وتسليم السلطة لعملاء الملالي في ايران ومليشياتها، والشروع بالتصفيات الجسدية والاغتيالات والاعتقالات والتهجير القسري ونهب الموارد، و إصدارهم قانون "اجتثاث البعث" سئ الصيت، وقانون المساءلة وغيرها، فكانت من اقوى التحديات التي تعرض لها العراق عموماً وفي مقدمته البعث.

المسيرة مستمرة بوجود المناضلين الانقياء

لقد عرف البعثيون منذ نشأة حزبهم ان طريقهم طويلة ومليئة بالصعاب والأشواك، وسوف يمر على هذه الطريق افراد واجيال، ويسلم كل جيل الراية للجيل الذي يليه، ولديهم الايمان بان المسيرة مستمرة ببقاء الرفاق الانقياء الصادقين الذين يتفانون من اجل بقاء راية العقيدة خفّاقة والمسيرة متّقِدة ومِعطاءة.

ورغم معرفة البعثيين المُسبقة بهذه المسيرة الطويلة والشاقة والمكلّفة جُلّ عمر المناضل، الا انهم التزموا بمبادئ البعث، ولم يهادنوا عليها، رغم محاولات الحاقدين تحريفها بشتى الدعاوى فتارة بحجة المثالية، وتارة بحجة التحديث المُفتَعَل. رغم معرفتهم بأن البعث هو حزب التجديد والمواكَبة لروح العصر، وبأنه يرفض الجمود والتحجُر، لأنه حزب حيوي نشأ من معاناة الشعب وطموحاته، وعليه فهو يطور افكاره بموجب تطورات الواقع وحقائقه، وبما يلبي طموح الشعب في الحياة الحرة الكريمة، وهذا رد على الذين قالوا ان فكار البعث خيالية او رومانسية.

مؤامرات الداخل والخارج لم تزد البعث الاّ صلابة

اضافة الى ما تقدم، تعرض البعث الى مؤامرات من الداخل تمثلت بالانشقاقات التي سرعان ما فشلت مع مرور الوقت، إذ أنها كانت بمثابة السواقي الصغيرة التي سرعان ما جفت وتبخرت، اما المؤامرات الخارجية فقد كانت اشد خطورة نظرا الى حجم القوى المتآمرة وامكاناتها، كالذي حصل في العدوان الامريكي الفارسي على العراق عام 2003.

وفي ضوء التجارب السابقة والحالية فإن البعث كان يخرج من كل ازمة او محنة اقوى مما كان عليه، لأنه في كل تجربة يلفظ ضعفاء الايمان والمتخاذلين والمنافقين، ويسير بعزم الشرفاء اصحاب المبادئ الثابتة.

المؤرخون المحايدون لم يجدوا حزباً تعرض للأزمات والمؤامرات وظلّ صامداً ومستمراً كالبعث، فرغم كل ما تعرض له بقي موجوداً ومتجذراً يناضل في كل الساحات العربية، وبقي معطاءً ومتدفقاً بالحيوية والنشاط.

لقد اصيب البعث بضربات نوعية وحاقدة كثيرة، وقد حاولت التأثيرعلى مسيرته الطويلة، وتشويه مبادئه، فاتهمته بتهم ليست فيه، وبالأخص ما 

حاولته التيارات الاممية، والدينية السياسية الحاقدة على الفكر القومي عموماً، فاتهمته الاخيرة بالكفر والإلحاد، وهي تهمة فندتها منطلقات البعث وجوهرعقيدته منذ التأسيس ، كما اثبتتها مسيرة الحزب وسيرة البعثيين في الساحة العربية، الذين اثبتوا ان الفكر القومي هو فكر مؤمن، ولا يمكن الفصل بين العروبة والاسلام، لان فكر الاسلام ورسالته جاءت للعرب، وبهمة العرب انتشر الاسلام، في كل بقاع الارض.

الجماهير الصادقة هي سر بقاء وحيوية البعث

بعد كل محنة كان البعث وما زال، ينهض شامخاً ويعاود العمل من جديد بهمّة عالية، ويكمل الدرب الطويلة اكثر حماسة وتوهجاً. وفي كل المحن والأزمات التي مر بها البعث، كانت جماهيره تشكِّل السياج الأمين له، فهي سر قوته وديمومته، تمدّه دوماً بطاقة ودفقات الحياة الجديدة.

الإيمان وجيل البطولة 

لقد آمن البعثيون الاوائل بمبادئ البعث لأنها الخلاص من كل ما تعانيه الامة العربية، ولأنها تعبر عن ضمير الامة والانسان العربي بصورة خاصة. وهذا الايمان الصادق منحهم القوة على اكتشاف معاني الحياة الانسانية، وباتوا يعبرون عن حقيقة الامة العربية وقيمها الحضارية والانسانية. الا ان هذا الايمان لم يأخذ انماط الصوفية، بل اخذ سمات الابطال العظماء، الذين يمتازون بالصفاء والاخلاص والصراحة، ولا يعرفون المهادنة على حساب المبادئ، وفي الوقت نفسه لا يخجلون من الاعتراف بالخطأ، والتراجع عنه، فهم قساة على انفسهم ازاء الحقيقة وازاء الواقع، كما ان النقد والنقد الذاتي جزء اساسي من العقيدة البعثية لذا فقد شكل ذلك الاساس لمراعات قناعات الاخرين.

وفي كل مرحلة يمر بها البعث، يعيش عهد بطولة جديد، ويخرج رفاق يتمثلون روح الامجاد من رموز امتنا العربية الخالدة ومن روح الاسلام المجاهدة، التي تسترخص الشهادة وتحمل المشاق والصعاب.

فتحية للبعث في ذكرى ميلاده، والرحمة لروح شهداء البعث، وقادته الشهداء الخوالد، والتحية للرفاق الصامدين في سجون الحاقدين عملاء الاجنبي.






الأحد، 7 أبريل 2024

البَعْثُ ومُقوِّمات رِسالَةُ الأُمَّةِ الخَالِدةِ / بقلم ناصر الحريري

 

البَعْثُ ومُقوِّمات رِسالَةُ الأُمَّةِ الخَالِدةِ

ناصر الحريري

 

"الرسالة العربية إيمانٌ قَبْلَ كُلِّ شيء، ولا يَعِيبُها هذا أو يُنْقِصُ من قَدْرِهَا، فالحقيقةُ العميقةُ الراهنةُ هي أنَّ الإيمانَ يسبقُ المعرفةَ الواضحةَ. وإنَّ من الأَشياءِ ما هو بَديهِي لا يَحتاجُ إِلى بَراهينَ ودِراسات، إِنَّه يَدْخُلُ القَلبَ ويَمْتَلكُ العَقْلَ دُفعَةُ واحِدَةً."

القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق

 

ما زال شعار حزب البعث العربي الاشتراكي، وسيبقى، الميزة الفريدة التي تميزه عن بقية الأحزاب المنتشرة على امتداد الوطن العربي، معبراً من خلاله عن استراتيجية مبكرة ومتقدمة في فهم الواقع العربي. فقد نص المبدأ الثالث من المبادئ الأساسية لدستور الحزب، الذي أقره المؤتمر التأسيسي في السابع من نيسان عام 1947م، على:

(أنَّ للأمةِ العربيةِ رسالةٌ خالدةٌ، تظهرُ بأشكالٍ متجددةٍ ومتكاملةٍ في مراحلِ التاريخ، وتَرمي إلى تَجديدِ القِيمِ الإنسانيةِ، وحفزِ التَّقدمِ البشري، وتَنميةِ الانسجامِ بينَ الأُمم).

 

الا ان هذه الرسالة الخالدة لا تأتي تلقائياً او كتحصيل حاصل، وانما لها مقومات، وشروط، وسمات لابد وان تتوفر كي تبقى خالدة تحملها الامة عبر الاجيال، فما هي هذه المقومات والسمات ؟

 

الرسالة الخالدة نابِعة من صُلب الواقع

تحدث القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق عن ذلك بكل وضوح وشفافية حين قال: "شعار البعث العربي لا يرمز إلى أشياء مقبلة بعيدة عن الواقع، بل يهدف في الدرجة الأولى إلى تلبية حاجات الحاضر وضروراته، وهو يعني أن الأمة العربية واحدة، فلا نعترف بهذه التجزئة المصطنعة العارضة. وإننا نسعى إلى تحقيق هذه الوحدة ليس في الأرض فحسب بل أيضاً في الروح والاتجاه."

 

مضمون الرسالة الخالدة :

لقد حدد دستور البعث مضمون الرسالة الخالدة في نقطتين:

أولاً: الحرية ، فالاستعمار وكل ما يمت له بصلة، عمل إجرامي يكافحه العرب بجميع الوسائل الممكنة، لذا فقد وضع الحزب الحرية احد اهدافه الاستراتيجية الثلاثة، وهي تشمل تحرر الامة من الاستعمار والهيمنة، وتحرير الفرد من الدكتاتورية والظلم والاضطهاد والاستغلال.  واكد على ان العرب في نزوعهم الى الحرية يسعون ضمن إمكاناتهم المادية والمعنوية لمساعدة جميع الشعوب المناضلة في سبيل حريتها.

ثانياً: إن الإنسان مجموع متضامن في مصلحته، مشترك في قيمته وحضارته، فالعرب يتغذون من الحضارة العالمية ويغذونها، ويمدون يد الإخاء إلى الأمم الأخرى، ويتعاونون معها على إيجاد نظم عادلة تضمن لجميع الشعوب الرفاهية والسلام والسمو في الخلق والروح. ومن هنا فان المعاصَرة والتفاعل الحي مع روح العصر وشعوب العالم هي سمة اساسية لرسالتنا الخالدة.

إن مفهوم الرسالة الخالدة التي يحملها البعث ذو محتوى إنساني تقدمي، ودعوة للتحرر والقضاء على التخلف، وإقامة حياة عربية تستفيد من التطور الحضاري الإنساني، وإلى جانب ذلك النضال ضد الاستعمار في أي مكان من

 

 

 العالم، ومساندة حركات التحرر العالمي، والمشاركة في تحقيق التقدم والرفاهية لكل الانسانية.

إنه نضال من أجل بناء عالم ينتفي منه الاضطهاد والظلم والاستغلال، كما تنتفي منه الحروب، ويسوده السلام.

 

الرسالة هي ان لا تتنازل الأمة عن مكانتِها بين الأمم

ونجد ذلك جلياً في كتابات القائد المؤسس حين يقول:

 " الرسالة الخالدة، القصد منها أن هذه الأمة لا تعترف بواقعها السيء وموقفها المنفعل ولا تتنازل عن مرتبتها الأصلية بين الأمم، بل تصر على إنها لا تزال هي هي في جوهرها، تلك الأمة التي بلغت في أزمان متعددة مختلفة من التاريخ درجة تبليغ رسالتها، فهي إذن بصلتها ببعضها وبماضيها لا تزال واحدة ولا تزال فيها الكفاءة لاسترجاع تلك المرتبة التي فقدتها مؤقتاً."

خلود الرسالة مشروط بالتطوير الخلاّق المُبدِع

تتميز رسالة البعث الخالدة بعراقتها، وتطويرها الخلاق المبدع لشتى مجالات الفكر الإنساني من فلسفة وعلوم وآداب، وبدور الأمة الحضاري التطبيقي مع أمم الأرض، وقد تجلت في الدعوة إلى الحياد الإيجابي، وهو ما أثبت الهوية التقدمية لفكر الحزب، حيث استطاع من خلال الممارسة أن يُسقط عن فكرة الرسالة الطابع الغامض او الفكري المحض، ويحولها إلى واقع وممارسة نضالية يومية، كما تجلت في التفاعل مع الحضارات الأخرى تفاعلاً خصباً، لأنها تمتلك إرثاً حضارياً قومياً، تُعطي وتُقدم في نتاج العقل البشري، وتُخضع المعطيات العملية لواقعها وحياتها وتبلورها حسب متطلبات العصر وتطوراته.

رسالتنا الخالدة هي ان نكون سادة مصيرنا وصانعو قدرنا

إن ما أنتجه الوعي العربي من قيم وفكر وما قامت به هذه الأمة على مسرح الحياة من أعمال إنسانية أدت إلى تطور الكثير من قوانين الحياة ومستلزمات

 

 الحضارة عبر العصور.

 

 كما أن النضال اليومي لشعبنا العربي ضد الامبريالية والصهيونية وأدواتها، من أجل تحرير أرضنا العربية المحتلة، جعلها أمة ذات رسالة خالدة، وهو ما يجعلها أمة قادرة على صنع مصيرها ومستقبلها، وقد عبر عن ذلك القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق قائلاً: " نحن سادة مصيرنا وصانعو قدرنا ندرك إدراكاً عميقاً أن الأمة الحية هي التي تحيا الآن والتي ينفسح أمامها مجال الحياة للمستقبل، وأنها الأمة التي تخدم ماضيها باستخدامها إياه لا باستسلامها له، والأمة الحية تنمو وتتكامل ويكون ماضيها مهما سما دون حاضرها ويكون مستقبلها أمامها لا وراءها."

 

خلود الرسالة في الانفتاح على شعوب العالم والتفاعل الانساني مع تجاربها

 

إن تجديد القيم الإنسانية والارتقاء بها إلى درجة الكمال هي رسالة دائمة لأمتنا العربية، وهي الرسالة التي يحملها البعث منذ تأسيسه، وتبدو واضحة في انفتاحها على شعوب العالم، انطلاقاً من أن التقدم البشري لا يقوم على فكر أمة واحدة، وإنما هو تفاعل وتمازج بين أفكار الأمم المتقدمة، فتتلاقح الأفكار والنظريات لتأخذ مساراً تاريخياً، فتنضج وتخرج للبشرية جمعاء، إن تحفيز التقدم البشري لا يعني خلقه من العدم، وإنما تطهيره وإغناءه بمضامين جديدة منحها عقل الأمة الواعي وخلّدتها روحها المتجددة، وهو ما يعني أن خلود الرسالة هو خلود متجدد بشكل إبداعي متطور، يدرك أن حركة المجتمع هي حركة تصاعدية وإلى الأمام، لا تعرف الإستسلام ولا الوقوف.

الرسالة الخالدة تكمن في الاستجابة الدؤوبة لضرورات الواقع

يقول القائد المؤسس : "إن الرسالة العربية الخالدة هي في فهم هذا الحاضر وتلبية ندائه والاستجابة لضروراته. والخلود ليس شيئاً بعيداً في الأفق أو خارج نطاق الزمن. إنه ينبعث من أعماق الحاضر، فإذا فهمه العرب بصدق

 

وعاشوه بإخلاص فإنهم سيؤدون رسالتهم الخالدة. إنهم إذا عرفوا هذه التجربة ومروا بها حتى نهايتها، وتغلبوا على ضعفهم وتقاعسهم ونفسيتهم السطحية الزائفة، لا يكونون قد بنوا أمتهم فحسب وانشأوا كياناً قومياً بل يكونون قد قدموا للإنسانية كلها بنتيجة هذه التجربة أدوات صالحة أيما صلاح ومهيأة أيما تهيئة لحمل أعظم الرسالات وأصدقها."


ولأن امتنا العربية قد امتلكت وما زالت، كل هذه المقومات والشروط، لذا فقد امن البعث بانها مؤهلة لإحياء دورها الحضاري الإنساني بين الامم، وبما يليق بتلك الامكانيات، وبتاريخها العريق لتواصل مسيرتها التحررية النهضوية، والتي لن تزيدها التحديات الجسيمة التي تمر بها الا قوة وصلابة وعزيمة مهما بلغت التضحيات.








عقيدة البعث عقيدة المبادئ الراسخة / علي العتيبي

 عقيدة البعث عقيدة المبادئ الراسخة

علي العتيبي

تحل علينا ذكرى تأسيس حزبنا المناضل حزب الرسالة الخالدة حامل العقيدة القومية المناضلة التي تسعى لتكون امة العرب امة واحدة وتسير على خطى الرسالة الخالدة

إن القيم التي يحملها المناضلون ، مثل الإيمان والشجاعة والتجرد والتضحية والاستشهاد ، تحمل معانيها الذاتية ، التي هي قريبة من النفس الإنسانية ، لكنها تأخذ معناها الحقيقي حينما تأتي في ميدان العمل العام ، لتغني أهداف النضال ، وإرادة الأمة من أجل الاستقلال والتقدم والحرية . 

إن الالتحاق بصفوف حزب البعث العربي الاشتراكي ليس في الحالة الشكلية وإنما في الحالة الأصيلة يتطلب من المناضل الذي أختار حزب البعث العربي الاشتراكي الالتزام الجاد والتعبير عن هذا الالتزام بانضباط حزبي لابد منه وكمقدمة ضرورية والاستعداد الكامل للعطاء والتضحية أنها عملية خلق جديدة للإنسان ..

إن ألبعثي الحقيقي نموذج وهو صورة المستقبل صورة الحزب .. ولذلك يجب إن لاننظر إلى الحزب على أنه مجموعة أفراد بمعنى العدد أو الرقم بل هو أداة لقوى العمل الثوري ، يجد فيه ألبعثي نفسه ويجد محيطة الثوري ، الذي يؤمن به ويعمل من أجل نشره وتعميمه .

أنك حين تكون بعثياً حقيقيا وقادراً على الارتفاع إلى أخلاقية الحزب والتعبير عن القيم التي أمن بها ودعا أليها فانك تتحول إلى حاله بعثية , أي ستكون صورة الحزب ممثلة في مناضل ، وأن مجمل سلوكك الحياتي المعبر عنه بالصدق والصراحة والشجاعة والإقدام والدأب في العمل والنزاهة ، سيدفع الآخرين من غير الحزبيين إلى القول عنك ( هذا إنسان جيد ومواطن صالح ) وسيقول رفاقك عنك ( هذا بعثي ) أن صورة المجتمع الجديد، الذي يطمح إليه الحزب ، ويناضل ويضحي من أجله ، لابد أن يراها مجسدة في كل المناضل ألبعثي 

وفي ضؤ هذا المسار يؤكد الحزب على دور التربية الحزبية في بناء شخصية المناضل بناء ( ثوريا حقيقا ) وكلما نجحت التربية الحزبية في أبعاد صورة المجتمع المتخلف عن عقل وسلوك المناضل ألبعثي أقترب من صورة البعث .

ولذلك علينا أن لا نبتئس أذا نرى أفراد في الحزب يحملون قيما متخلفة لاتمت إلى قيم حزبنا بصلة أو نرى فردا أو مجموعة أفراد غير قادرين على الارتفاع إلى مستوى ثورة حزبنا حتى في حالة انتمائهم إلى الحزب أو إن تظهر هذه الإعراض فيما بعد حين ينجح البعض في إخفائها وتغليفها لفترة من الزمن وهذا مع اللسف الذي يتكشف بين الفترة والاخرى ويظهر من هم ادعياء البعث لكنهم فقدوا الالتزام بالمبادئ

علينا ان نتجرد من الانانية ونكون بعثيين كما جاءت في عقيدة البعث وليس من يبحث عن مواقع لاقيمة لها مالم تقترن بالفعل والالتزام وابرزها الانصياع الى خيمة البعث ورمزه القيادة القومية ومن يطعن بها وينسحب منها فهو ليس بعثي بل اتجه تجاه قطري وعذا ليس من مبادئ البعث.