الخميس، 6 أبريل 2023

احمد ميشيل عفلق ثروة قومية بمناسبة الذكرى السادسة والسبعين لميلاد البعث/ بقلم جابر خضر الغزي

بسم الله الرحمن الرحيم

احمد ميشيل عفلق ثروة قومية


بمناسبة الذكرى السادسة والسبعين لميلاد البعث

نقرا ما كتبه الاستاذ حميد سعيد الشاعرالعراقي الكبير بحق الرفيق احمد ميشيل عفلق مؤسس البعث بعد وفاته  وابيات من قصيدة لشاعر العروبة الرفيق الشهيد كمال ناصر, ارتات اللجنة الثقافية لتنظيمات ابو بكر الصديق عرض ذلك على الرفاق المناضلين واحرار الامة العربية للاستنارة والفائدة  بهذه المناسبة العطرة :

" يا مهندس روحي وسيد فكري ودليلي في دروب حياتي , في ذروة الحيرة وقلة زاد الوعي وحيث يصعب على المرء ان يتبين الخيط الابيض من الاسود , كنت الجأ إليك فأختار المكان الذي اخترت والموقف الذي وقفت فتخرجني من حيرتي وتضيء ظلمات شكي وتمنحني من الفيض ما يضعفني على الطريق الصواب ويقودني الى ارض اليقين .

ايها الدليل الامين : منذ اكثر من سبعين سنة وفكرك يسبق الدنيا الى الحقيقة , فنم مطمئنا ايها المعلم الهاديء:, يا من كلماتك المنار الذي نهتدي به والظل الذي نستظل بآفيائه والضمانة التي تعصمنا من الزلل والانحراف ".انتهى النص اما الشاعر الشهيد يقول :

ويشهد الله هذا الدرب لاطمعا        

ولا إدعاء ولا زهوا مشيناه

وإنما هزنا في بعث أمتنا         

جرح على صدرها الدامي لثمناه

فالبعث وعي وإيمان وتضحية     

والبعث هم كبير قد حملناه

يا رائد البعث لازيفا ولا ملقا      

ولازعيما ولافردا عبدناه

سيعلم الناس أن الدرب في وطني    

وعر أليم طويل كله آه

                                        

اعداد / جابر خضر الغزي

البعث نجم ساطع في سماء العراق والأمة/ بقلم الرفيق الأستاذ الدكتور سلمان حمادي الجبوري

البعث نجم ساطع في سماء العراق والأمة



الرفيق الأستاذ الدكتور سلمان حمادي الجبوري

حمل البعث ومنذ ولادته سر ديمومته وصلاحه في كل الأزمنة وهذا رد على المتقولين عليه ومتهميه بالعجز وينادون بضرورة تطوير فكره ليتلائم مع متطلبات العصر واتهامه كذلك بعجزه عن تحقيق أهدافه ووصفها بالطوباوية والخيالية وكل ذلك اما بسبب الجهل بذلك الفكر وتلك الأهداف او بدافع الإساءة للحزب.

يختلف البعث عن جميع الأحزاب التي ظهرت على ساحات الوطن العربي كون فكره لم يكن مستوردا ولم يكن مرتبطا بشخص او زعيم وعندما يختفي ذلك الزعيم يضمحل دور الحزب ويبقى اطلالا شاحبة كما لم يكن حزبا دينيا بل كان لكل الامة كما لم يكن قطريا بل كان البعث حزبا قوميا ممثلا بقيادة قومية تقود قيادات الحزب في كل الأقطار التي يتواجد فيها  مما اكسبه صفة الديمومة لانه ولد من رحم المعاناة والقهر الذي مورس على الشعب العربي منذ تقسيم الوطن العربي الى اقطار متعددة من قبل الاستعمار ملبيا لطموحات الانسان العربي أينما وجد . ولد البعث وهو يحمل سر قوته وبقائه لانه حمل مسؤولية بعث الامة من جديد وتوحيد اقطارها بهدف الوصول الى تحررها من جميع القيود التي فرضت عليها بما تشمله من تحقيق استقلالها وتحرير ارادتها وثرواتها لان التحرر الاقتصادي اساس التحرر السياسي وبالتالي يفتح الباب امام تحقق الاشتراكية والعدالة الاجتماعية.

وليس بغريب ان يخرج البعث من كل نكسة اقوى مما كان كما شهدنا ذلك في 17-30 تموز 1968 بعد كل ما جرى من تأمر داخلي وخارجي وذلك بسبب امتلاكه كل مقومات البقاء والصمود من مصداقية الفكر والإخلاص لقضايا الامة والنضال الدؤوب للوصول لتحقيق الأهداف القومية.

في مثل هذا اليوم السابع من نيسان وفي الذكرى السادسة والسبعين لتأسيس الحزب نستذكر كل تلك الصفحات النضالية المشرقة والتضحيات الجسام التي قدمها مناضلي البعث على طريق تحقيق الأهداف القومية بنكران ذات منقطع النظير دون طمع بمردود شخصي وكان شعارهم البعثي اول من يضحي واخر من يستفيد .

وفي هذه المناسبة الغالية على نفوسنا نستذكر الدور الكبير للقائد المؤسس ولكل القادة الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل البعث والأمة وعلى رأسهم سيد شهداء العصر الرفيق القائد صدام حسين رحمه الله في وضع فكر البعث موضع التطبيق وفي تحقيق الأهداف السامية في الوحدة والحرية والاشتراكية.

كما نستكر دور الرفاق قادة وأعضاء الذين لازالوا قابضين على جمر المبادئ رغم شدة الظروف وحلكة الزمن الذي يمر به شعبنا المجاهد ويمر كذلك بها الحزب منذ الاحتلال في 2003 ولغاية الان 

المجد والخلود والرحمة لشهداء البعث وفي مقدمتهم شهيد الحج الأكبر الرفيق صدام حسين 

العز والسؤدد لمناضلي البعث داخل الوطن وفي المهجر

والنصر لحزبنا حزب البعث العربي الاشتراكي العظيم

والمجد والخلود لرسالة امتنا المجيدة

المجر في السابع من نيسان 2023

كلمة القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في الذكرى السادسة والسبعين لتأسيس الحزب.

 بسم الله الرحمن الرحيم 

كلمة القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي

في الذكرى السادسة والسبعين لتأسيس الحزب.



ياجماهير أمتنا العربية 

أيها الرفاق المناضلون على إمتداد الوطن العربي الكبير 

في هذه الأيام الكريمة من شهر رمضان المبارك التي تتزامن مع الإحتفاء بميلاد البعث نستحضر وإياكم تلك اللحظة التي أفصحت فيها الأمة عن نفسها ،  باطلالة  نضالية ، لتأكيد حضورها ودورها كأمةٍ حيةٍ  تحملُ  في طياتها كل مقومات  الانبعاث  المتجدد لشخصيتها التاريخية ، وفي إستشراق  للمستقبل  بروح الانفتاح على العصر الحديث  بكل ماينطوي عليه من تقدم في المجالات التقنية والاجتماعية والسياسية وميادين الاقتصاد والعلوم المختلفة وعبر  إستلهام ما تختزنه  الأمة العربية  من موروث حضاري  وقيمي،  والدور الذي  لعبته في الانتقال بالمجتمع العربي من نظام القبيلة  الضعيف المجزأ الى نظام  الدولة المؤسساتية الواحدة القوية، فأفرزت حضارة رائعة أغنت الانسانية في كافة المجالات .

قبل ستة وسبعين سنة من هذا التاريخ ،  وفي السابع من نيسان/أبريل  من العام ١٩٤٧ ، كانت الأمة العربية على موعدٍ مع الإعلان عن تأسيس حزب الوحدة والحرية والاشتراكية ، حزب البعث العربي الإشتراكي ، الذي بشر  بإنبلاج فجرٍ جديد في العصر العربي الحديث ، للإنتقال بالأمة من حال التجزئة إلى حال الوحدة ، ومن حال التخلف إلى حال التقدم ، ومن واقع  الإحتلال إلى واقع  التحرر والإستقلال الناجز.   إن الأمة التي تشكلت هويتها القومية على تعاقب المراحل التاريخية التي عَبَرَتْها  وهي تخوض صراعاً متعدد الجوانب والأبعاد لإستعادة هذه الهوية  ، ما كانت لتجد نفسها كأمةٍ  تطل على الأمم الأخرى  بشخصيتها الخاصة بها إلا  في ظل دولة قومية  موحدة بقواها البشرية وطاقاتها الإقتصادية وتحمل مشروعاً شاملاً رؤيوياً يتناول النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، دولة  تسعى لصياغة علاقات دولية على قاعدة حق الشعوب في تقرير مصيرها وإقامة نظمها السياسية التي تلبي حاجاتها الوطنية في التنمية والتقدم الاجتماعي ، وتنتهج  سياسة واضحة في مقاومة  الإستعمار والهيمنة والإفقار للشعوب . 

على ضوء معطيات الواقع الذي كانت  تعيشه الأمة العربية عشية التأسيس  ، جاءت إنطلاقة  الحزب ليشكل استجابة لحاجة موضوعية فرضتها معطيات  إحتدام الصراع على الأمة العربية وفيها وهي تواجه تحديات مصيرية ، بالنظر  للطاقة البشرية التي تمثلها ولأهمية موقعها الجيوسياسي والثروات الطبيعية التي تتخزنها في باطن ارضها ، وما ينتظرها من دور فيما لو توحدت وامتلكت ناصية قرارها القومي ، وتم توظيف  إمكاناتها وثرواتها في مشروع إستنهاضها الشامل في كل مجالات الحياة. 

لقد شخص الحزب واقع الأمة تشخيصاً موضوعياً ، ورأى في تجزئتها العامل الأساس في إعاقة تقدمها وتحررها ، وهذا ما جعل شعار  الوحدة يحتل أرجحية معنوية في ترتيب ثلاثية أهدافه التي تحولت الى أهداف للحركة العربية الثورية في نضالها التحرري ضد أعداء الأمة العربية المتعددي المشارب والمواقع من داخل الأمة وخارجها ، ودون التقليل من مركزية  الحرية في تفجير طاقات الجماهير والبناء الاشتراكي على صعيد التحولات الإقتصادية والإجتماعية.  

إن الحزب الذي إنبثق من واقع الأمة ، مبشراً  بأهداف الثورة العربية ، إنطلق   الى ميادين النضال  مزوداً بشحنٍ تعبوي في ضوء التحديات التي كانت تواجه الأمة آنذاك ، مستنداً الى ضوابط وحدة بنيته التنظيمية  بتركيبها القومي ومسترشداً  بالرؤية  الثاقبة لفكره القومي  الذي انزل  الممارسة السياسية   من أبراجها النظرية إلى واقعها العملي على طريق إعادة  بناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد المتحرر من كل أشكال الاستغلال والاستلاب. 

ياجماهير امتنا العربية 

ايها الرفاق المناضلون 

على مدى  نيف وسبعة عقود ، لم يغادر حزبكم ، حزب البعث العربي الاشتراكي ساحات النضال في مواجهة أعداء  الأمة ، كما في مواجهة قوى الاستبداد والفساد والتوريث والردة وقوى التكفير الديني والمجتمعي ، وقد حفلت مسيرته النضالية بإنجازات عظيمة  في ميدان الصراع مع أعداء الأمة من الخارج  وميدان الصراع مع قوى الإعاقة للتقدم والوحدة والديموقراطية في الداخل القومي ، وإذ تعرضت  مسيرته النضالية لإخفاقات فرضتها إختلالات توازنات القوى في الصراع المحتدم بين المشروع القومي الذي كان  الحزب أبرز حاملي لواءه بكل أبعاده ومضامينه ، وبين المشروع  المعادي المحمول على رافعة  قوى المشروع الصهيو -  امبريالي المتحالف مع الشعوبية الجديدة التي تستبطن عداءً تاريخياً ضد العروبة وقوى الرجعية ، فإن هذه الإخفاقات ما كان لها أن تطمس وتسقط مفاعيل   الإنجازات التي تحققت على مدى العقود التي سبقت ، بدءاً بتثوير الجماهير من موقع دور  الحزب في النضال السلبي   ضد المنظومات الحاكمة ، وفي النضال الإيجابي من خلال  موقعه  في الحكم الذي أدارته سلطة الحزب في العراق بعد ثورة ١٧- ٣٠ تموز المجيدة  ، والتي إستطاع من خلالها ان يقيم تجربة متميزة في البناء الوطني بكل عناوينها الاقتصادية والاجتماعية ،ومعها انتقل  العراق الى مصاف الدول التي كانت تسير بخطى متسارعة و التي استطاعت تحقيق تحولات جذرية في حياة شعوبها  وبارادة وطنية خالصة. 

إن هذه  التحولات على مستوى البناء الداخلي والدور السياسي  على مستوى العلاقات من الخارج هي التي  جعلت العراق دولة مهيوبة الجانب ، وذات دور فاعل ومؤثر   على المستويات القومية والإقليمية والدولية ، وهذا  ما جعلها عرضةً للإستهداف المعادي من التحالف الصهيو - أميركي ونظام الملالي في ايران وقوى التجزئة والتبعية والتخلف  .

ان الحزب الذي انخرط في صراع شمولي ضد اعداء الأمة من داخل الوطن العربي وخارجه ومن موقعيه في السلطة وخارجها  ، وُضِعَ  دائماً  في دائرة الإستهداف المعادي فكراً وتنظيماً وذلك لكونه صاحب مشروع   سياسي قومي بأبعاده ،  تقدمي بمضمونه . ولهذا كانت الهجمة تشتد عليه  بنفس الحدة التي تستهدف فيها  الأمة بهويتها ودورها ورسالتها الانسانية. 

واذ تصادف الذكرى السادسة والسبعين لتأسيس الحزب لهذا العام ، مع الذكرى العشرين للعدوان المتعدد الجنسيات على العراق الذي أدى الى احتلاله واسقاط حكمه الوطني ، فإن المقدمات التي سبقت  الغزو وسياقاته وما أسفر عنه من نتائج ، بيّن بشكل قاطع ، أن التبريرات التي أطلقتها اميركا وبريطانيا لشن الحرب ، أسقطتها الوقائع والإعترافات المتأخرة لقوى العدوان حيث التبريرات بنيت على تقارير كاذبة لفقتها الغرف السوداء في واشنطن ولندن للوصول الى مآربهما في إسقاط العراق كدولة محورية في البنيان القومي ، وإسقاط نظامه السياسي الذي إستفزت تجربته في البناء الوطني والدور القومي كل أعداء الأمة الذين إئتلفوا في حلف غير مقدس لضرب التجربة النهضوية التي حمل لواءها البعث منذ آلت اليه مقاليد الامور بعد ثورة تموز العام ١٩٦٨.  

إن غزو العراق وإحتلاله لم يؤدِ إلى تدمير بنية الدولة العراقية وحسب ، بل أدى إلى تفكيك بناه المجتمعية لخلق مناخات ملائمة لاطلاق الغرائز الطائفية والمذهبية والاثنية على حساب وحدة الدولة والمجتمع . 

كما  أن احتلال العراق وما تولد عنه من نتائج كان بمثابة الزلزال السياسي  والأمني والإجتماعي الذي ضرب ركائز البنيان القومي من مشرق الوطن العربي إلى مغربه ، وبما مكن القوى الإقليمية التي تجد في الفضاء القومي العربي مدى حيوياً لمشاريعها التوسعية فرصةً  إستغلتها بتسهيل اميركي ،  للتغول في العمق العربي وإعْمَال  معاولها في تدمير البنى المجتمعية العربية ، بدءاً  من العدو الصهيوني الذي يمعن تدميراً وقتلاً وتهجيراً  بجماهير شعبنا في فلسطين المحتلة وتمكينه من إختراق العمق القومي عبر توسيع مروحة علاقات التطبيع معه ، إلى نظام الملالي ، الذي أعاد استحضار ماسماه تصدير الثورة ، فإذ به يمارس كل أشكال التدمير والتهجير  والدفع بإتجاه التغيير في التركيب الديموغرافي  خاصة في أقطار المشرق العربي أن خطورة التغيير الديموغرافي الذي تقوم به ايران  وخاصة في العراق ينطوي على اثار سياسية وامنية ومجتمعية بعيدة المدى وذات طبيعة مركبة في إنعكاساتها المأساوية على الامة العربية . فالتهجير القسري وتوطين الاجانب محل السكان الأصليين لا يعد خرقا فاضحا لابسط حقوق الانسان  وحسب ، وانما هو إضافة إلى ذلك تنفيذاً عمليا لما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يعد التغيير الديموغرافي أحد أهم دعائمه الأساسية، والذي يصب بمجمله في الهدف الإستراتيجي الأساسي وهو حماية أمن دولة الكيان الصهيوني ، وكل ذلك يضطلع به النظام الايراني مدفوعاً بحقد شعوبي دفين على العروبة وثأراً من هزيمته المدوية في القادسية الثانية.  وإذ حل التدمير البنيوي في البنى العربية حيث وصلت إمتدادات  التغول الايراني ، فإن النظام التركي لم يكن أقل  شهية من نظام طهران في إحتلاله لأراضٍ عربيه وتدخله المباشر في تأجيج حدة الصراع في العديد من الساحات العربية.  

من هنا ، وعلى ضوء الواقع السائد على مستوى الكل القومي والجزء الوطني  ، فإن الأمة العربية مازالت في قلب العاصفة ، حيث  المواجهة القائمة بين الأمة وقواها الجماهيرية الحية وبين الإمبريالية العالمية والصهيونية والفرسنة والتتريك والشعوبية بكل مُضْمَرِها المعادي للعروبة  والطائفية والمذهبية والاثنية بكل مسمياتها، تستمر مستعرةً رغم  المبادرات التي تطرح حلولاً   للازمات البنيوية.   ان هذه المبادرات  لاتقارب مصالح الأمة وجماهيرها التواقة للتحرر والتقدم، وإنما تقارب مصالح القوى الطامعة بثروات الأمة والتي باتت أدوارها مكشوفة في إطار السعي لتشكيل نظام اقليمي  تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد  . والحزب  إذ ينبه ويحذر من مخاطر هذا المشروع الذي تلعب أميركا دور القيادة الاستراتجية له وبالإتكاء على مرتكزاته الإقليمية غير العربية ، فلأن هذا المشروع سيتشكل  على حساب الأمة العربية بتكوينها القومي وهويتها ورسالتها الحضارية. ولهذا فإن الحزب يعيد التأكيد  بأن الهجوم المعادي الشامل الذي تتعرض له الأمة لايمكن صده إلا بمواجهة   شاملة على مستوى الموقف والميدان ،  وإن تعديل موازين القوى لمصلحة الأمة لايتم إلا عبر ما تفرزه ساحات النضال العربي على مسارات التحرير والتغيير إنطلاقاً من فهم عميق لطبيعة الصراع الذي تخوضه الأمة   مع أعدائها ، وهو صراع   سيبقى مفتوحاً طالما بقي  الإحتلال للأرض العربية والعدوان عليها قائمين وطالما بقي الإستبداد والقمع السياسي الذي تمارسه الدولة الأمنية  قائماً .  

ويحتل ذلك أهمية مضاعفة في ظل التغيرات الكبيرة والجذرية  التي نعيشها في عالم اليوم وطبيعتها المتعددة  الجوانب، أمنياً وإقتصادياً وتقنياً، والاخذة في التغير  بوتائر متسارعة غير مسبوقة،وانعكاس كل ذلك على الدول والشعوب حيث يشهد العالم صعود قوى جديدة كالبرازيل والهند وغيرها،  وتغير في موازين القوى الدولية العظمى،  واحتمالات بلورة نظام متعدد الاقطاب. ولعل من ابرز مظاهره الحضور الروسي، وازدياد  وتوسع النفوذ  الصيني  في مناطق العالم،والتنافس الاقتصادي الشديد بينها  وبين الولايات المتحدة الامريكية وغير ذلك ،  والانعكاسات الشديدة لكل ذلك على واقعنا العربي . ان كل هذه المتغيرات المتسارعة تحتم علينا كامة حية، التهيؤلهذه المتغيرات  وان تاخذ قوى التحرر العربية دور المبادرة للتفاعل مع كل ذلك ، وعدم الابقاء على دور الانتظار ،  او الاكتفاء بردود الافعال المؤقتة ازاء الاحداث والتحولات الكبرى الجارية.

يا أبناء أمتنا العربية من المحيط إلى الخليج

في الوقت الذي ينشغل العالم بالتحديات الأمنية والإقتصادية ، علينا أن لا نغفل حقيقة أن من أهم التحديات الكبرى التي تواجهها أمتنا العربية هي  التهديد الذي تتعرض له الهوية القومية بفعل الإنعكاسات السلبية  للعولمة الثقافية.  فبالرغم من أننا لا ننكر بعض جوانبها الايجابية،  إلا أنها في الوقت نفسه تفرز تحدٍ جوهري كبير، فهي تزعزع الهوية القومية و تهزّ المرجعيات المعهودة في التربية المجتمعية ، وبالتالي فهي آخذة في تهديد الهوية والانتماء القومي للاجيال الصاعدة بشكل متزايد مما يتطلب التبني الواعي لتطبيقاتها الإيجابية من جهة، والمبادرة الحية لحماية الأجيال من إنعكاساتها السلبية .

ويندرج مع العولمة الثقافية وأحداً من أخطر التحديات التي يتعرض لها أبناء الأمة  إلا وهي مشاريع ووسائل التغييب الممنهج للعقل العربي،  ولا سيما بين شريحة الشباب والأجيال الصاعدة بين التغريب المتعمد من جهة ،  وبين المشروع الطائفي  التفتيتي البغيض، وكلاهما آخذ أبعاداً ثقافية وإعلامية وإجتماعية متعددة وصولاً إلى التغييرات الخطيرة في المناهج الدراسية لخدمة هذين المشروعين الخطيرين للقضاء على البناء النفسي للأجيال الصاعدة وإلغاء هويتها القومية وتغييب دورها المستقبلي في نهضة الأمة ومواجهة تحدياتها.

إن الحزب الذي يثق بقدرة الأمة ، إذا ما وظفت إمكاناتها في سياق مشروع المواجهة القومية الشاملة لكل تلك التحديات ، يؤكد مجدداً بأن العودة  إلى الجماهير لتفعيل حضورها ودورها عبر هيكلة حياتها السياسية على أرضية برامج التحرير والتغيير ، هو  المدخل  الأساسي لتعديل موازين القوى لمصلحة الأمة  بمعزل عن سياقات  الحسابات التقليدية.  فالجماهير التي تملك ناصية قرارها الحر والمتحرر من أشكال الإلتحاق والإرتهان لمحاور الخارج الدولي والاقليمي ، هي مادة ثورات التحرير وانتفاضات التغيير وهي كانت وستبقى  المصد الذي يحمي الأمن القومي من الإختراقات المعادية  . 

ويحتل هذا الأمر أهمية مضاعفة في ظل محددات عمل الأنظمة الرسمية العربية ، ومن هنا فاننا نوجه الدعوة إلى كل المنظمات و التشكيلات العربية من اتحادات ونقابات مهنية وجماهيرية ونخبوية وغيرها ، لتمارس دورها الطليعي التاريخي  من خلال إمتلاك زمام المبادرة في هذه المرحلة التي تشتد فيها التحديات، كما المتغيرات العالمية الكبرى ، وإرتداداتها القوية على الوطن والأمة ،  فبهذا الدور  وحده تكون الأمة العربية أمة حية جديرة بأن تواجه كل ما تمر به من تحديات وتنتصر عليها.

  أيها الرفاق المناضلون على إمتداد الوطن العربي الكبير وخارجه

  ياجماهير أمتنا المناضلة 

إن حزب البعث العربي الاشتراكي وفي ضوء التحديات القومية والإجتماعية التي تواجهها الأمة  سوف يتصاعد بنضاله على عهده  في المواجهات ذات البعد القومي ، كما على عهده في التعبير عن طموح  الطبقات الكادحة في التغيير الوطني  وفي مواجهة أنظمة الإستبداد والرجعية . وهو عندما أفصح عن ذاته في السابع من نيسان العام ١٩٤٧ ، لم يقدم نفسه كحركة تقليدية ، بل قدم نفسه كحركة تاريخية تمثل الأمة بكل تكوينها القومي والمجتمعي ، وهذا ما القى عليه مسؤولية تاريخية في تثوير الجماهير وإدارة نضالها على مسارات التوحيد والتحرير والتغيير للإرتقاء بالواقع الجماهيري العربي إلى المستوى الذي يفرض التغيير باليات النضال الديموقراطي ، والعمل لتأطير قوى التحرير  والتغيير في الوطن العربي ضمن أُطر جبهوية تلتقي  على  أرضية مشروعها السياسي القوى التي تجمعها المشتركات حول القضايا القومية والوطنية والإجتماعية.  وهنا يعود الحزب ويؤكد على أهمية قيام الجبهة الشعبية  العربية ، كي تشكل حاملة سياسية لمشروع المقاومة العربية ضد الإحتلال الاجنبي  أياً كانت مسمياته وقواه ، ومشروع التغيير الوطني الديموقراطي في الساحات الوطنية التي تناضل جماهيرها لإقامة دولة المواطنة القائمة على المساواة في الحقوق والواجبات وعلى احترام الحريات العامة  وتعزيز مبادئ حقوق الإنسان في ظل نظم سياسية تحكمها قواعد الفصل بين السلطات  وديموقراطية الحياة السياسية  والتداول السلمي للسلطة بالإستناد إلى ما تفرزه الإرادة الشعبية عبر إنتخابات نزيهة .

إن توجيه بوصلة النضال الجماهيري نحو توحيد صفوف القوى الشعبية العربية ، رؤية واطاراً ، يتطلب وحدة موقف من طبيعة الصراع العربي - الصهيوني  بإعتباره صراعاً وجودياً ، وتصعيد الكفاح الشعبي كسبيل وحيد لتحرير الارض من الاحتلال  وأنْ لا دولة وطنية فلسطينية إلا على كامل التراب الوطني. كما يتطلب الامر وحدة موقفٍ  ورؤية من طبيعة الدور الايراني ، وهذا الدور كما التركي هما دوران مهددين للأمن القومي العربي وأن حضورهما تضخم على الساحة العربية من جراء الفراغ العربي الذي بلغ ذروته بعد إحتلال العراق وإسقاط نظامه الوطني، وعليه فإن  التصدي للقوى العدوانية على إختلاف مشاربها يملي وضع حدٍ لحالة الفراغ القومي 

إن  على القوى الوحدوية العربية أن تعمل بجدٍ ومسؤولية كي تعود مصر لتلعب دورها الطليعي في مشروع الإستنهاض القومي بعد تخليصها من مكبلات اتفاقيات "كامب دافيد"، كما على القوى الوحدوية العربية أن تلاقي موقف البعث في تشخيصه لطبيعة المخاطر على الامن القومي من جراء إستمرار الإحتلال الأميركي  - الإيراني المركب للعراق ، وإعادة بناء دولته بناء وطنياً يكون حاضناً لكل طيفه المجتمعي وعبر إسقاط كل ما أفرزه الإحتلال من نتائج وخاصة ما سمي بالعملية السياسية التي عممت ثقافة الفساد وأغرقت العراق بكل الموبقات الاجتماعية التي إستفحلت بفعل التغلغل الايراني في كل مفاصل الحياة العراقية . وأن الحزب الذي يؤكد  على إستعادة مصر  والعراق لدورهما ، يؤكد أيضاً  على أن تعود سوريا قلباً للعروبة النابض  بعدما شوه نظام الردة تاريخها الوطني ودورها القومي ، وربطها في حلف مشبوه مع الشعوبية الفارسية. 

إن إعادة تشكيل المركز القومي الجاذب بمرتكزاته الثلاث اأساسية ، بقدر ما هو حاجة لتحقيق الاكتمال القومي الصلب الذي يضع حداً لحالة الفراغ التي افسحت المجال لإندفاع القوى المعادية إلى العمق العربي  فإنه ضرورة لحماية الامن القومي من بوابة الأمن المائي ، الذي تتهدده السياسات المائية  لدول المنبع المتاخمة للوطن العربي في كل من تركيا واثيوبيا  وايران  . فهذه الدول الثلاث تستغل واقعها كدول منبع للضغط على دول المجرى من خلال إنشاء السدود الحابسة للمياه وممارسة الإبتزاز وإنتزاع  المكاسب على حساب دول المصب  والذي لن يحمى الا بموقف رادع انطلاقاً من وحدة موقف قومي تجاه هذه القضية الحيوية التي ترتقي حد القضايا الاساسية بالنسبة للامة العربية.    

في ذكرى تأسيس حزب الثورة العربية ، حزب الوحدة والحرية والاشتراكية ،تنشد الأنظار إلى المعطى الإيجابي الذي أفرزه الحراك الشعبي،  الذي وأن تعرض للإختراق  وحُرِفَ عن مساره الصحيح في أكثر من ساحة ، إلا أنه يبقى  يُعبر عن   نبض الشارع العربي الذي انتفض ضد الإحتلال والفساد والتبعية في العراق ، كما إنتفض في السودان وإستطاع إسقاط نظام التمكين ، وما زال يقاوم نظام الردة وكل المحاولات الرامية للإلتفاف على مشروع التغيير الوطني وتحقيق التحول الديموقراطي في بنية النظام وتطبيق أحكام العدالة الإنتقالية على من قمع الحريات وأفسد الحياة السياسية ويسعى لرهن الاقتصاد الوطني وفق إملاءات وشروط صندوق النقد الدولي والبنوك الإستثمارية الاجنبية .  

إن هذا الحراك الذي عم الوطن العربي من مشرقه الى مغربه سيبقى علامة مضيئة  في تاريخ الحركة الجماهيرية العربية ، وأن ما اعتراه من شوائب في بعض الساحات لايسقط اهميته في تثوير الأوساط الشعبية التي إنتفضت ضد أنظمة الفساد والقمع  والتأبيد  السلطوي  ، وستبقى الدلالات الإيجابية التي أفرزها هذا الحراك تتقدم على السلبيات التي رافقته  . 

أيها الرفاق المناضلون 

يا أبناء امتنا العربية المجيدة 

في ذكرى تأسيس البعث ، حزب الوحدة والحرية والاشتراكية لابد من اعادة التأكيد على الثوابت الفكرية للحزب في إطار إعادة تجديد البناء البعثي فكراً وتنظيماً وممارسة ، بدءاً من التشديد على تأصيل الفكر المقاوم للحركة الثورية العربية كدليل لمقاومة كل استعمار واحتلال تعرضت وما زالت تتعرض له الامة في تاريخها المعاصر. 

وإنه بقدر ماتكسب أهمية عملية تأصيل الفكر المقاوم بالاستناد إلى معطى الثورات العربية في فلسطين والجزائر والعراق والسودان واليمن والاحواز وحيث تجد الأمة نفسها في مقاومة المستعمرين والمحتلين  ، فإن تأصيل  القضية الديموقراطية  ومبادئ حقوق الانسان في الفكر السياسي للحزب هو على درجة كبيرة من الأهمية ، لأن الديموقراطية التي تحكمها قواعد التعددية السياسية ، وتنشد الى أهدافها الوطنية في حماية المقومات الاساسية للاوطان ، تُسْهم في تعزيز وتمتين الوشائج الاجتماعية وتطلق الطاقات الجماهيرية بعيداً عن تعليب الانظمة الحاكمة للارادة الشعبية التي لاتجد نفسها الا في رحاب الحريات العامة. 

ومن هنا فان النضال من اجل تعزيز حقوق الانسان والدفاع عنها يأتي في صلب النضال من أجل تحقيق الديمقراطية والتعددية السياسية.  ويحتل هذا الامر  أهمية خاصة مع حلولا لذكرى العشرين لاحتلال العراق وغزوه،  لذا نوجه الدعوة الى كافة  الإتحادات والمنظمات المهنية الوطنية والعربية المعنية بحقوق الانسان الى قيامها برفع القضايا الى المحافل الدولية والأقليمية وتفعيل دورها في هذا الجانب وإبراز ما رافق هذا الاحتلال الامريكي البريطاني الايراني من خرق فاضح وغير مسبوق في التاريخ البشري لشتى انواع حقوق الانسان وبما يندى له جبين الانسانية.

وإننا في هذه المناسبة التي نشدّد فيها على ابقاء الخطاب الوحدوي متصدراً الخطاب السياسي العربي لما للوحدة من اهمية في حشد الامكانات العربية وتفعيلها بالشكل الذي يخدم مصلحة الجماهير العريضة والتأكيد على ان النظام الدستوري الافضل  لدولة الوحدة  هو النظام الاتحادي كونه يلاءم الامم التي تتشكل من تركيب  اجتماعي وجهوي متنوع وتكوين   قومي فيه اقليات قومية تحكمها ثوابت الانتماء  بالمواطنة في ظل الدولة الواحدة وولائها الى خط الاكثرية.

ان شدة المؤامرات التي تستهدف اي عمل وحدوي يجب ان لا تدعونا الى الياس و الاستسلام وترك التكامل العربي الوحدوي ليكون شعارا نظريا وحسب،  وانما الدعوة  والعمل  على ارساء بنى تحتية راسخة للتكامل العربي مهما كبرت العوائق واشتدت الصعوبات،

ومن هنا نرى ضرورة التشديد على اقامة المشاريع الاقتصادية التكاملية وربط اقطار الوطن العربي بشبكة من المواصلات والبنى التحتية والغاء الحواجز على تنقل الاشخاص والبضائع في اطار السعي لاقامة السوق العربية المشتركة . 

ايها الرفاق المناضلون 

ان حزبكم الذي يحيي هذا العام الذكرى السادسة والسبعين لتأسيسه ، هو على عهده النضالي بأن يكون دائماً حيث تكون جماهير ، حاملاً لواء اهدافها في التحرر والتقدم والوحدة ، وهو رغم مايتعرض له من عدوانية من القوى التي تناصب الامة العداء ، يتعرض ايضا بين الفينة والاخرى لعمليات تخريب من الداخل بغية التشويش على مسيرتة النضالية وارباكه وتعطيل دوره في استنهاض الجماهير على قاعدة مشروعه التحرري. لكن رغم هذه المحاولات ، فإن الحزب بقي عصياً على الاجتثاث وعلى كل اشكال الردة . والحزب الذي واجه ردة تشرين ١٩٦٣ في العراق وردة شباط ١٩٦٦ في سوريا ، استطاع تجاوز  الندوبات التي تركتها الردتين في جسم الحزب ، وهو  ما كان ليستطيع ذلك لولا قوة الشرعية التي تكمن بذاتها  قوتها المعنوية والاعتبارية وجعلت تاثيرها على مسيرة الحزب  اقوى من امكانات قوى الردة المادية.  والحزب اذ يستمر في مواقعه النضالية رغم استفراس الهجمة عليه من  قوى العدوان والردة  فلأنه حزب الامة الذي  لم يتشكل بقرار سلطوي كي يسقط بسقوط السلطة ، بل إنبثق عن إرادة شعبية  ، وطالما الشعب باق وينبض بالحياة ، فإن الحزب باق على نبضه النضالي ومسيرته تتطهر من خلال المسار النضالي ، كما تتطهر الأنهار من خلال جريانها وتشهد على  ذلك الساحات العربية التي ينخرط الحزب  في نضال جماهيرها من مشرق الوطن العربي الى مغربه. 

فاليكم أيها الرفاق ، القابضين على جمر المواقف المبدئية كل تقدير وتحية ، تحية لدوركم في مقاومة الاحتلال الصهيوني في فلسطين ، وتحية لكم في مقاومة الاحتلال الاميركي والتغول الايراني في العراق وفي الإنتفاضة الشعبية وأنتم ترفعون رايات الرسالة العربية الخالدة على إمتداد الوطن العربي وخارجه وتعملون على إحكام بناء التنظيم وتفعيل دور الحزب الطليعي في النضال من أجل الإرتقاء بنضال جماهير شعبنا على الصعيدين الوطني والقومي 


عشتم ، وعاش حزبكم العظيم ، حزب الرسالة الخالدة  والأمة العربية الواحدة 

عاشت الأمة العربية والمجد والخلود لشهدائها الابرار. 

والنحية للرفاق والمناضلين الصامدين في المعتقلات والسجون وبشكل خاص في فلسطين والعراق 

والله أكبر وليخسأ الخاسئون 

السابع من نيسان ٢٠٢٣

في السلوك الثوري للمناضل البعثي/ بقلم الرفيق البشيرالهاشمي

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

في السلوك الثوري للمناضل البعثي



الرفيق البشيرالهاشمي

يتحمل المناضل في حزب البعث العربي الاشتراكي.. مسؤوليته في اطار المبادئ والاخلاص لها نحو الفعل الايجابي.وفي الاتجاه الذي يحقق المصلحة العامة في تمكين حزبه لمصلحة الشعب على المدى البعيد في الاتجاه العام لتجسيد فكره، وفي الاتجاه المحدد المتمثل بالمراجعة وتوطيد العمل الناجح واغناء التجربة واستخلاص الدروس ورسم الخطط برؤية مستقبيلية..

والمناضل الحقيقي هو الذي يحترم موقعه في المستوى الذي هو فيه في تادية العمل باسلوب يتناسق مع حقيقة الصفة من خلال ممارسة دوره المؤثر في تحديد وانجاز واجباته في المهمة او المسؤولية المحددة انطلاقا من انه مؤتمن يمارس دوره النضالي المسؤول. مما يترتب عليه :

ان يمتلك الرؤية البعيدة،المستوى الادبي الرحب، وصياغة الهدف بضوء متطلبات استراتيجية الحزب للتحرك والتجسيد الواضح.

وان يكون له دورا بتماسك التنظيم في وحدته الفكرية والتنظيمية لتمكين الحزب قوة للانجاز واستنهاض الهمم من خلال الحياة الداخلية للحزب وتجسيد اهداف الاجتماعات الحزبية والانشطة التنفيذية. حيث يتطلب أن يوظف امكانياته التنظيمية والفكرية في ممارسات ناجحة لتحقيق الفعالية. وهو ينمو تحت الضغط والظروف الصعبة وفي مواقف معينة وفي مراحل مختلفة، لاسيما وان دوره النضالي يتاثر بالبيئة والفرص والقيود والمعاناة التي تواجهه بالافتراض الايجابي او التكيف الايجابي.

وهذا ما يعزز ثقته بنفسه ورفاقه وبفكر واهداف حزبه النضالي وبما يجعله قوة تتدفق في الحزب ومستوياته وتوجيه الطاقات الحقيقية بالجهود النوعية الاضافية باتجاه الاهداف التي حددها الحزب في الخطة المرحلية.أي ان يكون قوة تتفاعل في الاخذ والعطاء مع محيطه وبيئته في يومياته النضالية وان لايتحرك في الفراغ وانما حسب المعطيات.هذه قوة دائبة الفعالية والديناميكية التي لا تتوقف، قد ترتفع درجة نشاطها وكثافتها ومداها وقد تنخفض، لكنها لا تهمد، فهي اما موجودة فاعله أو غير موجودة على الاطلاق.كذلك في مجال توظيف الوسائل والاساليب من اجل غايات واضحة، وعلى نحو محدد ومتسق منتج يتحكم فيه السلوك الثوري يغرس عنصر الثقة والدور في نفوس رفاقه في التركيز على الانجازات الحقيقية الملموسة والاهتمام بالنتائج دون ان يفقد الصورة الكلية بالانهاك. مع التعرف على نقاط القوة والوهن عنده ولدى الاخرين دون الشعور بانهم يهددونه في المركز.ومن خلال تحديد الاولويات والالتزام بها يجري تحمل مسؤولية المهام النضالية المستدله بالاستشاره والحكمة بحكم طبيعة عمل ومهام المناضل التي تتطلب الالتزام مع اهل العلم والمعرفة والاختصاص والبحث العلمي والتجربة.وكذلك من خلال التعامل المتجسد فيهالعدل والانصاف مع الاخرين بعيدا عن العصبيات.

ومن الجوانب المهمة في نضالية المناضل ان يوفر المناخ المناسب لحرية التفكير والنقد والنقد الذاتي البناء وأن يطالب به شخصياً، مع حق التعبير الحر عن الاراء وإبداء اعتراضات والمطالبة بالردّ على الاسئلة والاستفسارات. والتبادل السليم للافكار والنقد البناء. واذا كانت هذه الامور اشبه بالواجبات والمهام فهي بلاشك تتوطد وتنمو وتتسع بما تجعل دائرة تاثير الحزب ايجابية في العاملين النضالي الحزبي والنضالي الجماهيري وهي معادلة حقيقية لاحياء الحزب، تاتي من خلال المهارات المكونه او المكتسبة من خلال المران والدرس والتدريب والتجربة للرفيق المناضل وهي تتمثل في القدرة على الاداء النضالي بانسانية عالية في التعامل مع الرفاق لادراك الميول والاتجاهات والمشاعر والثقة بالنفس ومدى قبول الفكرة او المقترح وافساح المجال لهم باظهار وجهات النظر مع الاصغاء التام واحتمالات الطرح المفيد او الوجيه.تجسرها الذهنية الوقاده لما يحمله هذا المناضل من تفكير في معالجة خطأ وتحمل مسؤولية تتطلب روح المبادرهوالشجاعة.اضافة الى المهارة الذهنية في السياسة التي تتمثل بالتبصير لمصلحة الحزب والاهداف العامة من الناحية المبدئية دون لبس في الموضوع على الاسئلة ودون الحاح.

لذلك فان الحزب من خلال مناضليه عبر تاريخه النضالي الشاق ينمو ويتقدم ويتحدى وينتصر مهما بلغت التحديات لاسباب حقيقية في المقدمة منها التعامل مع رفاقة على اسس المبادي، وضوح فكره وأهدافه ووضوح استراتيجية التعامل مع الشعب من خلال استقراءة للواقع المتحرك عبر المراحل التي مر بها في مواجهة الازمات.حتى امتلك عقلية النظر لما ينوي تحقيقه بمستوى علمي. بدءا من اختيار او انتخاب المناضل، حيث يرى الحزب برفاقه الشجاعة في المواقف والثبات على المبادي و في تبادل الشعور المتحد بالمسؤولية في وسطهم الحزبي تنظيميا ونضاليا. وبما يعمق الايمان، في مفهوم يتجسد.. طالما نؤمن بالمهمة كما هو ايماننا منذ الانتماء وتعمق عبر مسيرتنا النضالية والامتحانات والتجارب.. اذن لابد ان نكون اهلا لهذه المهمة وان نضع الهدف نصب اعيننا. وهذا بحد ذاته تنمية للشعور بالمسؤولية من خلال الثقافة الثورية والايمان بالاهداف الانية والاستراتيجية في مفهوم..ان المسؤولية النضالية تتطلب تجسيد المفهوم الالتزام بفكرالحزب وتقاليده مهما كانت صعوبة الظروف مع المعالجة في اطار الحزب ونظامه ودستورةوتفاليدهالثورية.وحتى يحقق الحزب دافعية التقدم الى امام صاحبت نضاله وعبر تاريخه روحية تشجيع روح المبادرة المحسوبة وهي القيام بفعل دون الرجوع للقيادة بسبب عاملي الزمان والمكان على اساس الوعي الذي يتحمله الرفيق المناضل في تحمل مسؤوليته مع بداهته التي تتوضح في مفهوم...ان نمتاز بالبداهة والمبادرة والشجاعة في تحمل المسؤولية التي تتطلب هاتين الصفتين الملازمتين لكل مناضل شجاع.. مع توخي الحذر ودراسة الامور قبل اتخاذ القرار بهذه المسألة او تلك. في اطار الانضباط في قيمته النفسية والمعنوية والاجتماعية و الاحترام المتبادل بين الاعلى والادنى لأنه يمثل مرتكز قوة للحزب و كما هو الضبط في الجيش الذي يشكل العمود الفقري له وهو صمام امان يجعلنا نتقيد به لانه هو التقيد بما ورد في نظام الحزب من واجبات وحقوق. رافق ذلك الاهتمام بالفعالية، وايضا انطلاقا من.. مفهوم لايمكن ان ينتج الحزب دون فاعلية ونشاط مناضليه وعلى المناضل ان يكون فعالا وقادرا على الحلول دون ان توقفه العقبات وان يكون دقيقا ومرنا اثناء التنفيذ. وفي تجسيد صفة المناضل في التواضع تحت مفهوم وعمل.. ان صفة المناضل مهمة اجتماعية يحتاج صاحبها للتخل عن الانانية والمصالح الفردية والزهو والغرور الباطل,وعكس ذلك يكون مدعاة للسخط ويعرض نفسه لعدم التقبل او الترحاب من رفاقه او الجمهور.

لذلك عد الحزب المناضل قائدا بين رفاقه وجمهوره في تصورات واهداف وطموحاته في عمله المثمر وهذا ما يلزم المناضل الالتزام بمعايير المناضل و ان يكون واقعيا علميا لان طبيعة نضاله تتطلب ان يكون واقعياً يفهم الواقع والعكس يعد اول خطوة لفقدان زمام الامور..و ان يتعرف على الواقع تفصيليا بعيدا عن الافكار المثالية الخيالية لان هنالك فرق او فجوة بين المثالية والحياة العملية، وان المناضل في حزب البعث عندما يتصلب عوده النضالي بالعقائدية فهو لايعني متزمتا بل على العكس يكون محبوبا لرفاقه وللناس وان يحقق المحبة المتبادلة بين رفاقه ايمانا منه بالانسجام وفق المبادئ وهو يحضى باحترام رفاقه وتقديرهم لما يحمله من طيب قلب واخوة وثقة وحزم.

وصفة المناضل تتجدد وتكتسب لجيل بعد جيل وحزبنا ادركها وانتهجها منذ مراحله الاولى وما تضمنته ادبياته ونشرياته ومتوجات افكاره المتقدمة اكدت ان رعاية الطاقات الجديده الشابة في الحزب واكسابها التجربه وفسح المجال النضالي لها في التبرعم والنشاط في الموقع النضالية العليا في سلم المسؤوليات واستثمار دافعيتها في التحرك والصلاحية وتعزيز الثقة بها بما يؤهلها لقيادة المرحلة طبقا لسنن الحياة الحزبية النضالية وتعدد الاجيال النضالية مع امتلاك المعرفة والثقافة والدراية والوعي امر هام وضروري وهو السبيل الناضج.وامتلاك طاقة وحيوية الشباب في الحزب واحدة من شروط حيوية البعث.. لأنه يمتلك الرؤية المستقبلية.

المسألة الفكرية ووعي المهمة التاريخية في حزب البعث العربي الاشتراكي / الرفيق الدكتور إلياس فرح

 من مختارات كتابات قادة البعث: 

ولمناسبة ذكرى مولد الحزب: 

نرى فائدة فكرية في نشر مقال المفكر الرفيق الدكتور الياس فرح عضو القيادة القومية المناضلة وم.م.الثقافة والاعلام قبل الاحتلال البغيض .


تقديم : مكتب تنظيمات ابو بكر الصديق اللجنة الثقافية  . 

المسألة الفكرية ووعي المهمة التاريخية

في حزب البعث العربي الاشتراكي

الرفيق الدكتور إلياس فرح

للحركات التاريخية التي تلبي حاجات مرحلة كاملة من حياة أمة ما علامة فارقة تكاد تشكل قانونا عاما ألا وهي بروز المسألة الفكرية .

فالحركة التاريخية تولد من معاناة فكرية عميقة وأصيلة تمتد وتشتد على مدى تطورها وحسب إيقاع نضالها والتحديات التي تواجهها ؛ والبعد الفكري الذي يميز الحركة التاريخية يشكل رقيبا عليها ومقياسا لدرجة إنفصالها عن تناقضات واقعها وإرتقائها الدائم الى مستوى التعبير الصادق عن حاجات المرحلة التاريخية لأن فكر الحركة التاريخية طاقة ثورية حية ومحرك تاريخي يتجاوز المعاني التقليدية النظرية للفكر كما أن المعاناة الفكرية التي نشأ منها هي جزء من معاناة شاملة للوجود القومي بكل أبعاده الإنسانية والحضارية لذلك فهو بقدر ما يشكل تجسيدا لمنطق المرحلة التاريخية يمثل بدوره ضمير الأمة ويعلن عن إرادتها وعن مصالح جماهيرها الكادحة المناضلة .ففي الفكر التاريخي يتحد الزمن بالعمل والدليل النظري بالممارسة النضالية وتلتقي حدود الإنتاج بالإبداع والحرية بالضرورة ويتكامل عالم القوة وعالم القيم وتتواصل أبعاد الزمن التاريخي والحضاري ويستكمل الوجود الإنساني شروط تجدده وانسجامه مع حركة التاريخ .

وهكذا فإن المسألة الفكرية في الحركة التاريخية تشكل معيارا لتمييزها عن الحركات السياسية التقليدية التي تنحصر أهدافها وآفاق نشاطها في إطار ضيق وآني وعابر من الحاجات والمصالح والمطامح لا تسكنه البصيرة التاريخية .. كما أنها تشكل بحكم إمتزاجها بآلام وهموم الملايين من البشر وبمعاناة الأمة لتناقضات واقعها وبأزمة الإنقطاع الحضاري مع ماضيها عاملا في تمييز الحركات التاريخية الأصيلة عن الحركات التي تحول فكرها الى تطبيق آلي لقوالب نظرية معزولة عن حركة الواقع الحي ؛ لأنها لم تنشأ بالأساس من معاناة داخلية ولا من تمثل لمعطيات المرحلة مستوعب لأبعادها التاريخية .

وحركة البعث هي من هذا النوع من الحركات التاريخية والتي تشكل المسألة الفكرية فيها قاعدة إنطلاقها ودليل عملها وأهداف مسيرتها فللمسألة الفكرية في البعث موقع خاص متميز ؛ فالبعث بدأ إنطلاقة فكرية جديدة في الوطن العربي ومسيرته الثورية بدأت من حيث إنتهت الحركات الأخرى التي عاصرتها وسبقتها لأنها إنطلقت من وعي لأزمة الإيديولوجيات التي عجزت عن استيعاب معنى النهضة العربية المعاصرة ومن شعور واضح بالفراغ التنظيمي والنضالي الذي بات يهدد تلك لحركات ويكاد يلغي مبرر وجودها بالمقياس التاريخي الذي تطرحه المرحلة والذي جاء البعث يعبر عنه على صعيدي الفكر والممارسة .

وقد أكد الرفيق القائد المؤسس في حديثه مع المرحوم الشاعر بدر شاكر السياب عام 1958 على أن ( البعث حركة ثورية للفكر فيها موقع خاص متميز) وعلى أن البعث قد إنطلق من التأكيد على أهمية الفكر كعامل محرك للتاريخ وأن المسألة الفكرية في البعث تطرح قبل كل شيء مسألة نشوء الحركة الثورية التي تسير مع فكرتها وفقا للإيقاع النضالي للمرحلة التاريخية وتحدياتها .

وعلى هذا الأساس ؛ فإننا نستطيع أن نتبين موقع المسألة الفكرية في البعث من خلال ما تطرحه هذه المسألة نفسها من قضايا رئيسية يمكن أن نوجزها في النقاط الأساسية التالية :

1- مسألة الإطار الفلسفي لنظرية البعث والموقع الذي تحتله الإيديولوجية العربية الثورية بين التيارات والمذاهب الفلسفية المعاصرة .

2- مسألة منهج الفكر ونظرية المعرفة ووحدة الفكر والممارسة وموقع منهج فكر البعث بين المناهج الفكرية المعروفة في الإيديولوجيات المتداولة في عالمنا الراهن .

3- قضية المنظور الحضاري لفكر البعث أي السياق التاريخي لنشأته والثقافة التي نبع منها والحاجات التي يعبر عنها .

4- مسألة فهم المرحلة التاريخية ووعي علاقة الزمن بالمجتمعات وقوانين حركة التطور الاجتماعي .

5- مسألة البعد الخلقي للفكر .

6- مسألة العلاقة بين السياسة والثقافة في فكر البعث .

-7- مسألة التحصين الفكري أمام الغزو الثقافي الإمبريالي وأمام عمليات التشويه والضياع لفكري .

-8- مسألة المعادلات الفكرية في الأصالة والحداثة – التراث والمعاصرة – الاستقلالية والإنتظام في الحركة الهامة للفكر الاشتراكية والحرية .. القومية والإنسانية .. الديمقراطية والمركزية .

-9- مسألة عمر الأفكار وحياتها وازمانها وتطورها وعجزها .

-10- المفاهيم الجديدة لفكر البعث : القومية – الحرية – الإشتراكية – الدين – الثقافة – الحضارة – الإنسان .

هكذا تشكل المسألة الفكرية في البعث جوهره المتميز والأصيل الذي إستبق به المرحلة وأستوعب طبيعتها ليس على صعيد الوطن لعربي فحسب بل وعلى مستوى القارات الثلاث التي شهدت في ثلث القرن الأخير بدء يقظة شاملة وإنبعاث بعد مرحلة طويلة من الاستعمار والتخلف والتجزئة والانقطاع الحضاري .

فالمسألة الفكرية في البعث أخذت معنى الحوار الحضاري بين الأمة العربية والعصر . ولم تكن مجرد إنضاج لتصور علمي ثوري للمرحلة التاريخية الراهنة . لذلك إمتزجت من خلال نصوص ( في سبيل البعث ) معاناة الأمة العربية بهموم العصر وجاءت تلك النصوص معبرة عن ملامح ولادة جديدة لهذه الأمة ولادة حضارية مستوعبة لمعالم التحول الحاسم في حياة العالم ككل .

فإذا إستعرضنا تاريخ السنوات التي إنقضت على تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي إستطعنا أن نتبين مسيرة فكرية نضالية ذات أفق يتجاوز إطار تحليل ظواهر المجتمع العربي وعلاج متناقضاته الراهنة الى تجديد الصلة الحية بتراثنا القومي الفكري والنضالي والى بعث النزوع الحضاري في حياة أمتنا والتفاعل مع الفكر الثوري العالمي على أساس الحوار العميق المتجاوز للتبعية والإغتراب والمعزز للأصالة .

لذلك وجدنا ( في سبيل البعث ) تدشينا لمرحلة جديدة ومستوى من الإلتحام بين الفكر والنضال وشق طريق وإضاءة لسبل الإنتقال من الإنحطاط الى الإنبعاث الحضاري الشامل . كما وجدنا ( نصوصه) تكثيفا لأجوبة جديدة على الأسئلة التي تطرحها حاجات المخاض الذي تمر به الأمة .

وما وقفنا عليه في تلك النصوص من مفاهيم ومبادئ وخط استراتيجي ونظرة تنظيمية لم تكن سوى نتائج لمقدمة أساسية ولنقطة انطلاق بدأت مع وعي اللحظة التاريخية والاستعداد لتحمل مسؤوليات ومتطلبات هذا الوعي .

فالبنى الفكرية النظرية في نصوص (في سبيل البعث) هي ثمرة لهذا الموقف التاريخي المصمم ولإرادة الانبعاث لذلك كانت أشبه بمحاولة للغوص في داخل حركة التاريخ الحي للتعبير عن قوانينها ودليلا لبعث الأمة العربية وارتفاعا الى مستوى جديد من التفاعل مع روح العصر .

ففي نصوص (في سبيل البعث) تكمن قوة روحية وقوة خلقية الى جانب القوة الفكرية لأنها انبعثت من موقف تاريخي وقراءة هذه النصوص قراءة حية تتطلب حدا كافيا من التوتر الفكري والنفسي ومن التجرد والاستعداد للمشاركة في تحمل تبعات النضال ومشقة الطريق الذي يؤدي الى انبعاث الأمة بعد انقطاع حضاري دام سبعة قرون فذلك شرط ضروري حتى يستطيع القارئ المناضل الوصول الى المنابع الفكرية والخلقية والروحية العميقة التي إنبثقت عنها نصوص ( في سبيل البعث ) .

لقد قدمت هذه النصوص أساسا فكريا وخلقيا لقيام حركة تاريخية كما إنطوت على دروس بليغة لتجارب العالم الثالث بوجه عام خلاصتها : أن التجارب النضالية في هذا الجزء المنبعث من العالم لا تستطيع أن تضمن لنفسها النجاح العميق والأكيد من دون فكر علمي ثوري أصيل وحديث فهو السلاح الأفعل والأقوى في معاركها المصيرية وهو فاعل وقوي طالما كان هذا الفكر قوة تاريخية معبرة عن إنطلاقة الأمة ونضال جماهيرها وشخصيتها الحضارية . فبمقدار اهتمامها بهذا الفكر وتقديرها لأهميته تستطيع التجارب النضالية في عالم القارات الثلاث أن تضمن إرساء مسيرتها على أساس صلب من البصيرة التاريخية .

وقد وضعت نصوص (في سبيل البعث) أمام المناضلين الذين يتصدرون لأعلى المهام التاريخية الإنبعاثية في المرحلة الراهنة الشروط المطلوبة للتعامل الحي مع الفكر الثوري الإنبعاثي حتى يتمكن من التخلص من أمراض الجمود والتحجر .والانغلاق والصنمية والتعالي على التجزئة والفقر والفشل وغيرها من أمراض الإيديولوجيات المعاصرة . فقد هذه النصوص على قوانين الحياة نفسها في التعامل مع الفكر وقدمت فكرة البعث ككائن حي يولد ولادة بسيطة متواضعة إلاّ أنها طبيعية ؛ كما أكدت تلك النصوص على أن الشروط الصحية لنمو هذا الكائن تتركز في النضال والتفاعل والحوار والنقد والنقد الذاتي وفي جعل الفكرة أخلاقية في منطقها ومنطلقها قائمة باستمرار على الالتزام بالحقيقة .

فشرط الفكر المبدع الحي أن يبقى متصلا بينابيع التجدد والإبداع وأن يبتعد عن الأمراض التي أصبيت بها الأفكار التي فقدت حيويتها في هذا العصر أمراض النزعة التجريدية والبيروقراطية والذرائعية .

وإذا كان في الدروس الغزيرة الفائدة التي تقدمها تلك النصوص ما يغري بقراءات متعددة ومستمرة فإن فيها أيضا من القضايا ما يتحدى الباحث ويحرضه لجولات ومحاولات أخرى لتوضيح أبعادها وسير مضامينها كقضية دور الفكر كعامل محرك للتاريخ وقضية علاقة الفكر بالممارسة وعلاقة الفكر بالعصر وأزمة الفكر المعاصر وقضايا أخرى كمسألة عمر الأفكار ومراحل نشأنتها ونموها وشيخوختها وقضايا التراث والمعاصرة وغيرها من الثنائيات التي تناولها فكر البعث بمنهج جدلي وأصبح يتعامل معها كأطراف متكاملة في معادلة جدلية واحدة .

فالميزة التي تكاد تشكل سر قوة فكر البعث إنما تكمن في تجاوزه للمذهبية الفلسفية من جهة ولرد الفعل الوضعي عليها من جهة أخرى وبالتالي إنضاجه لمنهج فكر علمي جدلي تاريخي ولمنظور حضاري جديد جعلا من الإيديولوجية العربية الثورية نسقا منفتحا من التصورات الملتحمة بالتجربة النضالية؛ نسقا أصيلا له جذور تاريخية وحضارية مؤمنة بالحوار الحضاري كعامل أساس في التجدد والتقدم .

لذلك فإن ما إتسمت به نصوص ( في سبيل البعث) من ميزة التحرر من المنظور الغربي قد بقيت ضمن إطار الاستعداد لمتابعة الحوار من مواقع جديدة ولم تدفع الى الإنكماش ورد الفعل على الثقافات وتيارات الفكر المعاصرة في الغرب وبذلك أكدت هذه النصوص المعنى الحضاري للاستقلالية .

إن هذه المبادئ والمنطلقات والدروس التي ينطوي عليها كتاب في سبيل البعث تشكل منارة للمناضلين من أجل تحرير الأرض وتحقيق الاشتراكية وبناء الإنسان العربي وبعث الأمة العربية فكلما ارتفعوا الى مستوى التعبير عنها وتجسيدها كلما اقتربوا من تحقيق المهمة التاريخية التي تتحدى هذا الجيل وتضع آمال الأمة فيه والخطوة الأولى نحوها إنما تكمن في وعيها .

بحث منشور بمجلة آفاق عربية

السنة الخامسة العدد 08 نيسان 1980 صفحة 24-26

الاثنين، 3 أبريل 2023

قراءة متأنية في الربيع السعودي الإيراني/ بقلم د. نزار السامرائي

قراءة متأنية في الربيع السعودي الإيراني

بقلم / د.نزار السامرائي

3

يلاحظ مراقبو المشهد السياسي الإقليمي بعد توقيع اتفاق التفاهم السعودي الإيراني، أن إيران كلما نُشرت تسريبات عن أحد ملفات الخلاف بين البلدين، كانت تُسارع إلى نفي التطرق إليه من قريب أو بعيد خلال الاجتماعات، وكأنها تبادر إلى غسل يديها مبكرا من أي التزام قانوني، وتقطع الطريق على السعودية أو المجتمع الدولي وخاصة الصين راعية الاتفاق لإعطاء تفسيرات تراها خاطئة ولا تنسجم مع تفسيراتها الخاصة لذلك الاتفاق، وإذا ما أخذنا بهذه الممارسات الاستعلائية، غير الغريبة على الغطرسة الإيرانية الفارغة، فإننا لا يمكن أن نصدق ما يذكره المسؤولون الإيرانيون، استنادا إلى عشرات التجارب السابقة، منذ وصول خميني إلى السلطة في 11 شباط 1979، سواء في طرحها شعارات شعبوية لا تؤمن بها أو ممارسة أعلى درجات التدليس على الشعوب الإيرانية نفسها، ولعل أخطرها ما حصل في تاريخ ليس ببعيد، عندما عقدت طهران اتفاقية "فضيحة" مع الإدارة الأمريكية عام 1985، والمسماة (إيران غيت) أو إيران كونترا، وهي اتفاقية سرية بين الولايات المتحدة وإيران، نصت على تزويد أمريكا لإيران، "التي كانت منهمكة في حرب طاحنة ضد العراق في ذلك الوقت" لتعزيز قوتها في مواجهة العراق، بأسلحة متطورة، ومنع العراق من تحقيق النصر عليها، وشملت الصفقة  قطع غيار لطائرات "فانتوم" التي كانت العمود الفقري لسلاح الجو الإيراني، وحوالي ثلاثة آلاف صاروخ من طراز "تاو" مضاد للدروع، وصواريخ  أرض جو من طراز "هوك"، مقابل إطلاق سراح مواطنين أميركيين كانوا محتجزين في لبنان لدى مليشيا حزب الله اللبناني، وتم الاتفاق حينئذ بين جورج بوش الأب، الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس ريغان، والحكومة الإيرانية على أعلى المستويات، في العاصمة الفرنسية باريس، وبحضور آري بن ميناشيا مندوب المخابرات الإسرائيلية الخارجية "الموساد" في الاجتماعات السرية، كل ذلك كان يجري وراء جدران مغلقة بإحكام، من نظام كان يزايد على العرب في قضيتهم "القضية الفلسطينية" ويرفع عاليا شعار (طريق القدس يمر في بغداد) في أرخص تجارة كان يمارسها هذا النظام الفاسد والذي يكذب ويعرف أنه يكذب ولا يستحي من ذلك، نعم كان لا يخجل من شيء من أجل تحقيق أهدافه التي لا تقل سوءً عن أساليبه القذرة.

وتمت إجراءات الصفقة خلافا للقانون الذي كان الكونغرس قد أصدره في وقت سابق، والذي فرض حظرا على تمويل حركة "الكونترا" في نيكاراغوا، وكذلك منع بيع الأسلحة لإيران، إضافة إلى أنها شكلت خرقا لعقوبات الأمم المتحدة على بيع الأسلحة لإيران، وفي 25 أيار عام 1986 زار روبرت ماكفرلين مستشار الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان طهران متنكرا بزي واحد من طواقم الصيانة الجوية، وعقد اجتماعات مع كبار المسؤولين الإيرانيين بمن فيهم هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس الشورى وممثل الخميني في مجلس الدفاع الأعلى، وتسربت أنباء عن الاجتماع بأن ماكفرلين جاء بقالب كيك على هيئة خارطة العراق مع سكين لقطع الكيكة، مع ما يمثله ذلك الفعل من تطابق بين الهدفين الإسرائيلي والإيراني بتقطيع أوصال العراق.  

فهل قرأت المملكة العربية السعودية هذا الملف الذي تم الاتفاق على بنوده في أكثر الأوقات التي ارتفعت فيها حدة العداء الإيراني مع الشيطان الأكبر كما كان سائدا في الخطاب السياسي والإعلامي لكلا البلدين؟ وهل استخلصت من سلوك إيران الملتوي والمناور درسا ينفعها قبل توقيع الاتفاق مع إيران التي لا تتورع بعقد أمتن الصداقات مع شياطين الأرض والفضاء الخارجي لتقوية مكانتها التفاوضية؟

هناك أسئلة كثيرة تفرض نفسها على الساحة السياسية، منها بل لعل أهمها، هل يتخذ محمد بن سلمان قراراته بمحض إرادته أم أنه يتعرض إلى ضغوط خارجية أقوى من أن يتمكن من مقاومتها؟ وما هو مصدر هذه الضغوط؟ 

هل يتعلق الأمر بتزايد الضغوط العسكرية على المملكة من جانب إيران، وبتنفيذ مليشياتها من الأراضي العراقية تارة ومن الأراضي اليمنية في معظم الأوقات؟ أم أن الأمر أكبر من ذلك وأبعد تأثيرا؟ أي أن ولي العهد السعودي يتعرض لضغوط ثقيلة من الولايات المتحدة وهي القوة التي كان يعلق عليها آماله الكبرى في مواجهة التحديات الخارجية التي تواجه بلاده إقليميا ودوليا واعتماده على الحماية الخارجية، أو الضغوط الداخلية التي تهدد مستقبله السياسي الشخصي من جانب كثير من الأمراء وكذلك المؤسسة العسكرية، الذين لا يروقهم أسلوب محمد بن سلمان في إدارة الشؤون السياسية والعسكرية وحتى الاجتماعية في بلاده وربما تقليص نفوذهم في البلاد وممارسة الرقابة على مواردهم وكيفية التصرف بها، فضلا على تحفظهم على طريقة وصوله إلى موقعه الحالي، بعد أن استبعد الأمير محمد بن نايف؟ 

لقد أوقع محمد بن سلمان نفسه في أكثر من إعلان سياسي وعسكري لم يكن قادرا على تنفيذها، أو على وجه الدقة لم يكن مسموحا له بأن يقدم عليها، فلا هو اقتبس من إيران أسلوبها الناجح في قيادة الحروب بالإنابة، فيلجأ إلى تشكيل خلايا أو مليشيات "منفلتة" كما فعلت إيران عندما شكلت حزب الله ومليشيا الحوثيين والمليشيات العراقية، فيزودها بمختلف الأسلحة بما فيها الصواريخ البالستية لتقوم بقصف الأراضي الإيرانية، وخاصة منصات تصدير النفط ومناطق انتاجه، على أن يتم القصف من المناطق الواقعة خارج السيطرة الحوثية في الأراضي اليمنية، وبذلك يتحقق توازن الردع والرعب، صحيح أن نوعية الأهداف بين البلدين لا تتكافأ في قيمتها الاستراتيجية وتكاليفها المالية، إلا أن هذا لم يرد بخاطر المسؤولين المحيطين ببن سلمان، بل ربما كانوا يتحسسون دروس الماضي القريب بعد أحداث 11 أيلول 2001، وقانون جاستا الذي كان بمثابة مطرقة توشك أن تهوي على رؤوسهم في أية لحظة.

لقد نزع بن سلمان من بين يديه أهم سلاح استراتيجي يستطيع به مواجهة العالم أجمع، وهو قوة الإسلام  ومكانة المملكة كمهوى  لأفئدة أكثر مليار ونصف مليار مسلم، يتعاطفون معها وعلى استعداد لفداء المقدسات الإسلامية بأرواحهم، حتى أن العالم كان قد أطلق على السعودية لفظ بلاد الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وعلى العاهل السعودي لفظ خادم الحرمين الشريفين، وذهب كثير من المسلمين إلى إعطاء صفة القدسية على أرض المملكة  من أقصى شمالها إلى أبعد نقطة في جنوبها، حتى أن الغضب الشعبي الإسلامي، كان يثور في حال حصول أي ممارسة خاطئة ولو حصلت في معبر عرعر أو أقصى جنوبي نجران أو المنطقة الشرقية، لأنها حصلت في ما يعتبره المسلمون بلد المسجد الحرام ومسجد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في أراضيها، لقد كان الدور الذي اضطلعت به المؤسسة الدينية في البلاد، ضمانة لمنع الخروج على القيم الإسلامية، كما يعتقد كثير من المسلمين، لكن محمد بن سلمان كان قد بدأ وسط تشجيع مليء بالخبث من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، بتقليص دورها ووضع ضوابط على ما يقوله خطباء المساجد وحتى رفع الأذان تعرض لتدخل حكومي جائر، وهذا ما عزز من دعوة بعض الأطراف المشبوهة والموالية لإيران، بالإشراف على إدارة موسم الحج وشؤون الحرمين إسلاميا، وهذا هدف استراتيجي لإيران وكأنها تسعى لتحويل الديار المقدسة إلى أكبر سرك في الهواء الطلق، يحفل بكل ما هو شاذ ومعيب، بحجة أن وضعهما تحت سلطة رجل واحد أو بلد واحد، سوف يجعلهما رهينة لتقلبات السياسة والضغوط التي تتعرض لها الدولة السعودية من الخارج، بل والمزاج الخاص بالحاكم، ومضى محمد بن سلمان بخطواته الهادفة لمصادرة خيار الأراضي المقدسة لدى أكثر من مليار ونصف المليار مسلم وكأنها ملكية خاصة له أو  لأسرة آل سعود، فبدأ بخطوات متعجلة وكأنه يسابق نفسه، وهدفه النهائي من ذلك، الغاء الطابع الديني للبلاد كلها تحت لافتة وضع حد للتزمت الذي كان سائدا، فبعد أن كانت هيئة الأمر بالمعروف أقوى مؤسسة لضبط التوجهات الاجتماعية في المملكة، حلت محلها بنفس القوة ولكن بالاتجاه المعاكس، وهي هيئة الترفيه، وكأن ما يسمى بالتزمت الديني لا يُرد عليه إلا بهذا الانفتاح الخارج عن كل الضوابط الدينية التي جاء بها الإسلام الحنيف، لقد مضى ولي العهد السعودي إلى مديات متسارعة  في قلب صورة المملكة أمام الرأي العام العالمي رأسا على عقب، على نحو أدهش من شجعه عليها، ولقد خسرت المملكة العربية السعودية كثيرا من سمعتها كراع أمين على المقدسات الإسلامية، بقرارات محمد بن سلمان والقاضية بجلب الفرق الموسيقية والغناء في هذه الأرض المقدسة بصورة مخدشة للحياء والتقاليد الدينية والاجتماعية السائدة الكثير من مكانتها في العالم الإسلامي، وعكست استياء صامتا داخل البلاد أحيانا، وفي أحيان أخرى ووجهت برفض قوي، دفع العلماء الرافضون له ثمنا غير يسير من حريتهم، وتم استبعادهم من المنابر، ولاحظ المراقبون المنصفون أن المنظمات الحقوقية في أوربا وأمريكا التي كانت تُقيم الدنيا ولا تقعدها، إذا ما تم اعتقال رجل دين شيعي واحد في السعودية، ولكن حكومات أوربا وأمريكا والمنظمات الحقوقية والإنسانية، صمتت صمت أهل القبور إزاء اعتقال العشرات من كبار العلماء في البلاد أو منعهم من الخطابة وإمامة صلاة التراويح، أللهم إلا إذا أرادت تلك المنظمات توظيفها لغرض سياسي مضاد للسعودية لاتخاذ خطوة ما تريدها تلك الجهات، على العموم سلمت السعودية بقراراتها المؤسفة، الراية لإيران كي تدعم صورتها في العالم، باعتبارها الدولة الأكثر تمسكا بأهداب الدين، على الرغم من كل الضغوط التي تعرضت لها ماضيا وحاضرا وقد تتعرض لها مستقبلا.

لا أحد يناقش حق السعودية ولا طموحات محمد بن سلمان في النهوض بالبلاد، في مجالات السياسة والاقتصاد، وجعلها في مصاف الدول المتقدمة في العالم، بسبب ما تمتلكه من موارد ومداخيل هائلة، فلا يجوز أن ترى السعودية بلدانا أقل منها ثراء وأصغر مساحة وتأثيرا، وهي تقطع خطوات أسرع مما تفعل هي، ولذلك على الحكومة السعودية أن تقدم أفضل خدمات التعليم والصحة والعمران والاسكان للمواطن، ولكن هذا يجب أن يتم بعيدا عن نزع الطابع الديني المقدس لكل من مكة المكرمة والمدينة المنورة بل والحجاز كلها.

يتبع

الثلاثاء، 28 مارس 2023

هل حقق البعث اهداف الوحدة والحرية والاشتراكية؟ / بقلم الأستاذ الدكتور سلمان حمادي الجبوري.

هل حقق البعث اهداف الوحدة والحرية والاشتراكية؟



الأستاذ الدكتور سلمان حمادي الجبوري.

في حوار للمدعو حميد عبدالله مع القيادي الطلابي الأستاذ محمد دبدب في برنامج شهادات خاصة وكعادته في التشكيك ومحاولة الإساءة الى البعث ونظامه الوطني ورموزه قال حميد عبدالله :

 ان اهداف البعث جميلة وراقية لكن الحزب لم يستطيع تحقيق أي منها وانها محض خيال واحلام . 

استفزني حقا هذا الطرح وانه ان دل على شيء انما يدل على جهل بتلك الأهداف ان لم يكن بقصد الإساءة الى الحزب وانه ينبع من نوايا خبيثة هدفها التشكيك في مصداقية الحزب. 

ان أصحاب ذلك الطرح انما يجهلون معنى ومفهوم تلك الأهداف وديناميكية تحققها . حيث ان اهداف البعث الوحدة والحرية والاشتراكية ليست مخرجات لأدوات ميكانيكية يتم الضغط على زر التشغيل فتنتج وحدة و حرية واشتراكية  انما هي اهداف فكرية نضالية مرتبط تحققها بالظروف المحيطة بعمل الحزب واولها امتلاك أداة السلطة ، وهي قابلة للتحقيق على ارض الواقع اذا  لم نقل ان بعضها قد بدأ تحقيقه منذ التأسيس والبعض الاخر تحقق جزء كبير منه منذ انطلاق ثورة السابع عشر/ الثلاثين من تموز المجيدة عام 1968. فعلى مستوى الوحدة فأن الحزب قد ولد قوميا متمثلا بقيادته القومية وهي اللبنة الأولى في وحدة العرب والتي عمل من خلالها على تعميق مفهوم الوحدة وضرورة تحقيقها تباعا على المستوى السياسي وما يتبعه من توحيد على مختلف الصعد، وتشكل الوحدة في فكر البعث مفتاح ومحور النضال العربي لان عدم توحد العرب يسهل على الأعداء التمكن منهم والانفراد بكل جزء.

 اما ما يتعلق بهدف الحرية فقد بدأ تطبيقه على المستوى التنظيمي أولا ، وبإلقاء نظرة على النظام الداخلي للحزب نلمس جذور الحرية من خلال المبادئ والحقوق التي يتمتع بها العضو اما على مستوى التحقق على المستوى العام فأن تحققه يلمس عند استلام الحزب للسلطة في أي بلد عربي فعلى سبيل المثال وطيلة الخمسة وثلاثون عاما من عمر قيادة الحزب للمسيرة في العراق ان الشعب قد تمتع بحريات مصانة عديدة بدءاً من حرية الرأي مرورا بحرية التعلم والعمل والحركة ضمن المساحة التي يحكمها الحزب كما لم يغفل الحزب السعي لتحقيقها على المستوى القومي حيث بدأ بها على مستوى العراق حيث سمح بحرية العمل والتعلم والتنقل والإقامة لجميع المواطنين العرب ومعاملتهم كعراقيين. كما دعا الحزب بقية الأنظمة العربية الى اتاحة مساحة من الحرية لجميع المواطنين العرب على مدى مساحة الوطن العربي بغية تجاوز الحدود المصطنعة التي تفصل العرب عن بعضهم وتجذر تباعدهم عن بعض وتعمق القطرية بينهم. كل ذلك كان بهدف الوصول الى حرية العرب وتحررهم من التبعية لاي معسكر خارجي يفرض عليهم الانصياع الى شروطه والانصياع لأوامره وبالتالي فقدان دوره في إدارة شؤنه بمعزل عن التأثيرات الخارجية السلبية.  

 اما على مستوى هدف الاشتراكية فأنها في مفهوم البعث تعتبر نظام حياتي كامل لا يقتصر على التطبيق الاقتصادي فحسب، وإنما يمتد إلى كل لون من ألون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، "ومع ذلك فأن التطبيق الاقتصادي هو أساس هذا النظام ومنطلقه ، ولا يمكن أن يكون ثمة اشتراكية بلا تطبيق اشتراكي، فالاشتراكية لها بداية، ولكن ليس لها نهاية معروفة، فلن يأتي يوم يمكننا القول فيه أن النظام الاشتراكي قد اكتمل نموه، لأن اكتمال النمو يعني توقف الحياة، والاشتراكية ستظل تنمو وترسخ وتمتد جذورها وفروعها إلى كل نواحي الحياة، وستتطور وتتغير ولا يمكن أن نبقى أمد الدهر على لون واحد فكما ورد نصاً في دستور الحزب وتحديداً في المادة الرابعة من المبادىء العامة (حزب البعث اشتراكي يؤمن بأن الاشتراكية ضرورة منبعثة من صميم القومية العربية لأنها النظام الأمثل الذي يسمح للشعب العربي بتحقيق إمكانياته وتفتح عبقريته على أكمل وجه فيضمن للأمة نمواً مطرداً في إنتاجها المعنوي والمادي وتآخياً وثيقاً بين أفرادها فأن إساءة فهم الكثيرين لهذا الهدف جعلهم يجحدون فيما انجز على هذا المستوى. فمن الأخطاء الشائعة بين الناس هو ان الاشتراكية تعني الاخذ من الغني واعطاءه الى الفقير بما يشبه السلب الموجه من قبل السلطة وهذا غير صحيح وهذا الذي دعا الكثيرين الى النظر الى هذا الهدف بمنظور التشكيك في مصداقيته نظرا لأنه لم يتحقق وفق فهمهم الخاطئ له في حين ان الاشتراكية لا تعني قطعا ذلك بل هي العدالة التي تتحقق من خلالها الفرص المتكافئة للشعب في حياة كريمة وسعيدة دون استغلال وبالتالي سيتم التوزيع العادل للثروة بين المواطنين. وقد حقق الحزب خلال مسيرته منذ عام 1968 خطوات كثيرة في هذا المضمار وفي جميع القطاعات بدءا من المساوات في حرية التعلم المجاني وزيادة وعي الناس من خلال محو الامية والاعلام الموجه واطلاق حرية العمل والتملك والإنتاج ودعم النشاطات الاقتصادية الخاصة وتوفير مستلزمات الإنتاج بأسعار مدعومة وبدفوعات ميسرة وكذلك تيسير الحصول على السكن اللائق وتوفير الخدمات المجانية وما الشعار الذي اطلقه الرفيق صدام حسين رحمه الله من لا ينتج لا يأكل الا دليلا ساطعا على تحقق الاشتراكية

الأربعاء، 15 مارس 2023

الانتهازية سلوك ومعالجة/ بقلم جابر خضر الغزي

بسم الله الرحمن الرحيم


الانتهازية سلوك ومعالجة

 المقدمة : ترافقت المتغيرات السياسية والحزبية وعلى مر التاريخ السياسي للحركات الثورية والمجتمع بشكل عام , فالعناصر الانتهازية التي تتماها مع المركز بالاخلاص والولاء والتفاني والخضوع والطاعة واطلاق الصفات في المهابة والتعظيم لمن هو في المركز الاول ولكنها تضمر في داخلها عكس ما تظهره مخطط الغش والخديعة والتضليل للوصول لاهداف وغايات اكيدة غير نبيلة وقد تصل للتآمر والردة لا بل الخيانة من خلال اقتناص الفرص واستغلال الظرف والمرحلة والمسؤولية , هذه العناصر ذات الالوان الشاملة الحرباوية تجيد خلط الالوان والقفز والتسلق العالي والعريض وتستطيع ان تتكيف بما يناسب سيرها بسلام داخل الحزب او المؤسسة او المجتمع او الجمعيات او النوادي وفي اي مكان , بعد ان تتاكد من ثغرات وتنفذ من خلالها كاسلوب وفي طبيعة عملها الفني المرن وهي ينطبق عليه قوله سبحانه وتعالى ( يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله اعلم بما يكتمون ) 167 ال عمران  وقد خصص جل جلاله لهم سورة كاملة هي سورة المنافقون .

ومنذ زمن بعيد تنبهت العرب الى النمط الانتهازي وقالت في عبارة بليغة مازالت تدوي في مسامع الدنيا ان فلانا يعرف من اين تاكل الكتف !!.

1- مفهوم الانتهازية كظاهرة في المجتمع.

 فهي كما جاء بتعريف الباحث علي عنبر حيث عرفها ببساطة : ( اتخاذ الانسان مواقف سياسية او فكرية لايؤمن بها في سبيل تحقيق مصالح فردية او حماية مصالح شخصية ان يتخذ الشخص مواقفه السياسية واراءه الفكرية حسب تغيير الظروف املا في الحصول على مصلحته الخاصة او المحافظة عليها دون ان يكون مؤمنا بالمواقف والافكار التي اتخذها , والانتهازية تعني التضحية بالاهداف الاستراتيجية من اجل تحقيق اهدافا مرحلية . كما ان الانتهازية ليست صناعة سهلة او قريبة المنال او متاحة لكل من هب ودب وإنما هي مهنة معقدة تحتاج لعبة مركبة تحتاج الكثير من فنون التموية والخداع والتضليل والتزوير حتى تنطلي على اذكى الناس واكثرهم شطارة وحذرا كما عبر عنها الاستاذ فهد الريماوي ).

2- السياسة الانتهازية : 

هنالك مثقف ثوري عقلاني منضبط مبدئي يسعى لتحقيق اهداف حزبه بطاعة واعية يقابله مثقف انتهازي له ظاهر وباطن وألوان عديدة يسعى لتحقيق اهداف ذاتية نفعية بغطاء اظهار طاعته وخنوعه للمركز السياسي , ان هذا النموذج وظف معارفه العلمية ليستخدم مبادئ بتعميق الصفة الانتهازية لديه , اما ابائنا واجدادنا البسطاء يصعب عليهم التعمق في هذه اللعبة لمحدودية مداركهم وعفويتهم وبرائتهم وبساطة فطرتهم وضعف قدراتهم على المناورة والتمثيل , ومعظم اقطارنا العربية شجعت النخب على اعتناق الانتهازية ونبذ المبادئ والبعض تاريخه يشهد عليه تقلب بالارتباط باكثر من منهج تارة لهذه الجهة او ممثل لتلك الجهة الاخرى ، وهلم جر والعياذ بالله سبحانه وتعالى , فاليوم تنتشر الانتهازية بالاحزاب السياسية الدينية لديها اكثر من موقف سياسي عندما تشتد الحاجة لضعف قدراتها لمواجهة التحديات وتعاظم مصلحتها الذاتية واستفحلت انانيتها وغابت مسؤولية الضمير وضمير المسئولية .

3- الموقف من الانتهازية :

 ان هذا الاتجاه الموصوف بالانتهازية اتجاه سيء فلابد لمكافحة من داخل الحزب او الحركة او الجمعية ومهمة المخلصين الثابتين على المبادئ والاخلاق الثورية  المرتكزة والمتفاعلة مع التربية المؤثرة الايجابية في المجتمع , وحزبنا حزب البعث العربي الاشتراكي حزب نظيف فبولادته وافكاره ونضاله التي لم تكن مستوردة من الخارج بل هي نابعة من تاريخ الامة وتراثها , فهو حزب رافض الانتهازية بكافة انواعها واشكالها وحيلها السينمائية في اطاريحها الداخلية في اطار سياسته , وفي اطار علاقته الجماهيرية لانها الضمانه الاكيدة للاستمرار ومشخصا وناقدا وطاردا لهؤولاء الدخلاء على الحزب . 

فالمناضل البعثي الاصيل منذ انتمائه يعي خطوات الانتهازية والوصولية وللاثورية وللامبدئية لذلك فهو مسئول عن سلامة حزبه في الوقاية والتحصن من مرض خطير يتمثل بالانتهازية , ان الذيليين يتسللون من بين الصخور ويتقدمون ويتحدثون بالوطنية والقومية والاخلاص والثورية وهو في حقيقته الهدامة باطني فاسد متاجر مستخدما وجاهته ملتويا في علاقته , وشيء طبيعي في هذا الزمن الرديء تتعرض الحركة الثورية للردة والخيانية واليوم انكشفت هذه العناصر لانها صاحبة نفس قصيرة لا تستطيع تتحمل اعباء النضال وهؤولاء النفعيون الانتهازيون لايعرفون الا انفسهم المريضة خالقين من اساليبهم القذرة وافكارهم معوقات امام مسيرة الحزب في البناء والتحرير.

4 - المعالجات :

 الانتهازية مرض له علاج ثوري واقعي عقلاني عملي من خلال تجسيد نظرية الحزب التنظيمية في الحياة الداخلية ونظامه الداخلي وتقاليده واعرافه النضالية عبر مؤتمراته القومية والقطرية والمحافظة على المناضلين الشرفاء الذين تمسكوا بالشرعية بعد الهزة الكبرى في احتلال العراق وغزوه ولا نساوي بين الشجعان والجبناء , فالمناضلون البعثيون الحقيقيون الذين جسدوا قيم المباديء والمعاني العالية لوضوح مواقفهم المبدئية لا من كان قدمه بالجنة والاخرى بالنار فلابد ان ننظف صفوفنا من الانتهازيين والنفعيين اصحاب النفاق والدجل المزورين للنضال والتاريخ والملفقين على الاخرين زورا وبهتانا وعلينا أن نجسد مقولة الشهيد المجدد صدام حسين رحمة الله عليه ورضوانه 

( من يرضى الكل يخسر الكل ) .

وعلى ضوء ذلك على كل المناضلين المثقفين المبدأيين المخلصين لامتهم لمواجهة الانتهازيين وتسليط الاضواء على نفوسهم المظلمة بالسلوك الثوري والعمل المنتج من اجل ان نوسع مزرعتنا الخضراء بالدماء الجديدة .

 ان غدا لناظره قريب

 جابر خضر الغزي