الأربعاء، 23 فبراير 2022

معنى الرسالة الخالدة / بقلم / د. فالح حسن شمخي


معنى الرسالة الخالدة

د ـ فالح حسن شمخي

 أمة عرببة واحدة    ذات رسالة خالدة  

 الجزء الأول من شعار حزب البعث العربي الاشتراكي ، واضح وصريح وليس بحاجة الى تفسير او تاؤيل ، اما الجزء الثاني من الشعار (ذات رسالة خالدة) ، فكان عليه اختلافات وتفسيرات مختلفة ومتفاوتة وثمّة عدّة شهادات شفهية معروفة تحكي الطريقة التي صيغ بها هذا الشعار، وكيف أصبح شعاراً رسمياً للحزب، ولكن المؤكد أنه لم يكن وليد الصدفة العشوائية، ففي أولى أدبيات الحزب تعرّض مفكرو البعث لمفهوم الرسالة الخالدة، حتى قبل الصياغة النهائية لهذا الشعار وتبنّيه في المؤتمر التأسيسي شعاراً رسمياً للحزب، ولم يكن المقصود من الرسالة الخالدة أنّ العرب في الماضي والحاضر والمستقبل لديهم رسالة محددة خارج المكان والزمان، يبشرون بها ويدعون إليها، بل كانت هذه الرسالة تهدف بالدرجة الأولى إلى تلبية حاجات الحاضر وضروراته، والعمل على تجاوز التجزئة .المصطنعة المفروضة 

وبالعودة الى تفسير القائد المؤسس المرحوم احمد ميشيل عفلق رحمة الله عليه ، الذي نجده في كتاب في سبيل البعث يقول:(طالما وجه إلي أعضاء الحركة وأصدقاؤها السؤال عما نعني بالرسالة الخالدة. وكنت دوماً أجيب جواباً بسيطاً لهؤلاء الذين يظن أكثرهم أن الرسالة العربية الخالدة هي حضارة وقيم معينة يستطيع العرب في المستقبل عندما يبلغون المستوى الراقي السليم المبدع أن يحققوها وينشروها بين البشر، واعتبرت هذه النظرة بعيدة عن الحياة وعن التجربة، ورأيت أنهم يحسبون الرسالة شيئاً جامداً منفصلاً عن نفوس أبناء الأمة وحياتها وتجاربها. فكنت أجيب دوماً بأن رسالة العرب الخالدة ليست للمستقبل وإنما هي الآن في طور التحقيق. إنها هذا الإقبال من العرب على معالجة مصيرهم وحاضرهم معالجة جدية جريئة وهذا القبول بان تكون نهضتهم نتيجة التعب والألم، هذا التحسس بالآفات والمفاسد التي انتابت حياتهم ومجتمعهم، هذه الصراحة في رؤية عيوبهم، هذه الجرأة في الاعتراف بها، وهذا التصميم الرجولي على أن ينقذوا أنفسهم بقواهم الذاتية غير معتمدين على قوى أجنبية أو على سحر، هذه التجربة المرة المملوءة بالكوارث... هذا الحاضر الذي يحياه العرب الآن هو بدء الرسالة الخالدة، لأنهم في هذه التجربة سيعرفون من جديد ما معنى العمل والتضحية، ما معنى التفكير السليم المستقل الذي لا يخاف ضغط الغوغاء، ما معنى الخلق الحر الذي لا يستسيغ التقليد. في هذا الحاضر الذي يبدو أسود قاتماً بشعاً فقيراً، تكمن الكنوز الوفيرة، الكنوز الروحية والخلقية والفكرية للنوع السليم من العرب، ففي كل عربي بذور السلامة والصحة). 

إنّ هذه الأمة العربية  استطاعت  وفي فترات مختلفة من التاريخ أن تقدم للإنسانية أعظم الإنجازات منذ آلاف السنين، وكانت مهد الديانات السماوية التي انتشرت في جميع أرجاء العالم، وصاغت الأبجدية الأولى التي انتشرت في القارات الخمس، وابتكرت الأرقام العربية التي لا تزال سائدة حتى اليوم في الغرب، ومعظم أنحاء الأرض، وضعت أسس قياس الزمن وتقسيمه إلى أعوام وشهور وساعات ودقائق، وأسست علوم الفلك، والرياضيات، والكيمياء، والطب، كما حظيت بأفضل الإرهاصات في العالم في مجالات الفكر، والأدب، والملاحم، وتوجت إنجازاتها بظهور الرسالة المحمدية التي صهرت جميع الحضارات العربية القديمة في بوتقة الثقافة العربية الإسلامية. وبفضل كلّ ما تقدم لا تزال هذه الأمة في جوهرها مستمرة في حاضرنا، حتى وإن فقدت اليوم شيئاً من روح المبادرة وبعض التجانس وروح الإبداع والابتكار، إلا أنها تتميز حتى اليوم بقدرتها على استعادة ثرواتها الحضارية العظيمة، عندما تعقد العزم على خلق مصيرها بنفسها، مهما كانت الصعاب، ومهما عظمت العراقيل. 

يقول كاتب ماركسي يناصب البعث العداء : (هناك شعار هو من اكبر الشعارات التي يرفعها حزب البعث بمثابة قاعدة اساسيه يبنى عليها استراتيجيته وهو شعار امة عربية واحدة ذات رسالة خالده , لقد رفع هذا الشعار في اوج الصعود والحماس القومي ولقى قبولا رائجا بين الشباب العربي وتجاوبا كبيرا ولكن بعد التجربة الطويلة بات هذا الشعار من اكثر الشعارات لافتا للنظر في المراجعة لما فيه من دوافع عمليه الى التعصب والاستعلاء, فماذا يعني امة ذات رسالة خالده ؟ان التأمل الهادئ في الموضوع يدعونا الى وعي حقيقه هذا الشعار ودلالاته ,فهو يضع للامة العربية ميزة ورفعة على بقية الأمم فهي ذات رساله وكأن ذلك قدر مقدر للامة العربية على أمم العالم بمفهوم هذا الشعار وان تلك الرسالة خالدة أي الى ابد الدهر ,اما ما هي هذه الرسالة, فعلى الأرجح كان المقصود لدى المؤسسين هي رسالة الإسلام وليست رسالة وضعية مبتكره) ، الغريب ان هذا الكاتب كان متناقضا مع نفسه فهو يعترف ان الشعار قد استقطب الشباب العربي وبان المقصود من الرسالة الخالدة هي رسالة الإسلام ومن جانب اخر يتهم .حملة شعار الرسالة الخالدة هي تعصب واستعلاء فاذا كان الإسلام متعصبا ومتعاليا فنحن كذلك 

جاء في الرسالة الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي  رحمة الله عليه  في رسالة الى شيخ من شيوخ عشائر العراق قبل اكثر من ثلاثة اعوام : (واعلم أيها الحبيب... فحيث ما ترد كلمة الأمة في رسالتي هذه إليك فاقصد الأمة العربية المجيدة وليس الأمة الإسلامية، إذ هي وحدها صاحبة الرسالة الخالدة الخاتمة تنزيلا وتكليفا وتبليغا وحفظا وأداء فعليها نزلت الرسالة وبلغتها نزلت وهي أول من امن بها وعشقتها وتعشقها، وهي التي حملتها إلى مشارق الدنيا ومغاربها، وهي الأداة الأساسية والحاسمة لحفظها، وهي وعائها ومادتها.. فالرسالة الخالدة الخاتمة عربية التنزيل والمنشأ والمنبت والنمو والازدهار والتكليف والتبليغ.. إنها عربية صميميه فأدائها وحفظها وتبليغها وعشقها وتعشقها وحمل راياتها فرض عين على العرب لا يقبل من العربي بديلا على الإطلاق وهم الذين كلفهم جل جلاله لعرضها على أمم الأرض لتهتدي بهديها بدون أكراه (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي). 

من خلال تلك الرسالة وماجاء فيها ومن خلال الخطاب  في 7/4/2019 لمناسبة تأسيس الحزب والذي تناول الأمين العام للحزب مفهوم الرسالة الخالدة والذي قال فيه:(والبعث يؤمن بما أن الامة العربية قد خصها الجليل سبحانه بمزايا وصفات وسمات خاصة ظهرت عبر تاريخها الطويل في بناء حضاراتها تجعلها على الدوام قادرة على الابداع والنهوض والتجدد والانبعاث فجعلها الله سبحانه خير أمة أخرجت للناس لكي تحمل رسالات السماء الى الأرض وتقود مسيرة الإصلاح والتغيير والتجديد ، فهي امة ذات رسالة خالدة تهدف الى تجديد الحياة وتطويرها وتطهيرها من فساد المفسدين ولإسعاد البشر على ظهر الأرض وتحقيق الأهداف الإنسانية المشتركة بين الأمم والشعوب ، أن مبدأها أي مبدأ الامة العربية الذي تُرتكز عليه في نظرتها للإنسان والإنسانية على الأرض هو ما جاء في رسالتها الخالدة في قوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله أتقاكم) أي أن خيركم هو اكثركم نفعاً وعطاء وخدمة للإنسان والإنسانية. 

فحزب البعث يجسد هذه السمات والميزات والقدرات والقيم ، التي منحها الله سبحانه للأمة العربية يجسدها في عقيدته ومبادئه وأهدافه ومنظومة اخلاقه فهو يمثل جوهر الامة العربية وروحها ، وهو المرآة (التي تُرى فيها الامة العربية على حقيقتها. 

مما تقدم نصل الى نتيجة مفادها ان تفسير الرسالة الخالدة والتي لا لبس فيه هو ما قاله الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي وماعدى ذلك فيدخل في باب (الشطط الفكري)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق