السبت، 13 ديسمبر 2025

الوحدة العربية / بقلم / د-فالح حسن شمخي

 الوحدة العربية

د-فالح حسن شمخي 


الوحدة :

هي مفهوم سياسي نادى به الشباب العربي نهاية القرن التاسع عشر جراء ماكان يعانيه العرب من فقر ومرض وجهل في ظل السلطنة العثمانية ، وان فكرة الوحدة العربية ، تقوم بالاساس على استلهام التاريخ الحضاري للعرب ، المتمثل بالمنجزات الحضارية لصدر الرسالة السماوية ومن ثم الدولة الاموية العربية والعباسية العربية الاسلامية وبالرسالة الاسلامية  ، المنجزات صدرها العرب الى الشعوب والامم ولاسيما اوربا التي كانت تعيش عصورا مظلمة ، والفكر الوحدوي يقوم ايضا على ان العرب من حقهم تحقيق حلم الدولة الواحدة بعد ازالة الحدود السياسية المصطنهة التي رسمت من قبل الاستعمار الغربي بعد الحرب العالمية الاولى.

مع النجاح الذي حققه القائد الالماني ، { بسمارك } في وحدة المقاطعات  الالمانية  ، وحققه القائد الايطالي  {غاريل بالدي } في تحقيق وحدة المقاطعات الايطالية ، سعى الشباب العربي المتنور انذاك الى التفكير في تحقيق وحدة امتهم وتحقيق اهداف الشعب العربي في التحرر والتوزيع العادل للثروة التي كانت نهب للمستعمر العثماني والغربي على حد سواء.

لكن الامر لم يكن سهلا كما كانوا يعتقدون ، فقد زرع الغرب الامبريالي ،الكيان الصهيوني في فلسطين العربية والتي يعتقد الغرب الامبريالي الاستعماري بانها ستكون الجدار العازل بين المشرق العربي ومغربه وبذلك يحول دون تحقيق الحلم العربي في الوحدة ، وعمل الغرب ايضا ،على تقسيم بلاد الشام والجزيرة العربية والعراق حسب إتفاقية {سايكس بيكو} عام 1916. لكن فكرة الوحدة لا تزال  تراود عقول وقلوب العرب في كل مكان وزمان.

ان المقومات التي تقود الى تحقيق الوحدة العربية متوفرة على امتداد الارض العربية واستنادا الى مقومات سنذكرها فيما بعد ، واذا ما قارنا الامر مع القارة الاوربية نرى ان هناك فرق شاسع بين الاقطار العربية  التي تعجز عن تحقيق الوحدة العربية وبين الدول الاوربية التي حققت الاتحاد الاوربي دون الاستناد الى اي من المقومات باستثناء المصالح الاقتصادية المشتركة ، والنموذج الاوربي هذا كما نعتقد يصلح ان يكون مرحلة على طريق تحقيق حلم الوحدة المنشودة اذا ما تمكنت الحكومات العربية من التحرر من التبعية والعمالة و العمل على تحقيق اتحادا مشابها ، على ان يكون بديل عن الجامعة العربية التي لم تحقق ماتطمح اليه الجماهير العربية ولو بالحد الادنى من التوافق.

مقومات الوحدة العربية هي:

1ـ العوامل الطبيعية: تمتدّ أراضي الوطن العربي من المحيط الأطلسي غرباً إلى الخليج العربي شرقاً، و تمتد هذه الارض امتداداً طبيعياً حيث لا توجد حواجز طبيعيةً تفصل هذا القطر او ذاك ، وقد كان لهذه الميزة أن سهّلت سبل التواصل الاجتماعي بين ابناء الامة العربية  ، وان هذا الامتداد الجغرافي الكبير أوجد تنوّعاً في الأقاليم فالمناخ السائدة التي يُمكن أن ينعكس عنها إنتاجٌ زراعيٌ ضخمٌ وثرواتٌ معدنيةٌ متنوعةٌ بحيث تتكامل الدولة العربية الموحّدة بجميع الميادين الاقتصادية.

2 ـ العامل التاريخي: للعرب تاريخ مشترك ، على امتداد الارض العربية ، حيث يتاثر الشعب العربي من المحيط الى الخليج ، بنفس الأحداث التاريخية التي مرت في المنطقة في مرحلة ما قبل وبعد الإسلام الحنيف ، وان ما يحدث اليوم في العراق ولبنان والجزائر والسودان سيضاف حتما لتاريج هذه الامة ، فالثورات الشبابية في هذه الاقطار تحمل نفس الشعارات وتتطلع لنفس الاهداف .

3 ـ اللغة العربية : ان جميع العرب وعلى امتداد الارض العربية وبغض النظر عن دياناتهم وطوائفهم ، يتحدثون لغةً واحدةً هي اللغة العربية {لغة القران المجيد}، وهي أداة للتواصل الاجتماعي ، وتوحيد الفكر على مرّ التاريخ.، الفكر الذي نتج عنه تراث الحضاري  ، والذي  استطاع العرب من خلاله تحقيق الكثيرٍ من الإنجازات العلمية التي ساعدت في بناء  مجدا حضارياً عظيماً ممّا جعل لهم هويةً ثقافيةً مميّزةً تجمعهم تحت رايةٍ واحدةٍ.

في نيسان العام 1947  م ، تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي ، و خرج علينا الشباب العربي من المؤسسين بمخرجات تتعامل بمفهوم جديد مع الوحدة العربية لاعلاقة لها بالبسماركية ولا بغيرها ولا هي استنساخ للتجارب الاوربية في هذا المجال ، بل هي تصورات وافكار ناتجة من رحم الامة العربية والذي عبر عنها القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق رحمة الله عليه ،  في مقالة {للوحدة طريق واحدة } المنشور في 21/6/1957، حيث ربط المشروع الوحدوي بمناهضة الحكومات العميلة في الداخل، وبالتالي بتحقيق مطالب الشعب الاجتماعية، وبمناهضة الاستعمار في الخارج، حيث كتب في تلك المقالة  :

 {الوحدة ليست مطلباً معزولاً عن واقع الظروف والشروط السياسية والاجتماعية، بل هي تعبيرٌ عن هذه الظروف والشروط وجزء لا يتجزأ منها… فلا يمكن للوحدة غير طريق واحد هو طريق التحرر والتقدم والنضال السياسي والاجتماعي… والعرب اليوم ليسوا مخيرين بين وحدة شعبية تقدمية وبين وحدة تقوم على أيدي الملوك والإقطاعيين، بل هم مخيرون بين هذه الوحدة الشعبية التقدمية التي هي وحدها ممكنة التحقيق وبين بقاء التجزئة } .

وفي مقال اخر بعنوان {اتحاد سورية ومصر ثمرة النضال العربي وضمانة استمراره} ، نشرت في 22/6/ 1956، اكد القائد المؤسس على فكرة الترابط بين النضال من أجل الوحدة والنضال من أجل التحرر:

{لأول مرة أيضاً يظهر أن العقبات التي تعترض سبيل الوحدة هي نفسها التي تعترض سبيل التحرر، وأنها في الدرجة الأولى عقبات عربية ناتجة عن فساد الوضع الاجتماعي الداخلي.  ولقد أدت الخطوات التحررية التي حققتها مصر وسورية في العام الأخير إلى طرح شعار الاتحاد بين هذين القطرين كشيء واجب التحقيق العاجل.  ولكن التلكؤ في الاستجابة لهذا المطلب القومي الواقعي لن ينتج عنه مجرد تأجيل للاتحاد بل تعريض لخطوات التحرر نفسها أن تتراجع وتنتكس.  فالنضال العربي غدا ذا منطق قاهر، وعليه أن يتقدم دوماً لكيلا يضطر إلى التراجع } .

ان هدف الوحدة العربية هدف استراتيجي في ايدولوجية حزب البعث العربي الاشتراكي ، كان وسوف يستمر كهدف معاصر لنفسه وللزمن الثقافي والتاريخي ، ذلك لان هدف الوحدة في محتواه الفكري قادر على تقديم الدليل الأكثر خصوبة في واستيعاب الواقع العربي الموضوعي الحالي ، استيعابا منطقيا ويؤكد على الجانب  الإيجابي لهذا الهدف ، الذي يقود الى مراجعة تاريخية واعية وقراءة تطبيقية في الجوانب العلمية النهضوية المجتمعية الطموحة الكامنة في داخل العقل العربي ككل .

اقر دستور حزب البعث العربي في المؤتمر التأسيسي الأول عام 1947 م الى  ان:

 {العرب امة واحدة لها حقها الطبيعي في ان تحيا في دولة واحدة وان تكون حرة في توجيه مقدراتها} ، ولهذا فان حزب البعث العربي الاشتراكي يعتبر:

 1 ـ الوطن العربي وحدة سياسية ـ اقتصادية لا تتجزأ ، ولأيمكن لأي قطر من الأقطار العربية ان يستكمل شروط حياته منعزلا عن الاقطار الاخر.

2 ـ الامة العربة وحدة ثقافية وجميع الفوارق القائمة بين أبنائها عرضية زائفة تزول جميعها بيقظة الوجدان العربي.

3 ـ الوطن العربي للعرب ولهم حق التصرف بشؤونه وثرواته وتوجيه مقدراته.

اننا ومن خلال هذه الرؤية لا نريد ان نتعامل مع هدف الوحدة كهدف خيالي ( طوباوي ) لا يمكن تحقيقه بل نريد ان نتعامل مع هذا الهدف في موضوعية وعلمية تستند الى المنهج البعثي الذي يقول الى تحقيقه ،  فالوحدة العربية نظرية ليست بحاجة الى اثبات ، بل هي واقع يحرك أعماق الجماهير لاسيما ونحن نعيش اليوم الحالة الثورية التي يعيشها شباب الامة العربية في ساحات التحرر والعزة والكرامة ، من خلال شعاراتهم التي تبحث عن وطن ، والبعث عن وطن هو مرحلة على طريق البحث عن امة ، وان أي دراسة تاريخية واعية ستقودنا الى تأكيد ان هناك ملامح بطولية سجلها التاريخ تعود بالاساس  الى الوحدة كمنطلق وكغاية في الحياة ، لأنها استجابة الى واقعية الضمير العربي وعقله المبدع..​

فالعرب بناة حضارة قامت على الوحدة وقدرتها الذاتية من خلال تماسكها ، وصلبتها واندماجها في الوعي الايديولوجي والمضمون الاجتماعي ،ومنها نتج الانبعاث الحضاري،  والعرب الوحدويون هم الرجال القادرون على فهم الحياة فهما علميا وعمليا وواقعيا، مستندين الى استلهام التاريخ الحضاري لامتهم.

ان هدف الشباب العربي الثائر والصامد في ساحات العز والتحرير رافعا شعار الحرية والتوزيع العادل للثروة والبحث عن هوية وطنية ، لن يستطيع تحقيق هذه الشعارات بعيداعن العمق العربي والمشروع الوحدوي ، كمشروع حضاري لأنه يقدم للانسان العربي كانسان منتج حضاري وتاريخي  يواجه من خلاله  التعددية السلبية وما تجلبه من ويلات على اقطارنا العربية والمتمثلة في الفئوية والطائفية والنظرة القطرية الضيقة.

نعتقد جازمين ، ان المشروع الوحدوي لا يهدف الى الغاء الدولة القطرية والقيادات القطرية كمرحلة اولى على طريق تحقيق حلم الوحدة، فتلك حقيقة واقعية لا يمكن المساس بها في عصرنا الحالي ، ولا هي دعوة سياسية لإرجاع الخلافة او السلطنة ونظامها العقيم ، بل هي دعوة توحيدية منبثقة من مصلحة الجماهير العربية وفي المقدمة الشباب الذين يمثلون الاكثرية والذين هم اصحاب المصلحة الحقيقة بالوحدة العربية ، على الوحدويون العرب ان يتعاملون بواقعية وحكمة مع الواقع العربي والاستجابة لمطالب الشباب العربي  السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية .

ان هكيلية حزب البعث العربي الاشتراكي والتي اعتبرت القيادة القومية اعلى سلطة في الحزب هي تصور جديد انتجه العقل البعثي العربي من الممكن دراسته والاقتداء به عند التفكير بالمشروع الوحدوي ،والمشروع الوحدوي كما يراه البعث  هو مشروعا تحرريا اشتراكيا على الرغم مما تعرض ويتعرض له التصور البعثي من تشكيك يعتمد على مفهوم غريب يحت عنوان {انتهاء عصر الايدلوجيات والاحزاب الايدلوجية } ، وهذا المفهوم تقف وراءه دوائر متعددة من مصلحتها بقاء الامة العربية ممزقة .)

ان الدوائر التي تعقتد ان ايدلوجية حزب البعث العربي الاشتراكي ، ايدلوجية في طريقها الى الزوال ، هم قطعا يعيشون وهم لانهم لايعرفون ان الحاضر المعاش اليوم وفي العام 2020 م هو عام البعث حيث ترفع الثورات الشبابية على امتداد الوطن العربي شعارات واهداف تنسجم مع ما جاء في ايدلوجية واستراتيجية البعث منذ التاسيس عام 1947م  ، فحزب البعث العربي الاشتراكي حزب ، حركي متطور ، و انبعاث متجدد رافض للعدوان والظلم والتبعية.​

ان الغرب الامبريالي يعمل وبجد على ضرب البنية التحتية لمجتمعنا العربي ، وتخريب الاقتصاد القومي من خلال جملة إجراءات هدفها سلب إمكانيات الشعب العربي ، وتحويلها الى الطبقة الرأسمالية التي تحكم العالم ، وما تقدم يقود الى ان هدف الوحدة العربية هو هدف واقعي وفيه الخلاص ، واننا بالوقت الذي نشير فيه الى ان المشروع الوحدوي هو الحل ، فأننا نتطلع وبنفس الدرجة الى زيادة الوعي العلمي

والثقافي لأبناء امتنا العربية ، وندعو الى نبذ الخلافات العربية البينية وما يؤدي اليها ، وندعو الى تقبل عالم اليوم تقبلا علميا و عمليا ، دون خوف او دفاع عن الماضي ، بوعي اجتماعي مصون وفهم حضاري للتراث وللتاريخ وللجغرافيا ، وهذه العناوين هي ذاتها التي تدعونا الى محاربة العنصرية والطائفية والفئوية.

المتابع للمشهد في ساحات التحرر العربية ، يلاحظ بوضوح ان الشباب العربي في  العراق والجزائر والسودان وعلى امتداد الارض العربية يخرج باعداد غفيرة الى الساحات والشوارع في تظاهرات ثورية مطالبين فيها  بالتغير الجذري ويهدفون الى  استرجاع الهوية الوطنية التي هي مقدمة لاسترجاع الهوية القومية والتي ينتج عنها تحقيق الوحدة العربية التي هي الهدف السامي الذي سيحقق العرب التحرر الناجزوالانعتاق والتوزيع العادل للثروات العربية .

يخرج الشباب العربي  لتحقيق هدف القضاء على الذيول والعملاء ، التابعين للارادة الاجنبية ، والتي اسست لهم حكومات هدفها الاول هو  استهدفت الكرامة والشخصية والشرف وكل ماله علاقة بالمعاني الاعتبارية للانسان ، والانسان كما نعرف  يقدم نفسه قربانا على امتداد التاريخ للدفاع عن كرامته وعزة نفسه ووطنه وارضه وعرضه وماله وهي كلها قد انتهكت في ظل الحكومات العميلة الجائرة .

يقول القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق  في حديث مع رؤساء ومندوبي فروع الاتحاد الوطني لطلبة العراق خارج القطر في 11 ايار 1980 ، وتحت عنوان { الشباب جيل الثورة العربية }  :

{ ان حزبنا في فكرته الأساسية اعتبر الثورة العربية ثورة الجماهير الواسعة الكادحة وليست ثورة فوقية، او ثورة نخبة او ثورة طبقة، وانما ثورة مجموع الشعب باستثناء الفئات المريضة المستغلة والفاسدة والتي هي دوما قلة.

ان الحزب أعطى، منذ تصوره الأول، للشباب وللطلاب هذا الدور التاريخي باعتبارهم الطليعة المهيئة والمؤهلة لان تفهم وتعي قبل غيرها من فئات الشعب ضرورات الثورة وضرورات الانقلاب العميق ونوعيته ومداه وأبعاده، وان تعطيه ابعاده التاريخية وان تتقدم الصفوف وان ينتقل الفكر الثوري والايمان بالقضية منها الى جماهير الشعب. لقد لاحظتم من الكتابات الأولى منذ بدايات الأربعينات، وحتى قبل ذلك التاريخ، هذا التركيز على الشباب، على الجيل العربي الجديد وتحديد المواصفات الاساسية لهذا الجيل.

ليس كل الشباب هم جيل الثورة العربية اذ لا بد من توافر شروط معينة لان هناك حركات رجعية وفاشية اعتمدت على الشباب، لان الطبيعة زودت الشباب بالحيوية والاستعداد للثورة وللنضال. ولكن اذا لم تقترن هذه المؤهلات الطبيعية بالفكر الثوري الصحيح وبالمبادئ السليمة يمكن ان تنحرف الاستعدادات الطبيعية ويمكن ان تشوّه وتسخّر لأغراض مناهضة للثورة }..

ويقول ايضا:

 {ان المنطق الثوري الذي تضمنته فكرة البعث هو منطق ثورة دائمة متجددة، ويكفي ان نأخذ موضوع الوحدة العربية وان ننظر الى فكرة الوحدة في منطق البعث، لنتأكد بان ثورة البعث هي ثورة دائمة لا تتوقف ولا تنتهي لان الحزب يعتبر ان كل انجاز في حدود القطر الواحد يبقى ناقصا ومعرضا للتشويه والضياع ما لم يكن خطوة دافعة الى النضال الوحدوي. فالوحدة العربية التي هي أبعد الأهداف القومية وأصعبها، ستبقى المحرك الأساس لثورة البعث ولصحة منطقه، ان من دواعي السرور ان يكون هذا اللقاء مع الرفاق الآتين من المنظمات الشبابية والطلابية في الخارج، فهذا يعطي صورة مكتملة لتصور الحزب، كلكم ناضلتم في هذا القطر وسجلتم بطولات مشهودة ولكن طبيعة المهام، وطبيعة العمل، اقتضت ان يذهب قسم منكم الى الخارج وان تبقى الأكثرية في طبيعة الحال متابعة نضالها داخل القطر. فالابتعاد او الاغتراب والاطلاع على أنماط جديدة من الحياة العصرية مطلوب وعامل مكمل لتصور صحيح لدور الشباب ودور المناضلين البعثيين.

ان حزب البعث العربي الاشتراكي وضع الوحدة العربية  كهدف استراتيجي  له، ان يحقق للامة العربية النهضة المناسبة مع العصر الحديث والتي فيها المقومات الأساسية لمجاراة الأمم الراقية.

 ان الثورة في القطر العراقي تستلهم الثورة العربية بكل أبعادها وأهدافها، وان الجماهير الشعبية في هذا القطر قد وصلت الى مستوى من الالتحام بالثورة والتفاعل الخلاق معها لم تبلغه في اي قطر آخر وفي أي زمن سابق، وهي مندفعة بقلوبها وعقولها لتكون صانعة لثورة البعث، لثورة الوحدة العربية. لا يجوز ان يغيب عن أذهاننا ان الثورة العربية هي بحجم مكانة الأمة العربية في التاريخ وفي العصر الحاضر، وأعداء الأمة العربية يعرفون هذا الحجم ولذلك هيأوا في الماضي ويهيئون يوميا الوسائل لتعطيل هذه القوة}.

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2025

التنظيم بين النظرية والتطبيق /بقلم / د. فالح حسن شمخي

 

 التنظيم بين النظرية والتطبيق 


 د- فالح حسن شمخي 

المقدمة 

تعتمد الأحزاب الثورية (نظرية ) هي نتاج دراسة القوانين المحركة للواقع الذي تولد فيه ، ودائما ماتكون الدراسة ، دراسة علمية ، تحليلية .

من هذه الأحزاب هو حزب البعث العربي الاشتراكي الذي ولد في امة تعاني من انحطاط وتدهور قل مثيله فالفقر والجهل والمرض والمستعمر الطامع بخيرات هذه الأمة ، فكانت ولادته نتيجة لتبلور الوعي لدى طليعة درسة الواقع دراسة علمية ,توصلت الدراسة الى إن الأمة العربية هي من الأمم الحية التي ستنهض سريعا إذا ما توفرت لها أسباب النهوض ، فكان أن خرج البعث بنظريته التي يعتقد بأنها ستكون من المرتكزات الاساسية التي سترتكز عليها الأمة في نهوضها ولخص نظريته بشعاره ( امة عربية واحدة  - ذات رسالة خالدة ) وبأهدافه الإستراتيجية وهي (الوحدة والحرية والاشتراكية) ، وبما إن النظرية بحاجة إلى أن تنقل إلى حيز الواقع أي إلى التطبيق العملي ، فقد عمل الحزب وعلى مدى الأعوام الذي حكم فيها العراق من العام 1968ـــ2003 إلى نقل النظرية إلى الواقع العملي كتطبيق ، ومن البديهي فان هناك جدلية  تقول ان الواقع سيغني النظرية وان النظرية ستغير ذلك الواقع مع الاخذ بالاعتبار ان النظرية قد تصطدم بالواقع الذي يرفض البعض منها، وهنا لا نريد التحدث عن النظرية البعثية والتطبيق لما لها وما عليها ، إن ما نريد تسليط الضوء عليه هو الناقل الذي يضطلع بدور مميز بتطبيق النظرية على الواقع المعاش ،  وهو التنظيم الحزبي الذي يترجم النظرية في الواقع العملي وينقل الدروس المستنبطة من الواقع لا أغناء النظرية.

التنظيم و الثقافة التنظيمية 

التنظيم هو نظام القيم والعادات والتقاليد والطقوس والرموز السائدة بين أعضاء الحزب بدعم من النظام الداخلي والدستور ومدى الالتزام بهما، وهذا الالتزام هو ما ميز تنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي عن غيره من التنظيمات الأخرى .

وتعتبر الثقافة التنظيمية عنصرا مهما في التأثير على السلوك التنظيمي. وتختلف النظرة للثقافة التنظيمية، حيث يتعامل معها البعض باعتبارها عاملا مستقلا. والنظر للقيم بأنها تنتقل بواسطة العاملين إلى التنظيمات كأحد نواتج التنظيم المتمثلة بالقيم، واللغة المشتركة, والرموز والطقوس المختلفة التي تتطور مع مرور الوقت. وتؤكد هذه النظرة على أهمية الإجماع والاتفاق على مفهوم الثقافة التنظيمية وجزئياتها المختلفة من قبل القيادة والقاعدة.

فالثقافة التنظيمية عنصر أساس موجود جنبا إلى جنب مع مكونات التنظيم الأخرى من الأعضاء والأهداف والهيكل التنظيمي ووفقا لهذه النظرة فان من الواجب  إدارة الثقافة التنظيمية بشكل يحقق الأهداف التي يسعى إليها التنظيم .

إن إمكانية حدوث الصراع داخل التنظيم قائمة ولان الصراع ظاهرة طبيعية في حياة الأفراد والجماعات والمنظمات والمجتمعات على حد سواء ، فالصراع إحدى الإفرازات الاعتيادية للتفاعل الاجتماعي القائم بين الأعضاء ، كالتعاون والمنافسة والمهادنة والتقليد والمحاكاة ...الخ ، وهو من الظواهر الطبيعية في العلاقات والتفاعلات الاجتماعية، ونظرا لكون طبيعة الأعضاء  تستدعي التطور والتغير ولأن الاستقرار والثبات حالة غير طبيعية ، ولذا فان الصراعات غالبا ما ترافق التغيرات الحاصلة في مجمل العلاقات السائدة .

وقد يتعامل مع الثقافة التنظيمية باعتبارها تتشكل وتتطور بشكل تدريجي، وقد تكون ثقافات متعارضة ما بين الحلقات الفرعية  في التنظيم وما بين الثقافة التي تتبناها القيادة العليا لذا يقتضي  بذل جهود التقريب بين هذه الثقافات توخيا لسلاسة العمل وتقليل التناقضات ما أمكن الأمر .     

ما الذي نعنيه بالثقافة التنظيمية ؟

هي البرمجة الفكرية ، خاصة بأعضاء التنظيم الحزبي الذين يعملون في بيئة معينة ، حيث يبحث عن التلاؤم أو التكيف معها، فالثقافة التنظيمية أحد عناصر البيئة الداخلية للتنظيم الحزبي ، وهي محصلة للعلاقات المتكررة بين الأعضاء، والتي تشكل أنماط سلوكية للنظام التنظيمي ، الذي يكيف الأعضاء مع متطلبات العمل التنظيمي من خلال تلك البرمجة الفكرية، وهذه البرمجة الفكرية هي نمط من الافتراضات الأساسـية، الـذي ابتـدعه  و طوره التنظيم الحزبي خلال مسيرته النضالية ليكون السبيل للإدراك، والتفكير والإحساس في كل ماله علاقة بالمشاكل التي تنشأ جراء العمل .

 أن الثقافة التنظيمية هي كل ما يشكل هوية التنظيم، ويميزه عن غيره ثقافيا، بما يحقق التماثل بين أعضاءه  في السلوكيات الموجهة في حل المشكلات التي تواجه أعضاء التنظيم  كتجمع هادف.

أن الثقافة التنظيمية بمكوناتها تفيد في توجيه السلوك في حل المشكلات الداخلية و الخارجية للتنظيم في اتخاذ القرارات المناسبة ،وتعني الأنماط، والتكون، والممارسات التي تحدث أثناء العمل الحزبي ، وقد تكون نتيجة للأعضاء أنفسهم، أو نتيجة الأنظمة والقوانين، والأعراف .

اهم مايجب ان يشيع في الثقافة التنظيمية  :

الإبداع والمخاطرة: 

أي درجة تشجيع الأعضاء على الإبداع والمخاطرة، حتى يكونوا مبدعين ولديهم روح المبادرة، والمدى الذي يكون فيه الأعضاء جسورين و يسعون للمخاطرة.

الانتباه إلى التفاصيل:

 الدرجة التي يتوقع فيها من الأعضاء أن يكونوا دقيقين منتبهين إلى التفاصيل.

 الانتبـاه نحو النتـائج:  

درجة تركيـز قيادة التنظيم على النتائج ، وليس العمليات المستخدمة لتحقيق هذه النتائج.

- التوجه نحو الأعضاء: درجة اهتمام القيادة بتأثيرها على الأعضاء داخل التنظيم.

- العدوانية: درجة عدوانية الأعضاء وتنافسهم، لا سهولة، ولا ودية التعامل معهم.

 - درجة وضوح الأهداف والتوقعات من الأعضاء ، أي مدى توجه التنظيم في وضع أهداف وتوقعات أدائية واضحة.

- درجة التكامل بين المنظمات المختلفة في التنظيم للعمل بشكل منسق، و درجة التعاون و التنسيق بين مخلف وحدات وأقسام المنظمة. 

- مدى دعم القيادة العليا للأعضاء ، في قدرتها على توفير اتصالات واضحة، و مساعدة ومؤازرة الأعضاء الفاعلين.

- مدى الرقابة المتمثلة في الإجراءات والتعليمات، وأحكام الإشراف الدقيق على الأعضاء .

- مدى الولاء للمنظمة الرئيسية وتغليبه على الولاءات التنظيمية الفرعية الذي يعبر عن الشرعية الحزبية.

- طبيعة أنظمة الحوافز والمكافآت، فيما إذا كانت تقوم على الأداء أو معايير الوساطة.

- درجة تقبل الاختلاف بسماع وجهات نظر المعارضة، أي درجة تشجيع الأعضاء  على إعلان الانتقادات وفق مبدءا النقد والنقد الذاتي وبصورة مكشوفة والتسامح.

- طبيعة نظام الاتصالات وفيما إذا كانت قاصرة على القنوات الشرعية التي يحددها نمط السلم الحزبي، أو نمط شبكيا يسمح بتبادل المعلومات في كل الاتجاهات كالاتصالات الجانبية المقيتة.

- درجة المبادرة الفردية أي مستوى المسؤولية وحرية التصرف الممنوحة للأعضاء.

- طبيعة صنع القرارات و أسلوب اتخاذ القرار، بالمشاركة أو بطريقة فردية. 

تلعب الثقافة التنظيمية دورا حيويا في نجاح أو فشل التنظيم، بتأثيرها على العناصر التنظيمية والأعضاء في التنظيم ، أن سر نجاح التنظيم  في سيطرته و سيادته.

اتخاذ القرارات: 

تقسم حالات اتخاذ القرارات إلى ثلاثة حالات رئيسية، وذلك وفقا إلى توفر أو عدم توفر معلومات وهذه الحالات هي :

1 ـ اتخاذ القرارات في حالات التأكد:

في ظل حالات التأكد يتوافر لدى القيادة العليا كافة المعلومات اللازمة عن عناصر تقييم البدائل المتاحة، وتستطيع القيادة أن تحدد كافة المعلومات اللازمة عن كل بديل والمتعلقة بعناصر المفاضلة بينها، حتى يتمكن من تقدير الترتيب النسبي لكل بديل وتحديد مساهمة كل بديل وتحديد مساهمة كل بديل في تعظيم النتائج المرجوة. 

2 ـ اتخاذ القرارات في حالات عدم التأكد:

أحيانا يتوافر لدى متخذ القرار معلومات عن النتائج المحتملة لكل بديل من البدائل المتاحة، وهذا يعني عدم التأكد من نتائج عناصر تقييم كل بديل، وهنا تزداد المشكلة تعقيدا؛ حيث أن القيادة لا تتمكن من جمع المعلومات الكافية عن البدائل المتاحة، حتى تتمكن من اختيار البديل الأحسن، ويتطلب الأمر في هذه الحالة الاعتماد على مزيج من الخبرة الشخصية والحلول الذاتية وأسلوب المحاكاة، حتى يستطيع التنظيم من التغلب على حالات عدم التأكد والوصول إلى اختيار البديل الأنسب وتجنب مشكلة الاختيار الخاطئ.

3 ـ اتخاذ القرارات في حالات المخاطرة:

في حالات المخاطرة يواجه متخذ القرار مشكلات تتعلق بتقدير نتائج كل بديل من البدائل المتاحة وفقا لعناصر التقييم المختلفة، فالقيادة لا تستطيع أن تلم بجميع جوانب المشكلة وتحديد بدقة نتائج كل بديل ،نظرا لعدم توفر المعلومات الكافية ، وبذلك تزداد درجة المخاطرة في تحديد النتائج المتوقعة من كل بديل. ويتوقف النجاح في اتخاذ القرار واختيار البديل الأحسن على مهارات وخبرات القيادة وكذلك الاستعانة والمشورة مع أعضاء القيادة العليا.

العوامل المؤثرة في عملية اتخاذ القرارات في التنظيم

يعتبـر اتخاذ القرار جوهر عمل القيادة ونقطة الانطلاق بالنسبة لجميع الأنشطة التي تتم داخـل التنظيم ، وتزداد أهمية القرارات كلما كبـر حجم التنظيم ، وتعقدت وتشعبت نواحي أنشطته.

هناك عدة عوامل تتأثر بها القرارات من بينها

-العوامل الخارجية:

يمثل التنظيم جزء من تنظيمات الحزب، فهو يتأثر مباشرة به، ومن بين العوامل الخارجية التي تؤثر على عملية القرارات هي العوامل الاقتصادية، السياسية والاجتماعية، القيم والعادات والقوانين الحكومية والرأي العام، وكذلك السياسة العامة للحزب.

السياسة العامة للحزب.

-تأثير البيئة الداخلية: ومن العوامل التي تؤثر على اتخاذ القرار تلك التي تتعلق بالهيكل التنظيمي، وطرق الاتصال، وطبيعة العلاقات الإنسانية السائدة وإمكانية الأعضاء، وقدراتهم. كما أن نوعية القرارات تتأثر بالقيم والمفاهيم التي يعمل ضمنها المسؤولين في التنظيم لمواجهة المشاكل التي تستدعي الحل .

-العوامل النفسية: أن أهمية الجوانب النفسية لمتخذي القرار،من بين أهم العوامل المتحكمة في سلوك القائد المتخذ للقرار، ولذلك يصبح تأثيرها سلبيا إذا اتخذ القرار تحت ضغوطات نفسية، حيث أن هذه الضغوط تؤثر على حرية القائد في اتخاذ القرار فتصبح حرية القائد مقيدة بهذه الضغوط. 

-توقيت اتخاذ القرار: يعتبر عامل الوقت من العوامل الرئيسية في عملية اتخاذ القرارات في التنظيم الحزبي ، خاصة وأن كثير من القرارات لها تأثير كبير على روح العمل بالتنظيم 

-المعلومات والقرار: تتأثر القرارات التي تتخذ من المنظمة سلبا أو إيجابيا، بالبيانات والمعلومات والحقائق التي تتواجد، والمتعلقة بالمشكلة المراد اتخاذ القرار بشأنها .

-أهداف التنظيم : مما لاشك فيه أن أي قرار يتخذ وينفذ لابد وأن يؤدي في النهاية إلى تحقيق أهداف التنظيم ، فأهداف التنظيم هو  محور التوجيه الأساسي لكل العمليات فيها، لذلك فإن بؤرة الاهتمام في اتخاذ القرار هي اختيار أنسب الوسائل التي يبدو أنها سوف تحقق أهداف التنظيم الإستراتيجية أو التكتيكية. 

- الثقافة السائدة في الحزب والتنظيم: تعتبر ثقافة الحزب وعلى الأخص نسق القيم من الأمور الهامة التي تتصل بعملية اتخاذ القرار، فالتنظيم لا يقوم في فراغ وإنما يباشر نشاطها في الحزب ، ومن ثم فلابد من مراعاة الأطر التنظيمية والثقافية للحزب عند اتخاذ القرار.

الواقع ومكوناته من الحقائق والمعلومات المتاحة: لا يكفي المحتوى القيمي أو المحتوى الأخلاقي كما يسميه البعض بل يجب أن يؤخذ في الاعتبار الحقيقة والواقع وما ترجحه من وسيلة أو بديل على بديل. فالقرارات هي شيء أكبر من مجرد افتراضات تصف الواقع لأنها بكل تأكيد تصف حالة مستقبله هناك تفصيل لها على حالة أخرى وتوجه السلوك نحو البديل المختار،ومعنى هذا باختصار أن لها محتوى خلقيا بالإضافة إلى محتواها الواقعي....


الخاتمة:

تعتبر الثقافة التنظيمية كمدخل لزيادة فعالية القرارات بكل أنواعها، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق بناء ثقافة تنظيمية قوية تركز على سمات مميزة ، ويأخذ الحزب والتنظيم يها إلى حيز التطبيق وفقا لما يلي : 

تحليل الثقافة الحالية ، تحديد التغير المطلوب ثم تقيم برنامج التغير وتنفيذه ثم تقيمه، مع ضرورة استثمار عناصر القوة في الثقافة التنظيمية السائدة بالحزب كسمة المنافسة الموضوعية بما يدعم كفاءة قرارات، دعم خاصية الابتكار  وكذا خاصية  العمل الجماعي  ،و دعم وترويج ثقافة المعرفة التنظيمية، وأساليب توفيرها للاستفادة منها بما ينعكس على أداء المنظمات الحزبية ، و التأكيد على ضرورة إتباع المنهج العلمي عند صناعة قرار وخاصة فيما يتعلق بـ:

وجود سياسة واضحة ومفهومة بكيفية فحص بدائل القرار،و وضع معايير واضحة يجب الالتزام بها بما يتعلق بإنجاز مرحلة الاختبار بين البدائل، وضع سياسة واضحة للمتابعة وتقييم قرارات المتخذة، الاستفـادة من التغذية المرتدة خاصة من جانب أعضاء التنظيم  لإدخالها ضمن تعديلات القرار، التأكيد على ضرورة توافر بعض السمات الثقافية مثل : الابتكار ، جماعية العمل، المشاركة ، إبداء الرأي، المنافسة، المخاطرة..